تجري الانتخابات البرلمانية في العراق في 11 نوفمبر 2025، وتسجل التحالفات والأحزاب المشاركة في الانتخابات في الفترة من 15 أبريل-4 مايو 2025، وتستمر التحالفات في التشكيل في ظل خلافات وانقسامات بين القوى السياسية الشيعية والكردية والسنية، تطبق العراق في الانتخابات نظام سانت ليجو الذي يجعل المحافظة دائرة انتخابية واحدة ضمن معامل قسمة 1.7، بينما اتخذت نظام الفائز الأعلى ضمن دوائر متعددة في انتخابات عام 2021. ويعمل نظام سانت ليجو بطريقة التمثيل النسبي في توزيع المقاعد النيابية والقائمة على احتساب متوسط القاسم الانتخابي للكتل والأحزاب المشاركة في الانتخابات، ويمنح النظام ذو الدائرة الواحدة أغلبية للقوى السياسية الكبرى، ويتيح للمرشحين المستقلين خوض الانتخابات ضمن قوائم انتخابية وبالتحالف مع أحزاب سياسية، بما قد يقود إلى ظاهرة المال السياسي في الانتخابات، واستقطاب المرشحين بهدف جمع الأصوات. ضمن هذا الإطار يناقش هذا المقال موقف القوى السياسية من الانتخابات البرلمانية القادمة، ومآلات الانتخابات.
موقف القوى السياسية
تتنوع التحالفات المحتملة داخل المكون السني والشيعي والكردي والقوى الثورية أو المدنية وفيما يلي توضيح لاتجاهات هذه التحالفات:
• القوى السنية:
يغلب على المكون السني التشتت والانقسام، مع غياب استراتيجية موحدة تجمع القوى السنية لخوض الانتخابات، بالإضافة إلى عدم الرضا داخل المجتمع السني عن العملية السياسية، بما قد يقود إلى عزوف الناخبين، وخسارة نحو 20 مقعدًا في كل دورة انتخابية في المحافظات المختلطة؛ الأمر الذي يؤثر في نسبهم في البرلمان العراقي. لكن تستمر المشاورات بين القوى السنية حول المشاركة، ومن المحتمل خوض القوى السنية الانتخابات من خلال عدة قوائم انتخابية منها؛ قائمة تقدم برئاسة “محمد الحلبوسي”، قائمة ائتلاف السيادة برئاسة “خميس الخنجر”، بالإضافة إلى التحالف بين حزبي “متحدون” بزعامة “أسامة النجيفي” وتحالف العزم برئاسة “مثنى السامرائي” بهدف تعزيز نفوذهم في الموصل. وقائمة أخرى برئاسة “محمود المشهداني” الذي يرأس البرلمان العراقي الحالي. كذلك تشكل في فبراير الماضي ائتلاف القيادة السنية الموحدة والذي يضم رئيس البرلمان العراقي “محمود المشهداني” ورئيس تحالف السيادة “خميس الخنجر، ورئيس تحالف عزم “مثني السامرائي، ورئيس حزب الجماهير “أحمد الجبوري” ورئيس كتلة المبادرة “زياد الجنابي”.
ومن المحتمل تشكل قائمة انتخابية تضم تحالف الحسم والسيادة وكتلة المبادرة، لكن لن يشارك تحالف العزم ضمن هذه القائمة، ويضم تحالف “الحسم” الحزب الإسلامي العراقي برئاسة “رشيد العزاوي”، حزب “متحدون” برئاسة “أسامة النجيفي” وحزب الحل برئاسة “جمال الكربولي”.
في سياق متصل، ربما يرتب قرار القضاء العراقي ببراءة الحلبوسي من تهم تزوير الأوراق الرسمية وإقالته من رئاسة البرلمان من عودته مرة أخرى للمشهد البرلماني في العراق؛ الأمر الذي يُعيد تشكيل التوازنات بين القوى السنية في الانتخابات المقبلة، وربما تتراجع حظوظ حزب السيادة برئاسة “خميس الخنجر”، خاصة أن التسريبات الصوتية المنسوبة إلى خميس الخنجر أثارت غضبًا بين النواب العراقيين بسبب اللهجة الطائفية التي تحدث بها عن مؤسسات الدولة والحكم الشيعي في العراق بعد العام 2003، بما قد يُضعف حظه الانتخابي لصالح الحلبوسي الذي يتمتع بعلاقات متوازنة مع قوى داخلية وخارجية، في ظل قدرته على إجراء تفاهمات مع التحالفات السياسية العراقية سواء لتشكيل الحكومة أو توزيع المناصب بعد الانتخابات، وربما فوزه برئاسة البرلمان في الدورة القادمة، إذ يحظى الحلبوسي بعلاقات وثيقة مع بعض القوى الخارجية، بما قد يمنحه دعمًا لرئاسة البرلمان، وتعزيز فرص فوزه في ظل محاولات لخفض النفوذ الشيعي والإيراني في العراق، لكن في الوقت ذاته يواجه صراعًا مع قوى الإطار التنسيقي التي تحاول إزاحة قوته منذ انتخابات مجالس المحافظات.
• القوى الشيعية:
تؤثر الخلافات السياسية بين قوى الإطار التنسيقي، ورئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني” على التحالفات الانتخابية بعد اللقاء الذي جمع السوداني مع الرئيس السوري المؤقت “أحمد الشرع” في العاصمة القطرية الدوحة في 18 أبريل الماضي، ورفض قوى الإطار لتعزيز العلاقات مع الشرع، واعتراضهم على تحركات السودانى وإدارته للعراق بما يخالف التفاهمات المتفق عليها في أثناء تشكيل ائتلاف إدارة الدولة.
