يُعد الفاعل الرئيسي في العلاقات الدولية، وفقًا للنظرية الواقعية، هو “الدولة”، في حين أن باقي الجهات الفاعلة غير المنتمية للحكومة، لا تزال تستمد أهميتها من الدولة ولا يمكنها التصرف على الساحة الدولية إلا من خلالها. بيد أن في العقود الأخيرة ظهرت العديد من الانتقادات للنظرية الواقعية، وذلك نظرًا لتنامي دور “الفاعلين من دون الدول” بشكل واضح على الساحة الدولية، الأمر الذي يتضح من خلال الهجمات الأخيرة التي شنتها جماعة الحوثيين على البحر الأحمر وما تلاها من تداعيات هددت الأمن البحري، ليس فقط لدول المنطقة، بل أيضًا للقوى الغربية. وردًا على تلك الهجمات، استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا نحو 60 هدفًا في 16 موقعًا للحوثيين في اليمن يوم الثاني عشر من يناير 2024، وبحسب تصريحات قائد القوات الجوية في القيادة المركزية الأمريكية “أليكس غرينكويتش”، هدفت الهجمة الأمريكية-البريطانية المشتركة إلى إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين وحماية التجارة العالمية. لم تنجح المساعي الغربية في ردع جماعة الحوثي، حيث أنه لا يزال الوضع مُحتقنًا في منطقة البحر الأحمر حتى وقت كتابة هذه السطور. الأمر الذي دفع نحو بحث ما شكلته هجمات الحوثيين من عواقب وخيمة على الأمن البحري للقوى الإقليمية والدولية، وما ترتب عليها من ردود دولية، وذلك من خلال التطرق أولًا إلى العوامل المسببة في ظهور وتنامي دور الفاعلين من دون الدول.
صعود الحوثي كفاعل من دون الدول
إن ظاهرة الفاعلين من دون الدول تُعد عالمية في نطاقها ولا تقتصر تداعيتها بأي حال من الأحوال على منطقة بعينها، بل إن تأثيراتها عابرة للحدود، لا سيما في ظل نظام عالمي يتسم بالعولمة، وهو ما دفع عددًا من الدول إلى تصنيف مثل هذه الجماعات كمنظمات إرهابية؛ نظرًا لما تمثله من تهديد لمصالحهم ولأمنهم القومي.
وتوجد جُملة من الأسباب التي تساهم في تشكيل الفاعلين من دون الدول وتعزيز وجودهم داخل وخارج حدود الدولة، ويمكن تقسيمها إلى أسباب داخلية وأسباب خارجية.
تأتي في مقدمة الأسباب الداخلية، التركيبة الداخلية للدول، فإذا كانت الدولة عُرضة للصراعات الداخلية والحروب الأهلية نظرًا لتعدد الاختلافات العرقية أو الدينية أو الإثنية بها، فيُعد ذلك من العوامل المعززة لظهور الفاعلين من دون الدول. إذ إنه ستستغل تلك الفصائل تهميش بعض الجماعات من قبل الدولة وستعمل على تجنيدهم وتوفر ما لم توفره الدولة لهم لاكتساب دعمهم. تجلت هذه الاستراتيجية بشكل كبير مع ظهور الحوثيين في اليمن، حيث بدأت تلك الجماعة في النشاط مع تشكيل أول حركة باسم “الشباب المؤمن” في بداية التسعينيات، مدفوعة بواقع التهميش الذي تعاني منه مناطق الزيديين في اليمن. اتسع فيما بعد نطاق نشاط الحركة، ليشمل تقديم خدمات اجتماعية، ثم اكتسب طابعًا سياسيًا أكثر وضوحًا عبر معارضة حكم الرئيس اليمني السابق “علي عبد الله صالح”. ويتعلق ثاني الأسباب بضعف وهشاشة الدولة وعدم الاستقرار السياسي بها، فعلى سبيل المثال، كان سقوط حكم “صالح” في اليمن عام 2012 عقب الربيع العربي بمثابة فرصة ثمينة للحوثيين لتعزيز موقعهم ونفوذهم في البلاد. فيما تكمن ثالث الأسباب في استعانة بعض الحكومات بالمليشيات المسلحة في صراعاتها الداخلية؛ الأمر الذي تجلى من خلال تحالف “صالح” مع الحوثيين في 2014، بعد سقوط السلطة الشرعية في اليمن، لاستعادة السيطرة على صنعاء.
