عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية جلسة حوارية استضاف فيها معالي السفير أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، يوم الأربعاء الموافق 4 يناير 2023 تحت عنوان: “الوطن العربي في عالم متغير”، وذلك بحضور مجموعة كبيرة من مستشاري وخبراء وباحثي المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وأدار الجلسة الدكتور خالد عكاشة المدير العام للمركز.
استُهلت الجلسة بكلمة ترحيبية للدكتور خالد عكاشة، أعرب فيها عن ترحيب كل أعضاء المركز ترحيبًا حارًا بالسيد الأمين العام لجامعة الدول العربية في مقر المركز، مُعبرًا عن أن ذلك يمثل مبعث سعادة وفخر وفرصة ثمينة لإجراء حوار تُطرح فيه أسئلة والاستماع إلى رؤى السيد أحمد أبو الغيط في كثير من الملفات.
ثم عبّر السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية عن شكره على هذه الدعوة، معربًا عن سعادته بلقاء هذا الجمع من المفكرين والباحثين من الهيئة الاستشارية وخبراء وباحثي المركز، وأشاد بالدور الذي يقوم به المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وحاجة مصر والوطن العربي إلى العديد من مراكز الفكر الإضافية على غرار المركز المصري، وأن مراكز الفكر يقع عليها دور كبير في التحليل، والتوعية وتثقيف الرأي العام، وتقديم مقترحاتها لمؤسسات صنع القرار.
وفي إطار تحليله للتوجهات الكبرى التي تشكل النظام العالمي وصف السيد أحمد أبو الغيط الوضع الدولي بأنه إحدى أخطر المراحل التي تمر بها العلاقات الدولية على مدى الفترة من 1945 وحتى اليوم، فإذا كانت 1945 شهدت حرب ضروس بين المحور والخلفاء، وحتى إذا كانت حتى الأزمة الكوبية سنة 1962 كانت حادة جدًا وخطيرة جدًا، فاليوم الوضع الدولي يحمل أخطارًا ليس لها حدود، سواء العالم الغربي الذي يشعر بالتحدي الصيني، ورغبة روسيا في تعزيز مكانتها على الساحة الدولية، أو الدول المتوسطة التي ترى أن هناك وضعًا مناسبًا لزيادة نفوذها في محيطها الإقليمي مثل تركيا وإيران، بالإضافة إلى إسرائيل التي ترى نفسها تعيش “شهر عسل” منذ 11 عامًا، وأن الإقليم بصفة عامة يتعرض للشد والجذب من القوى على الهامش.
وأشار السيد أبو الغيط أن القوى الكبرى العظمى داخلة في مواجهة مرعبة قد تمتد حتى 2030 أو 2050. وأن التحالف الغربي يشهر أسلحته في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وروسيا والصين يتجهان نحو تحالف لا يُعرف ماذا سيفعل بالعالم. مؤكدًا أن هذه التطورات سيكون لها تداعيات خطيرة، وما يحدث لم يكن يتوقعه أحد، ضاربًا مثلًا بلقاء جمعه في أوائل يناير 2022 مع عدد من الشخصيات الفكرية الدولية وتحدثوا حول احتمالات الغزو الروسي لأوكرانيا، وذكروا حينها أن تأثيرات هذا الغزو ستكون خطيرة على منطقة البلقان والقوقاز والبحر الأسود وشرق البحر المتوسط، ولم يكن هناك توقع بأن هذا الحدث سيمتد تأثيره على العالم أجمع، والوصول إلى التلويح باستخدام السلاح النووي التكتيكي، وهو أمر لم يكن متصورًا من قبل، وإذا استُخدم هذا السلاح سيُكسر أحد المحظورات في العلاقات الدولية. وذكر أن الغرب مصمم على مواجهة روسيا في النزاع الأوكراني، ويضع عينه على تجنب قيام تحالف قوى بين روسيا والصين.
وأشار السيد أبو الغيط إلى أن الصين تمثل قوة جبارة في عالم اليوم، وتبني حاملة الطائرات الرابعة وتخطط للحاق بالولايات المتحدة التي تمتلك 11 حاملة في 2035، وهي تقول إنها في 2030 سيكون لديها 1500 صاروخ ردع نووي استراتيجي.
وعن توقعات للفترة المُقبلة، قال إنه من الصعب التوقع والتنبؤ، ضاربًا مثالًا بما كتبه عالم السياسة الأمريكي “ستيفن والت” بأنه لم يكن أحد يتخيل أن تحدث عديد من الأشياء التي حدثت بالفعل في الفترة الأخيرة، مثل أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، أو جائحة كورونا، وبالتالي من الصعب التنبؤ.
