استضافت العاصمة السعودية الرياض مؤتمر الأطراف السادس عشر (COP16) لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD) في الفترة من 2 إلى 13 ديسمبر 2024. يُعد هذا المؤتمر الأكبر من نوعه والأول الذي يُعقد في منطقة الشرق الأوسط، حيث جمع حوالي 197 دولة عضوًا في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، والتي تصادف الذكرى الثلاثين على الاتفاقية، مما أضاف أهمية خاصة للحدث. ناقش المؤتمر تعزيز الجهود الدولية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأكثر تضررًا. كما شهد المؤتمر أيضًا إطلاق مبادرات جديدة تهدف إلى تعزيز استدامة الأراضي وتحقيق الأمن الغذائي والمائي على مستوى العالم. مما نتج عنه تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة هذه القضايا البيئية الحرجة.
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)
تُعد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر واحدة من الاتفاقيات البيئية العالمية الرئيسية التي تم اعتمادها في عام 1994، ودخلت حيز التنفيذ في عام 1996. تهدف الاتفاقية إلى مكافحة التصحر وتدهور الأراضي، وتعزيز التنمية المستدامة في المناطق المتضررة، وخاصة الأراضي الجافة وشبه الجافة. وتطوير خطط للتكيف مع آثار تغير المناخ وتحسين مقاومة المجتمعات للجفاف.
الاتفاقية هي واحدة من “اتفاقيات ريو” الثلاث إلى جانب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية التنوع البيولوجي. تضم الاتفاقية 197 طرفًا (الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي)، مما يجعلها شاملة على نطاق عالمي. ونتج عن هذه الاتفاقية برامج العمل الوطنية (NAPs)، والتي شجعت الدول الأعضاء على تطوير برامج وطنية تهدف إلى مكافحة التصحر. كما أُنشئت برامج موجهة لتحسين استعداد الدول لمواجهة الجفاف والتخفيف من آثاره. كما تعمل على زيادة التعاون الدولي لضمان تنفيذ البرامج وتعزيز التأثير الإيجابي عالميًا. تمثل اتفاقية التصحر حجر الزاوية في الجهود العالمية لحماية الأراضي وتعزيز استدامة النظم البيئية. حيث تتوافق أهداف الاتفاقية مع الهدف 15 من أهداف التنمية المستدامة، والذي يدعو إلى إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة ووقف التصحر بحلول عام 2030.
تحديات عالمية مرتبطة بالتصحر وتدهور الأراضي
التصحر هو مشكلة بيئية عالمية تتسبب في فقدان الأراضي الخصبة وتدهور الموارد الطبيعية، مما يؤثر على النظم البيئية والمجتمعات البشرية. وتعاني عدد كبير من دول العالم تحديات مرتبطة بالجفاف والتصحر وتدهور الأراضي، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة أن حوالي 100 مليون هكتار من الأراضي والغابات حول العالم معرضة لكافة أشكال التدهور والتصحر والجفاف وانعدام الخصوبة. ومع تفاقم أزمة التغيرات المناخية تزيد حدة هذه التحديات ويمتد تأثيرها ليشمل مناطق عديدة من العالم، ولعل أبرز هذه التحديات:
- تدهور الأراضي الزراعية:
يؤدي التصحر إلى فقدان خصوبة التربة، مما ينعكس سلبًا على إنتاج المحاصيل الزراعية، حوالي 12مليون هكتار من الأراضي الخصبة تتحول إلى أراضٍ غير منتجة سنويًا بسبب التصحر. مما يؤثر على الأمن الغذائي، خاصة في الدول النامية التي تعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للغذاء والدخل ومن أكثر الدول عرضة لتدهور الأراضي الزراعية الهند وإثيوبيا.
