اختتمت قمة مجموعة بريكس اليوم أعمالها التي انطلقت أول أمس في “جوهانسبرج” عاصمة جنوب أفريقيا، بالعديد من القرارات المهمة لعل أهمها إعلان الرئيس الجنوب أفريقي “سيريل رامافوزا” دعوة تجمع “بريكس” لكل من الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للانضمام كأعضاء دائمي العضوية في التجمع، على أن تدخل عضويتهم حيز التنفيذ في 1 يناير 2024.
في هذا السياق، لاقت دعوة البلدان الستة للانضمام ترحيبًا واسعًا من قادة تلك الدول. في الوقت ذاته تحمل تلك الدعوة العديد من المكاسب الجيوسياسية لكل من الدول الجديدة وكذلك لأعضاء مجموعة “بريكس”.
أهمية الدول الجديدة
على الرغم من تقديم عدد كبير من دول العالم -ما يقرب من 40 دولة- طلبات رسمية للانضمام لمجموعة “بريكس”، إلا أن التوافق من قِبل الأعضاء الحاليين للبريكس على الدول الست التي تمت دعوتها للانضمام رسميًا ينطلق من الأهمية الكبيرة للدول الجديدة ومكانة كل منها على الصعيدين الإقليمي والعالمي، على سبيل المثل:
مصر: من الناحية الجيوسياسية فمصر دولة عربية كبرى، وتتمتع بموقع استراتيجي هام على طرق المواصلات العالمية، فضلًا عن دور مصر السياسي والدبلوماسي البارز في القضايا الإقليمية والدولية، كما تلعب دورًا هامًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالتالي فإن انضمامها إلى “بريكس” قد يعزز من قوة التجمع وتأثيره في المنطقة. وكذلك عضوية مصر في جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، لذا فإن انضمام مصر سيعزز تمثيل العالم العربي والإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط في مجموعة البريكس.
السعودية: تعتبر السعودية أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بفضل احتياطياتها الضخمة من النفط، كما تمتلك علاقات اقتصادية وتجارية قوية بالفعل مع بعض دول البريكس مثل الصين والهند، فضلًا عن موقعها الاستراتيجي، كما تسعى لزيادة تنويع مصادر دخلها غير النفطية وفتح أسواق جديدة للتجارة والاستثمار.
إثيوبيا: تعتبر إثيوبيا دولة مهمة إقليميًا خاصة في شرق أفريقيا، كما تمتلك إمكانات نمو كبيرة واقتصاد ينمو بوتيرة متسارعة، فضلًا عن موقعها الاستراتيجي على خطوط التجارة العالمية، وتنوع مواردها الطبيعية من طاقة ومعادن وزراعة، وسوق كبيرة حيث يتجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة. لذا فإن انضمام إثيوبيا للمنظمة يُضيف للبريكس توازنًا إقليميًا كما يعزز التمثيل الأفريقي والتعاون الإقليمي في شرق القارة.
إيران: تمتلك إيران اقتصادًا كبيرًا ومتنوعًا، وهو يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والغاز، لذا فإن انضمام إيران إلى بريكس قد يفتح الباب أمام تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول المنظمة في مجالات مثل الطاقة، والتجارة، والاستثمار. كذلك تمارس إيران تأثيرًا كبيرًا على السياسة والأمن في منطقة الشرق الأوسط. وبالتالي فإن انضمامها قد يؤدي إلى تعزيز التعاون السياسي والتنسيق في قضايا المنطقة والقضايا الدولية. كما أن إيران دولة ذات تأثير إقليمي كبير، وبالتالي قد تعزز من توازن مجموعة البريكس الجيوسياسي في الشئون العالمية.
الأرجنتين: الأرجنتين تمتلك اقتصادًا متنوعًا وموارد طبيعية غنية، وقد يفتح انضمامها للبريكس الباب أمام تعزيز التعاون الاقتصادي في مجالات مثل: التجارة، والاستثمار، وتطوير البنية التحتية. كما تعتبر الأرجنتين دولة محورية في جنوب الكرة الأرضية. وبالتالي، قد يُعزز انضمامها للبريكس من توازن المجموعة الجيوسياسي ويوسع نطاق تأثيرها. كما أن الأرجنتين عضو في مجموعة العشرين (G20) وتلعب دورًا في الشئون الاقتصادية والسياسية الدولية، وبالتالي سُيعزز تواجدها من التعاون والتنسيق بين البلدان المشاركة.
