بعد شهر واحد من بدء حملة التلقيح المجاني ضد فيروس “كوفيد-“19 في المغرب، التي اعطى انطلاقتها الملك محمد السادس بأخذه اول حقنة امام عدسات الكاميرا، يوم 28 يناير الماضي، بلغ عدد المستفيدين من هذه الحملة الوطنية (الى حدود كتابة المقال) 3.568.980 (الحقنة الأولى)، فيما استفاد 232.980 من الحقنة الثانية من اللقاح.
مع تسجيل هذه الأرقام الهامة، اصبحت المملكة أحد النماذج العالمية في مجال تدبير التلقيح، إذ تحتل المرتبة الاولى، افريقيا، من حيث عدد ومعدل الأفراد المستفيدين من التلقيح، والمرتبة الـ15 على الصعيد العالمي. ويعتبر نجاح المغرب في إدارة حملة التلقيح، جزءا من نجاحه في ادارة ازمة كورونا المستجد، ككل. فمع ظهور اول حالة للوباء في المملكة، كان المغرب من الدول الأولى التي أعلنت حالة الطوارئ (الممتدة الى اليوم) واغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية، وإعلان الحجر الصحي الشامل لمواجهة الوباء. وقد كانت قرارات ملك المغرب حكيمة جدا ولم يدخر أي جهد لتعزيز صحة المغاربة وان كان ذلك على حساب اقتصاد البلاد.
منذ بداية الجائحة، أعطى جلالته تعليماته من اجل احداث صندوق خاص لتدبير ومواجهة وباء كورونا بلغت قيمة المساهمات فيه ازيد من 34 مليار درهم (تقريبا 3.5 مليار دولار)، وكان ملك المغرب من اول المساهمين في الصندوق. وتم تخصيص هذا الصندوق للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية ودعم الاقتصاد الوطني، والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الأزمة. وكان المغرب سباقا في اعتماد برتوكول علاجي اثبت نجاعته في مواجهة الوباء. وقد وصل عدد الإصابات في المغرب (لحدود كتابة المقال) 483.766، والمتعافون 469.345، بينما عدد الوفيات 8637.
بفضل الالتزام الملكي والتدبير الاستباقي، استطاع المغرب تجنب الأسوأ فيما يخص انتشار الجائحة. وبفضل نفس هذا الالتزام والاستباقية استطاع مبكرا تحديد اللقاحات المناسبة لظروفه (المتعلقة بالتخزين والتبريد)، من خلال اختياره “أسترازينيكا” و”سينوفارم”، وتقديم طلباته بخصوصهما، قبل صدورهما، في وقت لم تحسم فيه دول عديدة أخرى اختياراتها. ففي أغسطس 2020، أبرم المغرب والمختبر الصيني CNBG اتفاقيتي تعاون فيما يتعلق بالتجارب السريرية للقاح المضاد لكوفيد-19. وفي سبتمبر، من نفس السنة، وقع على مذكرة تفاهم لـ اقتناء اللقاحات التي تنتجها شركة R-Pharm، بترخيص من مجموعة “استرازينيكا”.
رغم بعض الارتباك بخصوص موعد انطلاق حملة التلقيح، الا ان المملكة تجاوزت هذا التعثر، واستطاعت الحصول مبكرا على جرعات مهمة من اللقاحين (بلغت لحدود كتابة المقال 8 مليون جرعة). ومن اجل إنجاح حملتها الوطنية، وضعت وزارة الصحة المغربية بالتعاون الوثيق مع وزارة الداخلية، استراتيجية تلقيح على المستوى الوطني والإقليمي والمحلي. تم تهييئ مستودع وطني لتخزين اللقاحات، ووضع خطة الاستقبال وتخزين وتوزيع اللقاح في ظروف آمنة. وثم إحداث محطات للتلقيح، عبارة عن وحدات ملحقة بالمراكز الصحية، تقدم خدماتها عبر نمطين وهما النمط القار باستقبال الساكنة بمحطة التلقيح، والنمط المتنقل حيث تنتقل الفرق الملحقة بمحطة التلقيح، وفقا لبرنامج محدد مسبقا للنقاط المعدة لهذه العملية كالمستشفيات والجامعات. وتم تزويد جميع المراكز الصحية المعنية والوحدات المتنقلة بأقراص لتسجيل جميع المعلومات الضرورية التي ستستخدم ليس فقط أثناء عملية التطعيم، ولكن أيضا بعد التلقيح.
اعتمد المغرب مبدأ التدرج بالنسبة للمستفيدين من اللقاح، وشمل في المرحلة الأولى من الحملة (28 يناير) الفئات ذات الأولوية. ويتعلق الأمر بمهنيي الصحة البالغين من العمر 40 سنة فما فوق، والسلطات العمومية والقوات المسلحة الملكية وكذا نساء ورجال التعليم ابتداء من 45 سنة والأشخاص المسنين البالغين 75 سنة فما فوق. ومنذ 11 فبراير، أعلنت وزارة الصحة عن توسيع العملية لتشمل الفئة العمرية 65 سنة فما فوق. وفي اخر فبراير تم توسيع العملية لتشمل كذلك الفئة المواطنات والمواطنين ما بين 60 و64 سنة، والحاملين لأمراض مزمنة.
من اجل اخذ اللقاح، كل ما يتطلبه الأمر من المواطن هو رسالة نصية قصيرة تتضمن رقم بطاقته الوطنية، بعدها بثوان قليلة، يتلقى موعد التطعيم، اذا كان ضمن الفئة المستهدفة، او يطلب منه الانتظار اذا لم تتوفر فيه بعد شروط الاستفادة. وخلال الأسابيع الماضية، أعطى المغرب ما معدله 173.920 جرعة يوميا، وهو رقم لم تستطع تحقيقه دول أوروبية متقدمة. ويسعى المغرب الى حماية الصحة العامة وتقليل التأثير الاجتماعي والاقتصادي لكوفيد-19 وتقليل عدد الوفيات، إلى جانب ضمان نسبة تغطية لا تقل عن 80% من المغاربة والمقيمين الذين تفوق أعمارهم 18 سنة، اي حوالي 25 مليون شخص.
إذا استمرت الحملة المغربية للتلقيح بهذا التدبير الجيد، والانخراط المجتمعي، ودون عوائق، ووصلت جرعات اللقاح المتوقعة في الموعد المحدد، فمن الممكن تحقيق المناعة الجماعية في مايو او يونيو القادم، وفق ما أعلنه وزير الصحة المغربي. وقتها تستطيع السلطات المغربية رفع حالة الطوارئ وكافة القيود المرتبطة بالجائحة، ويستطيع المغاربة العودة الى حياتهم الطبيعية بعد 15 شهرا كانت استثنائية بكل المقاييس.
ـــــــــــــ
نقلا عن جريدة الأهرام، الخميس ٤ مارس ٢٠٢١.