فى تقرير قاتم عن تدهور الوضع الاقتصادى والاجتماعى فى قطاع غزة، أكد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن استعادة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التى كانت سائدة قبل الحرب فى غزة ستستغرق عقودا من الزمن وعشرات المليارات من الدولارات لجبر الدمار الذى لحق بالقطاع.وسلط التقرير الضوء على الحاجة الملحة لكسر دائرة التدمير الاقتصادى التى جعلت 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الدولية.
تشير التقديرات إلى أن الناتج المحلى الإجمالى فى غزة انكمش بنسبة 4.5% فى الثلاثة أرباع الأولى من عام 2023. أدت العملية العسكرية إلى تسريع هذا الانخفاض وعجلت بانكماش الناتج المحلى الإجمالى على مدى العام بأكمله بنسبة 24% وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 26.1%. وأوضح التقرير أنه إذا انتهت العملية العسكرية الحالية وبدأت عملية إعادة الإعمار على الفور واستمر اتجاه النمو فى الفترة 2007-2022 بمتوسط معدل نمو قدره 0.4%، فلن يتمكن الاقتصاد من استعادة مستويات الناتج المحلى الإجمالى لعام 2022 فى غزة إلا فى عام 2092، مع استمرار نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى والظروف الاجتماعية والاقتصادية فى التدهور. ومع ذلك، حتى فى ظل السيناريو الأكثر تفاؤلا المتمثل فى نمو الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 10% سنويا، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى فى غزة لن يعود الى المستوى الذى حققه فى عام 2006 –أى قبل الحصار – إلا فى عام 2035.
تعافى اقتصاد غزة من الحرب الحالية سيتطلب التزاما ماليا، يعادل عدة أضعاف المبلغ الذى كان مطلوبا للتعافى بعد العملية العسكرية الإسرائيلية فى غزة عام 2014، وهو 3.9 مليار دولار، وسيتطلب تضافر الجهود الدولية لاستعادة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التى كانت سائدة ما قبل الحرب. كما أن إمكانية وسرعة التعافى فى غزة ستعتمد على سرعة إنهاء الحرب، ومشاركة المانحين، وأداء النمو اللاحق.
فى أحسن السيناريوهات، حتى مع وقف العملية العسكرية فورا، فإن إعادة غزة إلى مستوى الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتدنية التى كانت سائدة قبل اندلاع الحرب الراهنة، قد يستغرق عقودا من الزمن وسيتطلب دعم المجتمع الدولى لبرنامج إنعاش ممول ومدعوم بالكامل من المجتمع الدولى، لاسيما مع ما أدت إليه هذه الحرب المستمرة إلى نزوح 85% من سكان غزة داخليا، ووقف الأنشطة الاقتصادية وتفاقم الفقر والبطالة، التى ارتفعت إلى 79.3%، وتضرر أو تدمر 37379 مبنى كليا، أى ما يعادل 18% من إجمالى المبانى فى قطاع غزة.
إذا كان اقتصاد غزة، حتى فى فترة ما قبل الحرب، فريدا من نوعه، بسبب سنوات من العزلة والصراعات المستمرة (كان 81% من السكان يعتبرون فقراء ويعتمدون على المساعدات الدولية)، فإن الوضع مع الحرب اشد وطأة وتعقيدا. مما لا شك فيه ان الحروب السابقة على غزة (خاصة 2008-2009 و2014) كانت أقل شراسة، ولم تنطو على أزمات إنسانية ونزوح سكانى بحجم ما أفرزته الحرب الراهنة. ولم تخلق حالة مماثلة من الجوع والعطش والمرض والصدمة النفسية وغيرها من التداعيات الاجتماعية والإنسانية لهذه الحرب. قطاع غزة، الذى يقارب الأطفال نصف عدد سكانه، أصبح الآن غير صالح للسكن تقريبا، حيث يفتقر الناس إلى مصادر الدخل والوصول إلى المياه، والصرف الصحى وخدمات التعليم. أضف الى ذلك تدهور النظام الصحى، الذى يعانى أصلا الآثار الطويلة الأجل للحصار المفروض منذ 16 عاما ولعمليات التصعيد العسكرى السابقة.
محاولة الخروج من هذا الوضع المأساوى تستدعى القيام بإجراءات مستعجلة تبدأ أولا، بإيقاف الحرب بشكل فوري. ثانيا، سرعة توفير الإمدادات. ثالثا، قدرة المجتمع الدولى على إعادة بناء القطاع المدمر، خاصة فى ظل ظروف اقتصادية عالمية مأزومة جراء توالى أزمات الأوبئة والحروب والتغير المناخي.رابعا التركيز على التنمية وليس فقط تقديم المساعدات الإنسانية، خاصة ان التجربة فى السنوات الماضية أثبتت بطء عمليات إعادة الإعمار واعتماد غزة على المساعدات بشكل اساسى.
بعد ان تضع الحرب اوزارها، ومع كل ما يمكن للمجتمع الدولى اتخاذه من إجراءات ومساعدات،والتى ليس من المستبعد ان تكون مخيبة للآمال، فإن عدم معالجة الأسباب الجذرية للصراع الذى طال أمده، ستبقى أى جهود لتحقيق التعافى الاجتماعى والاقتصادى فى غزة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة غير كافية وقصيرة الأجل.