الإمارات: تعتبر الإمارات من أهم المراكز المالية والتجارية في العالم. ومع إعلان انضمامها للبريكس يتوقع أن يزيد ذلك من تعاونها مع دول البريكس في مجالات مثل: التجارة، والاستثمار، وتطوير البنية التحتية. كما أن الإمارات لديها خبرة ثرية في مجالات مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية. قد يستفيد أعضاء بريكس من تبادل الخبرات والتعاون معها في هذه المجالات. كما تتمتع الإمارات بموقع استراتيجي يجعلها مركزًا للتجارة العالمي، وبالتالي فإن انضمامها إلى بريكس قد يعزز من حجم التجارة البينية بين الإمارات ودول المنظمة.
فوائد للبريكس
يُمكن القول إن التوسع سيؤدي إلى تضخيم الفرص الاستراتيجية والاقتصادية واللوجيستية لمجموعة البريكس، من خلال التكامل اللوجيستي والشبكي مع تلك الدول، حيث سيكون للمنظمة:
- تمثيل أوسع: ستستطيع البريكس بعد ضم الأعضاء الجُدد تعزيز مكانتها باعتبارها تحالفًا عالميًا حقيقيًا للجنوب من خلال دمج وجهات نظر من اقتصادات لدول مُختلفة.
- زيادة الموارد: فإجمالي الناتج المحلي الإجمالي والخبرة والقوى العاملة ستكون أكبر وأكثر، الأمر الذي يسمح بتدشين العديد من المشاريع التنموية.
- بصمة جغرافية أوسع: سيقوم الأعضاء الجدد بتوسيع نطاق الوصول الجغرافي إلى مناطقهم، مما يسمح لمجموعة البريكس بتعزيز شبكات التعاون عبر منطقة عالمية أوسع.
- التعاون الأمني البحري: ستعمل الاقتصادات الجديدة على تعزيز إمكانات المشاريع المشتركة لتأمين الممرات البحرية الرئيسية في إطار مبادرات التعاون الاستراتيجي.
- الوصول إلى أسواق جديدة: إن الوصول بشكل أعمق إلى الأسواق عبر المناطق التي يمثلها الأعضاء الجدد سيفيد في تنويع التجارة والاستثمار داخل مجموعة البريكس.
- مجموعة واسعة من المواهب: يساعد الجمع بين رأس المال البشري والمهارات ومجالات الخبرة المتنوعة من بلدان إضافية على تحقيق التقدم المبتكر في العديد من المجالات.
مكاسب جيوسياسية للدول الجديدة
هناك العديد من الفوائد التي ستعود على الدول الست المنضمة للتكتل مثل: الوصول إلى أسواق واسعة تضم حوالي 40% من سكان العالم، وزيادة فرص التبادل التجاري والاستثمار مع دول تمثل نحو 25% من الإنتاج العالمي، وتنويع مصادر التمويل والاستثمار وطرق التصدير، فضلًا عن فرص نقل التكنولوجيا والخبرات الفنية من دول متقدمة أعضاء في البريكس، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والزراعة والبنى التحتية، وتحسين القدرة التنافسية من خلال تبادل المعلومات والخبرات، والوصول إلى مصادر تمويل بديلة للتنمية غير التقليدية، وزيادة الوزن السياسي الاقتصادي للدولة على المستوى الإقليمي والدولي.
كما سيترتب على الدول الـ6 المدعوة للانضمام لمنظمة “بريكس” العديد من الفوائد الجيوسياسية منها:
تنويع الاحتياطات النقدية: حيث اختتمت القمة الخامسة عشرة لدول البريكس، وقررت تشكيل مجموعة عمل لاعتماد عملة مشتركة للبريكس كبديل للدولار، مع توجيه وزراء مالية دول بريكس لبحث مسألة التعاون بالعملات المحلية، وهذا إن تم التوصل لاتفاق بشأنه فسيعني تقليل الاعتماد على الدولار، بما يُقلل من تبعية تلك الدول للدولار الأمريكي كعملة رئيسية في تعاملاتها التجارية، وبما يُسهم في نهاية الأمر في تقوية العملات الوطنية لتلك الدول.