أما عن الأسباب الخارجية، يتعلق أولها بالدعم المالي والعسكري من قبل بعض الدول للفاعلين من دون الدول لخدمة أهدافها ومصالحها في المنطقة، وتعد إيران أبرز مثال على ذلك، حيث ترعى طهران العديد من الفاعلين من دون الدول في العالم العربي، مثل الحوثيين في اليمن. إذ دعمت إيران ماليًا وعسكريًا المليشيا، عبر تزويد الحركة بالصواريخ البالستية والأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتفجرات والقذائف، وبناء مصانع الأسلحة الخاصة بالحوثيين، مما ساهم بدوره في ترقية قدراتهم الدفاعية. وفي سياق متصل، أشارت بعض المصادر إلى أن قادة ومستشارين من الحرس الثوري الإيراني يقدمون البيانات والمعلومات الاستخباراتية لمساعدة الحوثيين في استهداف سفن البحر الأحمر. يتصل ثانيها بالتهديدات الخارجية التي تعزز من ظهور وتنامي دور تلك الجماعات، يستغل الحوثيون العوامل السياقية لبناء خطابهم السياسي، حيث منذ الحرب على قطاع غزة، نجحوا في حشد الجمهور المناهض لإسرائيل لتحقيق أهدافهم الخاصة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
سياق مُحفز
منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 وما تلاها من حرب على قطاع غزة من قبل القوات الإسرائيلية، تصاعد دور الفاعلين من دون الدول داخل المنطقة، وعلى الأخص الحوثيون الذين أعلنوا تدخلهم بزعم مساندة الشعب الفلسطيني في ظل ما يشهده القطاع من حصار يحول دون قدرة الشعب الفلسطيني على العيش، حيث أكدوا استعداد الحركة لدخول الحرب باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة، وبالفعل بدأت الجماعة بالانخراط في الصراع الدائر في الشرق الأوسط على النحو التالي:
بدأ الحوثيون باستهداف ميناء إيلات الإسـرائيلي بالعديد من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، بدءًا من يوم التاسع عشر من أكتوبر 2023. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل في خطاب ألقاه زعيم الحركة “عبد الملك الحوثي” في الرابع عشر من نوفمبر 2023، حذّر قائلًا: “عيوننا مفتوحة من أجل الرصد الدائم والبحث عن أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر، وباب المندب على وجه التحديد، وما يحاذي المياه الإقليمية اليمنية”. لم تكن تلك الكلمات مجرد تهديدًا، حيث قامت الحركة في التاسع عشر من نوفمبر 2023 باحتجاز سفينة “جلاكسي ليدر” المملوكة لشركة “راي شيبينغ ليميتد” ومقرها إسرائيل. وفي التاسع من ديسمبر 2023 أعلنت الجماعة منع مرور جميع السفن من كافة الجنسيات المتوجهة من وإلى الموانئ الإسـرائيلية إذا لم تدخل المساعدات إلى قطاع غزة.
منذ احتجاز السفينة وحتى وقتنا هذا، عرقل الحوثيون العمليات التجارية للسفن المارة في البحر الأحمر؛ حيث شنت الجماعة ما يزيد عن ثلاثين هجومًا في المنطقة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، يوم الأحد الثالث من ديسمبر 2023، أعلن الحوثيون أن القوات البحرية هاجمت سفينتين إسرائيليتين هما “يونيتي إكسبلورر” وسفينة “نمبر 9″، بطائرة مسيرة مسلحة وصاروخ بحري. علاوة على ذلك، أعلنت الجماعة مسئوليتها عن تنفيذ هجوم استهدف ناقلة نفط تجارية “ستريندا”، التي ترفع علم النرويج، في البحر الأحمر وذلك في الثاني عشر من ديسمبر 2023. وفي الخامس عشر من ديسمبر، صرح المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي في اليمن “يحيى سريع” بأن الجماعة نفذت عملية عسكرية بطائرة مسيرة على سفينة شحن تابعة لشركة “ميرسك” كانت متجهة إلى إسرائيل، وأصابتها بشكل مباشر.
