يتبع الإخوان في أوروبا منهجًا قديمًا أكدته الوثيقة التي كتبها القيادي الإخواني محمد أكرم باسم “نحو استراتيجية عالمية للسياسة الإسلامية: منطلقات وعناصر ومستلزمات إجرائية ومهمات”، يقوم هذا المنهج لتحقيق هدف عام هو إيجاد كيان اجتماعي موازٍ للتنافس مع بقية أركان المجتمع الأوروبي ومبادئ وقيم مواطنيه، من خلال مناورة تكتيكية بالتكيف مع المجتمع الأوروبي لطمأنة الخطاب الديمقراطي ثم السيطرة التدريجية على الاتجاهات السياسية. ويعتمد تحقيق الهدف على البناء المستمر للقوة اللازمة للدعوة الإسلامية، مع دعم الحركات الجهادية في العالم الإسلامي بنسب متفاوتة. وبررت الوثيقة هذه المناورة بالاعتماد على «فقه الأقليات» القائم على التماهي مع الجماعة الأكبر مع الحفاظ على وجود مجتمع إسلامي مؤثر.
ووجد الإخوان في بريطانيا ضالتهم المنشودة لتكون نموذجًا لاختراق المجتمعات الأوروبية، وكان تقبل بريطانيا لهم منذ نشأتهم في مصر، وهروبهم إليها في الخمسينيات من القرن الماضي. وبغض النظر عن دوافع بريطانيا لتقبل الإخوان -سواء للاقتناع بالجماعة كما يُدعى أو لتوظيفهم سياسيًا- فإنهم وجدوا المجال متسعًا للوجود والانتشار والتأثير في المجتمع البريطاني للانطلاق منه إلى أوروبا بأسرها وتعزيز قوتهم في المجتمع العربي.
في عام 2008 أعلن عمدة لندن كين لفنجستون في مؤتمر صحفي “أن جماعة الإخوان كبرى الحركات الإسلامية تربطنا بها علاقة جيدة، وكانت تتلقى تمويلًا ماديًا من الخارجية البريطانية منذ نشأتها”، ولم يكن هذا التصريح مفاجئًا أو صادمًا لأي باحث أو متابع لجماعة الإخوان منذ نشأتها. ففي كتاب “لعبة الشيطان” حلل المؤلف روبرت دريفوس الصادر عام 2010 علاقة جماعة الإخوان ببريطانيا، ويقول إن “الحركة تأسست على يد حسن البنا بمنحة من شركة السويس البريطانية، كما تمتعت الجماعة خلال ربع قرن من تأسيسها بالدعم من رجال المخابرات والدبلوماسيين البريطانيين”. ولكن هل توقف دعم بريطانيا للجماعة بخروجها من مصر؟، تأتي الإجابة بالنفي مع إدراك أن لندن تمثل بالنسبة للإخوان عاصمة ثانية لهم بعد مصر، فكما يؤكد الخبراء والمتخصصون فإن مصر هي بلد المنشأ بينما بريطانيا تمثل الحماية والبديل.
وتتعدد الكتابات التي توضح قوة الوجود الإخواني في بريطانيا، ويشير الواقع أيضًا إلى هذه القوة، ويمكن الاستدلال على ذلك برفض مجلس العموم البريطاني لمشروع قانون يعترف لجماعة الإخوان كجماعة إرهابية وذلك في عام 2015، وما زال هذا الموقف الرافض سائدًا مع إثارة الموضوع مرة أخرى في مطلع العام الجاري، رغم أن الحكومة البريطانية وبعض النخب السياسية والثقافية تستوعب وتدرك الخطر الكامن الذي تمثله الجماعة على المجتمع البريطاني والمجتمع الأوروبي بصورة أوسع. الأمر الذي يثير التساؤلات حول سبب اتساع تأثير الإخوان في بريطانيا، وتظهر شبكات الإخوان المتغلغلة في المجتمع البريطاني سواء في المجال الاقتصادي أو الإعلامي أو الاجتماعي والتي تصل لدوائر القرار السياسي، تظهر هذه الشبكات لتفسر سبب تأثير الإخوان في بريطانيا.
الشبكية أساس عمل الإخوان في بريطانيا
تطورت بنية التنظيمات الإرهابية خلال المراحل الزمنية المختلفة منذ بدايات التأصيل لظاهرة إرهاب الجماعات مع ظهور جماعة الإخوان عام 1928، وانتقلت من الشكل الهرمي التقليدي إلى البنية اللا مركزية ونمط الخلايا العنقودية، إلى أن وصلت هذه البنية إلى الطبيعة الشبكية التي تتلاءم مع تحول الإرهاب إلى ظاهرة عابرة للحدود. فالتحليل الشبكي أكثر ملاءمة للظواهر الحديثة في العلوم الاجتماعية عامة والاستراتيجية منها على وجه الخصوص، خاصة مع انتشار الشبكات العابرة للقوميات النشطة في قضايا عالمية في المجالات المختلفة، تجاوزت الـ30 ألف شبكة في بعض التقديرات.
ومتابعة الوجود والانتشار الإخواني في بريطانيا وزيادة تأثيرهم يقدم تطبيقًا عمليًا لهذه البنية الشبكية بدأها الإخوان مبكرًا هناك، وتعمقت هذه الشبكية في الثمانينيات مع إعادة هيكلة التنظيم الدولي للإخوان. وقبل توضيح شبكات الإخوان في بريطانيا، يكون من المناسب توضيح أهم سمات الشبكية:
- الهدف الأساسي لبناء أي شبكة هو زيادة التأثير في موضوع ما أو تجاه طرف ما، أي إنها إحدى صور القوة من حيث التأثير. وهذا هو ما تهدف إليه جماعة الإخوان بالحفاظ على قوة التأثير في المجتمعات التي تتواجد فيها بصفة عامة، وفي بريطانيا على وجه الخصوص.