تعزيز التأثير والقوة الدولية: حيث إن دعوة الدول الجديدة للانضمام لتجمع دولي قوي مثل “بريكس”، سيُعزز من تأثير وقوة تلك الدول خاصة في المشهد الدولي، وسيجعل هذه الدول أكثر قدرة على التأثير في صياغة السياسات العالمية وتحقيق مصالحها.
زيادة الوجود الدبلوماسي: التجمعات الدولية توفر منصة للدول للتواصل والتفاوض مع أعضائها والدول الأخرى، وهذا يمكن أن يساعد الدولة على توسيع شبكة علاقاتها الدبلوماسية وتبادل وجهات النظر.
تعزيز الأمن القومي: التجمعات الدولية تقدم منصة للتعاون الأمني والتنسيق في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة. وذلك يمكن أن يعزز من قدرة الدولة على التصدي للتهديدات الأمنية.
تعزيز التعاون الاقتصادي: التجمعات الاقتصادية توفر فرصًا لتعزيز التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء. وهذا يمكن أن يعزز من نمو الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل، فضلًا عن تأمين السلع الاستراتيجية نتيجة الاعتماد المتبادل لدول المجموعة.
تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي: فالتعاون مع دول أخرى يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي.
تبادل الخبرات والمعرفة: الانضمام إلى تجمع دولي يمكن أن يسمح للدولة بتبادل الخبرات والمعرفة مع أعضاء ذلك التجمع في مجموعة متنوعة من المجالات.
ترحيب واسع
في أول رد فعل لقادة الدول المنضمة حديثًا للبريكس، جاءت ردود الأفعال مرُحبة بثقة دول التكتل، وفي هذا السياق:
ثمَّن الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” إعلان تجمع “بريكس” عن دعوة مصر للانضمام لعضويته، مُعربًا عن اعتزاز مصر بثقة دول التجمع كافة، والتي تربطها بهم جميعًا علاقات وثيقة، وأعرب عن تطلع مصر للتعاون والتنسيق مع دول التكتل خلال الفترة المُقبلة، وكذلك مع الدول المدعوة للانضمام لتحقيق أهداف التجمع نحو تدعيم التعاون الاقتصادي، والعمل على إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مُختلف القضايا.
كما أعلن الشيح “محمد بن زايد آل نهيان” رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، تقدير بلاده موافقة قادة مجموعة “بريكس” على ضم دولة الإمارات العربية المتحدة إلى هذه المجموعة المُهمة، وأعرب عن تطلع بلاده إلى العمل المُشترك مع كافة الدول من أجل رخاء ومنفعة جميع دول وشعوب العالم.
فيما وصف رئيس الوزراء الإثيوبي “أبي أحمد” دعوة إثيوبيا للانضمام للـ”بريكس” بالخطة العظيمة، مُعربًا عن استعداد بلاده للتعاون مع الجميع من أجل نظام عالمي شامل ومزدهر.
بينما وصف “محمد جمشيدي” المستشار السياسي للرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي”، العضوية الدائمة لبلاده في مجموعة الاقتصادات الناشئة العالمية “بريكس” بالحدث تاريخي ونجاح استراتيجي للسياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية.
أما عن انضمام السعودية لبريكس، فقد علق وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان” بأن المملكة تتمتع بعلاقات استراتيجية مع دول بريكس، مؤكدًا ضرورة مواجهة التحديات التي تعيق التنمية المستدامة، وتسوية النزاعات بطرق سلمية، وموضحًا أن المملكة تعمل على استقرار أسواق الطاقة، بالإضافة إلى أنها تمضي قدمًا نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
أخيرًا، فإن إضافة أعضاء جدد إلى تكتل “بريكس” يمثل خطوة هامة في تعزيز التعاون الدولي وتحقيق التوازن الجيوسياسي، ويعود على كافة الدول بفوائد مُتعددة، كما يسهم في تحقيق التعاون المتبادل ومواجهة التحديات العالمية بشكل مُشترك.