في ظل استمرار الصراع العسكري بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، وما ترتب عليه من تدهور كبير في الوضع الإنساني ونزوح داخلي وخارجي، في حالة عدم وصول الأطراف إلى تسوية سريعة للصراع؛ فسترتفع تكلفته وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى تدخل دولي. تلك الحالة تفرض أسئلة مشروعة، أولها: ما تأثير الصراع على مستقبل السودان؟ وثانيها: ما مدى احتمالات التدخل الخارجي في السودان؟
التطورات الراهنة للصراع
دخلت الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع الشهر الرابع دون نهاية تلوح في الأفق بالسودان، ويتركز الاقتتال بشكل كبير حول العاصمة الخرطوم، مع بعض المناطق في ولايات شمال وغرب وجنوب دارفور، في الوقت الذي فشل فيه تطبيق جميع الهدن منذ بداية الأزمة، وفي ظل تدهور الوضع الإنساني بشكل خاص في الخرطوم وبعض ولايات دارفور. وقد أدت الصراعات العسكرية المتصاعدة يوميًا في السودان إلى تفاقم الأوضاع المتردية بالفعل، وربما تقود إلى تمدد الصراعات ذات الطابع الإثني والقبلي في ظل دولة تعاني من حالة من عدم الاندماج ومشروع الدولة الوطنية منذ خمسينيات القرن المنصرم.
وتؤكد مؤشرات الصراع المسلح للأزمة في السودان احتمالية تمددها إلى الدول المجاورة، في حالة عدم ظهور أية بوادر على تراجع القتال ووضع حد للمعارك المستمرة بين الأطراف المتحاربة، لا سيما في ظل لجوء الأطراف للعنف والتغيير بالقوة لحسم الصراع، مما يقود إلى أوضاع معقدة ربما تعصف بوحدة الدولة السودانية.
كما اتسعت دائرة الأطراف المشاركة في الصراع، بعد أن اشتبكت قوات تابعة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام مع مليشيا الدعم السريع غرب مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان في مطلع يوليو الجاري. وقد ضمت القوة المشتركة كلًا من حركة العدل والمساواة، وجيش تحرير السودان، وتجمع قوى تحرير السودان، والتحالف السوداني، والتي سعت لتأمين ولاية شمال دارفور في أعقاب الفراغ الأمني الذي خلّفه انسحاب الجيش إلى الخرطوم، بالإضافة إلى تأمين نقل المساعدات الإنسانية لجميع ولايات دارفور.
وفي وقت سابق كانت مليشيا الدعم السريع تسعى منذ بداية الحرب للسيطرة على مدينة الأبيض الاستراتيجية الرابطة بين جميع ولايات دارفور الخمس وولايات كردفان الأخرى، حيث دارت معارك شرسة مع الجيش للسيطرة على مطار الأبيض، إلا أن محاولات المليشيا باءت بالفشل. تلك المحاولة جاءت متزامنة مع هجوم شنته الحركة الشعبية-الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو على مواقع عسكرية للجيش السوداني، في ولاية النيل الأزرق، مما يثير مخاوف دولية من تمدد الصراعات العسكرية إلى دولة جنوب السودان وإثيوبيا.
>> البعد الإغاثي والإنساني في قمة دول جوار السودان
التأثيرات المستقبلية لاستمرار الصراع
فرضت الحرب في السودان واقعًا جديدًا وغيرت الكثير من المعادلات سياسيًا، وعسكريًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وأي حلول سوف تتطلب معالجات جديدة، ورؤية توافقية لمواجهة متطلبات إعادة الإعمار، وتحقيق الاستقرار المطلوب لإخراج الدولة من أزمتها، خاصة مع واقع تركز الحرب في العاصمة وليس في الأطراف كما كان الحال في صراعات السودان السابقة.
محاولة القفز على الواقع الجديد الذي أفرزته الحرب سيقود السودان إلى دورة أخرى من عدم الاستقرار والحروب، ويجعله عرضة لمخططات الطامعين في أراضيه وموارده الطبيعية، فضلًا عن مشروعات تقسيمه أو فتح مجال للتدخل الأجنبي العسكري على الأرض السودانية، والذي لا يعني فقط استمرار الصراع وعدم الاستقرار، بل قد يفتح الباب أمام احتمالات تمدد الإرهاب إلى السودان، والأمثلة كثيرة من ليبيا، لنيجريا، وموزمبيق، والصومال، واليمن، وسوريا، والعراق.
بهذا تكون انعكاسات استمرار الصراع على مستقبل الدولة السودانية بالغة الخطر، نتيجة وجود بيئة أمنية هشة، فضلًا عن الإثنيات العابرة للحدود، واشتعال الأوضاع في العاصمة الخرطوم ومدن إقليم دارفور الرئيسية مثل: الجنينة، زالنجي، نيالا، وبجانب مناطق مهمة في مقدمتها ميناء “أم دافوق” البري الرابط بين السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، ورهيد البردي ومنواشي بولاية جنوب دارفور، وكتم وطويلة والفاشر بولاية شمال دارفور.
أفق المحاولات الإقليمية لاحتواء الصراع
أكدت مخرجات قمة القاهرة لدول جوار السودان، التي انعقدت في 13 يوليو الجاري، حرصها على معالجة جذور الأزمة، والوصول لحل سياسي شامل ووقف العدائيات بين طرفي الصراع في السودان. وأيضًا طرحت تشكيل آلية مشتركة وخطة عمل إقليمية تهدف إلى مضاعفة الجهود لحل الصراع الجاري في السودان، من خلال تشكيل آلية وزارية مكونة من وزراء خارجية دول الجوار السوداني لتنسيق الجهود المشتركة لحل النزاع. وشاركت جميع دول جوار في مقدمتها الدولة المستضيفة مصر، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، وإريتريا، وإثيوبيا، وليبيا، وجنوب السودان، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد.
كما توافقت الدول المشاركة على مبادئ الاحترام الكامل لسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، واعتبار الصراع الحالي شأنًا سودانيًا داخليًا، وضرورة عدم التدخل الخارجي في الأزمة. وأقرت الوثيقة بالحاجة الملحة لحل سياسي لوقف الصراع المستمر، وإطلاق حوار وطني شامل بين الأطراف السودانية.
ومع اتساع نطاق الصراع في السودان، وارتفاع تكلفته المادية والإنسانية، ما تزال الفرصة سانحة من أجل وقف هذه الخسائر، بتنحية القوى الخارجية المعنية بالسودان أجنداتها الخاصة من أجل تبني أجندة تدفع باتجاه الاستقرار الإقليمي، من خلال تكامل الجهود والعمل على بناء استجابة توافقية تعالج الأزمة السودانية من جذورها.