وفي التاسع من يناير 2024 شن الحوثيون هجومًا على البحر الأحمر يكاد يكون الأكبر منذ أن بدأت المليشيا عملياتها، إذ أطلقوا نحو 18 مسيرة و3 صواريخ مضادة للسفن، وأعلنت القوات الأمريكية والبريطانية تصديهما للهجوم. وفي سياق متصل، أعلن “يحيى سريع” في بيان له على منصة “إكس” في الأول من فبراير 2024 أن الجماعة استهدفت سفينة تجارية بريطانية في البحر الأحمر، كانت متجهة إلى موانئ فلسطين، وذلك في ضوء الهجمات الأمريكية-البريطانية على اليمن. وفي إطار التصعيد المتواصل في المنطقة، استهدف الحوثيون في الثاني من فبراير 2024، سفينة شحن باستخدامهم لأول مرة الزوارق المفخخة منذ بدء التصعيد، بحسب تصريحات الجيش الأمريكي. كما شنت الجماعة عمليتين عسكريتين في البحر الأحمر؛ الأولى استهدفت سفينة أمريكية (Star nasia)، والأخرى استهدفت سفينة بريطانية (Morning Tide)، وذلك في السادس من فبراير 2024.
تداعيات على الأمن البحري
لا شك أن تداعيات الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر لم تؤثر على إسرائيل فقط، بل هددت مصالح واقتصادات القوى الإقليمية والدولية. فمن ناحية، أكد السيناتور الجمهوري عن ولاية أركنساس أنه “ستلحق هجمات الحوثيين على السفن ضررًا بالاقتصاد الأمريكي”. ومن ناحية أخرى، أسفر الأمر في نهاية المطاف عن حدوث أكبر عملية تحويل لمسار التجارة الدولية منذ عقود، حيث قامت العديد من الدول بتغيير مسار سفنها من مضيق باب المندب وقناة السويس إلى طريق رأس رجاء الصالح، مما أدى بدوره إلى زيادة تكلفة الشحن ومدة الوصول.
كما أجبر التصعيد في البحر الأحمر عددًا من الشركات على تعليق مرور سفنها عبر البحر الأحمر في ديسمبر 2023، مثل شركة “ميرسك” (Maersk)، وهي إحدى أكبر شركات الشحن في العالم، وعدة خطوط عالمية أخرى لسفن الحاويات مثل “شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة” (MSC Shipping) و”سي إم أيه-سي جي إم” (CMA CGM) و”هاباج لويد” (Hapag-Lloyd) وفرونت لاين Front Line)).
وفي هذا الصدد، قال الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، “أرسينيو دومينيغز” في الرابع من يناير 2024 أن “حوالي 18 شركة شحن حولت مسار سفنها حول أفريقيا لتجنب البحر الأحمر وسط تصاعد الهجمات على السفن”. كما أضاف “هذا يمثل 10 أيام إضافية إلى الرحلات وتأثيرًا سلبيًا على التجارة وعلى زيادة كلفة الشحن”. فعلى سبيل المثال، أبحرت سفينة الحاويات “ميرسك” من سنغافورة إلى سلوفينيا في الخامس عشر من نوفمبر 2023، ووصلت إلى بورسعيد بعد 12 يومًا فقط، بعد أن مرت عبر البحر الأحمر وقناة السويس. وفي طريقها للعودة، وصلت إلى بورسعيد مرة أخرى في السابع عشر من ديسمبر 2023، ولكن مع تكثيف الحوثيين هجماتهم، عادت السفينة ودارت حول أفريقيا، ولم تعد إلى سنغافورة إلا بعد شهر كامل من الإبحار. ونتيجة لما سبق، تراجعت التجارة العالمية بنسبة 1,3% خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2023 وارتفعت أسعار تكلفة الشحن الوارد عبر مضيق باب المندب بنسب وصلت إلى 170%.
