وعد المرشح الديمقراطي “جو بايدن” طيلة حملته الانتخابية بتغيير سلسلة من القرارات التي اتخذها الرئيس “دونالد ترامب”، لذا يقع على عاتقه بعد الفوز بالرئاسة معالجة ملفات كبرى خلال المائة يوم الأولى من ولايته، التي ستبدأ في 20 يناير المقبل. وقد بدأ فريق “بايدن” بالفعل في تحويل وعوده إلى خطط جاهزة للتنفيذ، إذ اقترح أكثر من 12 مبادرة لإتمامها، وهو إنجاز يبدو –بقدرٍ ما– صعب التنفيذ.
قضايا داخلية
تأتي القضايا والملفات الداخلية ضمن أولويات “بايدن” حال تسلمه السلطة، وحتى قبل ذلك فيما يخص بعضها؛ نتيجة تركيزه على البعد الداخلي بشكل أساسي لانتقاد سياسات “ترامب” وأثر الداخل الأمريكي على تماسك المجتمع ككل. وتأتي أولويات المائة يوم الأولى كالتالي:
- التعامل مع التداعيات الاقتصادية والصحية لانتشار فيروس كورونا، حيث جاءت هذه القضية كانتقاد رئيسي من “بايدن” للسياسات التي اتّبعها “ترامب”. إلى جانب تصدر ملف الاقتصاد والبطالة قائمة الأولويات لدى الناخب الأمريكي وفق استطلاعات الرأي التي أجراها مركز “بيو” للدراسات منذ أغسطس 2020.
- تم تشكيل فريق قوة مهام عقب الإعلان عن فوز “بايدن” بالرئاسة والمنوط بتقييم الأوضاع الناتجة عن تفشي وباء كورونا، وتقديم استراتيجية للتعامل ومتابعة إجراءات طرح الأمصال.
- سيعمل “بايدن” على تشريع قانون للرعاية الصحية يبني على قانون الرعاية الذي قدمه الرئيس السابق “أوباما”، إضافة إلى تقديم تشريع أمام الكونجرس بشأن حزمة إعانات ومساعدات للمتضررين من تفشي الوباء.
- سيسعى إلى تغيير السياسات المتعلقة بالمناخ والخاصة باستخراج البترول والوقود الصخري، إلى جانب تغيير كل التشريعات الخاصة بالبيئة والتي أطلقها “ترامب” عبر الأوامر التنفيذية.
- تعديل قوانين الهجرة وما سببته التوجيهات والأوامر التنفيذية لسياسات “ترامب” من آثار على تماسك الأسر، فضلًا عن إدخال تعديلات على القوانين الخاصة بشروط الحصول على الجنسية، إضافة إلى إلغاء الأمر التنفيذي الذي أطلقه “ترامب” والخاص بمنع استقبال المسافرين من بعض الدول الإسلامية.
- تعديل قوانين الضرائب التي أطلقها “ترامب” في 2017، وذلك بزيادة نسبة الاقتطاع الضريبي، وإعفاء قطاعات دون مستوى معين للدخل.
- تمرير قانون حقوق التصويت الذي قدمه الديمقراطيون في 2019 بهدف دعم مزيد من المساواة بين المواطنين، والذي وافق عليه الكونجرس لكنه لم يمر بعد على مجلس الشيوخ.
- تقديم تشريعات خاصة بالعدالة الجنائية لمعالجة التجاوزات التي قامت بها الشرطة، خاصة عقب مقتل المواطن الأمريكي “جورج فلويد”.
ملفات خارجية
على الرغم من أن الملفات الداخلية ستشكل الاهتمام الأكبر لدى “بايدن” بحكم تزايد المشكلات الداخلية وتعقدها؛ إلا أنه شدد على تبنيه سياسة خارجية أكثر نشاطًا وأكثر إيمانًا بالقيم الأمريكية، ويأتي في مقدمتها:
- قال “بايدن” إنه فور دخوله البيت الأبيض سيتحدث مع حلفاء واشنطن الرئيسيين حول العالم لإعادة بناء ما يسميه “المصداقية الأمريكية”، بعد أربع سنوات من نهج “ترامب” القائم على مبدأ “أمريكا أولًا”.
- إلغاء قرار “ترامب” المثير للجدل بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية، واستئناف المساهمات المالية.
- إعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، والتي تم توقيعها خلال فترة توليه منصب نائب رئيس “باراك أوباما”.
- من المتوقع أيضًا أن تعيد الولايات المتحدة بقيادة “بايدن” التفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي.
- تمديد صلاحية معاهدة “نيو ستارت” بشأن ضبط الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة، والتي ستنقضي في فبراير 2021؛ لافتًا إلى أنه يعتزم إطلاع موسكو على نيته القيام بذلك كجزء من إحدى خطواته الأولى.
- العمل على إنهاء أمر “ترامب” التنفيذي الذي يحظر دخول المسافرين من بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة.
- يرغب “بايدن” خلال عامه الأول في التخطيط لعقد قمة دولية بشأن طرق التصدي للفساد والممارسات الاستبدادية، وكذا حماية حقوق الإنسان.
- يريد “بايدن” تنظيم “قمة عالمية للمناخ” لمساعدة الدول ذات الانبعاثات الكربونية العالية على اتخاذ إجراءات مناخية.
تحديات التنفيذ
يمكن القول إن “بايدن” يتبنى أجندة طموحة للغاية، سواء للتنفيذ خلال المائة يوم الأولى، أو خلال مدته الرئاسية الأولى؛ إلا أنه عبر نظرة تحليلية للساحة الأمريكية سيتضح وجود بعض العراقيل التي ستحد من قدرته على تنفيذ أجندته بطريقة سلسة، يأتي في مقدمتها:
- إرث “ترامب”: من المؤكد أن الإرث الذي سيتركه “ترامب” سيضع أمام “بايدن” بعض الخطوط السياسية التي لا يمكن الارتداد عنها، أو التي قد تمثل قيودًا حقيقية على سياسة وتحركات “بايدن”، لا سيما مع التحركات الأخيرة التي يقوم بها “ترامب” مؤخرًا والتي قد تصل -وفق بعض التحليلات– إلى تفجير أزمة دولية كبرى.
- انقسام الكونجرس: من المرجح أن يواجه “بايدن” كونجرس منقسم، يسيطر فيه الجمهوريون على مجلس الشيوخ، ويتمتع الديمقراطيون بأغلبية محدودة في مجلس النواب، ما يعني عرقلة تحركات الرئيس.
- التأثير التقدمي: نتيجة للعب التقدميين دورًا بارزًا في دفع “بايدن” نحو الفوز بالسباق الرئاسي، سيحاولون عبر هذا الدور فرض أجندتهم التي تحمل بعض الأفكار الراديكالية التي يصعب تنفيذها. لذا، على “بايدن” أن يعمل على تحييد تأثير التقدميين بقدر ما، والتركيز بشكل أكثر على القضايا التي تجذب دعم الحزبين، مثل: توفير الإغاثة من فيروس كورونا، وتحسين البنية التحتية.
- الأوامر التنفيذية: فقد أكد “بايدن” أنه سيقوم بالعمل على تنفيذ التعديلات والتغييرات التي سيقدمها في المائة يوم الأولى عبر “الأوامر التنفيذية”، إلا أن حدود الأمر التنفيذي قد يمكن عرقلتها عبر المحكمة العليا أو الكونجرس أو حتى المحاكم الفيدرالية، أما البرامج الخاصة بالسياسات وتفصيلاتها فستأتي عبر التعامل مع “الكونجرس” والتفاوض بشأن القوانين المراد تمريرها.
- العنف والاستقطاب: إذ يواجه المجتمع الأمريكي حالة من الاستقطاب والعنف قد تتفاقم بمرور الوقت، وهو من التحديات الأكبر أمام “بايدن” لمعالجتها، وقد تمثل عائقًا أمامه إذا زادت حالة الاستقطاب من رفض للسياسات والتشريعات التي يقدمها “بايدن” أو الديمقراطيون.
ختامًا، يمكن القول إن “بايدن” يتبنى أجندة طموحة في المائة يوم الأولى، لكنه يواجه أيضًا تحديات وعقبات ضخمة في سبيل تحويلها إلى واقع من السياسات والتشريعات.
ـــــــــــــــــــ
نقلا عن “تقديرات مصرية”، العدد (١٥)، ١ ديسمبر ٢٠٢٠