جاء انسحاب الرئيس الأمريكى بايدن من السباق الرئاسى، كما كان متوقعا، بعد الضغوط الشديدة عليه من تيار عريض داخل الحزب الديمقراطى، بعد أدائه السيئ فى المناظرة أمام ترامب التى ظهر فيها ضعيفا متلعثما وغير قادر صحيا وعقليا على استكمال السباق الانتخابى ومنافسة ترامب، بل أيضا وعدم قدرته على الحكم إذا فاز بولاية ثانية. ومن هنا باتت هناك قناعة ديمقراطية أن استمراره فى السباق سيقود لخسارة ثلاثية مؤكدة، أى خسارة البيت الأبيض، وكذلك خسارة مجلسى النواب والشيوخ، ومن هنا كان الخيار الثانى وهو استبدال بايدن بمرشح آخر، تمثل فى نائبة الرئيس كامالا هاريس، والتى تعد خيار الضرورة فى ظل ضيق الوقت وعدم مجازفة الحزب الديمقراطى بالدفع بمرشح آخر، وتجنب الانقسام حول عدد من المرشحين، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولذلك سارعت غالبية رموز الحزب الديمقراطى بإعلان تأييدها لها، خاصة بعد إعلان الرئيس بايدن بعد تنحيه أن هاريس تعد خيارا رائعا، وعلى رأسها نانسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب السابقة والرئيس الأسبق أوباما وحكام الولايات الديمقراطيون، وكذلك زعيما الأغلبية والأقلية الديقراطيان فى مجلسى الشيوخ والنواب، ومن المتوقع أن يتم ترشيح هاريس رسميا فى السابع من أغسطس المقبل وقبل مؤتمر الحزب الديمقراطى، وذلك بعد اختيار نائب لها والمرشح أن يكون من إحدى الولايات المتأرجحة مثل حاكم بنسلفانيا شابيرو، أو كوبر حاكم كارولينا الشمالية.
انسحاب بايدن وترشح هاريس قلب موازين العملية الانتخابية وأوجد معادلة جديدة، فبالتأكيد كان من مصلحة ترامب مواجهة بايدن، لأنه كان سيعزز فرصه فى الفوز بسهولة فى الانتخابات نتيجة لضعف بايدن ولظروفه الصحية والعقلية، إضافة إلى أدائه السيئ داخليا وخارجيا، لكن فى ظل مواجهة هاريس فإن عليه ترتيب حساباته مرة أخرى، لأن المعركة لن تكون سهلة له، كما أعلن، خاصة أن استطلاعات الرأى الأخيرة أظهرت تقدم هاريس بنسبة 44% مقابل 42% لترامب، وهو ما يعنى أن ترامب سيواجه تحديا كبيرا للفوز على هاريس، وأن حسم المعركة سيتوقف على ما لدى كل منهما من أوراق رابحة فى مواجهة الآخر.
بالنسبة لهاريس فلديها العديد من الأوراق ونقاط القوة، أبرزها أنها الأكثر حيوية بسبب صغر سنها، 59 عاما، مقارنة بترامب (79 عاما)، وهو ما يعنى أن من احتجوا على كبر سن كل من ترامب وبايدن، سوف يصوتون لها، خاصة من المستقلين والمترددين. كما أنها أيضا أول امرأة ذات بشرة داكنة ومن أصول آسيوية وإفريقية، ترشح نفسها للرئاسة، وهو ما قد يدفع الكثير من الأقليات المختلفة من الأمريكيين، خاصة من أصول إفريقية ولاتينية وآسيوية للتصويت لها، فى ظل سياسة ترامب العدائية تجاه المهاجرين، وتأكيد هاريس أن أمريكا بلد يتسع للجميع فى إطار التعايش والمواطنة، وإن كانت هناك تساؤلات حول إمكانية أن يتقبل العقل الجمعى الأمريكى المحافظ أن تكون رئيسة الولايات المتحدة، القوة العظمى فى العالم، امرأة. إضافة إلى أنها نجحت فى حشد الكثير من الأموال لحملتها خلال الأيام الماضية. بينما نقاط الضعف لديها تتمثل فى أدائها الباهت خلال فترة بايدن السابقة حيث لم يكن لديها بصمات واضحة فى أى ملفات، وليس لديها رؤية واضحة أو برنامج شامل لمعالجة الملفات الداخلية والخارجية، خاصة الأوضاع الاقتصادية والضرائب والهجرة، وكذلك ملفا حربى أوكرانيا وغزة، كما أنها تتحمل المسئولية كنائبة للرئيس عن إخفاقات بايدن الداخلية والخارجية.
فى المقابل فإن للمرشح الجمهورى ترامب العديد من نقاط القوة، أبرزها تزايد شعبيته خلال الفترة الماضية خاصة بعد محاولة الاغتيال الفاشلة ضده والتى وظفها لكسب المزيد من التعاطف وأصوات المترددين، باعتباره ضحى بنفسه وحياته من أجل أمريكا القوية، كما أن لديه برنامجا ورؤية واضحة بشأن القضايا الداخلية والخارجية، خاصة فيما يتعلق بالوضع الاقتصادى فهو رجل أعمال ناجحح ولديه رؤية اقتصادية ترتكز على خفض الضرائب على الأغنياء والشركات الكبرى ورفع التعريفات والرسوم الجمركية على السلع الأجنبية، والرجل بالفعل حقق إنجازات اقتصادية ضخمة فى ولايته الأولى، لولا أن كورونا قضت عليها، كذلك رؤيته بشأن مواجهة مشكلة الهجرة، حيث سيوظف ترامب دخول اكثر من 6 ملايين مهاجر غير قانونى لأمريكا خلال فترة بايدن الماضية، للتأكيد على ضرورة استكمال الجدار العازل واتخاذ سياسات أكثر تشددا تجاه المهاجرين، إضافة إلى رؤيته الواضحة بشأن إنهاء حرب أوكرانيا وحرب غزة، وفرض السلام العالمى عبر القوة الأمريكية. كما أن ترامب سيلعب على نقاط ضعف هاريس، خاصة خلال مسيرتها كمدعٍ عام لكاليفورنيا أو كنائبة فى مجلس الشيوخ، أو كنائبة بايدن، وما أثارته من جدل كبير حولها خاصة موقفها المؤيد للإجهاض، بينما ستلعب هاريس على نقطة أن ترامب يمثل تهديدا للديمقراطية الأمريكية ويغذى العنف والانقسام فى البلاد.
وفى كل الأحوال فإن معركة ترامب فى مواجهة كامالا هاريس ستكون صعبة لكلا الطرفين، وتحتاج هاريس إلى إقناع الناخب الأمريكى فى فترة قصيرة بجدارتها لرئاسة أمريكا، بينما يحتاج ترامب إلى بذل المزيد من الجهد وتغيير إستراتيجيته السابقة، والتى كانت تعتمد على استغلال نقاط ضعف بايدن، وتقديم رؤية شاملة موضوعية للتحديات الأمريكية، خاصة الاقتصاد وارتفاع تكاليف المعيشة لجذب أصوات الناخبين، خاصة فى الولايات المتأرجحة.