تنهض الدول بتعافي اقتصادها وازدهار الصناعات الحديثة في قطاعاتها المختلفة وتنوع إنتاجها المحلي، الذي يُمثل المكون الرئيس في قوة الاقتصاد القومي. بدوره المطور الأول في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتُمثل صناعة التكرير والبتروكيماويات في مصر إحدى الصناعات العصرية لما لها من ارتباط وثيق بالصناعات التكميلية، ففي أربعينيات القرن الماضي خطت الدولة المصرية خطواتها الأولى نحو صناعة التكرير والبتروكيماويات، حيث لامست على استحياء هذا المجال الثري بالقيمة المضافة وذلك بالتأسيس له في محافظة السويس. وتوالت الخطوات نحو ما يزيد عن ثلثي قرن من الزمان، حتى أصبحت تُمثل حجر الزاوية في الدولة المصرية فهي تُشكل واحدة من أهم أنشطة قطاع الطاقة المصري، والتي يعول عليها لتحقيق قيمة مضافة، مستفيدة في ذلك من توافر الغاز الطبيعي بكميات هائلة، وذلك ضمن استراتيجية تحول مصر لمركز إقليمي لتجارة وتداول النفط والغاز في المنطقة.
مدخل:
تُعد صناعة التكرير والبتروكيماويات من الصناعات الحديثة إذا ما قورنت بغيرها من الصناعات التقليدية، حيث لم تظهر أهميتها بشكل واضح وقوي إلا بعد الحرب العالمية الثانية وذلك بعد البدء في استخراج وتصنيع النفط بشكل كبير وواسع. حيث صارت صناعة الكيماويات العضوية تستخدمه كمادة خام بدلًا من خامات الفحم التي كانت تُستخدم من قبل وهو الأمر الذي أفرز اليوم صناعة البتروكيماويات، ورغم ذلك فإن صناعة التكرير والبتروكيماويات تُعد من أكثر الصناعات نموًا وتطورًا على المستوى العالمي في الوقت الحالي. يُستدل على ذلك من خلال المعدلات الكبيرة التي تنمو بها هذه الصناعة على المستوى العالمي، ولذلك فهي من القطاعات التي يعول عليها لقيادة عمليات التنمية والنمو الاقتصادي لما تتمتع به من نمو سريع وتنوع في منتجاتها، وتُساهم بقوة في تنويع مصادر الدخل في البلدان المنتجة للنفط التي تحتل فيها صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي مكانة الصدارة، وتلعب صناعة التكرير والبتروكيماويات كذلك دورًا مهمًا وحيويًا في تحسين فرص الاستفادة من الثروات الهيدروكربونية (النفط والغاز)، وذلك من خلال زيادة القيمة المضافة المحققة من برميل النفط الخام عندما يتم تصنيعه كمواد بتروكيماوية بدلًا من تصديره كنفط خام.
وعليه يمكن القول، إن النفط الخام سلعة عديمة القيمة دون تكريرها، ولكن يتم اشتقاق منتجات نفطية صالحة للاستخدام في الأجهزة والمعدات المستخدمة في حياتنا اليومية، ووفقًا لعمليات الاستغلال التي تبدأ من الحرق للحصول على الطاقة أو عمليات التحويل لسلع أخرى مثل البلاستيك والأسمدة فإن كل منتج نفطي يلبي الحاجة وفقًا لتقنية استخدام معينة.
تولي مصر اهتمامًا خاصًا بقطاع التكرير والبتروكيماويات، وذلك ضمن إستراتيجيتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المشتقات النفطية بحلول عام 2023.