- الشبكات لا تستهدف إلغاء الجهات الفاعلة المنضوية تحت لوائها، بل توازن بين استقلالية الفاعلين وتعاونهم لتحقيق الأهداف المشتركة. وهذه السمة تؤكد تعدد وتنوع المؤسسات التي تتبع الإخوان، ولكل منها شخصية اعتبارية مستقلة لكن الهدف واحد ومشترك. وهذا يتسق مع السمة الثالثة وهي “توزيع الأدوار” بين هذه المؤسسات ما بين الدور الفكري والاقتصادي والخدمي والإعلامي.
- العملية التشبيكية داخل هياكل الشبكات تخلق نوعًا من «قوة التماسك الجماعي» الدافعة للتأثير، وفي نفس الوقت تحتفظ بالمرونة الكافية لاستيعاب مشاركة واسعة لعناصر وفاعلين مؤثرين وذوي نفوذ. والتشبيك الذي تقوم به مؤسسات الإخوان في بريطانيا أثبت فاعليته عدة مرات، وحال دون اعتراف بريطانيا بالإخوان كجماعة إرهابية أكثر من مرة، ووفر لهم ملاذًا آمنًا هناك يديرون بقايا مشروعهم منه في محاولة لإحيائه مع رعاتهم.
وإذا كانت أي شبكة تتكون من ثلاثة عناصر: العُقد (الفاعلون)، الروابط (خطوط الاتصال)، ثم التدفقات (القنوات التي تحدث التفاعلات من خلالها التأثير المطلوب)، ففاعلية هذه العناصر من عدمها تحدد مدى قوة الشبكة في التأثير تجاه قضية ما، كما تزداد قدرة الفاعلين داخل الشبكة بقدرتهم على مضاعفة قوة تأثيرهم بما يمتلكونه من روابط وصلات مع دوائر صنع القرار بشكل مباشر أو غير مباشر. فإن شبكة الإخوان في بريطانيا تتكون من عدة مؤسسات تعد منظمات في المجتمع المدني متنوعة الأنشطة تمثل العُقد الرئيسية في هذه الشبكة، بينما يقوم عدد من قيادات الجماعة وكوادرها بدور الروابط، بينما التدفقات توفر التغلغل في كافة مؤسسات المجتمع البريطاني بالإضافة إلى اختراق المجتمع ذاته. وقد ساهمت حرية الحركة التي تتمتع بها جماعة الإخوان في بريطانيا في فاعلية هذه الشبكة واتساع علاقاتها ليصل نفوذها للبرلمان ولغيرها من دوائر القرار، فعلى سبيل المثال في عام 2018 ظهر “جيرمي كوربين” زعيم حزب العمال المقرب من الجماعة في مسجد “فينسبري بارك” وهو يرفع علامة رابعة الشهيرة والمرتبطة بإخوان مصر، بالإضافة إلى علاقته بالصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية بعد دعوته للتبرع إلى المؤسسة بكثافة، فيما اعتبر كدعم واضح للتيارات المتطرفة.
وفيما يلي يمكن استعراض عناصر شبكة الإخوان في بريطانيا..
أولًا- العُقد (الفاعلون):
اعتمد الإخوان المقيمون في بريطانيا على التكيف مع المجتمع وقواعده لكنهم استغلوها لتحقيق أهدافهم من التأثير والبقاء، وبدأوا في تكوين شبكاتهم والربط بين عناصرها مع تجديد دور التنظيم الدولي للجماعة وإعادة هيكلته، ويمكن توضيح أهم العُقد في هذه الشبكة على النحو التالي:
- مؤسسة الإغاثة الإسلامية أسسها هاني البنا في العام 1984، وقياداتها يتمتعون بعلاقات مع رؤساء الدول والوزراء وكبار موظفي الخدمات المدنية ومع وسائل الإعلام في الدول المتواجدة فيها، بالإضافة إلى تواجدها الأكيد على أجندة سياسة المساعدات الدولية والأمم المتحدة. أصبحت هيئة الإغاثة الإسلامية عضوًا في لجنة (Disasters Emergency Committee) التي توزع الأموال. وتمتلك هيئة الإغاثة الإسلامية عدة مكاتب منتشرة في جميع أنحاء العالم. تشير التقديرات إلى أن هيئة الإغاثة الإسلامية تجمع من حملتها السنوية في رمضان في بريطانيا أكثر من (10) ملايين جنيه إسترليني سنويًا. وقدرت موارد هيئة الإغاثة الإسلامية بحوالي(570) مليون جنيه إسترليني تشمل عدة تبرعات كتبرعات الأمم المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي. وتحصل على تمويلها من مزيج من الهبات الفردية والأعمال التجارية ومن الحكومة.
تعمل على مستويين، المستوى الأول ظاهري كمؤسسة خيرية للإغاثة والتنمية. والمستوى الثاني خفي وسري كداعم لتنظيم الإخوان المسلمين في تنفيذ أجندتهم وتوسيع نفوذهم داخل المجتمع البريطاني. بالإضافة إلى تورط هيئة الإغاثة الإسلامية في بريطانيا بالتعاون مع جماعات ذات أيدولوجيا متطرفة. وتورط قياديون فيها بتأجيج مشاعر العنصرية والكراهية وتعزيز التطرف.
وقد أثيرت العديد من الشبهات حول علاقة الهيئة بالتنظيمات المتطرفة، الأمر الذي دفع مفوضية المؤسسات الخيرية في المملكة المتحدة العام الماضي للتحقيق في ترويج هيئة الإغاثة الإسلامية للدعاة المتطرفين، مستعينة بتقرير صادر عن منتدى الشرق الأوسط يظهر أنشطة منظمة الإغاثة الإسلامية وفروعها وعلاقاتها بجماعة الإخوان المسلمين، وكذا علاقتها بحماس، وتطرف مسئوليها، وترويجها للدعاة الذين يحرضون على الكراهية ضد كل من المسلمين المعتدلين وغير المسلمين؛ حيث قدمت هيئة الإغاثة الإسلامية في المملكة المتحدة أموالًا، على سبيل المثال، إلى جمعية الفلاح الخيرية، وهي منظمة دعوة تابعة لحماس يديرها رمضان طمبورا، وفي الوقت نفسه، لا تزال منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية مرتبطة ماليًا بالمنظمات الأخرى المرتبطة بالإرهاب، بما في ذلك جبهات النظام القطري مثل جمعية قطر الخيرية.
