ما تزال التوقعات حول حجم وتأثير جائحة فيروس كورونا على اقتصادات الدول أو الاقتصاد العالمي مجهولة، حيث تعتمد التداعيات الاقتصادية للجائحة على عوامل كثيرة تتفاعل بطرق يصعب التنبؤ بها، بما في ذلك كثافة وفعالية جهود احتواء الوباء، ومدى تعطل الإمدادات، ووضع الأسواق المالية العالمية، والتغيرات في أنماط الإنفاق، والتأثير على الثقة بين الأشخاص وأصحاب الأعمال والحكومات، والتغيرات في أسعار السلع. لكنْ في محاولة للحد من هذه الآثار، قامت أغلب البلدان المتأثرة بالجائحة باتخاذ حزمة من السياسات النقدية والمالية ذات الأولوية، بما يتناسب مع الموارد المتاحة، ولم تقتصر المواجهة على الدول فقط، لكنها شملت أيضا المجموعات الدولية، ومن ذلك مجموعة العشرين.
تأسست مجموعة العشرين في سنة 1999 على خلفية الأزمة المالية الآسيوية في منتصف التسعينات، وتتكون المجموعة من 19 دولة، بجانب الاتحاد الأوروبي، هذه الدول هي: الصين، والهند، وإندونيسيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، والمملكة العربية السعودية، وجنوب إفريقيا، والأرجنتين، والبرازيل، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وروسيا، وتركيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والمكسيك، وأستراليا، وتستحوذ دول المجموعة على حوالي ثلثي التجارة العالمية، وأكثر من 90% من الناتج العالمي.
وشملت الإجراءات المالية المتخذة من جانب المجموعة للحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة فيروس كورونا ضخ 7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي لحماية الوظائف والأعمال، وعمل وزراء مالية المجموعة وبنوكها المركزية على مساعدة الدول الأشد فقرًا والأكثر تضررًا من الأزمة الحالية، بجانب دعم القطاع الصحي.
يناقش هذا المقال أداء مجموعة العشرين في مواجهة جائحة كورونا، سواء على مستوى المجموعة أو أعضائها الرئيسيين.
وفي ظل هذه الأزمة، تكُون لبعض السياسات أولوية في ظل حجم الموارد المتاحة لدى كل دولة، ويُعد تأمين موارد كافية لنظم الرعاية الصحية أولوية أولى، حيث يجب توفير الموارد اللازمة لأنظمة الرعاية الصحية للتعامل مع الحاجة المتزايدة لخدماتها، ويعني هذا توسيع الإنفاق العام على الاختبارات الإضافية، وشراء معدات الوقاية الشخصية وأجهزة التنفس، وتوسيع أجنحة العزل في المستشفيات.
وبالإضافة إلى تعزيز أنظمة الرعاية الصحية، يعد تبني سياسات للحد من تأثير هذه الأزمة الصحية على النشاط الاقتصادي أمرًا له أولوية قصوى، وذلك من خلال تبني بعض السياسات لحماية الأشخاص والشركات المتضررة من تدابير الاحتواء الضرورية وتقليل الآثار المستمرة من التباطؤ الشديد الذي لا يمكن تجنبه، لكن على الرغم من أن أهداف هذه السياسات واحدة في البلدان كافة، إلا أن تنفيذها سيكون أسهل بالنسبة للاقتصادات المتقدمة عن الاقتصادات النامية، ويرجع ذلك إلى أن الاقتصادات المتقدمة -مثل الولايات المتحدة، وألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا، وغيرها- تتمتع بإمكانات ونظم رعاية صحية أقوى نسبيًّا، وإمكانية وصول أفضل إلى السيولة الدولية، وتكاليف اقتراض أقل نسبيًّا مما سيجعلها مجهزة بشكل أفضل لمكافحة الأزمة الصحية وتلبية الاحتياجات التمويلية الكبيرة لتنفيذ السياسات الداعمة.
