ساد الكثير من التفاؤل بين أوساط المحللين السياسيين في أعقاب توقيع اتفاق جدة بين إثيوبيا وإريتريا برعاية سعودية إماراتية مشتركة قبل عامين، منهيًا بذلك عقدين من الصراع والعداء المتبادل بين الدولتين على الرغم من اشتراكهما في عدد من المكونات أهمها المكون الإثني لجماعة التيجراي والتي ظلت تُمسك بمقاليد السلطة في البلدين منذ الإطاحة بحكم “منجستو” عام 1991، ثم استقلال إريتريا عام 1993. ولعل أول ما تبادر إلى الأذهان في الدوائر الفكرية والسياسية المصرية لحظة بدء ما يمكن تسميته بـ”التقارب” الإثيوبي-الإريتري هو السؤال حول تأثير التحول في منحنى العلاقات بين البلدين على المصالح المصرية، المتشابكة والمعقدة بطبيعتها، سواء فيما يخص دائرة البحر الأحمر والقرن الإفريقي وحوض النيل، وذلك في ظل حقيقة اشتراك الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا وإريتريا، في كل من هذه الدوائر المتداخلة.
ويحاول التحليل الحالي إلقاء الضوء على المشهد السائد في منطقة القرن الإفريقي، تركيزًا على دولتيه الرئيسيتين، إثيوبيا وإريتريا، مع الحرص على عدم الانجراف وراء أحكام قاطعة يتم من خلالها استباق الأحداث المتسارعة الوتيرة. فليس الهدف هو الوقوف على إجابات قطعية وتنبؤات بسيناريوهات مستقبلية، بقدر ما هو طرح تساؤلات صحيحة تعكس تركيبة المشهد، وتمهد الطريق لتحليلات لاحقة. وعلى رأس هذه التساؤلات ذلك المتعلق بمضامين زيارة الرئيس “أسياس أفورقي” المفاجئة لموقع سد النهضة الإثيوبي أثناء زيارة ثنائية (12-14 أكتوبر 2020)، وفي هذا التوقيت خصوصًا، وكيف يمكن أن ننطلق من هذه الزيارة نحو محاولة لرسم المشهد الحالي وموقع مصر منه، بسطور محددة وألوان مميزة؟
العلاقات الإثيوبية الإريترية: من وإلى أين؟
تاريخيًّا لم تمر العلاقات الإثيوبية-الإريترية منذ استقلال إريتريا إلا بمرحلتين أساسيتين لا ثالث لهما، ما بين صراع بلغ حد المواجهة العسكرية الصريحة عام 1998 وبعض المناوشات المتقطعة التي استمرت حتى توقيع اتفاق الجزائر عام 2000، والذي رغم أنه أوقف الاقتتال إلا أنه لم يُنهِ حالة الصراع والعداء بين البلدين الذي خلف وراءه زهاء مائة قتيل ومئات الآلاف من اللاجئين والنازحين، ناهيك عن خسائر اقتصادية هائلة قُدرت بنحو ستة مليارات دولار، فضلًا عن استمرار معاناة الطرفين، سواء كانت إثيوبيا التي سقطت فريسة متلازمة الدولة الحبيسة بعدما حُرمت من استغلال الموانئ الإريترية، وبالأخص مصوع وعصب، وإريتريا التي عانت من عزلة دولية زاد من وطأتها ملفها الحقوقي واتهامها بتحفيز بيئة عدم الاستقرار في المنطقة. تلا ذلك مرحلة السلام الصريح عام 2018، والسعي وراء تطبيع العلاقات وتدشين التعاون في عددٍ من المجالات أبرزها الموانئ البحرية، وهي القضية التي ستظل دائمًا بمثابة شوكة في ظهر إثيوبيا.