وأضاف أن السمة الأهم في عالم اليوم هي “اللا يقين” وحالة من السيولة التي تطبع التفاعلات والتغيرات الدولية، وانه في زمن عالم الحرب الباردة كانت هناك ثوابت يُمكن الاستناد إليها لتوقع سلوك الفاعلين الدوليين بدرجة معقولة من اليقين، وحتى في لحظة الأحادية القطبية التي كانت تقودها الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة كان هناك بوصلة معقولة للتوقع، ولكن اليوم تتسارع المتغيرات ويتعدد الفاعلون وتتنوع القضايا، وهو ما يزيد من مساحة عدم اليقين.
وذكر السيد أبو الغيط أن وزير الدفاع الأمريكي الأسبق “رامسفيلد” كانت له مقولة وهي “Known Knowns” أي أشياء معروفة، مثل الحرب في أوكرانيا ستستمر لعام أو عامين أخرين، والحرب الباردة الثانية قادمة لا محالة، بالإضافة إلى تغير مناخي جبار سيستمر للفترة المقبلة لا محالة. وهناك ” Known unknowns” وهي أمور ليست معروفة ولكن من المعروف أنها محتملة الحدوث. وهناك ” unknowns unknowns” وهي أمور غير معروفة مثل الجائحة التي حدثت، فمعروف أن جوائح تحدث ولكن وقتها غير معروف.
وذكر أن الحرب في أوكرانيا سوف تستمر في خلال عام 2023، وأن روسيا لديها مزايا في هذه الحرب منها مواردها العسكرية وقدراتها البشرية، فسكان روسيا ما يقرب من 140 مليون مواطن، في مقابل 40 مليون مواطن لأوكرانيا منهم نحو 13 مليون من أصول روسية. وبالتالي الحرب مستمرة لعام على الأقل.
واستبعد أن يقبل “بوتين” بالتخلي عن الأقاليم التي ضمها أو شبه جزيرة القرم، ومن غير المعروف ما أن كان الغرب يمتلك نفسًا طويلًا للاستمرار في الحرب الاوكرانية ام لا.
الملمح الآخر هو أن الحرب الباردة الجديدة ستستمر بحدة شديدة ومتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، ولكن الصين صبورة وتتبع سياسة النفس الطويل، والرئيس الصيني “شي” غير متعجل للاصطدام بالغرب. وتوقع السفير أبو الغيط أن يكون هناك تقاربًا كبيرًا بين الصين وروسيا خلال العام الجديد وتبادل الزيارات واللقاءات.
واستطرد، أنصح بقراءة مقال عن الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات على مجلة الفورين أفيرز، اكتشف الأمريكيون أن تايوان تحتكر إنتاج 90% من سوق أشباه الموصلات، ولا تنتج أمريكا إلا 1% فقط، فكر الأمريكيون ماذا إذا هاجمت الصين تايوان؟ جميع الأجهزة المدنية والعسكرية الأمريكية تعمل بأشباه الموصلات القادمة من تايوان، وعليه خصصت الولايات المتحدة 120 مليار دولار لإنتاج أشباه الموصلات.
وعلى الصعيد الأوروبي، أشار السيد أبو الغيط إلى تقرير وصله من بعثة الجامعة العربية في برلين، جاء فيه أن ألمانيا تعيد تأهيل سياستها الخارجية والدفاعية بالشكل الذي يجعل لها بصمة واضحة في نصرة العالم الغربي في شرق أوروبا ووسط أوروبا؛ فالعودة الألمانية إلى التسليح بهذا القدر البالغ 100 مليار دولار، والمطالبة بمقعد دائم في مجلس الأمن، وأن هذه التطورات قد يكون لها تأثير على العلاقات والتوازنات بين فرنسا وألمانيا، وتوقع أن يكون هناك حالة من الشد والجذب في المستقبل بين المانيا وفرنسا داخل الاتحاد الأوروبي ومراجعة الاتفاقيات المشتركة الخاصة بالاتحاد. مبينًا أن الأوروبيين يتحدثون عن قوة أوروبية مستقلة منذ 1990 ولكن حقيقة الأمر أن الولايات المتحدة غير راضية عن ذلك، وتريد استمرار نفوذها في القارة الأوروبية من خلال المظلة العسكرية لحلف شمال الأطلنطى، وخاصة في ظل المواجهة المتنامية مع الصين.
وحول التحالفات الأمريكية في آسيا، قال أنها ليست تحالفات جديدة، بل كانت موجودة عام 1940، فعندما ذهب الجنرال دوجلاس ماك آرثر إلى أستراليا صنع اتفاقًا مع الحكومة الأسترالية بالتموضع الخاص بأسطول وطيران والقوات التي سيستعيدون بها الفلبين، وأن الولايات المتحدة ستسعى لزيادة وجودها في آسيا ومنطقتي المحيط الهندي والهادي، وبالتعاون مع الحلفاء التاريخيين مثل المملكة المتحدة واستراليا.