إشكالية النفط في مصر:
مع تزايد استهلاك الوقود الأحفوري في مصر، تضطر الدولة إلى الاعتماد على الاستيراد في توفير احتياجات السوق المحلية، وهو ما يعرضها لتقلبات أسعار النفط والضغط على بند المصروفات في الموازنة. حيث إن استهلاك مصر من النفط ارتفع، خلال عام 2022، إلى حوالي 750 ألف برميل يوميًا، مقابل حوالي 644 ألف برميل يوميًا في عام 2021، وحوالي 598 ألف برميل يوميًا عام 2020. ولذلك نجد إن مستويات الاستهلاك قد سجلت أعلى مستوى لها بقرابة حوالي 836 ألف برميل من النفط في عام 2016، ثم تراجع إلى حوالي 801 ألف برميل يوميًا في عام 2017، وإلى حوالي 720 ألف برميل في عام 2018، وإلى حوالي 686 ألف برميل يوميًا في 2019.
حيث تُظهر البيانات المعلنة ارتفاع استهلاك مصر من المنتجات النفطية، خلال عام 2022، إلى حوالي 81 مليون طن؛ أي بنسبة ارتفاع سنوية حوالي 6.3%، والتي تضمنت حوالي 35.5 مليون طن من المنتجات النفطية، وحوالي 45.6 مليون طن من الغاز الطبيعي، كما يوضح الشكل التالي معدلات الاستهلاك النفطي في مصر خلال السنوات الماضية.
احتياطيات النفط في مصر:
وإستكمالًا لما سبق، توجد في الحقول المصرية للنفط حوالي 3 أنواع من النفط: الأول، هو الخام الخفيف والحلو الموجود في الحقول البرية بالصحراء الغربية، في حين يُستخرج النوعان الآخران-وهو من الخام المتوسط والحامض- من حقول خليج السويس وبلاعيم البحرية ويُجرى تكريره محليًا.
وعليه، تظهر البيانات المعلنة استقرار احتياطيات مصر من النفط وذلك بنهاية العام الماضي عند حوالي 3.3 مليار برميل. وكان أعلى مستوى سجله احتياطي مصر من النفط عام 1987، إذ بلغ حوالي 4.7 مليار برميل، مقابل حوالي 2.9 مليار برميل وذلك في عام 1980 الذي يُعد أدنى مستوى له. حيث ظل احتياطي مصر من النفط يتراوح صعودًا وهبوطًا ما بين مستويات 3.1 مليارًا و4.7 مليار برميل، كما هو موضوح في الشكل التالي.
التحديات التي تواجه صناعة التكرير والبتروكيماويات عالميًا:
بشكل عام، تواجه صناعة التكرير والبتروكيماويات العديد من التحديات في هذه الفترة والتي من الممكن حصرها في النقاط التالية:
ندرة المواد الأولية:
تُعتبر منطقتا أمريكا الشمالية والشرق الأوسط المصدرين الرئيسيين للمواد الأولية المستخدمة في هذه الصناعة، لكن يوجد احتمالية أن تكون الإمكانات الاستثمارية محدودة خلال السنوات الخمسة القادمة، كما أنه من المتوقع أن ينخفض توافر المواد الأولية في أمريكا الشمالية خلال السنوات العشر القادمة، وهو ما سيؤثر سلبًا علي الصناعة ككل وذلك بسبب الاهتمام العالمي المتنامي بضرورة التحول إلي الطاقة البديلة والنظيفة.
تهميش بعض الصناعات البتروكيماوية:
وذلك لانخفاض أرباحها خلال السنوات الماضية تم تقليص الكميات المنتجة من بعض المنتجات البتروكيماوية بشكل ملحوظ، وبالتحديد تلك التي تعتمد علي مركبات عطرية يرجع ذلك إلي أن شركات البتروكيماويات على مستوى العالم تعاني من تقلص هوامش الربح، بسبب ارتفاع تكلفة المواد الخام إلي جانب انخفاض سعر المنتجات وذلك منذ عام 2016.
وعليه يمكن القول، بإن صتاعة التكرير والبتروكيماويات تتأثر كثيرًا بسبب تلك التقلبات الحادة في الأسعار، مما يؤدي إلى عدم اليقين وفقدان الثقة لدى المستثمرين الجدد.
