تسيطر حالة من “اللا حسم” الميداني -حتى اللحظة الراهنة- على المعارك العسكرية الدائرة في العاصمة طرابلس. فبعد مرور عشرة أيام على إطلاق الجيش الوطني الليبي عمليةَ تحرير العاصمة من الميليشيات الداعمة لحكومة الوفاق؛ تبدو هنالك مقاومة ميليشياوية عنيفة في مواجهة التقدم الميداني للجيش. ناهيك عن تطور المعارك البرية إلى غارات طيران متبادلة من قبل الجانبين، الأمر الذي قد يُشير إلى أن معركة طرابلس قد تأخذ أمدًا أطول، وكُلفة أكبر، كونها تأخذ ديناميات “حروب المدن”؛ إلا أن ذلك سيرتبط بمدى حدوث نقطة تحول كبرى، أو تعادل، أو التمسك باستراتيجية الصبر العسكري لتغيير توازنات القوى.
لذا، تبدو التساؤلات المطروحة هنا حول طبيعة ديناميات معركة طرابلس، خاصة مع تغير طبيعة المعارك ووضعية المتنازعين يوميًّا. والأهم، لماذا تبدو تلك المعركة أكثر صعوبة حتى الآن، وأي مآلات محتملة لها، في ضوء تمسك الجيش الوطني باستمرار عمليته العسكرية، برغم تصاعد الضغوط الغربية، ومطالبة الأمم المتحدة بوقف القتال، وبدء هدنة إنسانية لإجلاء المصابين، والحد من عمليات النزوح التي بلغت ثمانية آلاف شخص خلال الأسبوع الأول من اشتباكات العاصمة.
ديناميات حروب المدن
لا يُمكن فهم ما جرى من ديناميات عسكرية على معركة طرابلس، إلا في سياق طبيعة حروب المدن، ذلك أن تلك المعركة بالأساس تجري بين طرفين رئيسيين: أحدهما، الجيش الوطني ذو الطابع النظامي الذي يستهدف تحرير العاصمة بعدما سيطر ميدانيًّا على الشرق والجنوب، في مسعى منه لتغيير قواعد اللعبة بالكامل، والتحول إلى الفاعل الأمني المركزي. وثانيهما، هو شبكة ميليشيات مسلحة في طرابلس انضمت لها قوات من مصراتة والزنتان، حيث تسعى في المقابل إلى إيقاف تقدم الجيش، والدفاع عن مصالحها السياسية والمالية التي تكرست منذ دخول حكومة الوفاق طرابلس في مارس 2016. أما ميدان المعركة، فيجري بالأساس في بيئة حضرية مدينية، كطرابلس (1.2 مليون نسمة)، أكثر تكدسًا بالسكان، قياسًا بنظيرتها، سواء في مدن الشرق أو الجنوب الليبي.
لذا، تأخذ معركة طرابلس سمات حرب تحرير المدن، من حيث تداخل خطوط القتال بين المتنازعين، بما يؤدي إلى غلبة تكتيكات الكر والفر السريع، وتبادل السيطرة الميدانية على المواقع والأهداف الحيوية، كالطرق الرئيسية، والبلدات، والمرافق الحيوية، كما برز في معركة مطار طرابلس الدولي. الأهم، أن حرب المدن تُقيّد طبيعة الأسلحة المستخدمة من قبل أطراف النزاع، والتي تتحسب عادة عند استخدامها القوة النيرانية أو الطائرات في المعارك، كي لا تستعدي السكان المحليين، أو تثير غضب المجتمع الدولي، إذا وقعت خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
وبالتالي، يعتمد أطراف النزاع في طرابلس أكثر على خبرات القتال البري المباشر، ومهارات العسكريين في معرفة الأرض، والقدرة على تثبيت الحيازة الميدانية العسكرية لمناطق ومواقع استراتيجية تُمكِّنهم من إضعاف الخصوم. كذلك، يبرز تكتيك الضغط الشامل من عدة محاور لخلخلة التحالفات الداخلية، عبر دفعها إما للانهيار أو تغيير الولاءات، وهو ما قد يُفسر مثلًا أسلوب الجيش الليبي عند بدء المعركة عبر التقدم للعاصمة طرابلس من أكثر من محور لها من الجنوب والجنوب الشرقي والغرب، في مسعى للضغط على بعض الميليشيات لتغيير مواقفها، والانضمام لحملته، أو على الأقل تحييدهم في القتال، لا سيما وأننا إزاء بلد تتكرس فيه ظاهرة “الولاءات المتغيرة”، منذ توزع القوة بين الميليشيات إثر سقوط نظام “القذافي” في 2011.
بموازاة ذلك، لجأ الجيش الليبي إلى استراتيجية تضليل الخصوم لتقييد حساباتهم في الحركة العسكرية المضادة، فعندما خصص غرفة لتحرير مصراتة بجانب طرابلس، كان على الأرجح يستهدف تقييد القوة العسكرية لمصراتة الأكثر قوة وعتادًا وتأثيرًا في توازنات القوى في غرب ليبيا. وبالتالي، يفرض عليها الموازنة بين أن تبعث ببعض قواتها لدعم ميليشيات الوفاق، والحفاظ على جزء آخر منها لحماية مدينتها من أي تقدم محتمل للجيش تجاهها، بخلاف تأمين مدينة سرت خشية اختراق الجيش لها.
اتجاهات ميدانية
في ضوء غلبة تكتيكات حروب المدن على معارك طرابلس التي يصعب فيها الخروج بنتائج حاسمة سريعة، برزت عدة اتجاهات ميدانية، منها على سبيل المثال:
الاتجاه الأول: تصاعد حدة القتال عند انتقال الجيش من الأطراف إلى داخل العاصمة، فعلى الرغم من أن الجيش الليبي أحرز نقاطًا للتقدم الميداني في مدن: غريان، وصبراتة، وصرمان، وترهونة؛ إلا أنه واجه مع ذلك صعوبة أكبر كلما اقترب أكثر تجاه طرابلس، كما برز في معارك مطار طرابلس الدولي جنوب العاصمة، ومحور “عين زارة” في جنوبها الشرقي، بخلاف مدينة الزاوية التي تُهمين عليها ميليشيات إسلامية، وتمثل أحد مفاتيح دخول العاصمة، من ناحية الغرب.
الاتجاه الثاني: اجتذاب الجيش بعض الميليشيات المناوئة لحكومة الوفاق، حيث انضم ما يعرف باللواء السابع المعروف بالكانيات في ترهونة إلى الجيش في معركته ضد ميليشيات حكومة الوفاق في طرابلس، بينما أشارت تقارير صحفية إلى أن ذلك اللواء أصبح اسمه “اللواء التاسع” بعد دمجه باللواء 22 التابع للجيش الوطني، وهو يخوض معارك شرسة في محور مطار طرابلس، وقصر بن غشير، وعين زارة وصلاح الدين، من جهة جنوب العاصمة وجنوب شرقها. وعبر هذا الاجتذاب عن استفادة الجيش من التوترات بين اللواء السابع وميليشيات طرابلس، إذ خاض هذا اللواء من قبل معارك عنيفة في أغسطس وسبتمبر 2018 في منطقة مطار طرابلس، وتم استبعاده من الترتيبات الأمنية التي جرت بعدها من قبل حكومة الوفاق.
الاتجاه الثالث: بروز تنسيق بين ميليشيات طرابلس ومصراتة في العاصمة، حيث تجاوزت حكومة الوفاق برئاسة “فايز السراج” صدمة الأيام الأولى للمعارك، وأعلنت عن غرفة تنسيق عسكرية لقيادة عملية أسمتها “بركان الغضب” في مواجهة تقدم الجيش الليبي. كما دعمت مصراتة العاصمة بقوات أخرى، وإن ظلت في الخطوط الخلفية، بينما تصدّرت ميليشيات حماية طرابلس الخطوط الأمامية لإبطاء تقدم قوات الجيش في محوري الجنوب والجنوب الشرقي. بالتزامن مع ذلك، شنت مصراتة غارات جوية على مواقع للجيش، منها قاعدة الوطية العسكرية في المنطقة الغربية لإرباك الجيش ومنع الإمدادات، وخلق توازن عسكري، وهو ما رد عليه الجيش بغارات جوية لدعم قواته المتقدمة على الأرض، خاصة في محور الجنوب، ولا سيما عين زارة، ووادي الربيع، والسواني.
الاتجاه الرابع: تصاعد التهديدات الإرهابية في مناطق سيطرة الجيش الليبي، حيث برزت هجمات منسوبة لتنظيم “داعش” بالتزامن مع معركة طرابلس في سبها جنوب غرب ليبيا (الخميس 11 أبريل) أو بلدة الفقهاء في الجفرة وسط ليبيا (الثلاثاء 9 أبريل)، الأمر الذي قد يفرض قيودًا على الجيش الوطني في نقل غالبية قواته من الجنوب والشرق لحسم معركة العاصمة طرابلس، حيث قد يفتح ذلك الباب لبروز تهديدات إرهابية أو خروقات لمكتسبات الجيش في تلك المناطق، خلال السنوات الماضية.
تلك الاتجاهات الميدانية قد تشير إلى أن الحسم في معركة طرابلس ليس سهلًا قياسًا إلى التصورات غير الواقعية حول إمكانية تحريرها في 48 ساعة، ولكن إذا تمت مقارنة ما حققه الجيش من نقاط اختراق في محيط العاصمة بأوضاعه الميدانية التي سبقت الإعلان عن المعركة، فذلك يعني أنه امتلك نقاطًا جديدة، ولكن سيتوقف مدى الاستفادة منها من عدمه على مدى قدرته على توسيعها أو حتى تثبيتها ميدانيًّا مع الحفاظ على استمرار خطوط إمداداته، وعدم التفاف ميليشيات طرابلس حولها، لخلق معارك خلفية تبطئ تقدم الجيش الميداني.
محفزات اللا حسم
مع ذلك، فإن غياب الحسم السريع في معركة طرابلس يمكن تفسيره بعدة عوامل أساسية:
أولها: صعوبة الرهان على إمكانية تفكك ميليشيات حكومة الوفاق سريعًا، أو تغيير ولاءاتها، فبرغم التوترات التي شهدتها العلاقة بين ميليشيات طرابلس ومصراتة في العامين الأخيرين؛ إلا أنها توحدت ضد الجيش في معركة طرابلس، وهو ما يُعزى بالأساس إلى الخشية من التهميش السياسي والاقتصادي، حال سيطرة الجيش على العاصمة. وتكاد تُشكل مخاوف التهميش معضلة ليبيا الجوهرية في مرحلة ما بعد “القذافي”، خاصةً مع كثرة الفواعل المسلحة، ما يجعل الأخيرة تستميت في الحفاظ على وضعيتها ونفوذها على الأرض في طرابلس، بمنطق “نكون أو لا نكون”، ولا سيما إذا ما علمنا حجم شبكات المصالح المالية التي كوّنتها ميليشيات العاصمة، جراء دعم حكومة “السراج”، حيث انتقلت من الوظيفة الحمائية إلى الأعمال التجارية في طرابلس، كفرض ضرائب على الأسواق، والاتجار بالعملة وغيرها، ولعل ذلك ما جعل “غسان سلامة” (المبعوث الأممي) يتهم مؤخرًا الطبقة السياسية في ليبيا بالفساد، وأن هنالك مليونيرًا جديدًا يظهر كل يوم في هذا البلد.
ثانيها: حياد قوى مجتمعية وقبلية مؤثرة في غرب ليبيا كان يمكن أن تُغير توازنات القوى في معركة طرابلس، وتدفعها للحسم سريعًا لصالح الجيش، إذ لوحظ مثلًا أن بني الوليد (التي تبعد عن العاصمة 180 كم) لا يزال موقفها محايدًا من المعارك، حيث تخشى أن يؤدي الانحياز إلى الجيش الوطني إلى تجديد صراعاتها مع مدينة مصراتة القريبة منها. في الوقت نفسه، فإن بعض المدن في غرب ليبيا، كالزنتان -وهي قوة عسكرية مؤثرة- تبدو منقسمة، فبرغم صدور بيانات من مجلس أعيانها تدعم معركة الجيش في طرابلس؛ إلا أن هنالك بيانات مضادة أكدت على مدنية الدولة ورفض عسكرتها، في إشارة إلى رفض عملية الجيش الليبي.
وتنقسم كتائب الزنتان بين “أسامة الجويلي” (وزير الدفاع الأسبق) الذي تم تعيينه من قبل حكومة الوفاق قائدًا للمنطقة العسكرية الغربية، وأخرى بقيادة “إدريس مادي” آمر المنطقة العسكرية الغربية بالجيش الوطني. ويرجع هذا الانقسام إلى أن بعض مكونات الزنتان كانت قد انقلبت على “حفتر”، وتصالحت مع مصراتة في مارس 2018، بعد خصومات ثأرية إثر حرب صيف 2014.
ثالثها: طبيعة الميزان العسكري بين قوات الجيش الليبي وميليشيات المنطقة الغربية، فعلى الرغم من أن تقديرات مراكز الفكر الغربية بأن الجيش الليبي يفوق من حيث العدد والخبرة ميليشيات طرابلس (هنالك تقديرات غربية تُشير إلى أنه يبلغ 25 ألف مقاتل)، كما أنه يملك نسبيًّا سمات نظامية ومؤسسية؛ إلا أنه على الجانب الآخر، فإن طبيعة حروب المدن تُعطي الميليشيات المسلحة -التي تقوم حكومة الوفاق بالتنسيق بينها لا السيطرة عليها- ميزات قتالية تُطيل من أمد المعارك في حروب الشوارع داخل المدن، من حيث مرونة الحركة والاختفاء وسط المدنيين ومعرفة طبيعة الأرض أكثر من القادمين من خارجها. بخلاف القدرة على حشد وتعبئة المدنيين لزيادة أعدادها، لا سيما مع غلبة الطابع المدني أساسًا على ميليشيات طرابلس. أضف إلى ذلك، دخول تنظيمات مصنفة على قوائم الإرهاب على خط معركة طرابلس، مثل سرايا الدفاع عن بنغازي.