الحوار مع معالي الأمين العام أحمد أبو الغيط
سأل الدكتور محمد كمال وعضو الهيئة الاستشارية بالمركز سؤالًا للسيد أحمد أبو الغيط حول نصيحته لشباب الباحثين حول أدوات التحليل السياسي، وخاصة وأن الأمين العام يؤكد دائما على أهمية التاريخ والجغرافيا في تحليل الظواهر السياسية، وفي ظل الحديث عن عودة التاريخ وليس نهايته كما ذكر فرانسيس فوكوياما، والحديث أيضًا عن عودة الجغرافيا أو انتقام الجغرافيا، كما يظهر في العديد من الصراعات الدولية والإقليمية.
قال السيد أبو الغيط، أن العالم يشهد الآن عودة الجغرافيا والحرب وأوكرانيا نموذج، معلنًا اختلافه مع مقولة البعض بأن أساس العلاقات الدولية هو السلام وليس الحرب، فالعكس هو الصحيح والحرب هي الأساس والسلام هو الاستثناء فالصدام بين البشر هو أساس الإنسانية، ومن المهم النظر للعلاقات الدولية من مدخل الواقعية، وليس مدخل المثالية أو التمنيات.
وأكد أنه لا يمكن لشباب أو شابة من المحللين للعلوم السياسية والعلاقات الدولية أن يتناول موضوع بدون فهم جغرافيا سياسية، وجغرافيا وتاريخ المنطقة التي يتناولها. ومن يريد دراسة الاستراتيجية يجب أن يعرف تاريخ وجغرافيا وعسكرية واستخدامات السلاح وإلا فلن يكون هناك فهم. موضحًا أن قصة الإنسانية هي قصة الصراع بين البشر بدءًا بالفرد مرورًا بالقبيلة والشعب وصولًا إلى الدولة والحضارة.
وأشار إلى أن هناك أمثلة كثيرة لتأثير التاريخ والجغرافيا، فمثلًا عند الحديث عن التحالف البازغ بين أستراليا وبريطانيا وأمريكا هو ليس تحالفًا بازغًا وإنما قديم منذ عام 1940، وكذلك الأمر بالنسبة للحرب بين روسيا وأوكرانيا فهناك جزء تاريخي وادعاءات متبادلة لها جذور تاريخية حول ارتباط أوكرانيا بروسيا.
لذا فمعرفة التاريخ ضرورية، وذكر السيد أبو الغيط بأنه شخصيًا شكّل نفسه معرفيًا منذ البداية بقراءة التاريخ، وبدون جغرافيا وتاريخ وفهم لعلاقات القوة بين الدول، وفهم تاريخ الإمبراطوريات من حيث النشأة والتمكين سيكون من الصعب فهم وتحليل العديد من الظواهر الدولية الحديثة.
وعبر اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب المدير العام بالمركز المصري، عن سعادته بتشريف معالي الأمين العام في المركز، باعتباره رجل دولة، رجل سياسة، رجل تاريخ، صانع قرار، وصاحب خبرة كبيرة في المناصب التي تولاها، وأنه يتفق مع معالي الأمين العام بشأن استشرافه لمستقبل في 2023 وما بعده، وأن توابع الزلازل التي حدثت خلال السنوات الماضية القليلة ستستمر معنا فترة طويلة، وذكر أن له سؤال مرتبط بمستقبل القضية الفلسطينية، وهي ما تزال قضية محورية وقضية أمن قومي في ظل أوضاع عربية صعبة للغاية وتطورات في الداخل الإسرائيلي، وإمكانية أن يكون هناك تحرك عربي جديد بشأن هذه القضية.
وفي إطار اجابته، تحدث الأمين العام عن تطور مبادرة السلام العربية، والتحديات التي واجهتها.. وأشار إلى تواصل الجهود من أجل أن تتصدر القضية الفلسطينية أولويات العالم، في وقت يزدحم بالتحديات والمشكلات العالمية. وأن القضية الفلسطينية، تعرضت إلى اختبار قاس خلال الأعوام السابقة بسبب سياسات نظرت للقضية بعيون إسرائيلية دون اعتبار لتاريخ الصراع وجوهره. وأضاف أن القضية الفلسطينية تعرّضت لـهزة شديدة جدا في السنوات الأخيرة، وأن دولا عربية كثيرة اهتزت، واهتز الإقليم كله، وانخفض التركيز على التسوية الفلسطينية.