وعليه، تعكف الحكومة المصرية حاليًا على تعزيز فعالية معامل التكرير في جميع المواقع البترولية في مصر، حيث يهدف هذا الجهد إلى تسريع إنتاج البنزين والسولار والمشتقات البترولية الأخرى لتلبية احتياجات السوق المحلية من الوقود، خاصة فيما يتعلق بأنواع البنزين والسولار. بالإضافة إلى سعيها إلى خفض الاستيراد من المنتجات والمشتقات البترولية عبر استيراد النفط الخام من بعض الدول المجاورة وتكريره داخل الأراضي المصرية، مستفيدةً من القدرات الإنتاجية المحسنة لمعامل التكرير بعد تطبيق استراتيجية تحديثها وذلك بعد عام 2014.
توسعات ميدور للتكرير:
تُعَد مصفاة ميدور في مصر أحد المشروعات الإستراتيجية التي ينفذها قطاع النفط في مجال التكرير والتي تبلغ استثماراتها نحو أكثر من حوالي 9 مليارات دولار (إجمالي حجم الاستثمارات المستهدفة في مجال التكرير) وذلك لزيادة طاقات التكرير والبتروكيماويات.
حيث يجري حاليًا الإسراع في تنفيذ مشروعات تكرير جديدة باستثمارات تبلغ حوالي 7.5 مليار دولار، سيتم الانتهاء من تشغيلها تباعًا، والتي من أهمها مشروع توسعات مصفاة ميدور بالإسكندرية، ومجمع إنتاج السولار (الديزل) بشركة أنوبك في أسيوط، وتوسعات شركة السويس لتصنيع البترول متمثلة بمجمع التفحيم وإنتاج السولار، ومشروع تقطير المتكثفات بشركة النصر للبترول بالسويس، ومشروع التقطير الجوي بمصفاة أسيوط لتكرير البترول.
الاستراتيجية المصرية والتى تهدف إلى زيادة طاقات مصافي التكرير القائمة أنجزت عددًا من المشروعات المهمة، وذلك بهدف تأمين إمدادات المنتجات النفطية بالسوق المحلية، بشكل كامل خلال العام الحالي.
مصفاة ميدور هي أحد أوائل مصافي التكرير في الشرق الأوسط التي صممت لتواكب المعايير العالمية لمواصفات المنتجات وكذا المعايير البيئية الخاصة بمعالجة المخلفات. حيث تقع مصفاة ميدور علي حوالي 500 فدان داخل المنطقة الحرة بالعامرية غرب مدينة الإسكندرية علي 5 مستويات مستغلاً الطبيعة الطبوغرافية للموقع، حيث تبلغ الطاقة التكريرية التصميمية حوالي: 100 ألف برميل / يوم.
بشكل عام، يتميز تصميم وحدات معمل ميدور بالقدرة على تكرير أنواع مختلفة من الخامات وخلائطها، حيث تقوم إستراتيجية ميدور على الإستغلال الأمثل للإمكانيات التشغيلية العالية والقدرات التكنولوجية المتعددة لوحدات المعمل، وذلك من أجل تعظيم اقتصاديات التشغيل لتحقيق أقصى ربحية وإنتاج منتجات عالية الجودة بمواصفات عالمية مع ضمان المحافظة على البيئة.
والجدير بالذكر، تأتي توسعات مصفاة تكرير ميدور ضمن الاستراتيجية الطموحة التي تبنتها الدولة المصرية، وذلك منذ عام 2016 لتنفيذ سلسلة من المشروعات القومية الرامية لزيادة الإنتاج المحلي وتضييق الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك محليًا من المنتجات البترولية؛ من خلال تحديث إمكانيات مصافي تكرير البترول وإضافة توسعات جديدة إليها.
انعكاسات توسعات مصفاة ميدور للتكرير على خطة مصر للاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية:
يُعد مشروع توسعات مصفاة ميدور بالإسكندرية أحد أهم المشروعات المهمة لزيادة الطاقة التكريرية، وسيكون له العديد من الانعكاسات الإيجابية على خطة الدولة المصرية نحو الإكتفاء الذاتي من المنتجات والمشتقات البترولية، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- المشروع سيرفع الطاقة الإنتاجية الحالية للمصفاة بنحو حوالي 60% لتصل إلى حوالي 160 ألف برميل يوميًا، (من حوالي 100 ألف برميل يوميًا).