- انعدام الأمن الغذائي والمائي:
تتسبب الأراضي المتدهورة في انخفاض موارد المياه العذبة نتيجة قلة تسرب المياه إلى الطبقات الجوفية وتزايد البخر. ويؤدي التصحر إلى تقليل الإنتاج الزراعي، مما يؤثر على أسعار الغذاء ويزيد من معدلات الجوع. من المتوقع أن يتأثر ما يقرب من 1.5 مليار شخص بشكل مباشر نتيجة لتدهور الأراضي. ومناطق مثل الساحل الإفريقي بما في ذلك دول مثل مالي والنيجر، تواجه أزمات غذائية متكررة بسبب الجفاف المستمر والتصحر.
- زيادة أزمة التغير المناخي:
تزداد ظاهرة التصحر سوءًا مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار بسبب تغير المناخ. ويؤدي الجفاف المتكرر إلى تفاقم الظروف البيئية والاقتصادية، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة. في مناطق مثل كاليفورنيا وأريزونا بالولايات المتحدة، أدى الجفاف المستمر إلى خسائر بمليارات الدولارات في قطاع الزراعة. كما تعاني منطقة الشرق الأوسط، وخاصة العراق وسوريا والأردن، من انخفاض مستويات المياه وتصاعد وتيرة الجفاف.
- فقدان التنوع البيولوجي:
التصحر يسهم بشكل كبير في فقدان التنوع البيولوجي من خلال تدمير الموائل الطبيعية التي تعتمد عليها الكائنات الحية. عندما تفقد التربة خصوبتها وتتدهور الأراضي، تصبح النظم البيئية أقل قدرة على دعم الحياة النباتية والحيوانية. حيث يؤثر التصحر على الغطاء النباتي الذي يشكل مأوى ومصدر غذاء للعديد من الأنواع الحية. المناطق الجافة وشبه الجافة، مثل السافانا الإفريقية، تعد موطنًا لأنواع فريدة تواجه خطر الانقراض بسبب فقدان الموائل. والكائنات الحية التي تعتمد على نظم بيئية متوازنة، مثل الأنواع المحلية للنباتات والحيوانات، تصبح مهددة بالانقراض مع تدهور الأراضي. تقليل الغطاء النباتي يقلل من قدرة التربة على امتصاص المياه وتثبيت الكربون، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة التغير المناخي. كما في الشرق الأوسط، يؤدي التصحر إلى تراجع الغطاء النباتي المحلي المستخدم لتغذية الحيوانات البرية.
- الهجرة البيئية وصراعات الموارد:
الهجرة البيئية الناتجة عن التصحر تؤدي إلى زيادة النزاعات على الموارد بين السكان الأصليين والمهاجرين. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 135 مليون شخص قد يضطرون إلى الهجرة بحلول عام 2045 نتيجة للتصحر وتغير المناخ. في منطقة الساحل الإفريقي، تتسبب ندرة الموارد في تصاعد النزاعات المسلحة وصراعات الموارد والنزوح الجماعي.
التأثيرات الاقتصادية للتصحر وتدهور الأراضي
التصحر وتدهور الأراضي يفرضان تحديات اقتصادية ضخمة تؤثر على النمو والتنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم. يمتد التأثير الاقتصادي ليشمل قطاعات متعددة، مما يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة على المستويات المحلية والعالمية. حيث يعاني أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم من التأثيرات والتحديات المرتبطة بالتصحر ومشاكل الجفاف وتدهور الأراضي، تكلف الاقتصاد العالمي حوالي 800 مليار دولار سنويًا.
12 مليون هكتار من الأراضي الزراعية تتحول إلى أراضٍ غير منتجة مما يكلف العالم حوالي 490 مليار دولار سنويًا خسائر في قطاع الزراعة. في أفريقيا جنوب الصحراء على سبيل المثال، يؤدي فقدان الأراضي الزراعية إلى خسائر تقدر بحوالي 9 مليار دولار سنويًا. كما تكبدت الصين خسائر تقدر بـ 6.5 مليار دولار سنويًا بسبب التصحر وتدهور الأراضي. فضلا عن الخسائر الاقتصادية الناتجة من ارتفاع أسعار الغذاء. وتكلفة توفير الموارد المائية سواء للزراعة أو للاستخدام الصناعي والمنزلي.