وذكر الأمين العام أن رفض الجانب الإسرائيلي لـ”حل الدولتين” سيؤدي إلى وجود أغلبية فلسطينية في أرض فلسطين التاريخية، وسيُشكل مأزقًا مؤكدًا لإسرائيل في غضون 10 سنوات، وأن هناك حقيقة تتعلق بأن الفلسطينيين سيصبحون الأغلبية السكانية في المنطقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط في الأعوام المقبلة، وذكر أن عدد سكان فلسطين التاريخية حاليًا قد يكون 15 مليونا، نصفهم فلسطينيون وسيتجاوزون النصف بعد ذلك في غضون 10 سنوات. وفي هذه الحالة ماذا ستفعل إسرائيل معهم، ولن يكون بالإمكان الإبقاء على الأغلبية التي تضم ملايين المواطنين تحت الاحتلال الدائم، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك هجرة مضادة من اليهود، لأن مستوى المعيشة في العالم الغربي أعلى.
اللواء دكتور محمد مجاهد الزيات عضو الهيئة الاستشارية ذكر أنه سعيد جدًا للحديث مع السيد أبو الغيط، وأنه يتفق معه في أن أهم تحدي للعالم كله وللإقليم حاليًا هو التطورات العالمية، وشاهده على ذلك آخر تقرير للاستخبارات الإسرائيلية، والذي ذكر أن أهم التحديات بالنسبة لإسرائيل هو التطورات العالمية التي يمكن أن تنعكس على السياسة الخارجية لإسرائيل وعلى الأمن القومي الإسرائيلي، وتراجع التحدي الإيراني وأصبح في المرتبة الثانية بكل ما فيه. بالفعل التطورات العالمية متغير وتحدي حاكم دولي، وبالنسبة لنا إقليمي، سوف أركز في التساؤل على الإقليم بناءً على اتفاقنا أن أي سياسة خارجية للدولة تعتمد على قدراتها الداخلية، والبناء الداخلي، وقدراتها على امتلاك أدوات، للتأثير الخارجي، بهذا الشكل الإقليم يخضع لحقبة الإيرانية التركية بصورة أساسية تلحقها الحقبة الإسرائيلية، والسؤال هو هناك تصور للتعامل مع هذه التطورات الإقليمية؟
وأكد السيد أحمد أبو الغيط، في إجابته أن العالم العربي يواجه أوضاعًا صعبة مع الجيران في الإقليم، وأن إيران وتركيا وإسرائيل لها أهداف ومصالح تريد تحقيقها في المنطقة العربية، وفي العقد الأخير شهدنا نوعا من التهور السياسي من جانب تركيا وإيران اللتين أظهرتا أن لهما رغبة في الانقضاض على ما تصور أنه مكاسب لهما بسبب الفوضى التي دخلت فيها بعض دول المنطقة منذ 2011. وأن العلاقات العربية مع إسرائيل ستظل بعيدة عن القبول الشامل ما دام احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية مستمرا.
وأشار إلى أن الدور الإيراني في الحرب الروسية الأوكرانية سيؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين إيران والغرب، والصدام الإيراني العربي قد يكون له أثار بالغة على المنطقة. وأن الوضع في تركيا سيتأثر بنتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة.
ورحب دكتور جمال عبد الجواد عضو الهيئة الاستشارية؛ بمعالي الأمين العام، وأشاد بكتابي “شهادتي” و”شاهد على الخرب والسلام” من تأليف السيد أبو الغيط، باعتبارهما يمثلان رواية “بديلة” لرواية شاعت عن السياسة الخارجية المصرية، ودور مصر في الإقليم. وأضاف أن حديث الأمين العام عن العالم يثير عدد من التساؤلات للاستزادة من المعرفة، منها أننا بالتأكيد ليس من مصلحتنا أن تنهزم روسيا في هذه الحرب، وأيضًا لا يمكنا مساعدة روسيا على تجنب الهزيمة، فماذا نفعل؟ وهل الحرب الروسية الأوكرانية تمثل لنا أي فرص، بجانب التحديات التي نعاني منها؟
وأجاب السيد أبو الغيط؛ بأن الدول العربية توقعت الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية ضغط، وفكرة أن من لن يقف معي سوف يكون ضدي، لذا تم اقتراح دعوة عن الجامعة العربية لتشكيل مجموعة اتصال للقيام بالتوفيق أو الوساطة بين الطرفين، هنا انطلقت فكرة مجموعة اتصال المُشكلة من مصر والعراق والجزائر والسودان والأردن وذهبنا بهم إلى موسكو ووارسو. وبالرغم من أن فرص نجاح الوساطة لم تكن كبيرة، لأنك ليس لديك قدرة على التأثير على طرفي الصراع، لكن كانت محاولة للتعامل مع الضغوط المحتملة من أحد الأطراف عليك، دون مناصرة الاخر.