- تُساهم التوسعات في تحقيق أعلى ربح من خلال تكرير أنواع مختلفة من الزيت الخام بمرونة عالية تتفق مع متطلبات السوق المتقلبة.
- من المتوقع إن تصل الطاقة الإنتاجية السنوية للمشروع ستكون حوالي 1.3 مليون طن سولار، وحوالي 600 ألف طن بنزين عالي الأوكتين، وحوالي 700 ألف طن وقود نفاثات، وحوالي 226 ألف طن فحـم، وحوالي 145 ألف طن بوتاجاز، وحوالي 65 ألف طن كبريت.
- العمل على الاحتفاظ بالتميز كمعمل تكرير رائد في منطقة الشرق الأوسط، مع تأكيد الكفاءة من خلال أداء متميز رفيع.
- مشروع التوسعات الحالية ستكون قادرة على الإسهام بنحو حوالي 40% من الكميات التى يجري استيرادها لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحلي.
- تعزيز تنفيذ سياسة متزنة من التجديد والتنمية.
- المساهمة في توفير العملة الأجنبية المطلوبة لتمويل خطط التنمية الاقتصادية عن طريق تصدير منتجات بترولية حيوية.
- المساهمة في توفير منتجات بترولية بأعلى مواصفات الجودة.
- تُشكل التوسعات خطوة نحو تلبية احتياجات السوق المحلي والإكتفاء الذاتي من المنتجات والمشتقات البترولية.
- المساهمة في خفض فاتورة الاستيراد، فمشروع توسعات مصفاة تكرير ميدور سيعزز من دورها كأحد الروافد المهمة لتغذية السوق المحلى باحتياجاته.
- ستدخل 3 وحدات رئيسية مرحلة التشغيل بشكل نهائي، وذلك مع انتهاء التوسعات وهي وحدة معالجة السولار، ووحدة الكيروسين، ووحدة التقطير الجوي والتفريغي، حيث إن التوسعات المستهدفة في إنتاج الوقود البنزين، السولار، وقود الطائرات سيتم توجيها إلى السوق المحلية، وذلك لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحلي.
- المساهمة في زيادة طاقة التكرير والحصول على منتجات نفطية عالية القيمة، تتواكب مع المواصفات العالمية، بهدف المساهمة في تلبية جانب من احتياجات السوق المحلية وتصدير الفائض.
- الطاقة الإنتاجية لمصفاة ميدور ستزيد من المنتجات النفطية المختلفة، وفي مقدمتها السولار، ثم البنزين عالي الأوكتين، والبوتاجاز ووقود الطائرات، علاوة علي الفحم والكبريت.
- الكفاءات المصرية والمكون المحلي يبرز المشروع قدرة الكفاءات البترولية المصرية على مواكبة وتطبيق التكنولوجيات العالمية، مع الاعتماد على مكون محلي كبير في الوحدات الإنتاجية، مما يسهم في تخفيض التكاليف.
- المساهمة في تقليص حجم مستويات الاستيراد من المشتقات البترولية من الخارج، وذلك خلال العام الجاري، بالتزامن مع تشغيل توسعات مصفاة ميدور، على أن ترفع الحكومة من حجم تعاقداتها من النفط الخام اللازم لتشغيل مصافي التكرير الحكومية والخاصة، وذلك لإن خفض واردات المنتجات والمشتقات البترولية سيقلص الضغط على الدولار في مصر، ويخفض قيمة فاتورة الاستيراد الشهرية.
- مشروع توسعات مصفاة (ميدور) لتكرير البترول بالإسكندرية من أكبر المشروعات التي تجري تنفيذها على صعيد الاقتصاد المصري وليس في قطاع البترول والغاز فقط والتي سنلمس مردودها الاقتصادي الكبير عند اكتمال التنفيذ، وذلك من خلال زيادة الإنتاج المحلي من المنتجات البترولية وخفض تكاليف استيرادها وتوفير النقد الأجنبي.
