في عالم خالٍ من الانبعاثات يلعب الهيدروجين الأخضر دورًا حيويًا في تشكيل الاقتصاد العالمي منخفض الكربون، وتشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، إلى أن الإمكانات التقنية العالمية لإنتاج الهيدروجين الأخضر تعادل عشرين ضعف إجمالي الطلب العالمي على الطاقة الأولية في عام 2050 وسوف يمثل توليد الطاقة المتجددة عنصرًا بالغ الأهمية في تحقيق ذلك، وسيكون هذا عاملًا رئيسيًا للقدرة التنافسية النسبية لمناطق معينة في إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، وعليه يمكن تلبية ربع إجمالي الطلب العالمي من الهيدروجين من خلال التجارة الدولية ليتحقق التوافق بين العرض والطلب على الهيدروجين الأخضر ومشتقاته.
الهيدروجين الأخضر والاقتصاد منخفض الكربون
يبلغ الإنتاج العالمي للهيدروجين حوالي 95 مليون طن سنويًا، يأتي معظمها من الوقود الأحفوري بدون حجز للكربون ويُستخدم الجزء الأكبر منه في الصناعات الثقيلة كثيفة استهلاك الطاقة وكثيفة الانبعاثات مثل تكرير البترول، وصناعة المبيدات والبتروكيماويات، وينتج عنه حوالي 1100-1300 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون من إجمالي الانبعاثات العالمية، لذا يعتبر الهيدروجين حاليًا من أهم مسببات الاحتباس الحراري وليس حلًا له. وعليه فإن التحول لاقتصاد الهيدروجين يتطلب تغييرات في إنتاج واستهلاك الهيدروجين ومشتقاته.
ومن هنا تشير معظم التقديرات الدولية إلى أن تحول نظام الطاقة العالمي لتحقيق أهداف اتفاقية باريس بحلول عام 2050 سيتطلب الكثير من التغييرات والإجراءات التي تجعل منه أكثر مرونة واستدامة وتضمن أمن وتنوع مصادر الطاقة في الوقت نفسه. ويأتي دور الهيدروجين في تشكيل نظام الطاقة العالمي الجديد، من خلال أن يمثل الهيدروجين حلقة الوصل بين إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة وكهربة القطاعات التي يصعب إزالة الكربون منها والتخلص من الوقود الأحفوري، فضلًا عن تحسين كفاءة الطاقة. أي أن الكهرباء ستهيمن على خدمات الطاقة وتصبح الناقل المركزي لباقي القطاعات وتمثل تقريبًا نصف استهلاك الطاقة العالمي بدلًا من الخمس حاليًا.
بالتأكيد لا يمكن كهربة جميع استخدامات الطاقة وهناك حاجة إلى استخدامه بأشكال مختلفة سواء كمادة خام للصناعة أو كحامل لنقل وتخزين الطاقة، فعلى سبيل المثال يمكن للهيدروجين أن يُستخدم كمادة خام لإنتاج الأمونيا أو كمحفز كيميائي لإنتاج الصلب. وفي حالات أخرى، لا يكون استخدام الكهرباء ممكنًا من الناحية الفنية في الوقت الحالي بسبب متطلبات كثافة الطاقة للوقود، كما هو الحال في قطاعي الطيران والشحن. ولذلك، هناك حاجة إلى حلول لسد فجوة إزالة الكربون في التطبيقات التي لا يكون فيها الاستخدام المباشر للكهرباء أو الوقود المتجدد حلًا قابلًا للتطبيق من الناحية الفنية أو من ناحية التكلفة.
إن التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر يتطلب التوسع في إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة وكذلك التوسع الشديد في إنتاج المحللات الكهربية، بالإضافة إلى تطوير سلاسل التوريد والإمداد، لينتج عنه تطور جديد في حجم تجارة الهيدروجين نفسه أو المشتقات المرتبطة به مثل الأمونيا الخضراء والميثانول أو حتى التقنيات المرتبطة بإنتاجه ونقله وتخزينه. وبالتالي تطوير سلاسل قيمة جديدة.
تشير سيناريوهات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) إلى توقعات الطلب على الهيدروجين الأخضر خلال الفترات 2020-2030-2050 كما في الشكل التالي:
المصدر: إيرينا.
كيف يمكن لتجارة الهيدروجين العالمية أن تلعب دورها في المستقبل؟
ناقش تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) كيف يمكن لتجارة الهيدروجين تلبية حوالي ربع الطلب العالمي من الهيدروجين، سواء الطلب المحلي عندما يكون الإنتاج المحلي غير كافي، أو أنه قد يكون من الأرخص بالنسبة لبعض الاقتصادات أن تستورد من مواقع ذات تكاليف إنتاج منخفضة، وهذا يعني أن التجارة الدولية يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في التوفيق بين العرض والطلب.
يمكن تداول الهيدروجين بأشكال متعددة، من خلال نقله لمسافات طويلة في صورة غاز عبر خطوط الأنابيب وتمثل حوالي 55% من الهيدروجين، أو يمكن شحنه في صورة سائلة من خلال تحويله إلى سلعة أخرى مثل الأمونيا أو الميثانول، ونقله في صورة سائلة ويمكن أن تمثل حوالي 45%.
وعلى طول سلاسل التوريد للهيدروجين الأخضر ومشتقاته هناك عدد من السلع والخدمات الأخرى القابلة للتداول، سواء الخاصة ببناء وتشغيل محطات الإنتاج أو في المرحلة الخاصة بأنظمة الشحن والتخزين، أو الصناعات المرتبطة بها ومن بينها:
- مكونات الطاقة المتجددة، مثل: ألواح الطاقة الشمسية أو توربينات الرياح أو المكونات المرتبطة بها.
- مكونات إنتاج الهيدروجين ومشتقاته، مثل: المحللات الكهربية والمكونات المرتبطة بإنتاج الأمونيا أو ضغط الهيدروجين.
- مكونات النقل والخزين والتحويل، مثل: أنظمة التخزين وأنابيب النقل، المعدات الخاصة بالصناعة.
- الاستخدام النهائي، مثل: معدات الإنتاج، أنظمة خلايا الوقود، توربينات إنتاج الكهرباء باستخدام الهيدروجين.
المحلل الكهربي مكون رئيسي لإنتاج الهيدروجين الأخضر
تمثل المحللات الكهربية من 30-40% من تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر، وبالتالي خفض تكلفة المحللات الكهربية وزيادة كفاءتها من خلال البحث والابتكار وتطوير الصناعة – عامل رئيسي في توسيع الاعتماد على الهيدروجين الأخضر، حيث تبلغ قدرات المحللات الكهربية حاليًا حوالي 30 جيجاوات ومن المتوقع أن تبلغ 100 جيجاوات بحلول 2030. وتعد الصين السوق الرائدة في صناعة وتطوير المحللات الكهربية بنسبة بلغت 40% من السوق العالمي.
تجارة الهيدروجين عالميًا
تبلغ تجارة الهيدروجين عالميًا بكل أنواعه وخاصة المنتج من الوقود الأحفوري حوالي 300 مليون دولار في عام 2022، بزيادة بلغت 71% عن عام 2021، تتركز تجارة الهيدروجين الدولية في عدد قليل من الاقتصادات حاليًا، إذ استحوذت 10 أسواق فقط على 90% من التجارة عام 2021.
ولا تزال التجارة العالمية في الهيدروجين محدودة جدًا مقارنة بالسلع التي يمكن إنتاجها كمشتقات. على سبيل المثال، سجلت الواردات العالمية من الأمونيا والميثانول نموًا قويًا خلال العامين الماضيين، حيث وصلت إلى 17.5مليار دولار أمريكي و1.41 مليار دولار أمريكي في عام 2022، ومن المتوقع أن يؤدي التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى زيادة تجارة الهيدروجين عن المستوى الحالي.
وبالنظر إلى قيمة الواردات العالمية من الهيدروجين ومشتقاته من (الأمونيا والميثانول) حسب بيانات منظمة التجارة العالمية تظهر في الشكل التالي الزيادة العالية بدءًا من عام 2020، وتشير كل التوقعات إلى استمرار الزيادة في مستويات التجارة حتى عام 2050.
شكل (2): قيمة الواردات العالمية من الهيدروجين ومشتقاته وفقًا لبيانات منظمة التجارة العالمية
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا وسنغافورة من أهم الأسواق العالمية لتجارة الهيدروجين ويمثلوا أكثر من ثلثي قيمة السوق العالمية في عام 2021 بقيمة بلغت حوالي 127 مليون دولار، وتعتبر كل من كندا وبلجيكا أهم الموردين بقيمة فاقت 90% من سوق التصدير العالمية.
أما سوق الأمونيا فهو أكثر عالمية من الهيدروجين مما يعكس أهمية الأمونيا كسلعة في صناعات رئيسية عالمية، مثل: صناعة المبيدات والبتروكيماويات أو صناعة البلاستيك أو كحامل لطاقة الهيدروجين أفضل من ضغط الهيدروجين نفسه، وتتصدر الهند سوق الأمونيا لعام 2021 وتليها الولايات المتحدة والمغرب بقيمة واردات تعدت 3.7 مليارات دولار.
ويُعد الميثانول منتجًا رئيسيًا في صناعات إنتاج مواد كيميائية أخرى، مثل: الفورمالديهايد وحمض الأسيتيك والبلاستيك. ويمكن إنتاج الميثانول المتجدد باستخدام طرق مختلفة بما في ذلك من خلال التفاعل التحفيزي بين ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين الأخضر، كما يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في إزالة الكربون من القطاعات، مثل: النقل البحري والصناعات الكيميائية، وتعد الصين أكبر سوق للميثانول، حيث تمثل ربع واردات الميثانول العالمية.
ويوضح الجدول التالي أهم 10 دول مستوردة للهيدروجين وكذا الموردون الرئيسيون، حسب قاعدة بيانات منظمة التجارة العالمية2021
الدول المستوردة | قيمة الاستيراد بالمليون دولار | الدول الموردة | الحصة في السوق % | |||||||||
الولايات المتحدة | 56.8 | كندا | 99 | |||||||||
هولندا | 52.3 | بلجيكا | ألمانيا | 96 | 3 | |||||||
سنغافورة | 18.2 | الصين | أمريكا | ماليزيا | 85 | 13 | 1 | |||||
ألمانيا | 5.9 | هولندا | فرنسا | بلجيكا | 65 | 19 | 6 | |||||
كندا | 4.1 | أمريكا | فرنسا | 96 | 3 | |||||||
فرنسا | 3.6 | ألمانيا | هولندا | بلجيكا | 36 | 36 | 13 | |||||
المكسيك | 3.1 | أمريكا | 100 | |||||||||
المملكة المتحدة | 2.9 | هولندا | فرنسا | ألمانيا | 88 | 4 | 2 | |||||
النمسا | 2.4 | ألمانيا | سولفكيا | سويسرا | 76 | 20 | 1 | |||||
ماليزيا | 2.4 | أمريكا | تايوان | الصين | 53 | 19 | 17 |
ويوضح الشكل التالي توقعات نمو تجارة الهيدروجين ومشتقاته حسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة 2023.
تحديات تجارة الهيدروجين
رغم الفرص الواعدة لتطوير اقتصاد الهيدروجين عالميًا إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه التوسع في سوق الهيدروجين وتطوير التجارة الدولية وعلى رأسها:
- تطوير البنية التحتية اللازمة للنقل والتخزين والتوزيع، وبالتالي تسهيل تجارة الهيدروجين ومشتقاته في صورة مختلفة دون عوائق.
- معالجة الحواجز التجارية على طول سلاسل توريد الهيدروجين الأخضر عن طريق خفض تكاليف الإنتاج وتعزيز الوصول إلى التكنولوجيا.
- ضمان معايير الجودة والسلامة البيئية لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته وفقًا للاشتراطات الدولية لتسهيل التجارة بين الدول.
- زيادة التعاون الدولي لدعم تجارة الهيدروجين الأخضر لضمان التوافق والاتساق في التعريفات والمعايير الخاصة بخطط شهادات الانبعاثات والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية.
مصر يمكن أن تكون فاعلًا دوليًا في تجارة الهيدروجين
تتمتع مصر بإمكانات ومقومات هائلة تمكنها من قيادة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تطوير سوق الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، حيث تمتلك مصر إمكانات كبيرة من الطاقة المتجددة (شمسي – ورياح) مع انخفاض ملحوظ في أسعار الكهرباء المتجددة تمكنها من منافسة قوية للمصادر الأخرى.
كما تمّ تخصيص مساحة حوالي 26 ألف كيلو متر مربع بغرب أسوان وغرب سوهاج وغرب النيل ﻹنشاء محطات لتوليد الكهرباء من الطاقات المتجددة من (شمسي ورياح) بقدرات تصل إلى 130 ألف ميجاوات بالتعاون مع القطاع الخاص وربطها بمشروعات إنتاج وتجارة الهيدروجين ومشتقاته. إضافة إلى الموقع الاستراتيجي والقرب من أسواق مثل الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط والتي يتوقع أن تشهد طلبًا كبيرًا على الهيدروجين في السنوات القليلة المقبلة، حيث من المتوقع أن يشهد السوق الأوروبي المستورد الرئيسي للهيدروجين زيادة الطلب على الهيدروجين الأخضر من حوالي 3% إلى حوالي 20%
بالإضافة إلى ذلك فإنّ العديد من المشروعات المعلنة للهيدروجين في مصر تتركز بالقرب من المنطقة الصناعية لقناة السويس، حيث تضم 4 مناطق صناعية و6 موانئ محورية في خدمة التجارة العالمية بموقعها على البحرين المتوسط والأحمر، فمن المتوقع أن تستحوذ المشروعات في المنطقة الصناعية لقناة السويس على نحو 2 مليون طن من الهيدروجين المنتج في مصر من خلال حوالي 14 مشروع قيد الدراسة والتطوير. وتعمل مصر على تطوير البنية التحتية الخاصة بخطوط النقل والتوزيع والتخزين لتخدم هدف مصر أن تكون سوقًا رائدة لتجارة الهيدروجين في المنطقة.