وربما يكون من المهمّ معرفة المرارة التي خلّفتها الممارسات الإثيوبية أحادية الجانب بهدف دمج إريتريا تحت الهيمنة الإثيوبية متسربلة بعباءة الاتحاد الفيدرالي الذي أعقب انسحاب بريطانيا من إريتريا عام 1952. ومن بين هذه الممارسات عدم رفع العلم الإريتري، وعدم استخدام اللغة العربية ومنع تدريسها بالمدارس بغرض طمس الهوية العربية لإريتريا، وإلغاء الأحزاب السياسية عدا الموالي منها للإمبراطور “هيلا سيلاسي”، وحل اتحادات العمال ونقاباتهم، وتعطيل الصحف، واعتقال السياسيين، وإلغاء الدستور الاتحادي، وإحلال القانون الإثيوبي محله، ما ولّد شعورًا بالكراهية الشديدة في نفوس الإريتريين تجاه إثيوبيا، في حين لم تستطع الأخيرة أن تنزع عنها –مع اختلاف أنظمتها الحاكمة– الاعتقاد بأحقيتها في هذه الأراضي وحقيقة كونها ظلت خاضعة لسيطرتها لأربعة عقود. كما لم تساعد حقائق الجغرافيا الدامغة، كون إريتريا هي المتنفس الأوحد لها ومن دونه لا تعدو كونها دولة حبيسة تحت رحمة موانئ شرق إفريقيا على البحر الأحمر والمحيط الهندي، في إثناء إثيوبيا عن اعتقاد راسخ بحتمية السيطرة على إريتريا وموانيها، إما كرهًا عن طريق المواجهة العسكرية أو طوعًا من خلال التطبيع والاحتواء، مستعينة على ذلك بالقدرات الإثيوبية العسكرية، وامتلاك الدولة أكبر الجيوش حجمًا وعتادًا في المنطقة، وارتباطها باتفاقات دفاع وتعاون عسكري مشترك مع بعض القوى الإقليمية والدولية، مثل الاتفاق مع تركيا الموقع عام 2015، ومع فرنسا الخاص ببناء القدرات العسكرية البحرية للدولة غير الساحلية والموقّع مطلع العام الجاري، أو من خلال الاحتواء الإيجابي وترطيب العلاقات في أعقاب توقيع اتفاق السلام، كما سيتبين لاحقًا.
لنا -إذن- أن نقول، إن الصراع الإثيوبي-الإريتري، بغض النظر عن مستوياته وهل أخذ صورة المواجهات العسكرية الصريحة، أم حالة اللا سلم واللا حرب أم حتى مجرد التنافس؛ هو نتاج لتركيبة من العوامل أهمها الجيوسياسي، والإرث التاريخي، وكذلك السمات الشخصية للقائد السياسي، ونخص بالذكر الرئيس الإريتري، فضلًا عن طبيعة النظام السياسي القائمة على حكم الفرد وضعف الأداء المؤسسي حتى مع الإصرار على الاحتفاظ بهياكل الديمقراطية ممثلة في الأحزاب والمجلس التشريعي المنتخب والجمعيات الأهلية؛ إلا أن ديمقراطية هذه الهياكل لم تترجم إلى النموذج الليبرالي الغربي المتعارف عليه، وهو ما ينقلنا للسؤال القادم بشأن إمكان فك شفرة هذه التركيبة المعقدة صوب سلام أو تقارب حقيقي مستدام يمحو ما فات بين الجارتين اللدودتين.
اتفاق جدة: هل يعكس في حقيقته تقاربًا أم أن هناك وجهًا آخر للعملة؟
ظاهر القول، إن الاتفاق الذي جرى برعاية أممية – إماراتية – سعودية في صيف 2018 قد وضع حدًّا لواحد من أطول النزاعات في القارة الإفريقية مقارنة بسابقه في الجزائر، حيث تمخض عن عدد من الإجراءات التي قُصِد بها بناء الثقة بين طرفي النزاع، كسحب القوات الإثيوبية من الحدود الإريترية وبالمثل بالنسبة لإريتريا، وفتح السفارة الإثيوبية في أسمرة، وفتح الحدود البرية لأول مرة منذ عشرين عامًا تمهيدًا لاستعادة التبادل التجاري بين البلدين، وتبادل الرحلات الجوية، وتدشين التعاون في مجال تطوير الموانئ. وقد تلا ذلك تبادل مكثف للزيارات الثنائية رفيعة المستوى بين الجانبين، خمس منها قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي الذي زار أسمرة آخر مرة في 19 يوليو 2020، ردًّا على زيارة “أسياسي أفورقي” لأديس أبابا قبل نحو شهرين. وفي سياق هذا “التهافت” من الجانبين على تخطي الحواجز النفسية والتاريخية والجيوسياسية وغيرها من عقبات أسلفنا ذكرها، أعربا عن عدم كفاية ما أُحرِز حتى الآن من تقدم على صعيد “تطبيع” العلاقات، لتأتي الزيارة الأخيرة لـ”أسياس أفورقي” لتؤكد هذا التوجه من حيث التوقيت والبرنامج.