وأضاف الدكتور عبد الجواد: أخشى أن الأمور في هذا الصراع تضيق أكثر من ذلك، وأن فرصة المناورة والوقوف في موقف وسط تقل تدريجيًا.
ورد السيد أبو الغيط، بالفعل فإنها تقل كما يظهر في عمليات التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعندما يتم الحديث عن طرد روسيا من تنظيمات دولية. وأضاف أن المصلحة تتطلب الا يكون هناك اختيار بين الطرفين، لان هناك مصالح متبادلة مع الأطراف المختلفة. ومع ذلك لا تبدو أن هناك أي فرص متاحة مرتبطة بهذا الصراع، وأن استمراره سيؤدي لاستمرار التحديات المرتبطة به.
وعلق اللواء محمد قشقوش عضو الهيئة الاستشارية أن الروسية في أوكرانيا هي حرب بين دولتين ينتميان لنفس المدرسة الشرقية ونفس المدرسة التسليحية. ومصر مستفيدة من الحرب لأننا نقيم الأسلحة المستخدمة في الحرب بهدف تطوير اسلحتنا الشرقية أو الوقوف على نقاط قوتها وضعفها. كما تستفيد مصر من مشاهدة اعتزام اوكرانيا دمج سلاح غربي وسلاح شرقي في ساحة حرب واحدة.
وأجاب السيد أبو الغيط: هنا يصبح السؤال هل لا تزال الدبابة هي السلاح الاستراتيجي الأول في الحرب، أم الطائرة المسيرة، أم الصواريخ المحمولة والتكتيكية؟ وما هي حدود الحرب الالكترونية؟ وتأثير الدفاع الجوي في مواجهة مقاتلة تكلفتها 120 مليون دولار في مقابل طائرة مسيرة تكلفتها 100 دولار. هذه كل الدروس المستفادة، ورغم عدم كوني خبيرًا عسكريًا إلا أنني أدرك أهمية هذه الدروس.
تحدث دكتور حسن أبو طالب عضو الهيئة الاستشارية عن أن حل الدولتين في القضية الفلسطينية يبدو منتهيا، وأن الوضع في عام 2050 سيتحول إلى دولة واحدة تشهد صراعًا ممتدًا. وسأل عما هي أساليب إدارة الصراع من الجانب الفلسطيني في اتجاه حل الدولتين. وأضاف من أربع سنوات صدر تقرير من وزارة الأبحاث الألمانية ونصح الخارجية الألمانية عدم تبني حل الدولتين. وأكمل د. أبو طالب أنه كتب دراسة موسعة في هذا الموضوع، إلى أي مدى تقبل الجامعة العربية الممثلة للفكر العربي هذا الصراع في ضوء هذه التحولات وتحولات الحكومة الإسرائيلية؟
أجاب السيد أبو الغيط: الجامعة العربية تسير وفق إرادة صاحب القضية، وهم الفلسطينيين، وعلينا كجامعة عربية أن نحشد كافة الإمكانات لمصلحة القضية، والواقعية مطلوبة جدا، ومشكلتنا أحيانا أننا واقعيون جدا ونتفاعل مع الواقع بشكل سليم وفق الامكانات الخاصة بنا.
واستكمل الدكتور أبو طالب سؤالًا ثانيًا: إلى أي مدى يمكن الاستفادة من التجربة الإيرانية فيما يتعلق بالعقوبات، كونها لازالت قادرة على التأثير في المنطقة.
أجاب السيد أبو الغيط: المسألة هي استخدام مفهوم الشيعة، بمعنى أنا سيد الشيعة وممثل الشيعة المقيم في طهران وبالتالي كل شيعة العالم الاسلامي خاصين بي وهي نقطة اختلاف، لأنه لا يجوز أن ترد عليه بأننا ممثلين السنة لأنه يعني في وقتها اضعاف للعالم الاسلامي وشرخا فيه. والامر مرتبط بالبذرة التي وضعها برنارد لويس، وأخطر ما حصل أن مفكري واشنطن تبنوا هذه البذرة بأن هناك مسلمين متفرقين بين سنة وشيعة ويمكن أن نتعاون مع الشيعة ضد السنة، وهو ما أدى إلى تبني سياسات ساهمت في خراب المنطقة.
عبرت دكتور نهى بكر، عضو الهيئة الاستشارية، عن سعادتها باللقاء، وسألت عن تراجع أجندة الإرهاب على طاولة المجتمع الدولي وخاصة بعد صعود حكم طالبان واندلاع الحرب في أوكرانيا.