بالإضافة إلى تكلفة عمليات استعادة الأراضي المتدهورة حيث تتطلب استثمارات ضخمة في التشجير، تحسين التربة، وتطبيق تقنيات الزراعة المستدامة. وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، تكلف استعادة الأراضي المتدهورة عالميًا ما بين 300 إلى 400 مليار دولار سنويًا.
جدول 1: أكثر 10 دول تعاني من التصحر وتدهور الأراضي حسب البيانات المعلنة
التأثيرات الرئيسية | المساحات المتدهورة (مليون هكتار) | الدولة |
نقص الغذاء والنزوح | 60 | جنوب السودان |
خسائر زراعية ضخمة وانخفاض جودة التربة | 45 | الصين |
تدهور المراعي وزيادة الفقر | 35 | النيجر |
انعدام الأمن الغذائي | 30 | مالي |
انخفاض الإنتاج الزراعي | 28 | كازاخستان |
تراجع الموارد الغذائية | 25 | تشاد |
خسائر اقتصادية وتهديد الأمن المائي | 20 | الولايات المتحدة |
فقدان التنوع البيولوجي | 18 | المغرب |
تدهور الإنتاج الزراعي وتلوث التربة | 15 | أوزبكستان |
انخفاض إنتاجية الأراضي وتدهور المراعي | 12 | الجزائر |
تحديات التصحر وتدهور الأراضي في منطقة الشرق الأوسط
يُعتبر الشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرًا بالجفاف وتدهور الأراضي بسبب الظروف المناخية القاسية والأنشطة البشرية غير المستدامة. تعاني المنطقة من انخفاض معدلات الأمطار، ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة الضغوط على الموارد الطبيعية، مما يؤدي إلى مشكلات اقتصادية وبيئية واجتماعية خطيرة.
وبسبب زيادة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة وتزايد أزمة تغير المناخ، انخفضت معدلات الأمطار بنسبة 20% في بعض المناطق خلال العقود الأخيرة. فضلا عن الإفراط في استخدام المياه الجوفية الذي أدى إلى استنزافها بشكل كبير. ولعل أكثر دول المنطقة التي تعاني من شح المياه وتدهور الأراضي: العراق، وسوريا، واليمن، والأردن، والسعودية. مما يكون له عظيم الأثر على الأمن الغذائي والإنتاجية الزراعية وخسارة مساحة كبيرة من الأراضي.
وبالنظر إلى مصر، نجد أن مصر من أكثر الدول تعرضًا لمخاطر التصحر والجفاف، نظرًا لموقعها الجغرافي ومواردها المائية المحدودة. تُشير التقارير الدولية إلى أن مصر تواجه تحديات بيئية كبيرة تتطلب استراتيجيات فعّالة للتصدي لها. حيث تُعتبر مصر من الدول القاحلة، حيث يبلغ متوسط هطول الأمطار حوالي 1.3 مليار متر مكعب سنويًا، وهو معدل منخفض جدًا مقارنةً بالاحتياجات المائية. كما أن مصر تعتمد بنسبة 98% على مياه نهر النيل لتلبية احتياجاتها المائية. تبلغ إجمالي الموارد المائية المتجددة في مصر حوالي 60 مليار متر مكعب سنويًا، بينما تصل الاحتياجات المائية إلى حوالي 114 مليار متر مكعب سنويًا، مما يخلق فجوة مائية تُغطى من خلال إعادة استخدام المياه وتحلية مياه البحر والتي ما زالت تكلفتها عالية جدا وبالتالي تشكل عبئ اقتصادي.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها مصر في العقود الأخيرة مثل تنفيذ مشروعات ضخمة لاستصلاح الأراضي بهدف زيادة الرقعة الزراعية وتعزيز الأمن الغذائي، أو تطوير وتحديث نظم الري لتقليل الفاقد من المياه وزيادة كفاءة استخدامها في الزراعة، أو إنشاء محطات لمعالجة مياه الصرف الزراعي والصحي، بهدف إعادة استخدامها في الري وتقليل الاعتماد على المياه العذبة. إلا أنها ما زالت تعاني من تحديات مرتبطة بالجفاف ونقص المياه التي زادت حدته 29 مرة منذ عام 2000بسبب التغيرات المناخية، وكذلك تدهور الأراضي بسبب الزحف العمراني على الأراضي الزراعية والنمو السكاني.