بادئ ذي بدء، فإن الزيارة قد جرت بعد أيام من قرار مجلس الفيدرالية الإثيوبي قطع العلاقات مع حكومة إقليم تيجراي، الذي تسيطر عليه جبهة تحرير شعب التيجراي التي لطالما كانت مكونًا نافذًا في المعادلة السياسية منذ أن أطاحت بنظام حكم “منجستو” عام 1991، ولكنها الآن على عداء سافر مع حزب “الازدهار” الذي شكله “آبي أحمد” محاولًا ترجمة مشروع الدولة “اللا إثنية” إلى واقع، وهو ما أثار حفيظة الجبهة المعتدة بعرقيتها والتي لعبت في السابق دورًا محوريًا في صياغة الدستور الذي يعطي الجماعات العرقية الحق في تقرير المصير. ولما كانت منطقة بادمي الحدودية الواقعة ضمن سيادة إقليم التيجراي هي أساس النزاع الذي امتد لعقدين، فإنه من الطبيعي أن يزيد اتفاق السلام الموقّع بين الجارتين من الشقة الحادثة بين الجبهة و”آبي أحمد” ويسكب مزيدًا من الزيت على النار على اعتبار أن عدو الأمس بات اليوم حليفًا على حساب قومية التيجراي التي إليها يرجع الفضل في نجاح مشروع الدولة الإثيوبية ونجاحاتها الإقليمية والدولية. وفيما يخص برنامج الزيارة، فقد حرص “أفورقي” على استهلال زيارته بالعروج على مدينة “جيما” كبرى مدن إقليم أوروميا مسقط رأس “آبي أحمد” ما يعكس مساندة “أفورقي” لأحمد في معركته مع اليمين القومي هناك، وملمحًا إلى رفع مظلة الحماية عن جماعات المعارضة الأورومية التي لطالما اتخذت من العاصمة الإريترية ملاذًا آمنًا لها.
بيد أنه وعلى الرغم من كافة ما سبق من مظاهر “تقارب” بين الرجلين، إلا أن اللافت للنظر أن هذا التوجه لم يمتد حتى الآن إلى مستوى أبعد من القيادة السياسية بالبلدين، وهو ما عكسه تصريحهما السابق الإشارة إليه بعدم رضاهما عما تحقق حتى الآن. القضية كما أسلفنا لا يمكن اختزالها في علاقات رأسية بين الشخصيتين الرئيسيتين في دولتي القرن الإفريقي، بل هي قضية شعبين بينهما ما صنع الحداد من ميراث تاريخي أليم وواقع داخلي مركب. فمن بين الأسئلة المطروحة مثلًا: إلى أي مدى إثيوبيا على استعداد للتخلي عن اعتقادها الراسخ بأحقيتها في التحكم في إريتريا (أيًّا كان شكل هذا التحكم)؟ وإلى أي مدى ستقبل بأن تظل حبيسة أراضيها ويظل متنفسها على البحر الأحمر رهنًا بمنحنى العلاقات مع إريتريا والتي ظلت علاقات صراع وكراهية منذ منتصف القرن الماضي باستثناء العامين الماضيين؟ ومع التسليم بأن النظام السياسي الإريتري هو نظام “الرجل الأوحد” وليس دولة المؤسسات، أفليس من الجائز -وبقوة- أن يصير اتفاق جدة قبض الريح وغير ملزم لخلفه، وضعًا في الاعتبار اعتلال صحته وسنة الكون في تغير الأفراد والأنظمة؟ وهل إثيوبيا وحلفاؤها -خاصة الغربيين – على استعداد للمغامرة بوحدة أراضيها، في ظل حالة الاحتقان الداخلي في عدة أقاليم إثيوبية، وتحدي إقليم التيجراي للحكومة الفيدرالية (وضعًا في الاعتبار حقيقة امتلاكه جميع مقومات الدولة المستقلة القادرة على الاستقلال في أي لحظة) والذي إن أعلن تخليه عن تبعية العاصمة فسينفرط عقد الدولة الإثيوبية بين عشية وضحاها؟ وما الذي باستطاعة أسمرة فعله على الأرض لدعم “آبي أحمد” ومشروعه؟ وما هي احتمالات استخدام القوة الصلبة لإجبار الإقليم على البقاء ضمن الدولة الفيدرالية؟ وهل ستشارك أسمرة في تطويق الإقليم من الشمال مثلًا؟ وما تأثير ذلك على وحدة واستقرار باقي الأقاليم الإثيوبية واحتمال انتقال تأثير “الدومينو” لأقاليم أخرى على رأسها الإقليم الصومالي الواقع في شرق إثيوبيا؟
الغرض الأساسي من طرح كل هذه الأسئلة هو تسليط الضوء على حقيقة واحدة مؤداها أن اتفاق جدة وما أعقبه من زيارات لا يمكن أن نعتبره حلًّا لمشاكل جذرية أوردنا بعضها ستظل عقبة في طريق إقامة علاقات طبيعية دائمة بين الجانبين.
كيف أصبح السدّ الإثيوبي مكوِّنًا في معادلة العلاقات الثنائية؟
تُعد زيارة الرئيس “أسياس أفورقي” لموقع سد النهضة بصحبة رئيس الوزراء الإثيوبي هي أكثر محطات الزيارة جدلًا، خاصة في ظل التغطية الإعلامية الكبيرة التي حظيت بها تلك الخطوة، بحيث بدا الأمر وكأن هناك تعمدًا واضحًا من الطرفين لإيصال عددٍ من الرسائل للداخل والخارج. ومن بين هذه الرسائل تأكيد التزام الطرفين بتبادل الدعم والمضيّ قدمًا في مشروعيهما الذي بدآه بتوقيع اتفاق السلام. وعلى الجانب الإريتري بالأخص، هو استعداد الرئيس “أفورقي” تقديم كل ما في وسعه لدعم “آبي أحمد” ومشروعه، أو على أقل تقدير أن الرئيس “أفورقي” يسعى لاستخدام ورقة السد الإثيوبي للظهور بمظهر المنخرط في قضايا وإشكاليات المنطقة، وربما يجنح به الخيال لإمكان القيام بدور الوسيط والميسر للمحادثات وبما يوجد له مقعدًا على طاولة واحدة من أكثر الموضوعات سخونة في الوقت الحالي ما يحقق له مكاسب شخصية ولنظامه في الوقت ذاته. في حين أن “آبي أحمد” يسعى لأن تؤمن مثل هذه الزيارات (سبق هذه الزيارة أخرى قامت بها مسئولة أممية باللجنة الاقتصادية لإفريقيا لموقع السد) قدرًا من القبول والاعتراف الضمني بوجود السد على الرغم من التعثر الذي تشهده المفاوضات بين الأطراف الثلاثة: مصر والسودان وإثيوبيا. الحاصل -إذن- أن تضمين زيارة موقع السد الإثيوبي في برنامج الرئيس “أفورقي” وقبوله به هو جزئية من مشهد متكامل يطاله منحنى العلاقات الآني بين إثيوبيا وإريتريا، وأغلب الظن أن القضية ليست قضية “إغاظة” مصر أو تحديها حسبما يظن البعض، وإنما هو ترجيح كفة العلاقات مع “آبي أحمد” على حساب مصالح أخرى لا تتمتع في اللحظة الحالية بذات الدرجة من الإلحاح.