وتواجه المنظمة حاليا العديد من الانتقادات والاتهامات لها بالتطرف الفكري والبعض يصف قياداتها بالعنصرية على ضوء الإساءة من هؤلاء القيادات، وفي مقدمتهم هاني البنا، تجاه بعض الطوائف العرقية والجماعات الدينية الأخرى، الأمر الذي شبه البعض هذه الآراء بأنها تشبه تنظيم داعش. ولذلك تعتزم لجنة الطوارئ والكوارث البريطانية، التي تجمع ملايين الإسترليني للإغاثة في دول مثل اليمن، إعادة دراسة دور منظمة “الإغاثة الإسلامية العالمية”، في حين تنظر مفوضية المؤسسات الخيرية قضية امتثال جارية ضدها.
- في عام 1989 أعلن الإخوان رسميًا عن إنشاء (اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا)، وذلك في مدينة ماركفيلد قرب لستر في المملكة المتحدة، وتم نقله إلى بروكسل عام 2007 في إطار الاهتمام الكبير بتوسيع وتدعيم مواقعهم في القارة الأوروبية، ولمواكبة النشاطات المتزايدة مع الهيئات الأوروبية، وتشير بعض الأدبيات إلى أن نقل المقر الرئيسي للاتحاد كان تجسيدا للمرونة التي تبديها الجماعة في ملاذاتها الآمنة، فقد تم بعد العملية الإرهابية التي شهدتها لندن عام 2005 تفجيرات مترو لندن التي راح ضحيتها ٥٧ شخص، فأصبحت علاقة بريطانيا بالإخوان بين شد وجذب في ذلك التوقيت. يضطلع الاتحاد بمهمات كثيرة من بينها: توسيع التعاون والتنسيق بين الجماعات الإسلامية في أوروبا، والتشجيع على المشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي. ووضع خطط واستراتيجيات الإخوان في أوروبا. ويعتبره بعض الباحثين تطبيقًا معدلا لنموذج حسن البنا في أسلمة المجتمع من أسفل إلى أعلى عبر الدعوة والتعليم.
- في عام 1997 أسس الإخوان “الرابطة الإسلامية” كمنظمة غير حكومية في بريطانيا، وذلك بإشراف مباشر من الأمين العام للتنظيم الدولي آنذاك كمال الهلباوي، وتختلف الكتابات حول حجم التواجد الإخواني في بريطانيا، حيث تشير بعضها إلى وجود حوالي إحدى عشر فرعًا في بريطانيا، فيما تشير أخرى إلى ما يزيد عن عشرين فرعًا. وهذه الرابطة هي بداية الوجود المؤسسي للجماعة، لكن اعتمدت بعد ذلك على تأسيس مؤسسات مختلفة الأنشطة تجمع بين الأنشطة الخيرية والاقتصادية، وتستثمر برأس مال ضخم في قطاعات مختلفة.
- المجلس الإسلامي البريطاني: أنشئ عام 1997، وهو يشمل منظمات ومؤسسات إسلامية وطنية وإقليمية ومحلية ومتخصصة من مختلف الخلفيات الأثنية والطائفية داخل المجتمع الإسلامي البريطاني. الغرض من تأسيس المجلس زيادة التعليم عن الإسلام والعمل من أجل القضاء على المساوئ وأشكال التمييز التي يواجهها المسلمون. حصل المجلس على لقب أشهر وأقوى منظمة من بين العديد من المنظمات التي تأسست بين عام 1990 وعام 2000 لتمثيل المسلمين البريطانيين.
يدير المجلس عددًا من المشروعات تهتم بإنتاج مواد تعليمية للمدارس الإسلامية، وتدعيم الروابط بين المجتمعات المسلمة في المملكة المتحدة وتلك الموجودة في نيجيريا وبنغلاديش والهند. وذلك من خلال عدة برامج منها:
“نحو تفاهم أكبر”، وهو يهدف لمواجهة العنصرية ضد المسلمين وما يرتبط بها من تهميش وتمييز وتحامل ويبدأ البرنامج في التنفيذ في جنوب آسيا. وبرنامج “الإسلام هو السلام” من خلال حملة دعائية هدفها كسر حواجز الشك والانقسام، وتحدي القوالب النمطية، ومكافحة التحامل، وإتاحة فرصة لتعزيز قيم الاحترام والتسامح والتعايش السلمي.
برنامج “المساجد”، يحدد البرنامج عدد من المساجد بشكل دوري يستهدف بنائها أو تطويرها، بهدف التمكين لها وبناء القدرات من خلال توفير التدريب والحصول على الموارد الإسلامية الجاهزة، بالإضافة إلى تنظيم زيارات المساجد وجعلها مؤسسات اجتماعية متكاملة داخل المجتمع البريطاني ليست فقط دور للعبادة. ولعل هذا الدور الأخير هو ما أكدته عدة تقارير حكومية بريطانية بعد أن كشفت عن صلات غير معلنة لهذا المجلس بجماعة الإخوان.
وظلت الشبهات تدور حول حقيقة الدور الذي يقوم به المجلس الإسلامي البريطاني، إلى أن قامت صحيفة التايمز عام 2015 بنشر تقرير بعنوان “المجلس الإسلامي في بريطانيا مرتبط بصورة سرية بالإخوان المسلمين”، حيث يظهر المجلس كأكبر مؤسسة إسلامية في بريطانيا وأكبر جماعة للطلبة المسلمين في بريطانيا لهم صلات غير معلنة بجماعة الإخوان المسلمين، التي تصفها الصحيفة بأنها “شبكة أصولية حرضت في بعض الأحيان على العنف والإرهاب، ويعتبرها تنظيم ينظر إلى المجتمع الغربي على أنه مفسد ومعاد للمصالح الإسلامية”. ويقول التقرير أيضًا: “إن جماعة الإخوان المسلمين تنخرط في السياسة عندما يكون ذلك ممكنًا”، ولكنها تلجأ أحيانًا للإرهاب لتنفيذ أهدافها. ويضيف أن الجماعة في الغرب تدعو إلى اللا عنف ولكن الرسائل التي ترسلها إلى مؤيديها باللغة العربية عادة ما تحتوي دعوة متعمدة للعنف”.
- المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية الذي تم إنشاؤه عام 1998، والذي يرتبط بمعاهد أخرى في أوروبا، تقوم بتعليم الدين الإسلامي، وبالأدق تعليم تفسيرات وسلوكيات الإخوان للدين الإسلامي، ومن أمثلة هذه المعاهد: المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في فرنسا في عام 1991، والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في فرانكفورت بألمانيا عام 2012.
- مؤسسة قرطبة لحوار الثقافات في بريطانيا: مؤسسة قرطبة أسسها وأدارها القيادي الإخواني أنس التكريتي عام 2005، وهو ابن أسامة التكريتي القيادي الإخواني البارز في العراق، وظل رئيسا لها حتى ترك هذا المنصب لأخته، رغد التكريتي منذ يناير2020، وهي أول امرأة تترأس الرابطة، وقد وصفها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون بأنها “جبهة سياسية للإخوان المسلمين“. وقد أنشأت المؤسسة مجموعة تابعة للتنظيم باسم “المبادرة البريطانية الإسلامية”، التي على صلة وثيقة بحركة حماس الإخوانية، ومدير المبادرة البريطانية الإسلامية هو محمد صوالحة، عضو بارز في حماس، وقيل إنه كان العقل المدبر لاستراتيجية الحركة السياسية والعسكرية. وفي عام 2018 قدمت صحيفة “التليجراف” البريطانية تقريرًا أكدت فيه أن مؤسسة قرطبة تتعاون تعاونًا وثيقًا مع منظمات بريطانية إرهابية أخرى، والتي تسعى إلى تكوين ديكتاتورية أو خلافة في أوروبا.
ترفع مؤسسة قرطبة شعار “الثقافات في حوار”، وتقدم نفسها كمركز فكري وبحثي واستشاري، يسعى إلى تعزيز الحوار وثقافة التعايش السلمي بين الثقافات والأفكار والناس، والعمل مع دوائر صنع القرار من أجل فهم أفضل وفهم أوضح للقضايا بين الطوائف والأديان في بريطانيا وعبر أوروبا وخارجها. ويعكس الشعار والأهداف مرونة التكيف التي تظهرها الجماعة لتناسب الثقافة البريطانية وتكون مقبولة في المجتمع هناك، بما ينافي الصورة الذهنية الرائجة عن الجماعة وعناصرها.
- كلية لندن المفتوحة للدراسات الإسلامية: تأسست عام 2000 وتهتم بنشر العلوم الشرعية والتربوية واللغوية وكافة العلوم التطبيقية برؤية منهجية وعلمية متكاملة تواكب العصر الحديث، وتعلن الجامعة أن منهجها في المجال الشرعي والعقدي هو منهج أهل السنة والجماعة واعتقاد السلف الصالح وتنهج الجامعة التدرج في التعليم تحت إشراف مجموعة من العلماء والأساتذة والدعاة المتخصصين، والدراسة عن بعد وبتكلفة محدودة نسبيًا مقارنة بالجامعات البريطانية.
- منتدى الجمعيات الخيرية الإسلامية: تأسس عام 2008 بمبادرة من هاني البنا وتم تسجيله في المملكة المتحدة كمؤسسة خيرية، يضم أعضاء من المنظمات غير الحكومية الدولية المعروفة التي يقودها المسلمون ومقرها المملكة المتحدة، بما في ذلك مؤسسة الإغاثة الإنسانية الدولية والإغاثة الإسلامية المملكة المتحدة، عون المسلمين وهي جمعية خيرية، وأيادي مسلمة، وإيثار للإغاثة ومؤسسة قراءة. ويهدف إلى تحسين مساهمة الجمعيات الخيرية الإسلامية البريطانية في التنمية الدولية من خلال تشجيع تبادل الخبرات والأفكار والمعلومات بين الأعضاء، وبين شبكات المنظمات غير الحكومية في المملكة المتحدة وعلى الصعيد الدولي، مع الحكومات والهيئات الأخرى المهتمة بالتنمية الدولية. كما يهتم المنتدى بعملية التمويل المؤسسي والشراكات، من أجل تحديد الفرص لبناء علاقات أقوى بين المؤسسات المانحة والمنظمات غير الحكومية التي يقودها المسلمون، وتعزيز الشراكات بين المنظمات غير الحكومية التي يقودها المسلمون وأنواع المنظمات الأخرى.
يعمل منتدى الجمعيات الخيرية الإسلامي كمظلة دعم وتمويل لـ10 كيانات بريطانية جميعها تنتمي لتنظيم الإخوان، منها 6 منظمات على الأقل تمول حماس وفروعها، وبالطبع فإن ارتباط حماس بالإخوان ليست موضعًا للتشكيك، ففي قسم الحركة الذي تلاه قادة وأعضاء حركة حماس، بما فيهم رئيس مكتبها السياسي الحالي إسماعيل هنية: “أعاهد الله، أعاهد الله، أعاهد الله، على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين والجهاد في سبيلها والقيام بشرائط عضويتها، والثقة التامة بقيادتها، والسمع والطاعة، في المنشط والمكره”. ووفقًا لتصريحات لهاني البنا لأعضاء المنتدى: “إن تشريعات مكافحة الإرهاب قد تجعل من المستحيل توصيل المساعدات الخارجية إلى مواقع معينة”.
وفي عام 2018 حوالي 110 ألف جنيه إسترليني من الحكومة المحلية وكان من المقرر أن تتلقى 140 ألف جنيه إسترليني إضافية في إطار مشروع عمل الأقليات الدينية، وهي مبادرة تهدف إلى تشجيع التكامل من خلال تعزيز العمل بين الأديان، وتحسين دور المرأة في العقيدة، والحد من جرائم الشباب، وتقديم الأطفال تدريب الحماية. وذلك بعد اتهام صحيفة التلغراف لأحد أعضاء المنتدى بأنه على صلة بتنظيمات متطرفة. ورغم نفي المنتدى لهذا الاتهام قالت وزيرة الدولة لشئون المجتمعات والحكم المحلي إن “منتدى الجمعيات الخيرية الإسلامية فشل في طمأنتنا بأن لديهم إجراءات صارمة مطبقة للتحقيق والتدقيق مع أعضائها”.