مؤتمر COP16: جهود دولية لمكافحة التصحر والجفاف
اختُتمت أعمال الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16) في الرياض في 14 ديسمبر 2024، حيث تم اعتماد 39 قرارًا، أبرزهم زيادة الميزانية وهو ما حدث لأول مرة منذ نحو 10 سنوات ليتم رفع الميزانية المخصصة لمقاومة التصحر بنحو 8%، إضافة إلى قرار إجرائي بشأن مواجهة الجفاف حتى يتسنى الوصول إلى اتفاقية في الدورة السابعة عشرة للمؤتمر في منغوليا عام 2026.
ورغم أن التمويل ما زال من أهم وأكبر التحديات التي تواجه العالم في مواجهة التصحر وتدهور الأراضي، حيث تقدر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنويًا، مما يترك فجوة تمويلية تُقدر بـ278 مليار دولار سنويًا. وبنهاية المؤتمرتم التعهد بأكثر من 12 مليار دولار لمعالجة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف عالميًا، مع التركيز على البلدان الأكثر ضعفًا. كما تم إطلاق مبادرة “شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف” التي جذبت نحو 12 مليار دولار، خصصت منها المملكة العربية السعودية نحو 150 مليون دولار بجانب مليار دولار من البنك الإسلامي ونحو مليار دولار من “صندوك أوبك”، بجانب نحو 10 مليارات دولار من مجموعة التنسيق العربية، وهذه الأموال سيتم تخصيصها عبر منح أو قروض ويمكن أن تستفيد منها نحو 80 دولة متأثرة بشكل مباشر أو غير مباشر بالتصحر والجفاف. ورغم ذلك ما زالت هناك حاجة للتعاون الدولي وتوفير التمويلات اللازمة لمواجهة الأزمات المرتبطة بالتصحر وتدهور الأراضي وكذلك جهود استعادة الأراضي.
وأخيرًا، يُعد مؤتمر الأطراف السادس عشر (COP16) لمكافحة التصحر والجفاف محطةً مهمة في تعزيز الجهود العالمية لمواجهة التحديات البيئية الكبرى التي تهدد استدامة الموارد الطبيعية والتنمية الاقتصادية. وبالنسبة للشرق الأوسط، الذي يُعد من أكثر المناطق تضررًا من التصحر والجفاف بسبب تغير المناخ والضغوط السكانية، فإن نتائج المؤتمر تفتح آفاقًا جديدة للتعاون الدولي وتمويل المبادرات الإقليمية. ومصر التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة والمياه من نهر النيل، فإن التصحر والجفاف يمثلان تحديًا مباشرًا للأمن الغذائي والتنمية المستدامة. مما يعزز المؤتمر من قدرة مصر على الاستفادة من المبادرات والتمويل الدولي لاستصلاح الأراضي المتدهورة، وتحسين كفاءة إدارة الموارد المائية، وتبني الحلول التكنولوجية والزراعة المستدامة. كما يتيح المؤتمر فرصًا لتطوير الشراكات الإقليمية مع دول الشرق الأوسط لتحسين إدارة الموارد المشتركة، خاصة في ظل الاعتماد الكبير على المياه العذبة وإدارة الأراضي القاحلة.
المصادر