يضم الإطار التنسيقي ائتلاف دولة القانون برئاسة “نوري المالكي”، تحالف الفتح برئاسة “هادي العامري”، تحالف قوى الدولة برئاسة “عمار الحكيم”، كتلة عطاء، حركة حقوق، حزب الفضيلة، وترغب قوى الإطار التنسيقي خوض الانتخابات بقوائم متفرقة، ثم تشكيل تحالفات بعد إعلان نتائج الانتخابات لتشكيل الحكومة المقبلة. وهناك اتجاه لخوض قوى الإطار الانتخابات بعدة قوائم منها؛ قائمة بقيادة “قيس الخزعلي” زعيم عصائب أهل الحق، وثانية بقيادة “محسن المندلاوي”، وقائمة ثالثة بقيادة رئيس تيار الحكمة “عمار الحكيم”، ورئيس ائتلاف النصر بقيادة الوزراء السابق “حيدر العبادي”، وقائمة رابعة برئاسة “همام حمودي” رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وحزب اقتدار وطن بقيادة الوزير السابق “عبد الحسين عبطان”.
بينما يفضل ائتلاف دولة القانون بزعامة “نوري المالكي” خوض الانتخابات بشكل فردي، وكذلك كتلة “صادقون” التي يتزعمها “قيس الخزعلي”، فلن يشارك زعيم التيار الصدري “مقتدي الصدر” في الانتخابات البرلمانية القادمة بعد إعلانه المقاطعة بما يمنح القوى الشيعية الأخرى مزيدًا من النفوذ في الانتخابات خاصة في المحافظات الجنوبية والوسطي. ومن المحتمل تشكيل تحالف بين رئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني”، ورئيس منظمة بدر “هادي العامري”، ورئيس هيئة الحشد الشعبي “فالح الفياض”، وتحالف النصر برئاسة “حيدر العبادي”، ووزير العمل “أحمد الأسدي”، ووزير الداخلية “عبد الأمير الشمري”، ومحافظ البصرة “أسعد العيداني”، ومحافظ كربلاء “نصيف الخطابي”، ومحافظ واسط “محمد المياحي”، إذ حصل هؤلاء المحافظون على نسبة كبيرة من الأصوات في الانتخابات المحلية في العام 2023.
• القوى الكردية:
تتشاور القوى الكردية بشأن توحيد الصف في الانتخابات، وتنحية الخلافات ما بين الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة “مسعود بارزاني”، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة “بافل طالباني”، وحركة الجيل الجديد برئاسة “شاسوار عبد الواحد”، والاتحاد الإسلامي الكردستاني، وجماعة العدالة الكردستانية برئاسة “على بايير”.
• القوى المدنية:
تتمثل القوى الثورية أو المدنية في القوى السياسية الصغيرة التي ظهرت عقب احتجاجات أكتوبر 2019، وتعتزم هذه القوى تشكيل تحالف انتخابي يضم حركة نازل آخذ حقي، حزب البيت الوطني، تيار قضيتنا، تجمع الفاو زاخو، حركة كفي، والحركة المدنية الوطنية، والحزب الشيوعي العراقي، بالإضافة إلى انضمام النائب” عدنان الزرفي”، ورئيس الوزراء السابق “حيدر العبادي”، والنائب “سجاد سالم”.
مآلات الانتخابات
وفقًا للدستور العراقي، بعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية القادمة وإعلانها من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والمصادقة عليها. يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد خلال 15 يومًا من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات، وينتخب مجلس النواب في أول جلسة رئيسًا، ثم نائبًا أولًا، ونائبًا ثانيًا بالأغلبية المطلقة، وتكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات. وفيما يتعلق بمنصب رئيس الحكومة، يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددًا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، ويتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها 30 يومًا من تاريخ التكليف. وفي حالة إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال المدة المنصوص عليها، يكلف رئيس الجمهورية مرشحًا جديدًا لرئاسة مجلس الوزراء خلال 15 يومًا، ويعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب، ويعد حائزًا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري بالأغلبية المطلقة. وفي حال عدم نيل الثقة يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال خمسة عشر يومًا.
أما فيما يتعلق بمنصب الرئاسة، فتنتهي ولاية رئيس الجمهورية بانتهاء دورة مجلس النواب، ويستمر رئيس الجمهورية في ممارسة مهامه إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال 30 يومًا من تاريخ أول انعقاد للمجلس. وجرى العرف على أن يكون رئيس البرلمان من العرب السنة وله نائب كردي وآخر شيعي، ورئيس الحكومة من الشيعة ورئيس الجمهورية من الأكراد.
ختامًا، يبدو أن العراق سيشهد تغييرًا في التحالفات السياسية خلال الانتخابات البرلمانية القادمة وسيتضح ذلك بعد الإعلان الرسمي من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن الكتل السياسية والأحزاب المشاركة في الانتخابات، وربما تشهد هذه الانتخابات تراجعًا لنفوذ الكتل السياسية الشيعية، والتنافس بين هذه الكتل لما لهذه الانتخابات من أهمية سياسية بالنسبة لها بعد تراجع النفوذ الإيراني ودور الوكلاء في المنطقة، والضغط الخارجي لخفض نفوذها في العراق. كذلك ربما نشهد تحالفًا بين القوى السنية الفائزة بأعلى الأصوات والكتل الشيعية والكردية بعد الانتخابات لتشكيل الحكومة القادمة.