موقع مصر من “التقارب” الإثيوبي الإريتري
يصل بنا خط التحليل إلى طرح السؤال الأهم والمتعلق بموقع مصر من هذه التطورات؟ من نافلة القول إن الحقائق الجيوسياسية وتبعاتها ستظل عنصرًا حاكمًا في معادلة السياسة الخارجية للدول، فما بالنا بمصر التي لطالما كانت عبقرية مكانها على خريطة العالم محددًا رئيسيًا لسياساتها الداخلية والخارجية. وبالنظر إلى الموقع الجغرافي لإريتريا، سواء من حيث حدودها الطويلة على ساحل البحر الأحمر (حوالي 1150 كم)، وامتلاكها جزيرتي فاطمة وحالب ذاتي الأهمية الاستراتيجية لقربهما من باب المندب، وكذا حدودًا برية طويلة مع إثيوبيا من الغرب (نحو 900 كم)، وجوارها مع السودان، وكونها واحدة من دول حوض النيل حيث يوجد بها نهر “القاش”؛ كل هذه الحقائق حاضرة في أذهان الساسة المصريين والإريتريين على حد سواء، ما يجعل من الصعب تصور إقدام القيادة السياسية الإريترية على الدخول في تحد صريح مع مصر، أو السعي لإخراجها من المعادلة، خاصة بالنظر إلى حقيقة أخرى تتعلق بوزن مصر الإقليمي والدولي.
وإذا ما نظرنا إلى منحنى العلاقات المصرية-الإريترية سنجده دائمًا يتجه نحو الصعود والإيجابية، خاصة في أشد الأوقات التي كانت إريتريا تعاني فيها من عزلة دولية جراء سياسات “أفورقي” التصادمية مع جيرانه، والتي استهلها بنزاعه مع اليمن حول جزر حنيش عام 1995، وما تلاها من تحركات محمومة استهدفت بالأساس خلق دور إقليمي مؤثر للدولة حديثة الوجود آنذاك. وتؤكد الأرقام ما سبق، حيث نحيي 25 زيارة قام بها الرئيس “أفورقي” إلى مصر منذ الاستقلال آخرها تلك التي قام بها في شهر يوليو من هذا العام. وجدير بالذكر أن بداية عام 2018 وتحديدًا في شهر يناير، كانت قد شهدت إحدى الزيارات الرئاسية الإريترية ذات الأهمية الخاصة، حيث تم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم للتعاون في مجالات الصحة والكهرباء والزراعة والثروة السمكية، وغير ذلك من أوجه أخرى للتعاون، كان من المفترض حال تنفيذها أن تدفع بمنحنى العلاقات الجيدة بطبيعتها إلى آفاق أرحب، بيد أن اتفاق جدة الموقع في منتصف العام نفسه أضاف رقمًا هامًا في معادلة التوازن الإقليمي.
المرجّح -إذن- أن الهدف الذي يرمي إليه الرئيس الإريتري هو إعادة ترتيب علاقاته الإقليمية وفقًا لموازين القوى ومستجداتها ومصالحه الشخصية والوطنية، ودخول أطراف إفريقية وخليجية ودولية كذلك، على خط المصالح الاقتصادية والترتيبات الأمنية في منطقة البحر الأحمر وحوض النيل والقرن الإفريقي الكبير بصورة لم يعد من الممكن إغفالها. يستهدف الرئيس الأريتري -إذن- المزيد من المكاسب من جميع الفاعلين بالمنطقة، وليس خسارة أحد الأطراف لحساب آخر أو كسب أحدهم على حساب آخر. القضية -إذن- تستلزم أولًا فهم الأمور بطريقة سليمة بعيدة عن المبالغة أو التهوين، والإقرار بتغير موازين القوى في المنطقة وتعدد اللاعبين وتشابك المصالح. بات -إذن- من الصعب تبني سياسة تقوم على فرض رؤية أحادية من أي من الأطراف لا تضع في اعتبارها الضغوطات التي تُمارس من قوى إقليمية ودولية عديدة ذات مصالح استراتيجية في المنطقة.