على الرغم من تكثيف قوات “القيادة المركزية الأمريكية” ضرباتها الجوية ضد منصات إطلاق الأسلحة ومرافق التخزين التابعة للحوثيين ومن الهجمات التي تشنها إسرائيل ضد مواقع حيوية في اليمن، إلى جانب الضربات الموجعة التي تلقاها محور المقاومة، بما في ذلك سقوط “بشار الأسد”؛ إلا أن التأثير على القدرات العسكرية للحوثيين لا يزال محدودًا، إذ لا يكف الحوثي عن استهداف السفن المارة في البحر الأحمر أو شن هجمات على إسرائيل، بل على العكس كثفت الحركة من عملياتها بعد سقوط “بشار الأسد”، وهو ما يثير تساؤلًا حول دلالات الزيادة الملحوظة في هجمات الحوثيين ومستقبل علاقة الحركة بإيران بعد سقوط “الأسد”.
تحركات الحوثي بعد “الأسد”
مع الضربات القاسمة التي تلقاها محور المقاومة وتراجع النفوذ الإيراني في سوريا بعد سقوط “الأسد”، ساد القلق لدى الحوثيين من مواجهة نفس المصير، وهو ما تجلى من خلال نشاط الحركة في داخل اليمن وخارجها على النحو التالي:
نشاط تعبوي: استعد الحوثيون لمواجهة الغرب وإسرائيل من خلال العمل على استقطاب أتباع جدد من منتسبي الجامعات الخاصة من الأكاديميين وموظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب، هذا إلى جانب إجبار الحركة عاملين في القطاع الطبي على حضور فعاليات تعبويه تتضمن محاضرات لخطابات زعيم الحوثيين “عبد الملك الحوثي”. وفي هذا الصدد، أوقف الحوثيون عشرات القادة والمسئولين التربويين عن العمل، وتمت أحالتهم إلى المحاسبة تمهيدًا لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجهت إليهم تهمًا برفض حضور البرامج التدريبية. كما أجبرتهم حركة الحوثي على المشاركة في تدريبات عسكرية لاستخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.
علاوة على ذلك، كثف الحوثي من انتشار القوات العسكرية والأمنية تحسبًا لمواجهة أي تحركات من قبل قوات الحكومة اليمنية خاصة مع ترحيب مجلس القيادة الرئاسي بـ “إسقاط نظام الوصاية الإيرانية على الجمهورية العربية السورية”، ومع تصريح رئيس المجلس “رشاد العليمي” بأنه “قد حان الوقت ليرفع النظام الإيراني يده عن اليمن”، أو للتصدي لأي تحركات شعبية مناهضة، وفي هذا السياق، منعت الحركة الشعب اليمني من الاحتفال بسقوط نظام “الأسد”، كما اختطفت 17 ناشطًا وشابًا بسبب تعبيرهم عن فرحتهم برحيله.
تصعيد ملحوظ: كثف الحوثيون من ضرباتهم على إسرائيل إذ أعلن زعيم الحوثيين “عبد الملك الحوثي” في 12 ديسمبر 2024 أن “الحركة أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخًا باليستيًا ومجنحًا وطائرة مسيرة”، كما تبنى الحوثيين هجمات بالطائرات المسيرة ضد أهداف إسرائيلية في 13 ديسمبر 2024 إلى جانب هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية، علاوة على ذلك، في 16 ديسمبر 2024، أعلنت إسرائيل أنها اعترضت صاروخًا أطلقه الحوثيون بما في ذلك طائرة مسيرة في البحر المتوسط.
وردًا على استمرار التهديد الحوثي، أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا في 17 ديسمبر 2024 استهداف مبنى وزارة الدفاع التابع للحوثيين ومعسكرًا يحتوي على مخازن طائرات مسيرة وصواريخ باليستية، كما أعلن الجيش الإسرائيلي في 19 ديسمبر 2024 أنه “ضرب أهدافًا عسكرية تابعة لنظام الحوثي على الساحل الغربي وفي داخل اليمن”، بعد ساعات فقط من شن الحركة هجومها في وسط إسرائيل، وفي هذا الإطار، أوضح الحوثيون “إن الضربات الإسرائيلية استهدفت محطتي كهرباء حزاز وذهبان بالقرب من العاصمة، وميناء الحديدة ومنشأة رأس عيسى النفطية”، مما أسفر عن مقتل 9 أشخاص.