- المنظمة العربية لحقوق الإنسان، يديرها الإخواني محمد جميل، وهي مدعومة قطريًا، وهو منظمة إخوانية تُقدّم نفسها على أنها منظمة تدافع عن حقوق الإنسان في دول الخليج والعالم العربي، ولكنها لا تفعل شيئًا سوى تشويه سمعة دولة الإمارات لدى دوائر صناعة القرار في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وقد قام بتأسيسها أنس التكريتي في عام 2012، لكنه سجّل أوراق المنظمة وموقعها الإلكتروني باسم زوجته “مالاث شاكر”، ووضع اسم شقيق زوجته “عبدوس سلام” مديرًا مؤسسًا لها، وقامت بعقد لقاءات مع لجنة حقوق الإنسان في البرلمان البريطاني، وقدّمت من خلالها شهادات كاذبة عن أوضاع حقوق الإنسان في كلٍّ من مصر والسعودية والإمارات والكويت.
ثانيًا- الروابط:
تبدو المؤسسات السابقة مستقلة عن بعضها ولكل منها تخصصه ومجال اهتمامه ودائرة اتصالاته وعلاقاته، لكن هناك قنوات تربط بينها وعناصر مشتركة توصل بين هذه المؤسسات داخل بريطانيا، وبينهم وبين عناصر الإخوان خارجها أيضًا. ويمكن التمييز بين هذه الروابط ما بين مؤسسات وسيطة كالشركات والجامعات أو قيادات وكوادر إخوانية. وهنا تجدر الإشارة إلى بعض النماذج لهذه الروابط، منها:
- الترابط المكاني ييسر الاتصال المباشر بين هذه المنظمات الإخوانية، ففي فبراير 2015، قالت صحيفة ”صانداي تلجراف” البريطانية، أن المحاور الرئيسية لعمليات الإخوان في أوروبا هي وست جيت هاوس Westgate House، وهي بناية تشمل مجموعة مكاتب مفروشة في غرب لندن وكراون هاوسCrown House، على بعد حوالي نصف ميل شمالها على الطريق الدائري الشمالي. يحتوي المبنيان على ما لا يقل عن 25 منظمة مرتبطة بحركة الإخوان المسلمين أو حماس. وهناك مبنى ثالث قريب جدًا، يسمى بيناكل هاوس Pinnacle House في بيتنبرج يضم الصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية (إنتربال Interpal) يترأسها عضو الهيئة التنفيذية في حركة حماس عصام مصطفى، وهي تعمل كمؤسسة خيرية لها صلات وثيقة بالإخوان المسلمين وحماس. وكانت الحكومة الأمريكية حظرت إنتربال كمنظمة إرهابية، لكنها لا تزال تعمل في المملكة المتحدة تزعم أنها قطعت علاقاتها مع حماس.
- تظهر المساجد نموذجًا مثاليًا للروابط من خلال الطابع الديني لها يتم إضفاء الخصوصية على المسلمين داخل المجتمع البريطاني، حيث يتعدد دور المساجد فهي مؤسسات تعليمية وخدمية أيضًا وليست فقط لممارسة الشعائر الدينية، وفي بريطانيا وصل عدد المساجد عام 2002 إلى329 مسجدًا، منها نحو 50 مسجدًا في برمنغهام، وتضاعف عددها ليصل خلال عام 2016 إلى 1500 مسجد في كل المدن والمقاطعات البريطانية واسكتلندا، وتزداد خطورة هذه المساجد حينما تديرها هيئات لها أجندات خاصة أو أئمة متطرفين، وتشير بعض البيانات على وجود نحو 1200 مسجد في بريطانيا تديرها هيئات تركية وأئمة ليسوا كلهم معتدلين.
- منتدى ليدز للشباب المسلم: تأسس عام 2005 وهو منظمة تعمل في مجال دعم وتدريب الشباب المسلم بغرض تمكينهم، وفقًا لما يعلنه المنتدى تم الإنشاء في أعقاب التفجيرات الانتحارية المميتة في لندن للاعتراف بالدور الحيوي والمساهمة الإيجابية التي يقدمها الشباب المسلم للمجتمع ولضمان سماع أصواتهم. يتم تسجيل ودعم وتدريب الشباب من المجتمع المحلي، ومن خلال ممارسة الضغط وتنظيم الحملات وإعلان وجهات نظرهم مع شركائنا الاستراتيجيين ومنتديات صنع السياسات وساحات صنع القرار، إذ يهدف المنتدى لإحداث تغيير إيجابي لهم ولغيرهم من المسلمين.
- مجموعة من الشركات والمؤسسات المالية التابعة أو المرتبطة بجماعة الإخوان وقياداتها تتشابك مع الاقتصاد البريطاني وتعمل كجزء من منظومته، ومنها: مؤسسة Europe Trust التي تعمل في مجال الائتمان والاستشارات الفنية في عدد من القطاعات الهامة، وJordan Company Secretaries Limited وكانت تعمل في مجال توفير الخدمات للشركات البريطانية كـأعمال الصيانة الدورية للشركات. وكذا مؤسسة التيسير للرعاية، وهي شركة تقدم خدمات تعليم وتدريب ورعاية المرضى تم تأسيسها في العام ٢٠٠٧.