واتفق السيد أبو الغيط مع التعليق بشكل تام، وقال: تصوروا نقل تكنولوجيا عسكرية بيولوجية (قنبلة جرثومية) إلى أيدي الإرهابيين، وأتفق أن يكون مكافحة الإرهاب على صدارة الأجندات مرة أخرى، ولكن الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية هو قص أجنحة الصين في العالم. المعنى هنا أن المحرك الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية هي الصين، وعليه تراجعت أجندة الإرهاب.
استكملت دكتور نهى الصين في أفريقيا أصبحت حاضرة بقوة، رغم أنها تفتقد للحوكمة واعتبار المعايير الدولية في ملفات مثل المناخ. هل الجامعة العربية تشتبك مع هذه الملفات؟
أجاب السيد أبو الغيط، بالطبع نتدخل ولكن في حدود القدرة المتاحة، وأقول لكم أننا نبني خبراء في الشأن الصيني وشئون أخرى، ونستعين بخبراء خارجيين.
تداخل دكتور توفيق أكليمندوس عضو الهيئة الاستشارية في الجلسة الحوارية، معبرًا سعادته بكتاب “شاهد على الحرب والسلام”. تدخل السيد أبو الغيط موجها كامل الاحترام لشجاعة الرئيس الراحل “انور السادات” في شن الحرب وبدء عملية السلام. استكمل دكتور توفيق، لدي انطباع أن هناك معسكر غربي وآخر شرقي في العالم حاليا، هل يمكن القول إن هناك معسكر ثالث لا يتحيز لأي من المعسكرين؟
وأجاب السيد أبو الغيط هل تقول إن علينا خلق معسكر عدم انحياز جديد، ممكن جدًا، بزوغ عدم انحياز جديد ولكن في حالة وجود عناصر قادرة على تشكيله. ففي الخمسينيات كان هناك قادة أفارقة وآسيويون وشكلوا حركة عدم الانحياز التي بقت حتى 1991 مع انفجار الاتحاد السوفيتي. هنا انتفى عدم الانحياز.
واستكمل: أتصور أن هذه الحركة تحتاج الآن تشكيل عناصر جديدة ودول جديدة. في خضم هذا الاستقطاب لا يغيب عنا أن الشركات الأمريكية تنقل مصانعها إلى فيتنام (التي حاربت الغرب لثلاثين عامًا) هناك مصالح تم بناؤها، وتدخل الهند في تعاون لصيق مع الغرب، وكذلك الحال مع اليابان وكوريا.
تداخل الأستاذ محمد مرعي مدير المرصد المصري أن السيد “عمرو موسى” في لقاء صحفي معه مؤخرًا ألمح إلى عودة إحياء حركة تجمع دول العالم الثالث.
أجاب السيد أبو الغيط: هناك الآن أطر مختلفة منها دول البريكس، وهو إطار رباعي اقتصادي يضم الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، ولكن على سبيل المثال فإن البرازيل لن تخرج عن مبدأ مونرو الأمريكي مهما كانت قدرة البرازيل الاقتصادية. وعليه أقول إن الإطار سيكون اقتصاديًا فقط. وهناك توترات في العلاقات بين الهند والصين، وبالتالي فإن إنشاء حركة لعدم انحياز في الوقت الحالي غير مناسب طالما ليس هناك مرشحون لتشكيل الحركة.
تداخل دكتور توفيق مرة أخرى، وأشار إلى مقترح إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي بإنشاء جيش أوروبي مشترك، وردود الفعل الفرنسية والأوروبية على المقترح.
ورد السيد أبو الغيط: انصكم بقراءة كتاب القيادة لكاتبه هنري كيسنجر، ذكر فيه أن شارل ديجول طلب من “أيزنهاور” حماية نووية مباشرة من الولايات المتحدة أمام الاتحاد السوفيتي في حال الغزو. واقصد هنا أن الأوروبيين سيظلون متحدين طالما كان هناك تهديد روسي، ولكن في حال انزوى هذا التهديد فسيؤثر على الوحدة في إطار دول الاتحاد الأوروبي.
وسأل الاستاذ عزت ابراهيم عضو الهيئة الاستشارية عن الجيل الجديد من مراكز الابحاث في المنطقة العربية، ما هي نقاط القوة والضعف في هذه المراكز حتى هذه اللحظة؟ وما هي خطة الاصلاح لمراكز الابحاث؟
رد السيد أبو الغيط، مراكز الابحاث تحتاج بقوة للدعم المادي، بالإضافة إلى التنمية الدائمة لقدرات الباحثين، وتنمية القدرات على إتقان اللغات الأجنبية، واللغة هي مفتاح رئيسي للتطوير، والدول العربية لديها قدرات بشرية متميزة يمكن الاستفادة منها في مراكز الأبحاث، وهناك العديد من الدول العربية أصبح لديها مراكز متميزة للبحث والتفكير.
