يواجه رئيس كينيا الحالي وليام روتو منذ توليه الرئاسة موجات احتجاجية ضده، إذ شهدت كينيا احتجاجات في أغسطس 2022 عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي أفرزت عن فوزه، ونجد أنه بعد فترة من الهدوء، عادت موجة قوية من الاحتجاجات نظمتها المعارضة السياسية في مارس 2023 تطالب باستقالة الرئيس الكينى، ولكن نجد أن النظام الحاكم فى كينيا أستطاع امتصاص حالة الاحتقان السياسى من خلال طرحه مبادرة الحوار مع المعارضة السياسية. وتسعى هذه الورقة البحثية لاستعراض المشهد السياسى والاقتصادى فى كينيا منذ تولى روتو الحكم، ومعرفة الدوافع التي تسببت في إطلاق شرارة المظاهرات المناهضة، وأخيرا تناول دوافع التقارب بين النظام الحاكم والمعارضة.
انتخابات الرئاسة 2022 وتداعياتها
على الرغم من عملية تداول السلطة التي تتم عبر الية الانتخابات، تساهم في ترسيخ العملية الديمقراطية وتعزيز الاستقرار، إلا أن عملية انتقال السلطة في كينيا عادة ما يصاحبها أعمال عنف وشغب، وهو ما يُهدد المسار الديمقراطي، حيث أن هناك صراع على السلطة بين الرئيس الحالي وليام روتو والمرشح الرئاسي الخاسر رايلا أودينغا. ويُحاول هذا الجزء من الورقة البحثية، تناول العوامل المُصاحبة لاندلاع الموجات الاحتجاجية في كينيا منذ تولى الرئيس وليام روتو، وذلك على النحو التالي:
- السياق المُصاحب للموجة الأولى من الاحتجاجات: في أغسطس من عام 2022، تم اعتبار وليام روتو الفائز في الانتخابات الرئاسية الكينية بعد حصوله على ٪50.5 من أصوات البلاد، وقد طعن المرشح الرئاسي الخاسر في انتخابات الرئاسة 2022 رايلا أودينغا في نتائج الانتخابات، وادعى أنه تم التلاعب بالحصيلة في 41 موقع اقتراع من أجل دفع أصوات روتو إلى أكثر من 50٪. وقد قدم أودينغا التماساً إلى المحكمة العليا التي رفضت بالإجماع الالتماس لعدم كفاية الأدلة. وفى ضوء ذلك، دعا أودينجا أنصاره إلى النزول إلى الشوارع للاحتجاج، وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف مع نهب واشتباكات مع الشرطة وإحراق المحال التجارية ودور العبادة.
- السياق المُصاحب للموجة الثانية من الاحتجاجات: هناك حالة من السخط لدى الشارع الكينيى على إثر تردى الاوضاع المعيشية، وذلك على الرغم من التعهدات التى أطلقها روتو أبان حملته الانتخابية بمعالجة التحديات الاقتصادية، الإ أنه لم يستطع احراز تقدم فى الملف الاقتصادي الذي يمس المواطن؛ إذ يعاني الاقتصاد في كينيا من عدد من المشاكل الهيكلية التى يمكن استعراضها على النحو التالى:
- أزمة مصرفية: فهناك انخفاض فى قيمة العملة المحلية إلى جانب عدم كفاية العملة الصعبة لاسيما الدولار الامريكى، وبالتالى هناك صعوبة فى استيراد السلع والخدمات من الخارج الى جانب ارتفاع اسعارها، وهو ما انعكس على مستوى المعيشة في كينيا، فهناك أزمة وقود تضرب كينيا حيث ترتفع أسعار النفط والوقود الذي يتم شرائه بالعملة الصعبة، إلى جانب نفاذ المخزون فى كثير من محطات الوقود. كما هناك صعوبة فى استيراد السلع الغذائية والادوية، بالإضافة إلى الزيادة في أسعار الكهرباء التي تم اعلانها مطلع أبريل2023. وفى ضوء هذه الازمة المصرفية، نجد أن هناك تكهنات بأن كينيا قد تتخلف عن سداد الديون، حيث حيث أخرت الحكومة دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، ولكن نجد أن هناك تاكيدات من جانب الحكومة الكينية بالتزام بمواعيد سداد الديون.