- عناصر الإخوان في الإعلام في بعض القنوات الشهيرة مثل قناة (الحوار) التلفزيونية ومؤسسة ميديا (كومينيكيشن ليميتد) والتي تحصل كلها على تمويلات مالية سخية من دولة قطر، بالإضافة إلى وكالات أنباء دولية تتحيز للإخوان وتناصر مطالبهم مثل شبكة الـBBC. أمّا شبكة المكين الإعلامية، فهي عبارة عن خدمة إخبارية تُقدّم عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت مثل “تويتر” و”فيسبوك“، وعبر تطبيقات الهاتف المحمول، قام بتأسيسها ويعمل على إدارتها الإخواني أنس مقداد من بريطانيا. ومن المؤسسات الإخوانية أيضًا، وفق المركز، شركة “ميدل إيست آي” الإعلامية، وهي مؤسسة إعلامية تأسست في بريطانيا كشركة ربحية في ديسمبر 2014، وقد أسّست بتمويل قطري على يد “جوناثون باول” المسئول التنفيذي في قناة “الجزيرة”، وتمتلك الشركة موقعًا إخباريًا على شبكة الإنترنت ناطقًا باللغة الإنجليزية، يحمل الاسم نفسه، وهو متحيز تمامًا لأجندة الإخوان بذرائع حقوقية، ومهتم بشكل رئيسي بمهاجمة دول الخليج ومصر في كلّ ما ينشره، ويرأس تحرير الموقع “ديفيد هيرست”، مراسل سابق لصحيفة “الغارديان” البريطانية، ومعروف بعلاقاته المثيرة للجدل مع تنظيم الإخوان في مصر.
أمّا شركة الخدمات الإعلامية العالمية المحدودة، فهي مسجلة في لندن شركة نشر وإعلام، وتضمّ المكتب الإعلامي الرئيسي للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وتقع في حي “كريكلوود”، وهو حي متواضع بعيد عن الأنظار في لندن، ويتولى إدارتها والإشراف عليها إبراهيم منير، منذ تأسست قبل 20 عامًا بشكل غير معلن، ولم يتمّ الإفصاح عن إدارته للشركة إلا عام 2015، ويتولى هذا المركز نشر كلّ المطبوعات والمواقع الإلكترونية التي تعبّر عن جماعة الإخوان المسلمين، وأغلبها باللغة الإنجليزية وموجهة إلى الرأي العام في الغرب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر موقع “إخوان أون لاين” باللغة العربية، وموقع “إخوان ويب” باللغة الإنجليزية، ونشرة “رسالة الإخوان” باللغتين العربية والإنجليزية، وغيرها.
- منظمة “ائتلاف الخير” التي يترأسها الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين يوسف القرضاوي، وهي منظمة دولية يترأسها يوسف القرضاوي، وأمينها العام ومؤسسها هو عصام مصطفى رئيس “إنتربال”، وتضم (52) مؤسسة تعمل في أمريكا وأوروبا من أجل جمع الأموال للقيام بأنشطة جهادية. وقامت الخزانة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيفها منظمة إرهابية، على خلفية تورّطها في تمويل ودعم أعمال العنف في الشرق الأوسط، لكنها ليست محظورة في بريطانيا. ولدى الائتلاف اتصالات وثيق بمركز القرضاوي للوسطية الإسلامية والتجديد في قطر، الذي يعمل كقناة اتصال بين أعضاء الجماعة في العالم.
قيادات الإخوان المقيمين في بريطانيا يعملون كروابط فعالة ومؤثرة في المجتمع البريطاني بتغلغلهم في مؤسساته المختلفة، مثل: إبراهيم منير، القائم بعمل المرشد العام للجماعة منذ سبتمبر الماضي، وهو أحد مؤسسي منتدى الوحدة الإسلامية، ويمتلك منير بمفرده حصصا وأسهما في (17) شركة مملوكة للإخوان في أوروبا وآسيا وفقًا لـموقع “العربية” في 10 يناير 2021. ومحمود الإبياري، الأمين العام المساعد للتنظيم الدولي للإخوان في لندن، ومسئول الاتصالات رفيعة المستوى للجماعة، ويدير موقع رسالة أحد الأذرع الإعلامية للجماعة على الإنترنت، وهو موقع ينقل بيانات الجماعة وتعليمات قادتها، وتصريحاتهم، ورسائل القادة. وعصام الحداد عضو سابق في منظمة الإغاثة الإسلامية وشريك مؤسس للهيئة ويعد من أكبر مسئولي وقيادات الإخوان المسلمين. ومحمد سودان أمين لجنة العلاقات الخارجية بجماعة الإخوان المقيم أيضًا في لندن. وكذلك هاني البنا، مؤسس ورئيس المنتدى الإنساني، وأسس المنتدى الخيري الإسلامي ويرأسه حاليًا، وهو مدير عام قناة أمجاد الفضائية حاليًا. وهو عنصر للترابط مع قطر، خاصة مؤسسة جاسم وحمد بن جاسم الخيرية التي يشتبه في ضلوعها في تمويل الإرهاب والجماعات المتطرفة. ومن ضمن أبرز القيادات التنظيمية التي أشارت لها الدراسة، أنس التكريتي مؤسس جمعية قرطبة للحوار بلندن، ورغدة التكريتي، شقيقته، والرئيس الحالية للرابطة الإسلامية في بريطانيا، وأحمد الراوي وهو رئيس سابق لاتحاد المنظمات الإسلامية، وهيثم الحداد رئيس منظمة البحوث والتنمية الإسلامية، وعزام التميمي وهو عضو بارز بالرابطة الإسلامية في بريطانيا وعضو مجلس إدارة قناة الحوار الفضائية، المحسوبة على الإخوان.
