في إطار جلسات الحوار والنقاش المستمرة بين المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية والمؤسسات والهيئات الإقليمية والدولية، استضاف المركز يوم الاثنين الموافق 20 مارس 2023 وفدًا رفيع المستوى من وزارة الخارجية الأمريكية، برئاسة السيد Ian Moss، نائب منسق مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف بوزارة الخارجية الأمريكية، وعضوية كل من السفير Daniel Rubinstein، القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية بالقاهرة، والسيد Alex Dunoye، السكرتير الأول في السفارة الأمريكية بالقاهرة، والسيد Nate Rosenblatt، الخبير في استراتيجيات مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية.
عقد الجانبان لقاءً حضره مجموعة من مستشاري وخبراء وباحثي المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تم خلاله تبادل الرؤى حول آفاق التعاون بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الإرهاب، وسبل الاستفادة من الخبرة المصرية في مجال التعامل مع المخاطر الإرهابية على كافة المستويات.
تم خلال اللقاء تناول الأنشطة البحثية التي يقوم بها المركز فيما يتعلق بجوانب “المواجهة الشاملة” للمخاطر الإرهابية، بما في ذلك رصد هذه المخاطر ودراسة وتحليل أبعادها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وهي الأنشطة التي كانت دافعًا أساسيًا لتفضيل الوفد الأمريكي زيارة المركز، بهدف الاستفادة من الخبرات المتراكمة لخبرائه وباحثيه.
وقد أعرب خبراء وباحثو المركز الذين حضروا هذا اللقاء عن إدراكهم أهمية التحركات الأمريكية الرامية إلى تقويض الإمكانيات التي تمتلكها المجموعات الإرهابية في منطقة الشام ونطاق القارة الأفريقية خلال السنوات الماضية، وعن آمالهم في أن تظل تلك الجهود على زخمها السابق، وألا تدخل في دائرة التأثر بانخراط الولايات المتحدة الأمريكية في قضايا أخرى مثل ملف الحرب في أوكرانيا، وهو ما قد يؤدي إلى عودة الأنشطة الإرهابية مرة أخرى بشكل أكبر.
دوائر تحرك المجموعات الإرهابية في الشرق الأوسط
في هذه النقطة تحدث الوفد الأمريكي عن تركيز وزارة الخارجية الأمريكية في مقاربتها للأنشطة الإرهابية، على منطقة شمال شرق سوريا، كنطاق أساسي للاهتمام الأمريكي، بجانب منطقة الساحل الأفريقي التي تحاول واشنطن الحيلولة دون تحولها لنموذج مشابه لما حدث سابقًا في سوريا والعراق، في حين رأى خبراء وباحثو المركز المصري أن منطقة الساحل الأفريقي باتت في طور التحول، إن لم تتحول بالفعل، إلى نموذج مشابه لما أنتجته التنظيمات الإرهابية سابقًا في سوريا والعراق. وعبر خبراء المركز عن قناعتهم بأن منطقة شرق أفريقيا يجب أن تحظى أيضًا باهتمام مشابه من جانب المجتمع الدولي، خاصة في ظل تنامي التهديدات الإرهابية في دول مثل الصومال وكينيا، وهو ما اتفق معهم فيه الوفد الأمريكي إلى حد بعيد.
وأضاف خبراء المركز أنه يبدو من الضرورة بمكان أن يتم البحث المعمق -فيما يتعلق بكل من سوريا والعراق والساحل الأفريقي وشرق أفريقيا- عن الوسائل التي يتم من خلالها تقديم الدعم المالي واللوجيستي للمجموعات الإرهابية، وكذلك الظروف المجتمعية المختلفة على المستويين المحلي والمناطقي، وكذا تأثير التغيرات المناخية والسياسية على دول هذا النطاق، بحيث يتم تشكيل مقاربة دولية موحدة للتعامل مع المخاطر الإرهابية تتميز بالشمولية وتغطية كافة الجوانب المتعلقة بهذه المخاطر، مع ضرورة الاستعانة بالشركاء المحليين والإقليميين؛ نظرًا إلى أنهم أول من يلاحظ المخاطر الإرهابية ويتأثر بها، وكذلك هم من يعلمون يقينًا خصوصية كل بيئة محلية ومدى درجة تغلغل الأنشطة الإرهابية بها.