وفي محاولة من جانب مجموعة العشرين لتخفيف الآثار على الاقتصاد العالمي قامت باتخاذ بعض الإجراءات، منها ضخ أكثر من 7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي لحماية الوظائف والأعمال، وبعد الاجتماع الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية للتصدي لأزمة النفط، قام وزراء مالية المجموعة بالموافقة على التجميد المؤقت لديون البلدان الأكثر فقرًا لمدة عام وبدون أي شروط، ومن المقرر أن تستفيد 76 دولة من هذه المبادرة، مع العلم أن الديون المستحقة على هذه الدول هذا العام وحده تتجاوز 50 مليار دولار، ودعت المجموعة أيضًا القطاع الخاص إلى المساهمة في تخفيف أعباء ديون الدول الأكثر فقرًا، والعمل على توفير سيولة عاجلة قصيرة الأجل للدول الأكثر حاجة من قبل صندوق النقد الدولي؛ واتخاذ التدابير الاحترازية التي من بينها دعم القطاع الصحي، حيث خصصت المجموعة تريليون دولار للدول الأكثر فقرًا لمواجهة الوباء.
في ضوء السياسات المتخذة من قبل بلدان مجموعة العشرين على المستوى الفردي، قامت دول المجموعة بتنفيذ الكثير من التدابير النقدية والمالية، وكانت الاستجابة في تقديم وتفعيل سياسات نقدية ومالية في البلدان المتضررة سريعة وكبيرة في العديد من الاقتصادات المتقدمة (مثل أستراليا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والولايات المتحدة)، كما بدأت العديد من الأسواق الناشئة (مثل الصين، وإندونيسيا، وجنوب إفريقيا) في تقديم أو الإعلان عن دعم مالي كبير للقطاعات والعمال المتأثرين بشدة.
وفي هذا الإطار، قامت الأرجنتين باتخاذ العديد من التدابير، بلغت قيمتها 3% من الناتج المحلي الإجمالي، استهدفت زيادة الانفاق على قطاع الصحة وبناء المستشفيات، ودعم العمال والفئات الضعيفة من خلال زيادة التحويلات إلى الأسر الفقيرة، واستحقاقات الضمان الاجتماعي (خاصة ذوي الدخل المنخفض)، واستحقاقات التأمين ضد البطالة، والمدفوعات للعمال ذوي الحد الأدنى من الأجور، ودعم القطاعات التي تضررت بشدة بما في ذلك الإعفاء من مساهمات الضمان الاجتماعي، والمنح لتغطية تكاليف الرواتب، والقروض المدعومة لبعض الأنشطة، ودعم الطلب -أو الاستهلاك- بما في ذلك الإنفاق على الأشغال العامة، وتوفير ضمانات ائتمانية للإقراض المصرفي للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لإنتاج الأغذية والإمدادات الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، اعتمدت السلطات سياسات مكافحة التلاعب بالأسعار، حيث قامت بتحديد الأسعار للمواد الغذائية والطبية، وفرض بعض القيود على الصادرات من الإمدادات والمعدات الطبية.
وقامت أستراليا باتخاذ العديد من السياسات المماثلة لتحفيز الاقتصاد من خلال تخصيص حوالي 9.9% من الناتج المحلي الإجمالي حتى السنة المالية 2023/2024 على أن يتم تنفيذ معظمها في العامين الماليين 2019/2020، 2020/2021. كما التزمت الحكومة بتوفير رعاية مجانية للأطفال لحوالي مليون أسرة، وأعلنت دعمًا مستهدفًا لنظام التعليم.