ثالثًا- التدفقات:
لا تكتمل فاعلية شبكات الإخوان في بريطانيا إلا بتحقق الأثر المطلوب لهم وهو توجيه التفاعلات المختلفة لصالح أهداف الجماعة سواء داخل بريطانيا أو خارجها. وهنا يمكن الإشارة إلى عدة أمور يظهر من خلالها هذا التأثير، أهمها:
- وجود فئات (نُخب) تقتنع بالجماعة وتتقبل مقولاتها المعلنة، وهذا تحقق من خلال حضور الإخوان في المدارس والجامعات وتسللهم إلى الأنشطة الطلابية داخلهما، مما دفع لإدراك البعض لهذه الخطورة، وتم إطلاق تحذير قوي في المجتمع البريطاني حول نية بعض الجهات الظلامية التأثير في عقول طلاب المدارس البريطانية، وجعلهم يتبنون الفكر المتطرف، وذلك بعد أن تسلَّمت الهيئة البريطانية للرقابة على التعليم في المدارس “أوفستيد”، رسالة في يونيو 2014 تشير إلى وجود جماعة تستهدف نشر برنامجها المتطرف في مدارس بريطانيا، وعرفت هذه الرسالة في بريطانيا بـ”مخطط حصان طروادة”، كشف تقرير اللجنة التي شكلها مجلس مدينة برمنجهام عن مؤامرة «حصان طروادة» لسيطرة متشددين على مدارس مدينة برمنجهام البريطانية عن أن رؤساء المراكز المشرفة على أن «المدارس المتشددين أرهبوا المدرسين والمديرين، وطردوهم خارج المدارس، وطبقوا أجندتهم الخاصة»، وقال المحقق المستقل الذي كتب تقريرا من 150 صفحة، إيان كيرشو: “أن هناك أفراد، معظمهم من أصول باكستانية، على قدر كبير من التأثير بين جالياتهم، بأنهم لعبوا دورًا في التأثير على المدارس المحلية، كان هناك جهد وتصميم على تغيير المدارس، ممزوج بممارسات غير مقبولة، من أجل التأثير على العملية التعليمية”.
- ضخامة التمويل الذي تحصل عليه المؤسسات التابعة للإخوان والتي تتغلغل في بريطانيا يزيد من تأثيرها ودعم الأفكار والأنشطة المتطرفة، للدرجة التي جعلت الخبير البريطاني في مكافحة الإرهاب الكولونيل تيم كولينز يعتبر أن جماعة الإخوان الإرهابية هي العقبة الكبرى أمام محاربة الإرهاب في بريطانيا، مشيرًا إلى أن الإخوان يمثلون مشكلة في بريطانيا، وعلى الحكومة التعامل بحسم معها. وأكد كولينز أن تمويل جماعة الإخوان في أوروبا ضخم وأن حوالي 120 مليون يورو قدمت إلى الجماعة، لأن قطر تعمل على تمويل جماعة الإخوان، خاصة مع قيام الإمارة الصغيرة بمحاولات التخلص من الاستراتيجية البريطانية لمكافحة الإرهاب، وفقًا له. كما تشير التقديرات إلى أن الإخوان يديرون أنشطة تتجاوز ال 200 مليون جنيه إسترليني في بريطانيا وحدها.
- عدة شخصيات بارزة تدير عمليات الاختراق التي تقوم بها الجماعة بسبب انتشارهم الخارجي المكثف عبر تنظيمهم الدولي، الذي وفّر لهم مهارات عديدة في التعامل مع تلك الآليات، فضلًا عن تغلغلهم في الأوساط الأكاديمية والبحثية، وهو ما ساعدهم في تشويه صورة العديد من الأنظمة العربية، ونقل صورة مغلوطة عنها، وأسهم في هروبهم المرة تلو الأخرى من مسئوليتهم في نشر الإرهاب والتطرف، وزرعه في أذهان أجيال من المهاجرين العرب والمسلمين، عبر سيطرتهم المطلقة على المساجد والتجمعات الإسلامية والعربية في المهجر. من هذه الشخصيات المصرية داليا لطفي، رئيسة الائتلاف الأوروبي لحقوق الإنسان بباريس، المدعوم قطريًا، وهي من تقوم بدور مباشر في التنسيق مع منظمة افدى الدولية ببروكسل التي تأسست في 2006 وتنشط في دعم جماعة الإخوان ومؤسساتها في أوروبا. وكذا الإخوانية سلمى أشرف عبدالغفار، القيادية بمنظمة “هيومن رايتس مونيتور” بلندن، وهي نجله القيادي الإخواني المدان في قضية التنظيم الدولي والاستعراض القتالي لشباب الجماعة الإرهابية بجامعة الأزهر، أشرف عبدالغفار. وياسمين حسين، مديرة قسم العقيدة وحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية، زوجة وائل مصباح، أحد عناصر الجماعة البريطانيين، تلعب دورًا كبيرًا في نقل تقارير مغلوطة حقوقية عن بعض الدول العربية وبالأخص مصر، وأنها التقت مرسي حين وصل للرئاسة، ومصنفة كإرهابية في بعض الدول العربية، وتعمل في منظمة الإغاثة الإسلامية.
- يلاحظ أن هناك نشاطًا مكثفًا في مجمل أنشطة الجماعة في الملف الحقوقي في بريطانيا في الربع الأخير من العام الماضي، تزامنًا مع انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في أكتوبر 2020، وإدراك أن الرئيس الديمقراطي بايدن يعتزم توظيف ملف حقوق الإنسان في علاقات الولايات المتحدة مع الدول العربية. وهنا اعتمدت جماعة الإخوان على تنشيط مؤسساتها الموجودة بالفعل في بريطانيا، وفقًا للعديد من المصادر أدار الإخواني علاء عبدالمنصف، منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان من لندن، وهي التي تعمل على تدويل القضايا المتهم فيها عناصر الجماعة وتحويلها إلى قضايا حقوقية. كما أنشأت الجماعة مركز الشهاب لحقوق الإنسان بلندن أيضًا، ويترأسه خلف بيومي، محامي إخوان الإسكندرية والمقيم في العاصمة البريطانية حاليًا، وهي مؤسسة تعمل على دعم سجناء التنظيمات الإرهابية. وتكثيف نشاط المنظمة العربية لحقوق الإنسان في مهاجمة الدول العربية وتوجيه الاتهامات لها بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان فيها.
- ظهرت التدفقات أيضًا في رفض مجلس العموم البريطاني لتقرير الحكومة بشأن اعلان الإخوان جماعة إرهابية عام 2015، كما سيتضح في أوراق أخرى في هذا الإصدار. وما زال البرلمان البريطاني يرفض هذا الأمر رغم إثارته مرة أخرى في مطلع هذا العام.