مداخلة الأستاذ أحمد عليبة رئيس وحدة التسلح في المركز المصري؛ حيث طرح تساؤل حول ما هو دور الجامعة العربية في الأزمات العربية المختلفة خصوصًا الأزمة الليبية.
وأجاب السيد أبو الغيط بأن سقوط الدولة الليبية أدى لصعود أمراء الحرب والمليشيات، وكل هذا تم في دولة تنتج مليون و200 ألف أو 400 ألف برميل، وإشكالية ليبيا تتمثل في المليشيات وتوزيع الثروات والتدخلات الأجنبية. وأكد السيد أحمد أبو الغيط على أهمية مواصلة الجهود الدولية والإقليمية لإخراج ليبيا من حالة الانسداد السياسي التي تمر بها من خلال الاتفاق على قاعدة دستورية وقانونية تُجرى على أساسها الانتخابات الوطنية، وعلى التواصل والتشاور بين جامعة الدول العربية والأمم المتحدة لدعم الجهود الرامية لتحقيق إعادة الاستقرار إلى ليبيا وعلى أهمية قيام الأطراف الليبية الفاعلة بإعلاء المصلحة الوطنية واتباع سبل الحوار للتوصل إلى تسوية للأزمة القائمة.
وأضاف عليبة سؤال حول هل نحن بحاجة لآليات جديدة في الجامعة العربية؟
وهنا أجاب أحمد أبو الغيط بأن الجامعة بالطبع في حاجة شديدة لآليات جديدة ولكن مشكلة الجامعة هنا هي مثل مشكلة مجلس الأمن حيث أن تعديل الإجراءات والمواثيق يحتاج لاجتماعات مطولة وهو ما قام مجلس الامن بعمله منذ 1991، وقد حاولنا في الجامعة العربية فعل ذلك منذ عشر سنوات عندما قال امين عام سابق للجامعة أن المشكلة في ميثاق الجامعة العربية رغم أنني لا أرى أن المشكلة في الميثاق، ونحن لا نستطيع أن نكون مثل الاتحاد الأوروبي لان فلسفة إنشاء الجامعة تختلف عن الاتحاد الأوروبي. الأوروبيين قتلوا على الأرض 100 مليون أوروبي قبل أن يصلوا لاتحاد يمنع الحرب بين ألمانيا وفرنسا.
و”النحاس باشا” قام قديمًا بعرض فكرة أن يكون قرار الجامعة فوق إرادة الدول ولكن لم يتحقق ذلك، فالجامعة هي جهاز تنسيقي تقوم بالتنسيق، وعلى أكثر تقدير توحيد. وما يحدث الآن هو محاولة الحفاظ على الجامعة العربية ككيان، وقد قبلت المهمة للحفاظ على هذا الكيان.
مداخلة الدكتور أحمد أمل – رئيس وحدة الدراسات الأفريقية بالمركز المصري؛ حيث طرح تساؤل حول الانعكاسات الدولية على القارة الأفريقية فمن الواضح أن أهمية القارة الاستراتيجية تتراجع وأنه يتم تقطيعها إلى مناطق تنافس بين القوى الكبرى.
وأجاب السيد أحمد أبو الغيط بان العديد من الدول العربية لها أدوار نشطة في أفريقيا، وأشار إلى دور مصر في القارة أثناء توليه مهمة وزير خارجية مصر، وارتفاع ميزانية صندوق التعاون الإقليمي الذي خصص للتعاون مع دول القارة الأفريقية، وذ كر السيد أبو الغيط أنه في 2006 حضر قمة أفريقية صينية في بكين وقال الرئيس الصيني في وقتها أن بكين تتبرع ب 3 مليار دولار في الثلاثة أعوام القادمة والرئيس الصيني الحالي يتحدث عن حوالي 10 مليار دولار ومن ثم فإنه لا يمكن المقارنة بالدور الصيني لأن الإمكانيات متفاوتة بشكل كبير جدًا وهو لا يعني تراجع الدور العربي.
الأستاذة/ الشيماء عرفات- الباحثة ببرنامج العلاقات الدولية: طرحت تساؤلُا حول أن ملامح التعاون المصري السعودي في قضية الطاقة النظيفة ووجود اتجاه لعمل سيارة كهربائية بتعاون مصري – سعودي يمكن أن تكون مبشرًا بأن تستطيع الجامعة أن تتحرك من خلال هذه المشاريع الصغيرة للتحرك وعمل اختراق في وجه المشاريع الغربية المعادية.
