أصبحت المحركات البحثية أحد أهم الطرق التي يعتمد عليها السائحون في تحديد وجهات السفر، فما إن يكتب المستخدم اسم الوجهة التي يبحث عنها، إلا وتظهر له الآلاف من المواقع، بدءًا بمواقع تقدم معلومات عن المقصد السياحي، وصولاً إلى مواقع البيع والتقييم والمقارنة والمدونات السياحية وتجارب السفر ومواقع التواصل الاجتماعي؛ وعلى المستخدم التعامل مع كل هذا الكم الهائل من المعلومات فإما أن يتخذ قرارًا بالسفر، أو يتحول من مقصد لآخر، وهو ما برزت معه الحاجة للتعرف على كيفية ظهور مصر على مواقع البحث للسائح في بلده، من خلال التركيز على السوقين الأمريكي والبريطاني كنموذجين، وقد تم اختبار الظهور المصري للسائحين من خلال اختيار “الخادم/ السيرفر” الخاص بالدول التي يتبعونها في بريطانيا والولايات المتحدة باعتبارهما الأسواق محل البحث في هذا المقال، حتى نستطيع تحديد نتائج البحث ومدى ملاءمتها لطبيعة السوق المستهدف من ناحية، والتعرف على الصورة المرسومة عن مصر لتلك الدول من ناحية أخرى.
نتائج البحث عن مصر في السوق البريطاني
عندما تم البحث عن عبارتي زيارة مصر، والسفر إلى مصر باستخدام العبارتين الإنجليزيتين ” Egypt Travel، Tourism in Egypt”؛ وذلك في الخوادم المتاحة للجمهور في السوق البريطاني، تم الحصول على النتائج التالية.:
١. المواقع الرسمية الحكومية: تظهر مصر للسائح الإنجليزي على موقع البحث جوجل من خلال ظهور الموقع الرسمي لهيئة التنشيط السياحي كأول نتائج البحث، وهو الأمر الذي يتناسب مع الاستراتيجيات التسويقية الفعالة، والتي بينت اتجاه السائحين للاعتماد على المواقع الرسمية لتحديد وجهة السفر؛ فيما ظهر موقع وزارة السياحة والآثار في الصفحة الثانية من البحث.
٢. أخبار السياحة: ظهر في الصفحة الأولى للبحث معلومات عن مصر Country Profile، وتلاها أخبار عن عودة السياحة في مصر لمعدلاتها عقب الإجراءات الحكومية مع بداية عام 2021، كما ظهرت أخبار عن “السياحة الصحية” واتجاه مصر للترويج لمنشآتها وقدراتها الصحية في أفريقيا ، ففي عام 2017 تم تصنيف مصر على مؤشر السياحة الطبية العالمي(Medical Tourism Index MIT) في المرتبة 28 من حيث الترتيب العالمي، و المركز الثالث بين الدول العربية بالتزامن مع اطلاق حملة “Tour’ n Cure” لمعالجة فيروس C، واختارت الشركة المنفذة للحملة الترويجية آنذاك اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي ليكون سفيراً للحملة في العالم باستخدام شعار “Stop The Wait.”
وبدأت مصر في اتخاذ خطوات حثيثة لتطوير هذا القطاع؛ فقد وافق مجلس النواب على مشروع قانون السياحة العلاجية لضمان التنسيق بين وزارتي السياحة والصحة في ديسمبر 2018، واستطاعت مصر أن تنقل تجربتها الطبية إلى افريقيا في مجال معالجة فيروس سي C لعلاج مليون شخص في 14 دولة أفريقية. وفي سبتمبر 2019 أُعلن عن تنفيذ أكبر مدينة طبية للسياحة العلاجية فى مصر والشرق الأوسط وإفريقيا بمدينة بدر، باستثمارات تُقدر بنحو 20 مليار جنية 90% منها استثمارات مصرية، وفي سبتمبر 2020 أطلقت مصر حملة “نعتني بكم في مصر We take care of you in Egypt”، بدعم من الوكالة الأوروبية الدعم للسياحة العلاجية، وتقدم المبادرة خدمات طبية عالية الجودة للسائحين داخل مستشفيات نظام التأمين الصحي الشامل من خلال التنسيق بين الهيئة العامة للرعاية الصحية والوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية Egyptian Agency for Partnership for Development (EAPD)، والتي اهتمت بالسائح الأفريقي فاستطاعت أن تجذب سائحين من زامبيا ونيجيريا والسودان واليمن وليبيا والفلبين، من أجل تنفيذ استراتيجيات الرئيس السيسي في أفريقيا، وأشاد المقال بالمكانة المصرية في هذا المجال والذي كانت تسيطر عليه دول الأردن وتركيا وتونس في السابق.