- حيث يجري الربط حاليًا بين الوحدات التكريرية القائمة بالفعل والوحدات الجديدة والمُعدلة تمهيدًا وذلك لبدء التشغيل لكامل الوحدات ورفع حجم الطاقات المُكررة للوصول إلى حوالي 160 ألف برميل يوميًا، كما أن توسعات مصفاة ميدور ستوفر نحو حوالي 40% من واردات مصر من الوقود خلال السنوات القادمة.
هذا وخلال الفترة من عام 2014 وحتى الآن فقد تم تشغيل أكبر مشروعين في مجال صناعة البتروكيماويات بإجمالي حجم استثمارات أكثر من 4 مليارات دولار، حيث افتتحهما الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية في عام 2016:
مشروع توسعات شرق موبكو (دمياط):
افتتح المشروع في مايو عام 2016، حيث يهدف المشروع إلي إنتاج اليوريا والأمونيا وذلك لتغطية احتياجات السوق المحلي وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمشروع حوالي 1.38 مليون طن سنويًا، وذلك بتكلفة استثمارية حوالي 1.96 مليار دولار.
مشروع إنتاج الإيثلين ومشتقاته (الإسكندرية):
أفتتح المشروع في أغسطس من عام 2016، بطاقة إنتاجية حوالي 460 ألف طن سنويًا من الإيثيلين الذي يُستخدم في إنتاج حوالي 400 ألف طن سنويًا من البولي إيثلين منخفض وعالي الكثافة، بالإضافة إلي حوالي أكثر من 20 ألف طن سنويًا بيوتاديين التي تتميز باعتماد العديد من الصناعات الصغيرة والمتوسطة عليها، مثل صناعات مواد التشييد والبناء وخطوط المواسير والتعبئة والتغليف البلاستيكية، والعديد من الصناعات المتنوعة، وبلغت التكلفة الاستثمارية للمشروع حوالي 1.93 مليار دولار.
وتم إنشاء محطة كهرباء بشركة إيثيدكو (المرحلة الأولى والثانية) لتوليد الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل مجمع الإيثيلين ومشتقاته، والتي تشمل المرحلة الأولى إنشاء عدد 3 توربينات بقدرة حوالي 100 ميجاوات. حيث تشمل المرحلة الثانية إنشاء محطة محولات للربط على الشبكة القومية للكهرباء لتصدير الفائض أو لتغطية العجز في حالة توقف التوربينات، حيث تبلغ إجمالي تكلفة المرحلتين حوالي 150 مليون دولار، وقد تم الإنتهاء من تشغيل المشروع في مارس عام 2019.
واستكمالًا لاستراتيجية الدولة المصرية للنهوض بصناعة التكرير والبتروكيماويات وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، تقوم مصر حاليًا بتنمية عدد من المشروعات الجديدة والواعدة والتي تهدف إلي تعظيم القيمة المضافة والتي سيكون لها العديد من الإيجابيات والمردود القوي على الاقتصاد القومي، جاري تنفيذ عدد من المشروعات البتروكيماوية وبإجمالي تكلفة حوالي أكثر من 9 مليار دولار.