بالإضافة إلى ذلك، فشلت إسرائيل في اعتراض صاروخ أطلق من اليمن في 22 ديسمبر 2024 في تل أبيب وأسفر عن إصابة 20 شخصًا بجروح طفيفة، وفي ذات اليوم نفذ الجيش الأمريكي ضربات جوية ضد أهداف للحوثيين في صنعاء، مستهدفًا منشأة لتخزين الصواريخ ومرفق قيادة وتحكم. كما أعلن الحوثيون، في 24 ديسمبر 2024، عن إطلاق صاروخ بالستي على هدف عسكري إسرائيلي في يافا، وعليه، قامت تل أبيب في 26 ديسمبر 2024 بقصف مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، موضحة أن الهدف من الهجوم هو تعطيل المطار والميناء، حيث تسببت الضربات بأضرار في محطة كهرباء رأس الخطيب، إلى جانب أضرار في برج مراقبة المطار، وهو ما أسفر عن مقتل حوالي 3 أشخاص وإصابة نحو 11، وفي هذا الإطار، رفعت تل أبيب حالة التأهب تحسبًا لأي رد حوثي.
العلاقة بين الحوثيين وإيران
فيما يتعلق بطبيعة العلاقة التي تربط الحوثيين بإيران بعد سقوط الأسد، يمكننا القول إنها قد تشهد مسارين، وهو ما سنوضحه فيما يلي:
المسار الأول: قد يتجه الحوثيون للاستقلال عن إيران ويمكننا الاستدلال على هذا الطرح من خلال حديث “علي البخيتي”، المتحدث السابق باسم الجماعة، حيث انشق عنها وتحول لمعارض قبل نحو عقد من الزمن: “إن إيران لا تسيطر على الحوثي وأن قرارهم مستقل وليسوا مثل بقية جماعات إيران المسلحة في العراق وسوريا”، ويعزز هذا المسار دافعين، يتصل الأول برغبة الحركة في تعزيز نفوذها في المنطقة بعدما استعادت الزخم حولها وأثبتت أن التحركات الدولية لا تردعها وسط ما تعرض له باقي محور المقاومة من ضربات موجعة، ويتعلق الثاني بخوف الحركة من تخلي طهران عنها لا سيما بعدما اتضح أنها تخلت عن حليفها الاستراتيجي “الأسد”.
وهو ما تجلى من خلال ما صرح به قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء “حسين سلامي” بإن إيران كانت على علم بتحركات المسلحين في سوريا خلال الأشهر الأخيرة وحددت جبهات الهجوم المحتمل وأبلغت المعنيين عسكريًا وسياسيًا في سوريا بذلك لكن لم يكن هناك إرادة للتغيير، وعليه استنكر “سلامي” من أن كيف يمكن من حرس الثورة الإسلامية القتال في المعركة بدل الجيش السوري الذي يقف متفرجًا. علاوة على ما أوضحته صحيفة “فاينانشال تايمز” بأن عندما زار وزير الخارجية الإيراني “عباس عراقجي” دمشق قبل سقوط “الأسد”، قال له بأن إيران لم تعد في وضع يسمح لها بإرسال قوات لدعمه، كما أوضحت الصحيفة أنه بحسب مصادر مقربة من الحكومة الإيرانية، “رأت طهران أن “الأسد” “أصبح يشكل عبئًا أكثر منه حليفًا، وهذا يعني أن وقته قد انتهى، ولم يعد الدفاع عنه مبررًا، حتى لو كان ذلك بمثابة انتكاسة كبرى لإيران”.