وفي سياق متصل، انخفضت حركة الملاحة في قناة السويس بنحو 30% من الأول إلى الرابع عشر من يناير 2024، حيث انخفض دخل القناة بنسبة 40% مقارنة بالفترة نفسها عام 2023، وذلك بانخفاض عدد السفن المارة من 777 سفينة إلى 544 سفينة، بحسب تصريحات الفريق “أسامة ربيع” رئيس هيئة قناة السويس، في الحادي عشر من يناير 2024. ومع ذلك، شدد الفريق “ربيع” على انتظام الملاحة في قناة السويس، بالرغم من التحديات، وأنها لم تتوقف ليوم واحد منذ اشتعال المنطقة، وذلك بجانب حرص القناة على بذل كافة الجهود اللازمة لتقليل تأثير الأوضاع الراهنة على العملاء. ويأتي الحرص المصري انطلاقًا من أهمية طريق البحر الأحمر بالنسبة للطرق الملاحية التجارية في العالم، حيث يمر من خلاله نحو 12% من حركة التجارة العالمية عبر قناة السويس، ونحو 8% من حركة الغاز الطبيعي عالميًا.
تحركات دولية
تنامى دور الفاعلين من دون الدول في إطار الصراع الدائر بالمنطقة، مما أدى إلى تمدد ساحات التصعيد الراهن ليصل إلى مناطق في لبنان والعراق وسوريا واليمن، بل والبحر الأحمر أيضًا، ليشكلوا بذلك دورًا رئيسيًا في معادلة الصراع، بشكل دفع القوى الدولية نحو إعادة تقييم وجودها وحضورها بالمنطقة، بهدف تقييد نطاق تحركات هؤلاء الفاعلين في ضوء ما يلي:
عملية “حارس الازدهار”: لم تؤثر هجمات الحوثيين على التجارة الإقليمية فقط، بل امتدت تداعياتها على التجارة العالمية، حيث تعرضت مصالح الكثير من الدول لأضرار جسيمة. ونتيجة لتنامي الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، أعلن وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن“، بعد منتصف ليل يوم الثامن عشر من ديسمبر 2023 في البحرين، عن تشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات لحماية حركة الملاحة البحرية في المنطقة، مُشيرًا إلى أن “هذا التحدي الدولي يتطلب عملًا جماعيًا”. وصرح “أوستن” بأن الدول المشاركة في القوة البحرية هي “بريطانيا، والبحرين، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وسيشيل، وإسبانيا”، مُضيفًا أنها ستنفذ دوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، في ضوء ما أطلق عليها عملية “حارس الازدهار”. وذلك بتنسيق من القوات البحرية المشتركة وقيادة فرقة العمل 153 -وحدة عسكرية شُكلت في منتصف أبريل 2022، تركز على الأمن البحري الدولي لا سيما بالبحر الأحمر وخليج عدن-.
مشروع قرار أمريكي-ياباني: تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية واليابان بمشروع قرار لضمان حرية الملاحة في المنطقة وتم اعتماده من قبل مجلس الأمن “القرار 2722“، بتأييد 11 عضوًا وامتناع 4 عن التصويت في الحادي عشر من يناير 2024. أدان القرار الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر، علاوة على إدانته توفير جميع أنواع الأسلحة والمواد ذات الصلة للحوثيين. إذ طالب المجلس بأن “يضع الحوثيون فورًا حدًا للهجمات التي تعرقل التجارة الدولية، وتقوض حقوق وحريات الملاحة وكذلك السلم والأمن في المنطقة”. ردًا على قرار مجلس الأمن، صرح “محمد علي الحوثي” عضو المجلس السياسي الأعلى في اليمن عبر صفحته على منصة “إكس” بـ “أن القرار الذي تم اعتماده بشأن أمن الملاحة في البحر الأحمر لعبة سياسية وأن الولايات المتحدة هي من تخرق القانون الدولي”.