وقال أحمد أبو الغيط هذه المشاريع ستنجح في صياغة علاقة مصرية سعودية صحية واستراتيجية، وهي نماذج ناجحة للتعاون الثنائي بين الدول العربية.
الأستاذ محمود قاسم – برنامج الدراسات العربية: طرح سؤال عن حدود وأفاق التعاون في منطقة شرق المتوسط
وأجاب السيد أبو الغيط أن التعاون الاقتصادي مع دول شرق المتوسط يمكن أن يمتد لتعاون أمني شامل ويمكن أيضًا ألا يحدث ذلك، والذي خلق هذا الزخم هو الكشوفات في منطقة شرق المتوسط وما اكتشف حتى الآن ربما يمثل رأس جبل الجليد بمعنى أن المنطقة تعوم على حقل غاز كبير ويمكن أن يستدل على ذلك من الكشوفات اللبنانية والقبرصية والإسرائيلية والفلسطينية وكذلك الاكتشاف الأخير في العريش وهذه الحقول ستفرض تعاون، والمصريون كانوا من الحكمة لأخذ خطوات لأن يكونوا المركز في هذا الموضوع وبالتالي فهي أهداف طموحة وقابلة للتحقق.
الأستاذ/ شادي محسن- الملف الإسرائيلي؛ حيث طرح تساؤل حول أن البحر الأحمر منطقة مهمة جدًا وهل هناك رؤية في الجامعة العربية لمشروع مؤسسي في هذه المنطقة
وأجاب السيد أحمد أبو الغيط أن الولايات المتحدة لديها مخططات في منطقة المحيطين الهندي والهادي لأن الصدام القادم مع الصين لن يكون صدامًا على الأرض ولا في الجو ولكنه سيكون نزاع بحري، وبالتالي فإن التفكير الأمريكي في وجود قواعد وحاملات طائرات هو تفكير استراتيجي لحماية مصالحها، وقد تسعى لإشراك بعض دول المنطقة كأطراف منفردة.
الأستاذة/ منى قشطة – باحثة بوحدة الإرهاب والصراعات المسلحة: تساءلت حول ماذا عن القنبلة الموقوتة التي تأوي عشرات الآلاف من الدواعش في شمال شرق سوريا ولكما تم الحديث عن تفكيك هذه المخيمات كان هناك تنصل من قبل الدول الغربية وإلقاء المسئولية على عاتق الدول العربية.
وأجاب أمين الجامعة العربية بأن هذه المخيمات ينتقل منها المقاتلين لدول أخرى، والعديد من الدول الغربية ترفض استقبال من يحملون جنسيتهم من هؤلاء المقاتلين.
الأستاذ/ محمد منصور – باحث أول بالمرصد المصري، طرح تساؤل حول كان قرار طرد الخبراء الروس في حرب أكتوبر من العوامل التي أثرت على أداء مصر.
وأكد السيد أبو الغيط أنه لا يستطيع القول إن طرد الخبراء أثر على الأداء المصري لأن الفترة الزمنية الفاصلة قصيرة من يوليو 1972 وحتى أكتوبر 1973، وأنه حضر هذه الفترة وكتبتها في شاهد على الحرب والسلام
و أن الرئيس “السادات” قرأ الوضع بشكل منضبط جدًا وهو الحصول على أرض في سيناء، ومن ثم التفاوض، وبالتالي لا يمكن بعد 40 عامًا القول إنه تهاون في الحقوق المصرية، مؤكدًا ضرورة قراءة الوضع الاستراتيجي بدقة ولو بعد 50 عامًا. مضيفًا أن مارتن إنديك في كتابه الأخير اعترف على لسان كيسنجر إنه بعد 48 ساعة من الصدام خسرت إسرائيل على الجبهة المصرية 50 طائرة قتال و500 دبابة في الـ 48 ساعة الأولى، وبعدما جاء الدعم الأمريكي المباشر لإسرائيل، وأن الهدف السياسي الاستراتيجي للحرب تحقق، وهو فرض التفاوض على إسرائيل.
واختتم السيد أحمد أبو الغيط حديثه بالإشارة إلى أهمية تبنى الوطن العربي استراتيجيات غير تقليدية للتعامل مع العالم المتغير، والحاجة إلى الخيال في التفكير والجرأة في العمل لمواجهة التحديات الجديدة.
وانتهت الجلسة الحوارية بقيام الدكتور خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، بتوجيه الشكر لمعالي الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبو الغيط على مشاركته في هذه الجلسة الحوارية الثرية.