- مشكلة البطالة: ترتبط مشكلة البطالة بالاقتصاد الضعيف. وفقًا للبنك الدولي، فمن المتوقع إضافة تسعة ملايين شخص تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا إلى القوى العاملة بين عامي 2015 و2025، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة. ونجد أن قطاع الزراعة الذي يستقطب الكثير من الايدى العاملة، قد تراجع بسبب قلة هطول الامطار وارتفاع أسعار مدخلات الانتاج، وهو ما أدى الى وجود نسبة كبيرة من البطالة بين العاملين فى قطاع الزراعة واضطراهم للهجرة من الريف للحضر.
وفى ضوء ما سبق استعراضه، نجد أن عدم قدرة النظام الحاكم فى كينيا على تلبية الاحتياجات الاساسية للمواطنين، قد استغلتها المعارضة السياسية فى كينيا، وعملت على توظيفها من أجل الانتقاص من شعبية الرئيس روتو؛ إذ تولى زعيم المعارضة والمرشح الرئاسى الخاسر فى انتخابات الرئاسة 2022 رايلا أودينغا عملية حشد وتعبئة الجماهير والدعوة للنزول فى مظاهرات نحو القصر الرئاسى، وذلك لمعارضة السياسات الاقتصادية التى تتنهجها الحكومة الكينية. وقد لاقت الدعوة التي أطلقها زعيم المعارضة استجابة من جانب المواطنين فى كينيا، إذ تشهد كينيا، منذ يوم 20 مارس 2023، مظاهرات يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع. وقد قامت الشرطة الكينية بإطلاق الغازات المسيلة للدموع لفض المظاهرات واحتواء اعمال الشغب، وقد أسفرت هذه المواجهات عن اعتقال أكثر من 200 شخص، من بينهم عدد من كبار السياسيين المعارضين، وإصابة أكثر من 400 شخص، من بينهم ما لا يقل عن 60 من ضباط الأمن.
التقارب بين النظام الحاكم والمعارضة
حاول رئيس كينيا وليام روتو احتواء الأزمة؛ إذ طلب من المعارضة مطلع شهر أبريل 2023 الغاء الاحتجاجات والانخراط فى مباحثات بناءة من شانها التوصل لحل الخلافات بشأن القضايا الوطنية من خلال الوسائل السلمية والحفاظ على وحدة كينيا ونظامها الدستوري. وهناك تساؤل ما هي العوامل التي دفعت الرئيس الكيني وليام روتو للتقارب مع المعارضة هذه المرة، ويمكن الإجابة على هذا التساؤل من خلال الأخذ في الاعتبار مجموعة من الاعتبارات، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:
- تخفيف حدة الضغوط الداخلية والخارجية على النظام الحاكم: فعلى صعيد الضغوط الداخلية، يبدو أن المعارضة قد استطاعت استقطاب عدد كبير من المواطنين الذين يعانون من تدهور مستوى المعيشة، وهو ما يزيد من رصيد المعارضة ويخصم من رصيد النظام الحاكم فى كينيا. لذلك نجد أن مبادرة فتح حوار مع المعارضة للنقاش حول مطالب المعارضة بشأن القيام بالإصلاحات الدستورىة، وتحسين الاوضاع الاقتصادية، يُعد فرصة لتهدئة الراى العام فى الداخل. أما على الصعد الخارجى، نجد أن موجة احتجاجات التي نشبت فى كينيا اواخر شهر مارس 2023، قد حظيت بمتابعة على الصعيد الاقليمى والدولى، فهناك حالة من القلق العميق إزاء أعمال العنف التي شهدتها الاحتجاجات، ونجد أن الاتحاد الافريقى قد أصدر بيان يدعو فيه الاطراف المعنية الى التحلى بالهدوء وانتهاج اسلوب الحوار لمعالجة الخلافات. ولذلك، حاول النظام الحاكم فى كينيا احتواء المعارضة السياسية فى الداخل، خشيًا من التداعيات السلبية التى قد تحدث إذ طالت المظاهرات المعارضة للنظام الحاكم فى كينيا، ويمكن استعراض هذه المخاوف على النحو التالى:
- التخوف من تراجع الدور الإقليمي لكينيا: يطمح رئيس كينيا وليام روتو بالقيام بدور إقليمي نشط، وهو ما يستدعى أن تتسم الأوضاع ففي كينيا بالاستقرار، حتى يتسنى لها التفاعل مع الأزمات الاقليمية، وهو ما يمكن ملاحظاته لاسيما أزمة شرق الكونغو الديمقراطية؛ إذ تتصاعد الاشتباكات بين قوات الجيش الكونغولي وحركة 23 مارس المتمردة، وقد اشتبكت كينيا مع هذه الازمة الإقليمية دبلوماسيًا وعسكريًا، وذلك في إطار جماعة شرق إفريقيا، وهو ما يعنى محاولة كينيا لصياغة الترتيبات السياسية والأمنية في المنطقة ، وعلى الرغم من هذه المبررات، نجد أن هناك انتقادات قد تم توجيها للحكومة الكينية فيما يتعلق بخطوة الانتشار العسكرى فى شرق الكونغو الديمقراطية؛ إذ اتخذ الرئيس الكينيى وليام روتو قرارًا في نوفمبر 2022 لارسال عدد من قواتها العسكرية إلى شرق الكونغو ، لدعم القوات الحكومية في مواجهة متمردي حركة “23 مارس” شرقي البلاد. ونجد أن استمرار الخلافات بين النظام الحاكم فى كينيا والمعارضة السياسية، قد يؤدى إلى سحب القوات الكينية المنخرطة فى أزمة الكونغو الديمقراطية؛ إذ ستقوم المعارضة السياسية فى كينيا بترويج سردية أن ارسال القوات العسكرية الكينية للكونغو الديمقراطية، ما هو إلا تورط كينيا في حرب لا نهاية لها شبيهة بالانخراط العسكرى لكينيا فى الصومال لمحاربة حركة الشباب الارهابية. كما هناك قلق من ناحية التكلفة العالية لنشر قوات عسكرية في الخارج؛ حيث إذا تواجدت القوات الكينية فى شرق الكونغو لمدة عام، ستبلغ التكلفة 58.7 مليون دولار، في وقت يعاني منه الاقتصاد من حالة ركود. لذلك من مصلحة النظام الحاكم التقارب مع المعارضة والتوصل لحلول وسط مع المعارضة حيال القضايا الإشكالية والتوافق بشأن الانخراط النشط في الأزمات والقضايا الإقليمية.
- تجنب تفاقم الأزمة الاقتصادية وحدوث شلل تجارى بين دول شرق افريقيا: لاشك أن استمرار المظاهرات في كينيا يمكن أن يوجه ضربة أكبر بكثير لاقتصاد البلاد، حيث عدم الاستقرار الأوضاع ستؤثر سلبا على تدفق الاستثمارات المباشرة وتدفق السياح لكينيا ، وهو مما يؤدي إلى تفاقم النقص في العملات الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها ولكن هذه التأثيرات السلبية للمظاهرات لن تقتصر على كينيا فحسب؛ إذ تؤثر الاحتجاجات على نقل البضائع عبر الممر الشمالي الذي يربط كينيا بباقي دول شرق إفريقيا، حيث تعتمد أوغندا على ميناء مومباسا في كينيا للحصول على السلع الأساسية، بما في ذلك المنتجات البترولية. والجدير بالذكر أن عام 2007 شهد تعطل الأنشطة التجارية في الممر الشمالي، الذي يربط ميناء مومباسا بالداخل في شرق إفريقيا، وذلك في أعقاب أعمال العنف التي نشبت بعد الانتخابات في كينيا. ولذلك نجد أن استمرار الاضطرابات السياسية في كينيا تعني ارتفاع مستوى أسعار السلع والتاثير سلبًا على التجارة في شرق إفريقيا، حيث يعتمد على ميناء مومباسا في كينيا هي رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي وجنوب السودان.
وفى الختام، يُمكن القول أن النظام الحاكم فى كينيا سيعمل على احتواء المعارضة السياسية، حتى يتسنى له معالجة التحديات الاقتصادية التى تواجهه البلاد، وحتى يقوم بذلك فإنه من المُحتمل أن يكون هناك اتفاق تقاسم للسلطة بين النظام الحاكم والمعارضة، يضمن للمعارضة المشاركة فى الحياة السياسية من خلال استيعاب المعارضة في الحكومة، والقيام باجراءات اقتصادية تحظى بقبول شعبى، وذلك لتفادى المخاوف المتعلقة بتكرار القتال الذى أعقب انتخابات 2007، والذى أودى بحياة أكثر من 1100 شخص.