وقد استطاعت مصر أن تحصد المرتبة 26 على مؤشر السياحة الطبية لعام (2020 – 2021)، والثالثة عربياً والأولى أفريقياً، وهو مؤشر يصنف السياحة الطبية وفقاً للتصورات الأمريكية لنحو 46 وجهة رعاية صحية دولية، مما يوفر نظرة حول كيفية رؤية المستخدمين وفقاً لنحو 41 معيارًا عبر ثلاثة أبعاد أساسية تتضمن (مدى جاذبية الوجهة، وتطبيق معايير السلامة، وجودة الرعاية الصحية).
٣. الآثار المصرية: على الرغم من زخم الافتتاحات المصرية للمواقع الأثرية، والتي كان أخرها فتح مقبرة زوسر أمام السائحين، إلا أن الآثار المصرية ظهرت مرة واحدة في خبر نقلاً عن رويترز في موقع “انديان اكسبريس The Indian Express “، وهو ما لايتناسب مع حجم الافتتاحات وزخمها وأهمية العمل على وصولها إلى كافة السائحين على مستوى العالم، مما يحتاج حملة إعلام وعلاقات عامة تهدف إلى تكثيف النشر عن الأماكن والاكتشافات الأثرية الجديدة في خطة قصيرة ومتوسطة المدى.
٤. مدونات السفر والمواقع المتخصصة: اتسمت المقالات المنشورة على هذه المواقع بالحداثة وتناسبها مع طبيعة السائح الانجليزي الذي يهتم بالسياحة الثقافية وسياحة الغوص، وتقديم أفضل الأماكن الملائمة لهذا النوع من السياحة، كما حدث في موقع “بلانت وير Planet ware” للكتاب السياحيين والمسافرين، وهو ما عرضه أيضاً الموقع السياحي الاكبر “لونلي بلانت Lonely Planet ” ، بينما اهتم موقع “وورلد نوماد World nomad” السياحي الشهير باجراءات وتعليمات السفر إلى مصر عقب جائحة كورونا. وقد عرضت هذه المدونات والمواقع الشركات التي يمكن الحجز لزيارة مصر من خلالها، وذلك بغرض دفع المتصفحين للتحول من مرحلة المعرفة إلى السلوك. غير أن الصفحات الخاصة بالحجز لا يتم عرضها بشكل ظاهر بجانب الموضوعات المنشورة عن مصر، ولكن يجب البحث في المحرك البحثي الداخلي للموقع للوصول إلى طرق الحجز للسفر إلى مصر.
٥. نصائح السفر: تلا ما سبق، ظهور موقع وزارة الخارجية البريطانية وشئون الكومنولث،الخاص تقديم نصائح السفر إلى مصر، والتى أعلنت في 22 سبتمبر عن رفع اسم مصر و 7 دول أخرين من قائمة الدول باللون الأحمر الخاصة بمرض كوفيد 19، وبحيث لم يعد مطلوبا من المسافرين القادمين من مصر البقاء في الحجر الصحي في فندق بانجلترا لمدة أسبوعين عقب العودة، والاكتفاء بعمل الفحص الكاشف عن فيروس كورونا.
٦. السياحة المسئولة: قدم موقع “ريسبونسبل ترافل Responsible Travel” تجارب لسفر العديد من الخبراء السياحيين، والذين كتبوا عن مصر التي تعج بالعديد من المناطق والأماكن التراثية والثقافية المميزة، وطبيعة المجتمع المحلي المشارك الجيد في قطاع السياحة ، وتوافر عنصر الأمان، مؤكدين على أن الخوف من زيارة مصر لم يعد له مكان الآن، وهو ما يعد تقدما في مجال السياحة المسئولة أو المستدامة، واختفاء التساؤل حول مدى الأمان المتحقق في مصر؛ ولكن كانت هناك انتقادات بسبب وجود بعض التصرفات غير المسئولة والتي لا تتفق وخطط السياحة المستدامة، وتمثلت في المطالبة بإعادة إحياء التراث في قرى النوبة، والتي تقتصر حالياً على قرية سهيل فقط، وأساليب التعامل مع الدلافين في البحر الأحمر، والرحلات النيلية على المراكب العائمة والمتحركة ومساهمة بعضها في زيادة التلوث، والدعوة للاهتمام بركوب المراكب الشراعية في النيل لتشجيع المجتمع المحلي وخفض مستوى التلوث، إلى جانب المطالبة بتوفير إتاحة الوصول Accessibility لكبار السن وذوي الإعاقة إلى المناطق الأثرية. كذلك وجهت انتقادات لما اعتبرته عمالة الأطفال في المجال السياحي، والتأكيد على ضرورة التعامل الجيد مع الحيوانات التي يتم ركوبها كالجمال على سبيل المثال، وتقديم نصيحة للسائحين بالإبلاغ عن أي انتهاكات يرونها عبر الموقع أو من خلال السلطات المصرية المحلية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، إلى جانب تقديم نصائح عن ثقافة الشعب المصري وعاداته وتقاليده والذي تم وصفه بأنه أكثر الشعوب ترحيباً بالزائرين.