الهجمات الأمريكية-البريطانية المشتركة: بعد مرور أكثر من شهر على الهجمات الحوثية، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا، وبدعم من باقي دول القوة البحرية متعددة الجنسيات، في الحادي عشر من يناير 2024، بتنفيذ هجمات مشتركة في 16 موقعًا تابعًا للحوثيين في اليمن، بحسب القوات الجوية الأمريكية، مما أسفر عن مقتل 5 وإصابة 6 من القوات المسلحة اليمنية، وفقًا لبيان الجماعة. ومنذ تلك الهجمات، شنت واشنطن عددًا من العمليات المتتالية، والتي وصل عددها حتى يوم الثاني من فبراير إلى نحو 12 ضربة، تضمنت مشاركة بريطانية في ضربتين، إلى جانب الاستمرار في عمليات التصدي للهجمات في البحر الأحمر وخليج عدن. هذا بالإضافة إلى تنفيذ الولايات المتحدة وبريطانيا ضربة مشتركة في الرابع من فبراير 2024 ضد صاروخ مضاد للسفن تابع للحوثيين، حيث شنت القوى الغربية نحو 48 غارة توزعت على عدد من المحافظات، بحسب تصريحات “يحيى سريع”. كما قامت واشنطن، بشكل أُحادي في الخامس من يناير 2024، بتوجيه ضربة ضد زورقين مسيرين مفخخين تابعين لجماعة الحوثي. ومع ذلك، استمر الحوثيون في تبني خطاب تصعيدي ضد محاولات الردع الأمريكية، ففي خطابه السابق للهجوم على محافظة حجة يوم الثاني من فبراير 2024، أكد “عبد الملك الحوثي” أن “الضربات الأمريكية والبريطانية على اليمن فاشلة ولا تأثير لها، ولن تحد من قدراتهم العسكرية”.
تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية: أعلنت الولايات المتحدة في السادس عشر من فبراير 2021 إلغاءها تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية؛ وذلك نظرًا لما يمكن أن تخلقه تلك التصنيفات من عقبات تحول دون وصول الشعب اليمني إلى السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود، في ظل تردي الأوضاع الإنسانية في اليمن. بيد أن مع تزايد حجم الهجمات الحوثية، أعلنت إدارة “جو بايدن” في السابع عشر من يناير 2024 تصنيف الجماعة على أنها “كيان إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص” (SDGT) Specially Designated Global Terrorist group؛ بدلًا من تصنيف الجماعة كـ”منظمة إرهابية أجنبية”(FTO) Foreign Terrorist Organization، كما فعلت إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، في محاولة من الإدارة الحالية تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن التي تعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم. إذ أكد البيت الأبيض أن الإجراءات المتخذة ضد الحوثيين لن تشمل شحنات الغذاء والدواء إلى الموانئ اليمنية. وتجدر الإشارة إلى أنه من الصعب التنبؤ بتداعيات تلك الإجراءات على الحوثيين، لا سيما عقب تصريحات البيت الأبيض بأن الإجراء سيدخل قيد التنفيذ بعد 30 يومًا مع إمكانية إلغائه إذا أوقف الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر.
