بدأت الأحزاب الجنوب أفريقية حملاتها الانتخابية من أجل اجتذاب أصوات الناخبين في الانتخابات العامة التي ستجرى في إبريل 2024، والتي ستشمل انتخابات المجالس التشريعية على المستوى الوطني، وعلى مستوى المقاطعات، فضلًا عن تحديدها هوية رئيس الجمهورية الذي ينتخب عبر التصويت غير المباشر من جانب أعضاء الجمعية الوطنية إحدى الغرفتين التشريعيتين على المستوى الوطني. وتعتبر انتخابات عام 2024 هي الانتخابات السابعة منذ نهاية حقبة الفصل العنصري عام 1994، والتي أسفرت كلها عن فوز المؤتمر الوطني الأفريقي بالأغلبية. وتمثل هذه الانتخابات لحظة فاصلة في تاريخ تجربة الديمقراطية الجنوب الأفريقية، في ضوء ما تشهده من متغيرات داخلية متعددة أدت إلى تراجع نسبي في معدلات تأييد الحزب الحاكم.
أبرز المتنافسين في انتخابات 2024
في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في عام 2019، يخوض الانتخابات المقبلة عدد كبير من الأحزاب السياسية، إلا أن أبرز المتنافسين يتمثلون في المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، وأربعة من أحزاب المعارضة الرئيسية الأكثر قدرة على ضمان تأييد قاعدة تصويتية مؤثرة، وذلك على النحو التالي:
- المؤتمر الوطني الأفريقي
يتولى المؤتمر الوطني الأفريقي الحكم في جنوب أفريقيا منذ نهاية حقبة الفصل العنصري بإجراء انتخابات عام 1994 التي أدت إلى تولي نيلسون مانديلا رئاسة البلاد. وفي حال فوز الحزب في الانتخابات المقبلة يكون قد أتم ثلاثين عامًا في السلطة. ووفق ما أعلنه الرئيس الجنوب أفريقي وزعيم الحزب سيريل رامافوزا مع انطلاق الحملة الانتخابية، يتبنى المؤتمر الوطني الأفريقي استراتيجية انتخابية تستهدف الحصول على أغلبية مطلقة، وتشكيل الحكومة منفردًا من غير الدخول في تحالفات انتخابية. ويعتمد الحزب على عدد من العوامل في سعيه للاستمرار في السلطة أهمها القاعدة التصويتية الكبيرة، والترويج لإنجازاته التاريخية وعلى رأسها القضاء على نظام الفصل العنصري.
وعلى الرغم من قدرة المؤتمر الوطني الأفريقي على الفوز بالأغلبية في الانتخابات الستة الماضية، إلا أن نتائج الانتخابات تشير إلى تراجع عدد المقاعد التي يفوز بها الحزب بداية من انتخابات عام 2009. ويأتي هذا التراجع نتيجة مشكلات تتعلق بأداء حكومات الحزب التي لم تتمكن من تحقيق نجاحات كبيرة في معالجة المشكلات الرئيسية مثل: الفقر، والبطالة، والجريمة، والفساد. ويضاف إلى هذه المشكلات المزمنة، مشكلات طارئة ستؤثر على اتجاهات التصويت في الانتخابات المقبلة وعلى رأسها التداعيات السلبية لجائحة كورونا، والاحتجاجات العنيفة التي شهدته البلاد عام 2021 على خلفية محاكمة الرئيس السابق جاكوب زوما، والعواقب الاقتصادية للصراع في أوكرانيا.
- الأحزاب المعارضة
وفق نتائج انتخابات 2019 يعد التحالف الديمقراطي الحزب المعارض الأكبر للحزب الحاكم، حيث حصل على 84 مقعدًا من 400 مقعد في الجمعية الوطنية في انتخابات 2019. وقد بدأ التحالف الديموقراطي استعداداته المبكرة لخوض انتخابات 2024 من خلال محاولة تأسيس ائتلاف حزبي مع ستة من أحزاب المعارضة الأخرى. وفي المركز الثاني يأتي المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية وهو الحزب المعارض الذي يقدم نفسه للناخبين باعتباره حركة راديكالية يسارية مناهضة للرأسمالية والإمبريالية، ويتبنى الحزب الخطاب الشعبوي لاكتساب وتأييد الناخبين. وقد بات هذا الحزب ثالثَ أكبر حزب ولاعبًا مهمًا في سياسة جنوب أفريقيا، وفقًا لما حققه من مكاسب في الانتخابات السابقة، والتي أدت إلى تزايد نسبة تمثيله في الجمعية الوطنية، حيث فاز بأكثر من 10% من المقاعد في انتخابات 2019 بعدما كانت تلك النسبة تقتصر على 6% في انتخابات 2014.