الحدود الممكنة لشبكات الإخوان في بريطانيا:
إن التأمل في انتشار الإخوان في بريطانيا وفاعلية شبكاتهم في تحقيق أهدافهم داخل بريطانيا وخارجها، يظهر عدة استخلاصات يجب إدراكها لفهم حدود الدور البريطاني في تقويض حركة التنظيم الإخواني، من أهم الاستخلاصات:
- لقد أدرك الإخوان أن المجتمع البريطاني بمفرداته الديمقراطية يتيح المجال العام متاحًا وداعمًا لمنظمات المجتمع المدني، وهذه الخاصية تسمح لهذه المنظمات بالتحرك النشط في المجتمع وسهولة التواصل مع المنظمات الأخرى والجاليات المسلمة المقيمة في بريطانيا.
- هناك تنوع في نشاط المنظمات التابعة للإخوان في بريطانيا، هذا التنوع يتيح لها المجال لانتشار أكبر واتساع التأثير، فهي اقتصادية ومالية، ودينية، وخيرية، وإعلامية. ومن ثم تزداد فرص التداخل والتشابك بينها، خاصة مع وجود عناصر الربط بين هذه المؤسسات، فعلى سبيل المثال تربط مؤسسة قطر الخيرية بين عدة منظمات داخل بريطانيا فالتبرعات التي تصل لمنظمة الإغاثة يصل جزء منها للرابطة الإسلامية في بريطانيا، ولمؤسسة ليدز للشباب المسلم. كذلك فإن مؤسسة قرطبة تضم منتدى المنظمات الإسلامية الذي يقوم بدوره بتمويل 10 منظمات أخرى بعضها قام بالفعل بعمليات إرهابية. ويمتد هذا التداخل على مستوى الأشخاص أيضًا وعلى سبيل المثال قام هاني البنا بتأسيس عدة منظمات -سبق ذكرها- ولم يستمر في إدارة أي منها، وكذلك أنس التكريتي.
- رغم أن منظمات الإخوان المختلفة في بريطانيا معروفة وتعمل وفقًا للقوانين البريطانية، يظل الوصول إلى تحديد دقيق لتلك الجماعات وقيادتها أمرًا معقدًا، بسبب حالة التشابك والتداخل بينها، فتلك القيادات تتغير كل عدة أعوام، وتبقى سيرهم الذاتية وحتى أسماؤهم غير معلومة على وجه الدقة. كما توقفت بعض الجمعيات، كالمجلس الإسلامي في بريطانيا، عن نشر أي بيانات عن هيكله التنظيمي والإداري منذ عام 2018، على خلفية الحملة الحكومية للتدقيق في أنشطة الإخوان في المملكة المتحدة. ويبدو أن تلك الخطوة مرتبطة بمحاولة إبقائها غير معروفة إلى حد كبير، في تطبيق للمبدأ الإخواني الشهير “علانية الدعوة وسرية التنظيم”.
- العديد من الجمعيات المرتبطة بالإخوان، تسهم في دعم الحركات الإسلامية في بريطانيا وخارجها، ورغم أنها تركز جهدها الأساسي على العمل في داخل البلاد، فإن بعضها يتخطى فكرة القومية، ويتجه لدعم تلك الحركات في أنحاء العالم، وتمويل العديد من الأنشطة المتطرفة والإرهابية في الشرق الأوسط وبعض الدول الآسيوية. وهنا يمكن الإشارة إلى دور كل من قطر وتركيا في دعم المؤسسات الإخوانية في بريطانيا؛ حيث تشير العديد من الدراسات إلى علاقة قطر الوثيقة بالحركات الإسلامية في أوروبا، حيث يعد النظام القطري الداعم الأول لمشروع نشر الإسلام السياسي في أوروبا عبر التمويلات التي يقدمها عن طريق جمعية قطر الخيرية. كما تلعب تركيا دورًا محوريًّا في دعم وتوجيه الحركات الإسلامية في بريطانيا وغيرها من دول أوروبا، وتأتي في المرتبة الثانية بعد قطر من حيث دعم هذه الحركات، التي يملك النظام التركي شبكات علاقات دولية معها، وتتشابك تلك الروابط مع مجموعات دعم حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة.
- تتداخل الحركات الإسلامية في بريطانيا إلى حد كبير، بصرف النظر عن العرقيات أو الإثنيات هناك، وتبرز في هذا الشأن عدة مجموعات غير مرتبطة على نحو أساسي بالجماعة الإسلامية الباكستانية (شبه القارة الهندية) أو جماعة الإخوان في الدول العربية، إلا أن كل الحركات تتعاون في ما بينها، باعتبار أنها تعمل في إطار أيديولوجي واحد، تتداخل فيه الروابط بين المراكز والجمعيات والأفراد لخدمة مصالحها. وتشارك المراكز الإسلامية والجمعيات في حملات منسقة لإقامة الأنشطة وجمع التبرعات وغيرها، رغم أن مديريها ينحدرون من أصول وعرقيات مختلفة، وهو ما عبر عنه أحسن مانزير، مدير المؤسسة الإسلامية في بريطانيا بقوله: “ننتمي إلى شبكة عالمية لا تقتصر على الجماعة الإسلامية أو الإخوان أو حزب الرفاه التركي، لكننا جميعًا أصدقاء وحلفاء”.
مجمل القول، إن جماعة الإخوان يجيدون التكيف مع الظروف المحيطة ففي بلد المنشأ (مصر) يمارسون العنف والإرهاب وينكرونه وينكرون معه القانون ويكفرون المجتمع والدولة، وفي بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية يتعايشون في سلام ويحترمون القانون والمجتمع والدولة وفي نفس الوقت يحرضون على العنف والإرهاب. إن بريطانيا تتعامل بازدواجية مع الإخوان ومعها يجد الإخوان مأمنهم، وكما اعترفت بهم كفاعل سياسي في المجتمع المصري قبل ثورة يوليو 1952 وعملت على الضغط بهم على القوى السياسية الأخرى في ذلك الوقت وفي نفس الوقت كانت تحذر منهم لقدرتهم على التنظيم والحشد. وفي الوقت الراهن ما زال الموقف البريطاني مزدوجا ومنقسما تجاه الإخوان بين من يرونهم مسالمين وذوي دوافع واهتمامات إنسانية، وبين من يدرك الخطر الكامن في وجودهم واسع الانتشار في بريطانيا على المجتمع ذاته أولًا وعلى دورهم في نشر التطرف وتبرير الإرهاب في العالم كله.