يُساهم قطاع التشييد والبناء المصري بنسبة كبيرة في الناتج المحلي تتجاوز 18.7%، باعتباره أحد أهم القطاعات التي تدعم نمو الاقتصادي وتعمل على توفير فرص العمل في جميع المشروعات القومية. كما لفت تقرير “فيتش” إلى أن مصر سجلت الترتيب الثاني كأقوى سوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع التوقع بأن تمتلك مصر بحلول 2029 أكبر قطاع للتشييد والبناء في المنطقة بأكملها بقيمة تتجاوز 89 مليار دولار، الأمر الذي سيجعل مصر تمثل حوالي 30% من قيمة صناعة البناء والتشييد في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
وقد تأثر قطاع التطوير العقاري في مصر بشكل كبير ومباشر نتيجة للتداعيات العالمية من الحرب الروسية الاوكرانية وما ترتب عليها من ارتفاع أسعار المعادن وحديد البناء، كما ساهمت التطورات الاقتصادية المحلية وفي مقدمتها تحريك سعر الصرف في الفترة الأخيرة؛ في إحداث ارتفاعات متتالية لأسعار مواد البناء المختلفة وفي مقدمتها أسعار حديد التسليح الذي ارتفع ثمنه بصورة كبيرة، ولذا ارتفعت تكلفة تنفيذ المشروعات العقارية بشكل كبير. ويقدم المقال في فقراته التالية استعراضًا لتطور أسعار مواد البناء ما بين عامي 2021 و2022، كما يسلط الضوء على التوقعات المستقبلية للقطاع في مصر.
تطور أسعار حديد التسليح في مصر
وفقًا لنشرة مواد البناء الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فقد شهد متوسط سعر بيع حديد التسليح المبروم للطن (24.3 ألف جنيه) خلال شهر ديسمبر 2022، والذي ارتفع عن متوسط السعر خلال شهر ديسمبر لعام 2021 البالغ (15.38 ألف جنيه) بنسبة زيادة قدرها 57.9%. وهو ما يشير له الشكل التالي.
وتأتي تلك الزيادات الكبيرة على إثر الارتفاع الكبير في أسعار خامات الحديد والخردة والبليت في البورصات العالمية، وأسعار النفط، وأسعار الشحن متأثرة بالحرب الروسية الاوكرانية وتوقف الإمدادات من البلدين اللذين يصنفان في قائمة أكبر منتجي الصلب في العالم.
فضلًا عما أحدثه ارتفاع أسعار الفائدة لكبح التضخم، وتراجع أسعار صرف الجنيه المصري، وغيرها من التأثيرات السلبية الأخرى العديدة على هذا القطاع، وبالتالي من الطبيعي أن ينعكس ذلك زيادةً في أسعار الحديد. بموازاة انخفاض القيمة الشرائية للجنيه مقابل الدولار، وقيود البنك المركزي فيما يخص فتح الاعتمادات المستندية للاستيراد، وانخفاض القدرة الشرائية وشحّ السيولة.
تكاليف إنتاج الحديد في مصر
جدير بالإشارة أن قطاع الحديد والصلب يتأثر بصورة كبيرة بثلاثة عوامل رئيسية هي: سعر الصرف، وسعر الفائدة، إلى جانب أسعار الغاز الطبيعي باعتبارها أحد أهم القطاعات كثيفة استخدام الطاقة، وبالتالي هذا يجعلها عرضة لارتفاع الأسعار خاصة مع اتجاه لجنة تسعير الطاقة لرفع أسعار الغاز المقدم للمصانع بعد ارتفاعه خارجيًا.
تطور أسعار الأسمنت في مصر
وفقًا لنشرة مواد البناء الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فقد بلغ متوسط سعر بيع الأسمنت المعبأ بورتلاند العادي 50 كجم نحو 82.44 جنيهًا في ديسمبر 2022 بينما كان متوسط سعر البيع 51.02 جنيهًا في ديسمبر 2021 بزيادة 61.6٪.
وفيما يلي مقارنة بين أسعار مواد البناء ما بين عامي ديسمبر 2022 وديسمبر 2021، والتي يتضح من خلالها الارتفاعات الكبيرة والمتتالية لأسعار الخامات بما قد يساهم في ارتفاع أسعار الوحدات السكنية والتشطيبات الداخلية، بمعدلات كبيرة خلال الفترات القادمة، الأمر الذي قد يصاحبه تباطؤ مؤقت للقطاع.
المصدر: النشرة الشهرية لمتوسط أسعار أهم مواد البناء (التجزئة) 2022، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يناير 2023
التوقعات المستقبلية لقطاع العقارات في مصر (توقعات وكالة فيتش)
أصدرت مؤسسة فيتش تقريرًا بعنوان «القطاع العقاري في مصر» في يناير 2023 والذي يحلل فيه اتجاهات القطاع في مصر وتحليل جوانب القوة التي ستساعده على الصمود أمام التحديات المحلية والدولية. وقد توقعت مؤسسة أن يتباطأ نمو قطاع الإنشاءات في مصر إلى 9% خلال عام 2023، بعد نمو متوقع بمعدل 11% في 2022.
إن نمو القطاع سيتباطأ بسبب توقع انخفاض الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية. ويتوقع أن يبلغ النمو بين عامي 2024 و2031 نحو 7.7% سنويًا، مدفوعًا بنمو الاستثمار الخاص في قطاعي البنية التحتية والبناء في مصر بما يساهم في الحد من تأثير انخفاض الإنفاق العام.
وأوضح التقرير أن القروض المقدمة من الإمارات والسعودية وقطر وصندوق النقد الدولي ستساعد على توفير السيولة لمشاريع البنية التحتية، بالإضافة إلى تقديم الولايات المتحدة والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية الدعم المالي لمشاريع البنية التحتية، والمساعدة في دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
تتمثل أبرز التهديدات لقطاع التشييد والبناء بمصر في تباطؤ الطلب المحلي على الأنشطة العقارية كنتيجة لانخفاض تحويلات العمالة المصرية من دول مجلس التعاون الخليجي، بما قد يؤثر على إنفاق الأسرة وبطء نشاط الاستثمار واستمرار أزمة النقد الأجنبي في التأثير على الطلب المحلي.
وفي المقابل تتمثل الفرص الحقيقية أمام القطاع في صناديق الاستثمار العقارية والتوسع الحقيقي لقطاع ائتمان الاستثمار العقاري، مع التوسع في طرح المشروعات والأراضي للمصريين العاملين بالخارج بعروض جيدة، والمستثمرين من الخارج لتنشيط السوق للحيلولة دون الركود، مستفيدًا من انخفاض سعر العملة والأسعار التنافسية.
وختامًا، يمكن القول إن قطاع التشييد والبناء سيظل محركًا رئيسيًا للنمو الرئيسي في مصر على المدى الطويل، وأنه سيخلق فرصًا لقطاعات أخرى داعمة مثل: النقل والخدمات المالية والمصرفية. إلا أنه قد يشهد ركودًا طفيفًا خلال العام متأثرًا بالأوضاع الاقتصادية العالمية والمحلية.






