عملية “أسبيديس” الأوروبية: صرح “جوزيب بوريل” مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي بأن الدول الأوروبية تنوي إطلاق مهمة بحرية خاصة بحماية السفن التجارية في البحر الأحمر من أي نوع من الهجمات غير القانونية وغير المشروعة، وذلك بحلول متنصف شهر فبراير الجاري. كما أكد أن الدول المعنية بالعملية لن تشارك في الضربات الأمريكية-البريطانية التي تستهدف مواقع الحوثيين. وفيما يتعلق بمقر قيادة المهمة البحرية الأوروبية، أشارت بعض المصادر إلى أنه سيكون إما في اليونان أو إيطاليا أو فرنسا، حيث سيتم التحديد بناءً على القرب الجغرافي. وقد أبدت خمس دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي (فرنسا واليونان وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا) رغبتها في المشاركة بهذه المهمة حتى الآن.
ختامًا، يختلف الفاعلون من دون الدول من حيث الطبيعة والتكوين والنشأة، إلا أنه لا شك أن مع التحديات التي تواجه النظام العالمي والتصعيد المستمر الذي يشهده الشرق الأوسط، بجانب اتساع بؤرة الصراع ليشمل القوى الغربية، شكل هؤلاء الفاعلون خطرًا على الدولة التي ظهروا بها بصفة خاصة وعلى المجتمع الدولي بصفة عامة، وهو الأمر الذي لُوحظ بشكل واضح من خلال ما أحدثه الحوثيون من تقلبات في التجارة العالمية. إذ استغلت الحركة الحرب على قطاع غزة لصرف أنظار الشعب اليمني عن الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي يعاني منها، حيث إنه منذ انقلاب الجماعة على السلطة الشرعية في البلاد أصبح اليمنيون مهددين بالجوع، لا سيما أن أكثر من 50% منهم يعيشون تحت خط الفقر، وذلك من خلال استهدافهم بعض المواقع الإسرائيلية. ازداد الوضع تعقيدًا وسوءًا خاصةً بعد الهجمات التي شنها الحوثيون في الآونة الأخيرة على البحر الأحمر، مما أدّى إلى توقف المحادثات والجهود الرامية لتحقيق السلام في اليمن وإلى موجة غلاء في البلاد جرّاء عرقلة حركة التجارة العالمية. علاوة على ذلك، سيُلحق تغيير مسار شركات الشحن العالمية ضررًا كبيرًا بالاقتصاد اليمني، من حيث تعليق الحركة في الموانئ، وندرة الواردات، لا سيما أن البلاد تستقبل غالبية المواد الأساسية من الخارج.
على الرغم من خطابات التصعيد التي يتبناها الحوثيون والتوعد بالرد بقوة على الهجمات الأمريكية-البريطانية على مواقع الجماعة في اليمن، بيد أنه من الواضح أن الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر ليست إلا لخدمة أغراض محلية متعلقة بصرف الانتباه عن الأزمة الداخلية واستمرار التوازنات السياسية الداخلية الراهنة، إلى جانب اكتساب شعبية إقليمية من منطلق مساندتها للقضية الفلسطينية. إذ كما سبقت الإشارة يعاني الشعب اليمني من أزمة إنسانية واقتصادية، فالبلاد لن تتحمل أيًا من العقوبات التي يمكن أن تفرضها الإدارة الأمريكية، إذا تمادى الحوثيون وتراجعت واشنطن عن قرارتها بشأن استمرار إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن. لذلك من المحتمل أن يكُف الحوثيون عن استهدافهم للسفن إذا تفاقمت الأوضاع أو في حالة فشل الخطاب السياسي الذي تتبناه الجماعة في تحقيق أهدافه. علاوة على ذلك، لا ترغب إيران في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر، نظرًا لعدد من الاعتبارات الداخلية، ومن بينها السيطرة على المعارضة الداخلية والسعي إلى امتلاك سلاح نووي، ومن ثم قد تتجه طهران نحو إعادة تأكيد ترابطها مع الحوثيين بما يضمن ضبط الأخير لعملية التصعيد. بالإضافة إلى ذلك، لا يريد الحوثيون أيضًا توتر العلاقة بينهم وبين المملكة العربية السعودية، لا سيما أن المفاوضات مع الرياض كانت تسير بشكل جيد قبل عملية طوفان الأقصى.
باحثة بوحدة الدراسات العربية والإقليمية