كذلك، اعتمدت الحكومة الفيدرالية الألمانية على ميزانية تكميلية بلغت 156 مليار يورو (4.9% من الناتج المحلي الإجمالي) لتنفيذ العديد من السياسات التحفيزية. في الوقت نفسه، تعمل الحكومة على توسيع حجم والوصول إلى ضمانات القروض العامة للشركات ذات الأحجام المختلفة وشركات التأمين من خلال صندوق الاستقرار الاقتصادي الذي تم إنشاؤه حديثًا وبنك التنمية العام. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت العديد من حكومات الولايات الألمانية عن إجراءاتها الخاصة لدعم اقتصاداتها، والتي تصل إلى 48 مليار يورو كدعم مباشر، و73 مليار يورو في شكل ضمانات القروض على مستوى الولاية، وبالنظر إلى امتلاك ألمانيا مؤسسات حكومية قوية، لم تكن هناك تأخيرات في توزيع هذه المنح على الشركات وأصحاب المتاجر.
وعلى مستوى السياسات النقدية، قرر البنك المركزي الأوروبي توظيف السياسة النقدية من خلال عمليات شراء أصول إضافية بقيمة 120 مليار يورو حتى نهاية عام 2020 في إطار البرنامج الحالي (APP)، وشملت التدابير الإضافية برنامجًا إضافيًّا لشراء الأصول بقيمة 750 مليار يورو من الأوراق المالية من القطاعين العام والخاص، وتخفيف المعايير الإضافية لعمليات إعادة تمويل نظام اليورو، وغيرها من السياسات. أيضًا مددت السلطات جميع الإغاثات التنظيمية والتشغيلية الصادرة عن البنك المركزي الأوروبي للمصارف الألمانية. بالإضافة إلى ذلك، قدم البنك المركزي الأوروبي بعض التدابير على مستوى منطقة اليورو، شملت: تخفيض احتياطي رأس المال المعاكس للتقلبات الدورية للبنوك من 0.25% إلى الصفر، وتقديم 100 مليار يورو إضافية لإعادة توسيع توفير السيولة قصيرة الأجل للشركات من خلال بنك التنمية العام بالشراكة مع البنوك التجارية، بالإضافة إلى تخصيص 100 مليار يورو داخل صندوق الاستثمار الاجتماعي لحصول الشركات المتضررة على تحويلات مالية مباشرة.
وفي الولايات المتحدة تم تخفيض سعر الفائدة الفيدرالية بمقدار 150 نقطة أساس في مارس إلى ما يتراوح بين 0 إلى 0.25 نقطة أساس، وقدم الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) أيضًا تسهيلات لدعم تدفق الائتمان -في بعض الحالات مدعومة من الخزانة باستخدام الأموال المخصصة بموجب قانون CARES- مثل تقديم تسهيلات تمويل الأوراق التجارية لتسهيل إصدار الأوراق التجارية من قبل الشركات، وتقديم تسهيلات السيولة لصندوق استثمار سوق المال لتوفير القروض لمؤسسات الإيداع لشراء الأصول من صناديق أسواق النقد الرئيسية، وتسهيلات ائتمان الشركات في السوق الثانوية لتوفير السيولة لسندات الشركات المستحقة.
وقدم بنك الشعب الصيني (البنك المركزي الصيني) الدعم باستخدام السياسة النقدية والعمل على حماية استقرار سوق المال، شمل ذلك ضخ سيولة بمقدار 3.27 تريليون يوان في النظام المصرفي عبر عمليات السوق المفتوحة، وتوسيع تسهيلات إعادة الإقراض وإعادة الخصم من خلال 1.8 تريليون يوان لدعم مصنعي المستلزمات الطبية والضروريات اليومية للشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاع الزراعي بأسعار فائدة منخفضة، وخفض الفائدة على الاحتياطيات الزائدة من 72 إلى 35 نقطة أساس، كما اتخذت الحكومة خطوات متعددة للحد من تشديد الأوضاع المالية بما في ذلك تأخير مدفوعات القروض وإجراءات دعم الائتمان الأخرى للشركات الصغيرة والمتوسطة والأسر المؤهلة، ودعم إصدار السندات من قبل المؤسسات المالية لتمويل إقراض المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم تمويل إضافي للشركات من خلال زيادة إصدار السندات من قبل الشركات، وتخفيف سياسات الإسكان من قبل الحكومات المحلية.