ينتشر دعم الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما يمثل نحو نصف دعم الطاقة العالمي، وبالرغم ما يوفره هذا الدعم من إعانة بدرجة ما للمستهلكين الفقراء، فإن منافعه تعود بالدرجة الأولى على المستهلكين الأيسر حالا، فيمكن أن تحقق سياسات تسعير الطاقة المحلية أهدافا متعددة والتي قد تكون متعارضة في آن واحد، تتمثل في توسيع الرعاية الاجتماعية وحماية الأسر الفقيرة من تكاليف الوقود المرتفعة وتعزيز التنمية الصناعية إلى جانب تجنب الضغوط التضخمية؛ وتحقيق اهداف سياسية.
وبالرغم من أن دعم الطاقة قد يحقق جزئيا بعض الأهداف المرجوة إلا أنه قد يكون مكلفا في كثير من الأحيان، حيث يؤدى لتشويه الأسعار ويخلق أوجه قصور في تخصيص الموارد المحدودة، كما يحول دون تكييف المستهلكين لأنماط استهلاكهم للتواؤم مع ارتفاع تكاليف الطاقة، إذ إنه يشجع الإفراط في الاستهلاك ويضر البيئة، ومن ثم الاستثمار في التكنولوجيا الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة، كما يؤدي إلى إفراط الصناعات كثيفة الطاقة وغالبا ما يشجع الصناعات كثيفة الاستخدام لرأس المال على نحو يضر بالأنشطة كثيفة الاستخدام للعمالة وأخيرا، يحمل الدعم تبعات مالية هامة، وذلك من خلال المساهمة في تزايد عجز الموازنة، وأيضا الضغط على ميزانيات الحكومات على حساب الاستثمار المطلوب بشدة في الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية.
تطور دعم الطاقة في مصر:
شرعت مصر في تبني برنامج الإصلاح الاقتصادي والاتجاه للخفض التدريجي لدعم الطاقة وتحرير أسعارها، نجد أن قيمة الدعم للمنتجات البترولية في الموازنة العامة للدولة تتخذ اتجاها تنازليا بصورة مستمرة منذ عام 2016/ 2017 لتصل إلى 18.6 مليار جنيه خلال العام 2019/ 2020، مقارنة بنحو 126.17 مليار جنيه خلال العام 2013/ 2014. ويوضح الشكل التالي تطور قيمة دعم المواد البترولية خلال الفترة (2013/ 2014- 2019/ 2020).
فيما يخص دعم الطاقة للصناعة:
اتجهت مصر منذ عام2014 /2015 للتخلص التدريجي من بنود الدعم غير الفعال وعلى رأسها دعم الطاقة والاتجاه إلى إعادة توزيع الموارد المتاحة لصالح الفقراء والفئات الأقل دخلا، كما أكد السيد رئيس الجمهورية على مسئولية الحكومات المتتابعة عن السيطرة على تسرب الدعم لغير مستحقيه.
ساهم الإسراف في دعم الطاقة وسوء الإدارة الاقتصادية إلى خنق الاقتصاد المصري كونه كان يلتهم نسبة ضخمة من الموازنة العامة، مما أدى إلى إهدار وتشويه الحوافز المقدمة للقطاع الصناعي، نتيجة تشجيع الاستثمار المكثف لرأس المال بدلا من تشجيع الاستثمار المكثف للعمل الذي تحتاج إليه مصر، حيث تشير إحدى الدراسات الاقتصادية إلى استحوذ 40 مصنع هو عدد المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة في عام 2007 على حوالي 65 %من إجمالي الدعم الموجه للصناعة، أي حوالي 7 مليار جنيه، رغم أن إسهام هذه المصانع في الناتج الصناعي بنسبة لا تتجاوز 20 %ورغم أنها تشغل حوالي 7 %فقط من العمالة.
يشير الشكل التالي إلى تطور نسبة دعم الطاقة للمصانع من إجمالي الدعم خلال الفترة (2010/ 2011- 2018/2019) (%)
وتداركا لهذا، بدأت الحكومة في تطبيق آلية للتسعير التلقائي للتعديل الدوري لأسعار الغاز المقدم للمصانع بصورة دورية وذلك توسعاً في آلية التسعير التلقائي للوقود المطبقة منذ أكثر من عامين، لتشمل أيضاً الغاز الطبيعي للمصانع في ضوء الأسعار العالمية وسعر الصرف وتكاليف التشغيل، وذلك في أعقاب ارتفاع أسعار الغاز والبترول العالمي.
فقد قررت الحكومة تحريك أسعار الغاز الطبيعي للصناعات كثيفة الاستهلاك بنسبة تصل إلى 28% اعتباراً من يوم 1 نوفمبر 2021، حيث تقرر زيادة التكلفة على منتجي الأسمنت والحديد والصلب والبتروكيماويات والأسمدة بقيمة 1.25 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، لتصل التكلفة للوحدة المشار إليها بعد التعديل، إلى 5.75 دولار، وجرى رفع سعر الغاز للصناعات الأخرى بنسبة 21%، ليسجل 4.75 دولار للمليون وحدة حرارية.
وكانت الحكومة خفضت أسعار الغاز للقطاع الصناعي مرتين، الأولى فى أكتوبر 2019، واستهدفت المصانع كثيفة الاستهلاك، والثانية في مارس 2020 ضمن حزمة تحفيزية للقطاع الخاص لمساعدته على اجتياز أعباء أزمة فيروس «كورونا»، حتى وصل سعر الغاز إلى 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية.
وتبيع الحكومة الغاز للمصانع بأسعار ترتفع عن السعر العالمي، فيما تطالب المصانع باستمرار بتخفيض السعر ليكون مساويًا للسعر العالمي للغاز الذي يقل عن 3 دولارات للمليون وحدة حرارية، لتخفيف الضغط على المصانع نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج.
ختاما، فعلى الرغم من الآثار السلبية التي يتسبب فيها دعم الطاقة، فقد ثبت أن الإصلاح صعب. وتشير تجارب البلدان إلى وجود عدد من الحواجز مثل ضغط الجماعات ذات الرأي المسموع سياسيا المستفيدة من الدعم والتي قد تحاول أن تمنع تنفيذ الإصلاحات. إلى جانب وجود مخاوف تتعلق بالتأثير الضار على الفقراء، على الرغم أن معظم المنافع التي تتحقق من دعم الطاقة تؤول إلى الفئات الأعلى دخلا، وتحدث زيادات الأسعار تأثيرا ضارا كبيرا على الدخول الحقيقية للفقراء، سواء من خلال زيادة تكاليف الانتاج من ناحية ورفع أسعار السلع، أو من خلال التأثيرات غير المباشر ة على نقل الغذاء والنقل العام من ناحية أخرى.
كما يجب الأخذ في الاعتبار وجود مخاوف تتعلق بالتأثير الضار على التضخم وهو ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى توقعات بحدوث زيادات أكبر في الأسعار والأجور. ويمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة أيضا إلى مخاوف بشأن انخفاض القدرة التنافسية الدولية للقطاعات كثيفة الاستخدام للطاقة. لذا وفي معظم البلدان، يتم توجيه مجموعة من برامج الحماية الاجتماعية، بما في ذلك التحويلات النقدية التي يمكن توسيع نطاقها لتعويض الفئات المعرضة للمخاطر.