مجمع التكرير والبتروكيماويات بمدينة العلمين الجديدة:
استكمالًا لنهج الدولة المصرية في دعم توجه الدولة نحو بناء كيانات اقتصادية كبرى تساهم في تخفيف التنمية المستدامة بالمجتمعات العمرانية الجديدة، يشهد مجمع التكرير والبتروكيماويات بمدينة العلمين الجديدة تقدم كبير في أعمال تطويره لاسيما بعد تأسيس شركة المشروع العلمين في سبتمبر من عام 2021 لتنمية المجمع، كما يتم حاليًا اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأسيس شركة للمرافق وفقًا للمخطط العام، وإمداد کامل مشروعات مجمع العلمين باحتياجاتها من المرافق والغازات الصناعية والخدمات اللوجستية. حيث يضم مجمع العلمين العديد من المشروعات بإجمالي استثمارات تتخطى حوالي 10 مليارات دولار، ويضم مشروع مجمع التكرير والبتروكيماويات استثمارات تقدر بنحو حوالي 8.7 مليار دولار، حيث يهدف إلي إنتاج حوالي 3.2 مليون طن سنويًا من المنتجات البتروكيماوية المتخصصة، بالإضافة إلي حوالي 1.6 ألف طن سنويًا من المنتجات البترولية اعتمادًا علي حوالي 3.8 مليون طن من الزيت الخام المنتج من حقول الصحراء الغربية. كما تضم مشروعات مجمع العلمين مشروع إنتاج كربونات الصوديوم الصودا آش، والذي يهدف إلي زيادة القيمة المضافة للمصادر الطبيعية المتوفرة في مصر، والمتمثلة في خام الملح والحجر الجيري وذلك بإنتاج مادة الصودا اش بطاقة تصميمية حوالي 600 ألف طن سنويًا، وحوالي 100 ألف طن سنويًا من مادة بيكربونات الصوديوم، و50 ألف طن سنويًا من مواد متخصصة أخرى باستثمارات تقديرية حوالي 480 مليون دولار، كما هو موضح في الشكل التالي.
عائد المشروعات الجديدة على الدولة المصرية وإشادة وكالة فيتش:
تتميز المشروعات الجديدة والمخطط تنفيذها والانتهاء منها بمردود قوي، وستقام على مساحة حوالي 1600 فدان بالمنطقة الصناعية بمدينة العلمين الجديدة وبإجمالي حجم استثمارات تُقدر بحوالي 10.5 مليارات دولار. وذلك لإنتاج أكثر من حوالي 6 ملايين طن سنويًا من المنتجات البتروكيماوية والكيماوية المتخصصة وغير التقليدية، والتي لا يتم إنتاجها محليًا. مما سينعكس إيجابيًا على منطقة العلمين الجديدة لكونها تُعد ظهيرًا صناعيًا واعدًا لإقامة الكثير من الصناعات الاستراتيجية والرئيسة والتكميلية، والتي تهدف في المقام الأول إلي تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تستهدفها الدولة المصرية بالمنطقة، كما يتم تنفيذ الخطط المحددة لإقامة تلك المشروعات على أعلى مستوى من التكنولوجيا والتقنيات الحديثة والمتطورة، وكذلك الاستفادة من التجارب الناجحة عالميًا في هذا المجال.
مقترحات لتطوير:
تُمثل صناعة التكرير والبتروكيماويات قاطرة التنمية التي تساهم فى تعظيم القيمة المضافة للثروات البترولية، حيث تتسم بالعديد من السمات الأساسية من أهمها ضخامة حجم الإنتاج الاقتصادى، كثافة استخدام مواد التغذية العالية، وعلى الرغم من المنافسة التي تشهدها أسواق البتروكيماويات العالمية ووجود دول متقدمة فى هذا المجال إلا أن مصر لديها كل المقومات اللازمة لقيام صناعة بتروكيماوية متميزة فى منتجاتها وقوية فى اقتصادياتها. ولذلك أخذت مصر العديد من الخطوات الجادة والتي تهدف إلي إدارة هذا الملف بصورة شاملة لتحقيق التنمية المستدامة، ولكن لا تزال هناك العديد من التحديات والعقبات، ومن هنا يمكن الإشارة إلى بعض المقترحات التي من الممكن أن تُسهم في تذليل تلك العقبات ومنها:
- تحتاج صناعة التكرير والبتروكيماويات إلي تعزيز وتسريع جهود الابتكار والبحث العلمي، بهدف تطوير مواد أكثر فاعلية واستدامة بتكاليف منخفضة، فإن إنشاء مراكز بحثية يمكن أن يعزز ويكمل البرامج الحالية، ويدفع حدود الابتكار إلي آفاق جدية من خلال التعاون العالمي.