الشراكة والتعاون بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب
فيما يتعلق بهذا المحور، أعرب خبراء المركز عن قناعتهم بقدرة الدولة المصرية على التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في كافة مجالات مكافحة الإرهاب بصفة عامة، وبشكل خاص مكافحة الأنشطة المتطرفة في شرق أفريقيا ومنطقة الساحل وسوريا والعراق، خاصة أن الشراكة بين القاهرة وواشنطن في هذا الإطار تميزت بالاستمرارية رغم تعاقب الإدارات الأمريكية المختلفة، وهي سمة أساسية يمكن البناء عليها وتوسيع حالة الحوار والتعاون بين المؤسسات الدينية والتعليمية في كلا البلدين بشأن مواجهة الفكر المتطرف، في ظل قناعة الولايات المتحدة الأمريكية بأن استقرار مصر ونجاحها في محاصرة الأنشطة الإرهابية الموجودة على أراضيها يمثل عامل استقرار وأمان لجميع دول الشرق الأوسط.
كذلك، طرح خبراء وباحثو المركز مسألة الفجوة الحالية بين نظرة الإدارة المصرية ونظيرتها الأمريكية لملف جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وخطورتها على المستوى الفكري والعقائدي؛ نظرًا إلى أن النظرة الأمريكية لهذا الملف لم يتم تحديثها بعد عام 2013، وهو ما يقتضي توسيع الحوار الأكاديمي بين الدولتين، لتبادل الرؤى حول كيفية مواجهة المنطلقات الفكرية التي أسستها هذه الجماعة، والتي تسببت في انطلاق تيارات متطرفة أصولية عديدة مثل: تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش.
كذلك، تناول خبراء المركز بعض المخاوف التي تتعلق بتراجع أهداف مكافحة الإرهاب في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الأخيرة، معربين عن قناعتهم بضرورة دعم الولايات المتحدة الأمريكية مصر على المستوى التقني والتكنولوجي؛ لمحاصرة التدفقات المالية الخارجية المتعلقة بالأنشطة الإرهابية.
التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب في شمال سيناء
تناول الحضور في هذا اللقاء ملف التجربة المصرية الناجحة في مواجهة الأنشطة الإرهابية في شمال سيناء، وأشار خبراء المركز إلى أن المؤشرات التي كانت متوفرة في هذا النطاق الجغرافي خلال مرحلة ما قبل عام 2011 كانت تنذر بتفجر الوضع على المستوى الميداني؛ نظرًا إلى تردي الأوضاع الأمنية نتيجة لعدة عوامل كان أهمها القيود التي فرضتها الترتيبات الأمنية على عديد وعدة قوات الشرطة والجيش الموجودة في سيناء، فضلًا عن أن المجموعات القبلية وسكان شمالي سيناء عانوا خلال هذه الفترة من ضعف الاهتمام الحكومي بهم على المستوى المعيشي والخدمي. لكن مع انطلاق العملية العسكرية الشاملة لمكافحة الإرهاب شمالي سيناء عام 2018، بدأ الوضع في التغير بشكل تدريجي.
ونوه خبراء المركز بالدعم الأمريكي الذي تم تقديمه لمصر في هذه المرحلة، خاصة فيما يتعلق بالمعدات والأسلحة من مدرعات وذخائر، وهو ما وفر للقوات المصرية المنفذة لهذه العملية قدرات إضافية مكّنتها من حسم المواجهة مع المجموعات الإرهابية، ومراكمة خبرات ميدانية مهمة، رغم أن هذه القوات كانت تعمل بمعزل عن جهود التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب.
وأكد الحضور على أن المؤشرات العامة تشير إلى وجود احتمالات كبيرة لتجدد موجات العنف والإرهاب في عدة نطاقات جغرافية في الشرق الأوسط، وهو ما يحتم زيادة حجم التعاون بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، على الصعيد اللوجيستي والتكنولوجي، وكذلك على صعيد التسليح، خاصة ما يتعلق باستخدام الطائرات بدون طيار، ومواجهة الأنماط المستحدثة من العبوات الناسفة. كما تمت الإشارة إلى عدة ملامح تتعلق بالتجربة المصرية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب في سيناء، منها أن استراتيجية الدولة المصرية في هذا الإطار كانت ذات طابع “شامل”، ولم تقتصر فقط على الجوانب الأمنية، حيث تم توجيه الاهتمام بشكل مركز للمجتمع السيناوي، الذي يتميز بطبيعة خاصة، بهدف تنميته وتوفير احتياجاته، عبر مقاربات تنموية غير تقليدية، وكذلك عبر مبادرات تستهدف تحييد العناصر الإرهابية ودفعهم لتسليم أنفسهم إلى السلطات، وهو ما ساهم بشكل إجمالي في تحفيز سكان شمالي سيناء على التجاوب مع الدولة المصرية، وإشعارهم بأن الدولة باتت تولي الاهتمام المطلوب بهم وبمتطلباتهم، وهو ما تسبب بالتبعية في تقليل هامش حركة العناصر الإرهابية.