ويعد حزب إنكاثا أحد الأحزاب السياسة المعارضة، والذي يستند في قواعد تأييده على جماعة الزولو. ويسعى الحزب إلى تعزيز السياسات الاجتماعية والاقتصادية ذات الطابع المحافظ. وقد شهدت نسبة تمثيل الحزب في الجمعية الوطنية حالة من الصعود والهبوط، حيث فاز بأكثر من 40 مقعدًا في 1994 ثم تراجع ليحصل على 10 مقاعد في انتخابات 2014، ولكنه استطاع أن يحصد 14 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة لعام 2019. كما ينتظر أن تنافس جبهة الحرية بقوة في انتخابات 2024، والتي تعد من أهم الأحزاب اليمينية المحافظة المرتبطة بالأقلية البيضاء.
القضايا الرئيسية
من المتوقع أن تلعب عدة قضايا رئيسية الدور الأكبر في توجيه أصوات الناخبين في انتخابات جنوب أفريقيا لعام 2024. وتعد المشكلات الاقتصادية أهم هذه القضايا، حيث سعت حكومات المؤتمر الوطني الأفريقي منذ توليها السلطة لأول مرة عام 1994 لتحقيق النمو وتحسين حياة الملايين من مواطنيها في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه المساعي قد واجهتها تحديات صعبة مثل تأثر الاقتصاد بالتوترات السياسية، والكوارث الطبيعية الناجمة عن التغير المناخي وعلى رأسها الفيضانات، هذا بالإضافة إلى أزمة الطاقة التي تعاني منها مناطق متعددة من البلاد. وتعكس مؤشرات الأداء الاقتصادي في العام الأخير تدهورًا ملحوظًا، فوفق التقرير السنوي الصادر عن البنك الأفريقي للتنمية، شهدت معدلات البطالة ارتفاعًا كبيرًا، حيث سجلت نسبة 32,9% خلال عام 2023، إلى جانب انخفاض قيمة العملة الوطنية، وتراجع معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي ليقتصر على 2,7% وهو مستوى أقل بكثير من المتوسطات العالمية والأفريقية التي تتراوح ما بين 3,4% و3,8%.
كذلك، من المتوقع أن تؤثر قضايا الفساد الحكومي على أصوات الناخبين، خاصة بعد الأزمة الكبيرة التي ساهمت في الإطاحة بالرئيس السابق جاكوب زوما. وتشير استطلاعات الرأي المحلية إلى أن 9% من مواطني جنوب أفريقيا يعتبرون الفساد أهم المشكلات التي تواجه البلاد، كما رأى 60% منهم أن الفساد هو ثاني أخطر المشكلات بعد البطالة. كما ينتظر أن تحمل الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد في يوليو 2021 تأثيرات كبيرة على الانتخابات المقبلة، والتي شهدت موجة عنيفة من الاحتجاجات في مدن إقليم كوازولو-ناتال من جانب مؤيدي الرئيس السابق جاكوب زوما الرافضين لإدانته وسجنه. وقد تحولت موجة الاحتجاجات السياسية إلى أعمال نهب وعنف على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد، كما أسفرت عن مقتل 72 واعتقال 1234 آخرين. وقد أدت هذه الاحتجاجات إلى تعميق الخلافات داخل المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، فضلًا عن إثارة الشكوك لدى الرأي العام بشأن قدرة حكومة الحزب على الحفاظ على استقرار الأمن الداخلي.
من كل ما سبق، يبدو أن هناك مؤشرات تدل على مواجهة المؤتمر الوطني الأفريقي صعوبات في توسيع قاعدة تأييده بين الناخبين بسبب المشكلات الاقتصادية والانقسامات السياسية الداخلية. لكن تظهر عوامل أخرى، مثل: هشاشة أحزاب المعارضة وانقسامها، وعجزها عن طرح بدائل سياسية واقعية؛ لتشير إلى وجود فرص كبيرة للمؤتمر الوطني الأفريقي في الحفاظ على وضعه كحزب الأغلبية الحاكم، ولو بفارق محدود من الأصوات عن معارضيه، قد يقل عن كل الانتخابات السابقة.
باحثة بوحدة الدراسات الأفريقية