نتائج البحث عن مصر في السوق الأمريكي
ولاختبار نتائج البحث عن مصر في الولايات المتحدة الأمريكية، تم اختيار الخادم/ السيرفر الخاص بالسوق الأمريكي، وتم البحث عن زيارة مصر، والسفر إلى مصر باستخدام عبارة Egypt Travel، Tourism in Egypt. وجاءت نتائج البحث لتظهر سيطرة اعلانات وكلاء السياحة والسفر في الولايات المتحدة على الصفحة الأولى للبحث، و وفي مقدمتها موقع “Trip Advisor” . تلى ذلك المعلومات عن مصر والموقع الرسمي للهيئة العامة للتنشيط السياحي باعتباره الموقع الترويجي لمصر، أما عن نصائح السفر فركزت على الوضع الأمني، تلاها اجراءات التعامل في ظل فيروس كورونا، دون تقسيم الدول إلى فئات حسب درجة خطورة السفر إليها في ظروف الوباء. وبينما يتم تحديث البيانات التي تظهر للسائح البريطاني باستمرار، فإن هناك بطئا في تحديث البيانات التي تظهر للسائح الأمريكي، فحتى أواخر سبتمبر كان السائح الأمريكي يطالع مواد لم يتم تحديثها منذ شهر أغسطس، وتناولت الأخبار مقال لصحيفة نيويورك تايمز يتحدث عن الاكتشافات الأثرية التي كان لها أن تزيد من الأرقام السياحية المصرية لولا ظروف الجائحة، كما ظهر مفهوم السياحة الصحية مقابل مفهوم السياحة المسئولة للسائح البريطاني، ويمكن تلخيص المقارنة بين البلدين في الشكل التالي:
شكل (1) مقارنة نتائج البحث بين السوق البريطاني والأمريكي

النتائج والدلالات
يمكن القول، أن مصر ظهرت في مواقع البحث الدولية بشكل يتفق مع الاستراتيجيات التسويقية فيما يخص ظهور الموقع الرسمي، لكنها افتقدت العروض الترويجية واعلانات وكلاء السفر في بعض الأسواق.
وقد ظهرت مفاهيم جديدة تدل على الحاجة لتنويع المنتج السياحي المصري، كمفهوم السياحة المسئولة الذي ينبهنا إلى ضرورة التركيز على هذا الأمر في الحملات الموجهة للسوق الأوروبي بما في ذلك لتركيز على حملة Eco Egypt البيئية، وتوسيع حملة السياحة الصحية لتشمل قارتي أوروبا وأمريكا وعدم الاقتصار على السوق الأفريقي فقط من خلال عقد الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والدولي وتقديم عروض مميزة بالتعاون مع وزارة السياحة والأثار ووكلاء السفر.
لقد شهدت مصر حالة من زخم الافتتاحات الأثرية، لكن هذا لم يواكبه صدى اعلامي انعكس في نتائج البحث بصورة كبيرة، وهو ما يحتاج إلى حملة إعلامية متكاملة ومستمرة على مدار العام بالتعاون مع وسائل الإعلام الأجنبية والاستفادة من الشراكات التي تعقدها وزارة السياحة والآثار مع المؤسسات والشبكات الإعلامية.
وأخيرا، فمن الضروري إبراز ونشر المزيد من تجارب السفر من خلال استخدام الفيديو، وتجاوز شعار الأمن والأمان، والانتقال إلى مفهوم السياحة المسئولة، خاصة في السوق الأوروبي الأكثر حساسية لقضايا حماية البيئة، مع تنظيم الحملات المشتركة مع وكلاء السفر والمسوقين الإلكترونيين لزيادة معدلات التواجد على محركات البحث، والتأكيد على معاني “التنوع السياحي، والتطور وجودة الخدمات، والعروض الترويجية، والسياحة الصحية”، مع تقديم محتوى يتناسب وطبيعة الهاتف المحمول وأجهزة الحاسب الشخصية، وذلك لسهولة التصفح وحث السائح وتحفيزه على اتخاذ قرار السفر.