هناك حاجة عالمية متزايدة إلى ضخ موارد مالية واستثمارات رشيدة لمواجهة التغيرات المناخية، وبصفة خاصة لمساعدة الاقتصادات النامية في التعامل مع التغيرات المناخية، واحتواء تغيرات المناخ مع التعامل مع آثارها وذلك عبر تقليل الانبعاثات، وتعزيز التكيف مع الآثار التي تحدث بالفعل، وبناء القدرة على التحمل.
لقد أظهرت الدراسات التي أجريت والتقارير حول الاستثمارات في العمل المناخي؛ أن العالم سيحتاج إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية خلال الخمسة عشر عامًا القادمة تقدر بنحو 90 تريليون دولار بحلول عام 2030. وتتفاوت التقديرات في هذا الشأن، ولكن هذه الاقتصادات يجب أن تستثمر مجتمعة تريليون دولار على الأقل في البنية التحتية للطاقة بحلول عام 2030 و3 إلى 6 تريليونات دولار سنويًا عبر مختلف القطاعات بحلول عام 2050 للتخفيف من حدة تغير المناخ عن طريق إحداث خفض كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
بالإضافة إلى تمويل ما بين 140 مليار و300 مليار دولار بحلول عام 2030 للتكيف مع تبعات تغير المناخ على البيئة الطبيعية، مثل ارتفاع منسوب البحار واشتداد حالات الجفاف. ومن الممكن أن يرتفع هذا الرقم إلى ما يتراوح بين 520 مليار و1,75 تريليون دولار سنويًا بعد عام 2050، تبعًا لمدى فاعلية تدابير التخفيف من حدة تغير المناخ.
ويشير البنك الدولي إلى أن التحول إلى الاقتصاد الأخضر قد يوفر فرصًا ووظائف اقتصادية جديدة، إذ إن استثمار دولار واحد، يدرّ في المتوسط 4 دولارات. كما يمكن أن يحقق مكاسب اقتصادية تقدر بنحو 26 تريليون دولار أمريكي حتى عام 2030؛ وذلك وفقًا لتقديرات التقرير الجديد عن الاقتصاد القائم على المناخ، وسيتطلب هذا التحول دفع حجم كبير من الاستثمارات نحو التخلي عن دعم الوقود الأحفوري، وإنهاء الاستثمار في محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والتخلي عن إنشائها، واستبدالها بمحطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
تمويل العمل المناخي حول العالم
وقد قسّمت المؤسسات الدولية تمويل العمل المناخي حول العالم إلى ثلاثة أنواع، هي:
- النوع الأول: تمويل من أجل التخفيف، ويقصد به تخفيف الضرر الناجم عن التغيرات المناخية، وتستخدم الدول تلك الأموال في التخلي عن الوقود الأحفوري والأنشطة الملوثة الأخرى. ولكن لا يزال لدى العديد من الدول محطات طاقة تعمل بالفحم، ولم تخرج بعد من الخدمة، هذه الدول تحتاج إلى دعم لبناء بنية تحتية للطاقة النظيفة واستبدال تلك المحطات بأخرى مثل محطات الطاقة الشمسية.
- النوع الثاني: تمويل من أجل التكيف، وتستخدم هذه الأموال في مساعدة الدول النامية على الاستعداد لأسوأ الآثار الناتجة عن تغير المناخ.
- النوع الثالث: تمويل “الخسائر والأضرار”، ويُخصص هذا التمويل في مساعدة الدول النامية في التعافي من آثار تغير المناخ التي تكبدتها بالفعل. وتحصل هذه الدول بالفعل على تمويل لمواجهة الكوارث عن طريق مساعدات إنسانية، لكنها قد تختلف من سنة إلى أخرى.
وتتطلب الاستجابة لأزمة المناخ اتخاذ إجراءات جماعية من قبل جميع البلدان والمدن والجهات المالية الفاعلة والشركات والمواطنين العاديين، ومن بين هذه الجهود المتضافرة، التزمت البلدان المتقدمة بتعبئة 100 مليار دولار سنويًا، بصفة مشتركة، بحلول عام 2023، من مجموعة متنوعة من المصادر، لتلبية احتياجات التخفيف والتكيف الملحة للبلدان النامية. والتي ارتفعت من حوالي 52.4 مليار عام 2013، وهو ما يشير له الشكل التالي.
أشارت مبادرة سياسات المناخ في تقريرها المعنون مشهد التمويل المتعلق بالمناخ لعام 2019 إلى أنه من الصعب تحقيق التوازن بين أنشطة التخفيف والتكيف، ولا يزال تمويل التكيف يشكل نسبة صغيرة من تمويل إجراءات مواجهة التغيرات المناخية بشكل عام، وأن الجزء الأكبر من التمويل الذي يتم تتبعه لا يزال يتدفق نحو أنشطة التخفيف. وهو ما يظهر من خلال الشكل التالي:
تمويل التغيرات المناخية في مصر
تماشيًا مع التزام مصر بالتنمية المستدامة، عبر التوسع في زيادة حصة الطاقة المتجددة في منظومة الكهرباء إلى 20٪ بحلول عام 2022 و42٪ بحلول عام 2035. ومن أجل تمويل هذه الأجندة الطموحة، شرعت وزارة المالية في مبادرة لدمج اعتبارات الاستدامة في خطط تمويل الموازنة العامة، مما أدى إلى إصدار أول سند أخضر سيادي في 29 سبتمبر 2020.
تصبح بذلك مصر أول بلد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يصدر سندات سيادية خضراء، فقد تم الإعلان في البداية عن إصدار سندات خضراء مدتها خمس سنوات بمبلغ 500 مليون دولار وبسعر فائدة قدره 5.75%. ومع تجاوز حجم الاكتتاب قيمة السندات سبع مرات، دفع الحكومة إلى زيادة إجمالي قيمتها إلى 750 مليون دولار، وخفض سعر الفائدة إلى 5.25% (أقل من سندات مصر التقليدية المرجعية). علاوة على ذلك، شهد هذا السند مشاركة 16 مستثمرا جديدا، وهو عدد لم يسبق له مثيل في إصدارات السندات المقومة بالدولار الأمريكي.
وقد تم اعتبار السندات الخضراء حلا ماليا لتلبية الحاجة الملحة إلى استثمارات مستدامة بيئيا. وقد خصصت حصيلة بيع السندات لتمويل النقل النظيف، والطاقة المتجددة، ومنع التلوث ومكافحته، والإدارة المستدامة لمياه الشرب والصرف الصحي، وكفاءة استخدام الطاقة، والتكيف مع تغير المناخ. وتهدف رؤية مصر 2030 إلى زيادة نسبة المشروعات الخضراء في الموازنة الاستثمارية للحكومة من 14٪ في 2020 إلى 30٪ في 2022.






