ويتوقف هذا المسار على مدى أهمية الدعم العسكري واللوجستي المقدم من إيران للحوثيين لا سيما أن صدر تقرير عن مراقبي تطبيق عقوبات الأمم المتحدة في 26 سبتمبر عام 2024، يوضح أن الحوثيين تطوروا “من جماعة مسلحة محلية بقدرات محدودة إلى منظمة عسكرية قوية”، و”ذلك بدعم من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله”، كما أضافوا “أن الحوثيين كانوا يتلقون تدريبات تكتيكية وفنية خارج اليمن خلال سفرهم بجوازات سفر مزيفة إلى إيران ولبنان والعراق”. وبالفعل، لعب حزب الله دورًا مهمًا في تدريب عناصر من جماعة أنصار الله في معسكرات تابعة له في لبنان وذلك بعد إعطاء إيران الضوء الأخضر لحزب الله للقيام بذلك.
المسار الثاني: في ضوء رغبة إيران في الحفاظ على ما تبقى لها من مشروعها في المنطقة، وفي امتلاك أوراق ضاغطة إقليميًا ودوليًا، لا سيما مع الموقع الاستراتيجي لليمن وبعدما ثُبت فشل الاستراتيجية الأمريكية في ردع الحوثيين عن تهديد الملاحة البحرية، وهو ما يصب في المصالح الإيرانية، قد تعتمد إيران على الحوثيين وتقوم بالاستثمار في الحركة بشكل أوسع بعدما تلقى حزب الله ضربات قاسمة كان آخرها قطع الطريق عليه لإعادة تنظيم صفوفه مع سقوط “الأسد”، حيث كانت سوريا بمثابة حلقة الوصل بينه وبين إيران، ويمكننا الاستدلال على ذلك المسار من خلال تصريحات وزير الخارجية الإيراني الذي أكد أن “إيران دعمت وستواصل دعم جميع أعضاء جبهة المقاومة، وهذا يشمل اليمن أيضًا”.
ويعتمد هذا المسار على عاملين، ينصرف العامل الأول إلى قدرة النظام الإيراني على دعم الحوثيين في ظل الاضطرابات المحتملة في طرق الإمداد الإيرانية التي تمر عبر سوريا والعراق ولبنان، وهو ما يمكن استبداله بالصومال، حيث أشارت التقارير إلى أنه سبق وأرسلت إيران أسلحة للحوثيين عبر مقديشو، ويرتبط العامل الثاني بمدى استعداد إيران للدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والغرب في الوقت الحالي، لا سيما في ضوء عدد من الاعتبارات، يتصل أولها بتصريحات رئيس الموساد “ديفيد برنياع”، حول “شن هجوم على إيران وليس على الحوثيين في اليمن، ردًا على إطلاق الصواريخ على إسرائيل”، ويتعلق ثانيها بتراجع نفوذها في المنطقة الذي يتزامن مع عودة “دونالد ترامب”، وعليه، قد لا ترغب طهران في ظل ضعفها تهديد الولايات المتحدة أو حلفائها، ويتصل ثالثها باختيار “ترامب” ضمن فريقه شخصيات معروفين بعدائهم تجاه إيران وتأييدهم لسياسة “الضغط القصوى” على غرار ترشيح الرئيس الأمريكي المنتخب للسيناتور “ماركو روبيو” لمنصب وزير الخارجية، الذي يتبنى وجهات نظر متشددة بشأن إيران.
ختامًا، لا شك أن سقوط نظام “الأسد” أعطى زخمًا جديدًا للحوثيين الذي يخشون مواجهة نفس المصير، وعليه يبدو أن الحركة لن تتوقف عن هجماتها ضد تل أبيب على الرغم من التصعيد الإسرائيلي والأمريكي المتنامي ضدهم، كما أنه من غير المرجح أن تتهاون إسرائيل في التعامل مع الحركة ولا سيما مع هجومها الأخير الذي استهدف البنية التحتية في اليمن. علاوة على ذلك، لا يزال المشهد ضبابيًا حتى الآن حول المسار الذي ستسلكه العلاقة بين الحوثيين وإيران، لا سيما مع تخلي الأخيرة عن “الأسد”، وقرب تنصيب “ترامب”، بما في ذلك تراجع نفوذها في المنطقة.
باحثة بوحدة الدراسات العربية والإقليمية