- وفي إطار العمل على التوسع في مشروعات صناعة التكرير والبتروكيماويات انطلاقًا من عوائدها المتميزة اقتصاديًا وتوفيرها خامات أساسية للسوق المحلي، ولذلك يجب العمل علي ضرورة التغلب علي تحديات تلك الصناعة والتي من أهمها توفير المادة الخام، وذلك من خلال تعزيز التعاون مع دول الجوار مثل ليبيا والكويت وغيرها من الدول النفطية الكبري.
- الاقتصاد المصري من المرجح أن يحقق نموًا مستدامًا مع الانتقال من الاعتماد علي الاستيراد إلي التوجه نحو التصدير، وأكدت علي أن المنتجات المصنعة محليًا أصبحت أكثر تنافسية في الخارج، ولذلك يجب زيادة العمل علي جذب الاستثمارات والشركات الدولية، والتي تهدف إلي توسيع نشاط التصنيع المحلي في مصر والاستفادة من سوق العمل الكبير، والخدمات اللوجستية الجيدة وإمكانية الوصول إلي الأسواق الإقليمية.
- أصبحت المخاوف البيئية بشكل متزايد تحدياً كبيراً لصناعة البتروكيماويات، ويرتبط إنتاج البتروكيماويات بانبعاثات الغازات الدفيئة وغيرها من القضايا البيئية. ونتيجة لذلك، هناك طلب متزايد على المنتجات البتروكيماوية المستدامة والصديقة للبيئة. ولذلك يجب العمل علي ضرورة زيادة مخصصات البحث والتطوير بهدف تطوير المواد الخام الحيوية وتقليل التأثير البيئي لإنتاج البتروكيماويات.
- ضرورة تبني مفهوم الاقتصاد الدائري لخفض كمية النفايات البلاستكية المتولدة، والحد من انبعاثات الكربون، لأن تحقيق استدامة مدخلات صناعة البتروكيماويات لا يقل أهمية عن تحول الطاقة لتحقيق الحياد الكربوني، ولهذا تُشكل عملية تدوير النفايات إلى المواد الأولية أمرًا بالغ الأهمية، كما تتطلب تقنيات وشراكات جديدة لتقديم الاستثمارات اللازمة على طول سلسلة القيمة بأكملها.
- الاستفادة من تكامل الإمكانات العلمية المتاحة في الجامعات والمراكز البحثية والصناعية، مع ضرورة العمل علي تعزيز التعاون الدولي والإقليمي بين المعاهد البحثية الحكومية، والخاصة والشركات الصناعية.
مجمل القول، مما لا شك فيه إن قطاع التكرير والبتروكيماويات المصري لا يزال يستشرف أفاق واعدة للاستثمار لما يتمتع به من مزايا تنافسية عالية، والتي جعلته يحظى بدعم غير مسبوق على كافة المستويات. ولذلك تخطط الدولة المصرية للتحول إلي تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة وذلك من خلال التوسع في مشروعات النفط والغاز، حيث تولي الحكومة المصرية اهتمامًا كبيرًا بقطاع الطاقة خلال السنوات الأخيرة. وعليه بدأت في تنفيذ عدد من المشروعات الضخمة في مجال التكرير والبتروكيماويات، وذلك من أجل هدف توفير احتياجاتها من المشتقات النفطية، والتي تكلف الموازنة العامة للدولة أعباء مضاعفة نتيجة استيرادها من الخارج، وعليه يمكن القول، بأن تطبيق استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة يُعد أحد أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالأخص صناعة التكرير والبتروكيماويات، حيث إنها تُشكل أهمية كبيرة في تحقيق القيمة المضافة ودفع عجلة الإنتاج وتحسين وتيرة الاقتصاد محليًا وخارجيًا، وهو ما جعلها تخطو خطوات جادة وسريعة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية، وذلك من خلال عوامل عدة شملت عمليات الاستكشاف والإنتاج، ورفع كفاءة وتطوير منظومة التكرير، وتنويع مصادر الطاقة، والتوسع في المشروعات التي تساعد في ترشيد استهلاك الوقود، وأيضًا تلك التي تسهم في جذب المزيد من الاستثمارات لقطاع النفط والطاقة.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة