تلعب الثروة الحيوانية في البرازيل دورًا رئيسيًا في سد الطلب على الأغذية وتحقيق الأمن الغذائي بالدولة وخارجها على حد سواء، إذ تعد البرازيل واحدة من أكبر منتجي لحوم البقر في العالم وأكبر مصدر لها، إلا أنه مؤخرًا أعلنت وزارة الزراعة البرازيلية عن وقف تصدير لحوم الأبقار، كما علقت عدة دول بشكل مؤقت وارداتها من الأبقار البرازيلية بعد اكتشاف حالة إصابة مؤكدة بمرض جنون البقر، وهو ما أثار تخوفات من تأثير ذلك على قطاع الثروة الحيوانية في البرازيل الذي يعد في صدارة قطاع الثروة الحيوانية العالمي.
أزمة لحوم الأبقار البرازيلية
في السنوات الماضية نجحت البرازيل بفضل البحوث الزراعية التي أدت إلى زيادة الغلات، وتوسيع قاعدة الأراضي الصالحة للزراعة، واستثمارات الحكومة والقطاع الخاص في تقنيات الإنتاج لتطوير أنواع جديدة من المحاصيل والأعلاف، فضلًا عن سياسات الاقتصاد الكلي الموجهة نحو التصدير، وحوافز السياسة الزراعية، وتوسع الاستثمار الأجنبي الموجه للقطاع الزراعي في البلاد، في انتقال الدولة من كونها مستوردًا للأغذية إلى أحد أكبر مصدري المنتجات الزراعية والإنتاج الحيواني في العالم، إلا أنه تظل هناك مشكلة تعرض الأبقار لمخاطر الإصابة بمرض جنون البقر من فترة لأخرى، وتظهر خطورة مرض جنون البقر في كونه معديًا ويتطور ببطء ويؤثر على الجهاز العصبي المركزي للماشية ومميتًا.
وفي نهاية شهر فبراير 2023، أكدت وزارة الزراعة والثروة الحيوانية البرازيلية ظهور حالة إصابة بمرض جنون البقر في ولاية بارا الشمالية بمزرعة بها حوالي 160 رأسًا من الماشية، لذلك قامت البرازيل بتعليق صادراتها من لحوم الأبقار للصين التي تُعد السوق الرئيسية لصادرات البرازيل من لحوم الأبقار وأكبر شريك تجاري للبلاد، وذلك بموجب الاتفاقية الثنائية التي وقعتها البرازيل مع الصين عام 2015 والتي تلزم البرازيل بوقف صادراتها من لحوم البقر للصين بشكل تلقائي إذا تم اكتشاف المرض، ولم تكن هي المرة الأولى التي تتوقف فيها صادرات البرازيل من لحوم البقر بشكل تلقائي للصين، ففي عام 2021 تم تعليق صادرات لحوم البقر البرازيلية للصين لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا والذي كان بمثابة ضربة قوية لمزارعي البلاد ومربي المواشي بعد إعلان البرازيل عن إصابة حالتين بمرض جنون البقر.
كما أوقفت كل من روسيا وتايلاند وإيران والأردن وارداتها من لحوم الأبقار البرازيلية بشكل مؤقت، وقامت وزارة الزراعة والثروة الحيوانية البرازيلية بفحص الموقع الذي ظهرت فيه الحالة وإيقافه بشكل مؤقت لمنع انتشار المرض، كما صنفت الحالة المصابة بجنون البقر بأنها “غير نمطية” أي تصيب الأبقار الأكبر سنًا نتيجة تلوث علف الماشية وهي أقل خطورة وغير معدية، وأرسلت البرازيل عينات إلى مختبر المنظمة العالمية لصحة الحيوان في كندا للتأكد من مستوى المرض.
حجم صادرات البرازيل من الماشية
بحسب التقرير الصادر في مارس 2023 عن وزارة الزراعة الأمريكية، صدرت البرازيل عددًا أكبر بكثير من حيوانات الماشية الحية في عام 2022 مقارنة بالعام السابق، وبلغت صادرات البرازيل من الماشية الحية 190 مليون دولار أمريكي، أي بزيادة ما يقرب من 150% من إجمالي الكمية المصدرة عام 2021، وتستحوذ الدول النامية وخاصة في الشرق الأوسط على صادرات البرازيل من المواشي، ومن أهم دول الشرق الأوسط المستوردة مصر والعراق والأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة، وفي عام 2021 عندما اكتشفت البرازيل حالة جنون البقر لم تستورد مصر والإمارات العربية المتحدة وتركيا والأردن الماشية الحية من البرازيل.

وجاءت توقعات التقرير بنمو إنتاج البرازيل من الماشية بنسبة 1.3% لتصل إلى 48.5 مليون رأس ماشية مع وصول قطاع الماشية البرازيلي إلى ذروته في دورة الإنتاج، كما يتوقع ارتفاع إنتاج لحوم البقر بنسبة 2.1% إلى 10.6 ملايين طن ليتم تصدير 28% منها، أي ما يعادل 3 ملايين طن من لحوم الأبقار، وذلك مع زيادة الطلب على صادرات لحوم الأبقار وتعافي الاستهلاك المحلي وارتفاع ذبح الماشية بنسبة 2.8%، ويمكن متابعة نسبة مساهمة الدول في صادرات البرازيل من لحوم الأبقار خلال يناير – أغسطس 2022 من خلال الشكل التالي:
ويعتمد قطاع الثروة الحيوانية على الصادرات، إذ يوفر الطلب المستمر من الخارج على لحوم الأبقار البرازيلية ضمانًا لمنتجي اللحم البقري البرازيلي في ظل انخفاض الطلب المحلي بسبب انخفاض الدخل وارتفاع أسعار تجزئة لحوم الأبقار. وتُعد الصين أهم مستورد للحوم الأبقار البرازيلية، وبالتالي فإن أي تحرك تنتهجه الصين يؤثر على قطاع الماشية بأكمله، فغالبًا ما يؤثر التغيير في طلب الصين على لحوم الأبقار البرازيلية على الأسعار في القطاع، وهو ما يمكن المنتجين من تحديد الأسعار مسبقًا، ويمكن متابعة أهم الدول المستوردة لحوم الأبقار البرازيلية خلال الربع الأول من عام 2022 من خلال الشكل التالي:

ومنذ عام 2017 نمت صادرات البرازيل من لحوم الأبقار نموًا ثابتًا لتتوقف الصادرات عام 2021 بعد اكتشاف حالات جنون البقر ليتحسن الطلب بعد ذلك عام 2022 لتصل إلى 2.9 مليون طن بزيادة قدرها 25% عن عام 2021، كما تراجعت أسعار لحوم البقر عام 2021 لترتفع بنسبة 41% بعد ذلك عام 2022 مع ارتفاع أسعار لحوم البقر في السوق العالمية وزيادة الصادرات، ومع اكتشاف حالة جنون البقر في فبراير 2023 وتعليق الصين صادراتها من لحوم الأبقار البرازيلية بجانب توسع الصين في إنتاجها المحلي فتشير التوقعات إلى انخفاض في الطلب من الصين على لحوم البقر البرازيلية عام 2023.
التحديات التي تواجه قطاع الماشية
تواجه كل منطقة في البرازيل تحديات مختلفة بالرغم من أن كل المناطق واجهت عقبات واحدة متمثلة في ارتفاع تكاليف المدخلات والتشغيل، وزيادة أسعار الفائدة على القروض، وخفض الطلب المحلي على لحوم البقر وتذبذب الطلب الأجنبي على الصادرات البرازيلية، إلا أن المناطق الجنوبية تواجه تحديات متمثلة في الطقس الجاف، أما مناطق الغرب والوسط وهي أكبر منطقة لتربية الماشية وتمثل 35% من الإنتاج الوطني فمرتبطة بالأسواق العالمية وبالتالي فإنهم يواجهون مخاطر تتعلق بالأسواق الدولية والعمليات التجارية.
وتعد تربية المواشي سببًا رئيسيًا لإزالة الغابات وتدمير أشجار منطقة الأمازون البرازيلية، وهو ما دفع الحكومة لانتهاج سياسات تعزز الزراعة المستدامة من خلال استعادة المراعي لوقف إزالة الغابات، وبشكل عام تمثل التحديات الرئيسية التي تواجه قطاع الثروة الحيوانية بالبرازيل في التحديات المتعلقة بالخدمات اللوجستية والتي تواجه تربية الماشية كأسعار السوق وظروفه، والطلب الأجنبي وغيرها، ويتوقف نجاح مربي المواشي في عملهم على عوامل خارجية لما لها من تأثيرات كبيرة على القطاع.
ويتمثل أحد التحديات التي تواجه قطاع الثروة الحيوانية تلك المتعلقة بالمخاطر الصحية للحيوانات، ويكاد يكون خطر انتشار الأمراض في الماشية البرازيلية ضئيلًا، وكانت الأمراض، مثل مرض الحمى القلاعية تحت السيطرة على مر السنين، حيث يتخذ كل من القطاع الخاص والحكومة التدابير ذات الصلة على محمل الجد وذلك بهدف أن تصبح البرازيل خالية تمامًا من مرض الحمى القلاعية دون تلقيح بحلول عام 2026، كما يؤثر اكتشاف حالات جنون البقر على قطاع الثروة الحيوانية في البرازيل وذلك مع اتخاذ الدول المستوردة سياسات تعليق الاستيراد من البرازيل لحين التأكد من خلو المواشي من الإصابة.
أيضًا هناك تحديات متعلقة بالتغيرات المناخية التي تسبب مخاطر على الزراعة البرازيلية، إذ يؤثر هطول الأمطار بشكل غزير وفائض في جنوب شرق ووسط غرب البلاد على القطاع، كما يؤثر الجفاف بشكل كبير على القطاع. في عام 2022، ضربت موجات جفاف كبيرة جنوب البرازيل أثرت على الزراعة وتربية المواشي، إذ أثر الجفاف على ظروف المراعي السيئة التي قللت من العلف الطبيعي المتاح للماشية، وزادت خسائر الإنتاج التي لحقت بمحاصيل مثل الذرة وفول الصويا من تكاليف العلف لمربي الماشية، وبالتالي فإن ضعف المراعي إلى جانب ارتفاع تكاليف العلف (الذرة وفول الصويا) تسبب في الضغط على المنتجين.
وبحسب التقرير الصادر في مارس 2023 عن وزارة الزراعة الأمريكية، في يناير 2023، فقد تسبب الطقس الجفاف في جنوب البلاد في أضرار جسيمة للمزارعين ومربي المواشي، ويتم استخدام الذرة وفول الصويا كعلف للماشية بشكل خاص في المناطق الجنوبية، وبالتبعية فإنه من المتوقع أن يؤثر الجفاف على إنتاج الماشية ولحوم الأبقار في هذه المنطقة (التي تمثل 12% من إجمالي الماشية المذبوحة).
أيضًا تعد معدلات التضخم المرتفعة أحد التحديات التي تؤثر على المزارعين ومربي المواشي والتي تخفض من فرص تحقيق الربح، إذ أدى استمرار ارتفاع الأسعار منذ عام 2022 على ارتفاع تكاليف الإنتاج، ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على معدلات التضخم العالمي، فإن التوقعات تشير إلى أن تظل تكاليف إنتاج الماشية، وخاصة مدخلات الأعلاف وتكاليف تربية الحيوانات مرتفعة حتى منتصف عام 2023 لتصل بعد ذلك إلى مستوياتها قبل جائحة كورونا، وذلك مع تراجع أسعار الذرة وأسعار فول الصويا.
كما يؤثر ارتفاع أسعار الأسمدة والتي شهدت هي الأخرى زيادات كبيرة في عام 2022 على القطاع، إلا أن أسعار الأسمدة تراجعت في الربع الأخير من عام 2022، كما أن هناك توقعات باستمرار انخفاض أسعار الأسمدة عام 2023. وفي يناير 2023، كان متوسط أسعار الأسمدة عند حوالي نصف ذروة الأسعار التي شوهدت بين مايو ويوليو 2022، وتمكنت البرازيل من تأمين ما يكفي من الأسمدة في عام 2022 من خلال التفاوض مع مختلف البلدان المصدرة.
وأخيرًا، سيؤدي تعليق الصين وارداتها من اللحوم البرازيلية ومن بعدها عدد من الدول المستوردة بعد اكتشاف حالة الإصابة بجنون البقر، إلى تراجع الصادرات وتعرض المزارعين ومربي المواشي للخسائر الكبيرة إذا استمرت الدول في تعليق الاستيراد من البرازيل وذلك بسبب تراجع الأسعار البرازيلية مع زيادة المعروض من الماشية وانخفاض الاستهلاك المحلي، كما أنه مع قيام الصين بتخفيف قيود وباء كورونا سينمو الطلب المحلي للصين على اللحوم والذي ستقوم أما باستبدال لحوم البقر بلحوم الخنزير أو بسد الطلب المحلي من خلال الاستيراد من دول أخرى مثل الأرجنتين وأوروغواي وأستراليا والولايات المتحدة بالرغم من توقعات وزارة الزراعة الأمريكية التي تشير إلى تراجع الإنتاج والإمدادات القابلة للتصدير من الأرجنتين والولايات المتحدة، وتكرار قيام الصين بحظر استيراد اللحوم من بعض المناطق في أستراليا.