مع ذلك، فإن ميليشيات طرابلس ليست كلها ذات طبيعة واحدة، فمنها ما يقاتل من أجل الحفاظ على مصالحه ونفوذه (مثل: كتيبة ثوار طرابلس، ووحدة أبو سليم التابعة لجهاز الأمن المركزي)، بينما يأخذ البعض الآخر صبغة أيديولوجية أكثر، كما كتيبة النواصي، وقوة الردع التي تنتمي للسلفية المدخلية وتحمي مطار معيتيقة، والتي تشير تحليلات غربية إلى أن الجيش كان يراهن على حيادها في معارك طرابلس.
رابعها: أن أطراف النزاع يتكئون على قوى خارجية تساند أهدافهم، وقد لا تسمح بخسارتهم المعركة، إذا طال أمدها وزادت كلفتها لمصالحهم، ولم يستطع أي من الطرفين حسمها، بما يجعلهم يعترفون ببراجماتية بالأمر الواقع. فمن جهتها، تلقت حكومة الوفاق تأييدًا لوقف القتال، خاصة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإيطاليا، بخلاف اتهامات الجيش الليبي لحكومة الوفاق باللجوء للدعم التركي لميليشيات طرابلس بالمقاتلين والسلاح والطيارين الأجانب في معركة طرابلس. في المقابل، فإن الجيش الليبي بقيادة “حفتر” يستند إلى دعم دولي خاصة من روسيا التي منعت مؤخرًا صدور بيان من مجلس الأمن حول معركة طرابلس، بخلاف فرنسا التي واجهت اتهامات بدعم حملة طرابلس، بسبب الجدل حول أنها سعت إلى عرقلة بيان الاتحاد الأوروبي حول معركة طرابلس، وهو ما نفته باريس، إذ أوضحت أنها طلبت إدراج ثلاث قضايا في بيان الاتحاد الذي يطالب “حفتر” بوقف عملية طرابلس، وهي تتعلق بوضع المهاجرين، ومشاركة جماعات مصنفة كإرهابية في قتال طرابلس، وسبل الحل السياسي، وهو ما تحقق بالفعل في البيان الأوروبي يوم 11 أبريل 2019.
مع ذلك كله، لا يزال الجيش الليبي يملك أوراقًا ذات طبيعة استراتيجية في معركة طرابلس، منها: ورقة النفط، حيث يسيطر على غالبية المنشآت النفطية التي يستفيد من إيراداتها ميليشيات طرابلس ذاتها، بحكم أنه يتم تحويلها للمصرف المركزي في العاصمة، وبرز التلويح بهذه الورقة بشكل غير مباشر من قبل المتحدث باسم الجيش الليبي “أحمد المسماري” في مؤتمره الصحفي يوم 13، لكن يظل توظيف الجيش لهذه الورقة مقيدًا بردود فعل القوى الدولية التي تحظر بيع النفط الليبي إلا عبر المؤسسة الوطنية للنفط في طربلس.
مآلات محتملة
برغم أنه يصعب عمليًّا التنبؤ بما قد تئول إليه معركة طرابلس في ظل تلاحق مجرياتها الميدانية، وتقلب موازين القوى يوميًّا في قتال المدن؛ إلا أنه يمكن الإشارة بشكل عام إلى عدة مآلات محتملة لتطورات تلك المعركة، منها:
أولًا: حدوث “نقطة تحول” كبرى في اشتباكات طرابلس، وذلك إذا تحصّل أحد الطرفين على دعم عسكري كبير ونوعي يُمكّنه من تغيير موازين القوى على الأرض كليًّا لصالحه في ميدان المعركة، أو يؤدي إلى تفكك التحالفات الداخلية في طرابلس.
ثانيًا: بلوغ “نقطة تعادل” ميداني بين المتنازعين، بمعنى استمرار المعارك دون نصر أو هزيمة واضحة لأي من الطرفين (كأن يظل الجيش في نقاط ميدانية محيطة بالعاصمة طرابلس والميليشيات متحصنة في داخلها). وإذا طالت المعارك، وبدت نقطة التعادل تلك مستمرة زمنيًّا، فعندها قد يصبح هنالك احتمال حدوث وقف لإطلاق النار بضغوط دولية، ما قد يفتح الباب إلى العودة إلى طاولة المفاوضات السياسية التي توقفت إثر تأجيل الأمم المتحدة للملتقى الوطني الليبي الذي كان مقررًا عقده في منتصف أبريل الجاري، ولكن سيكون لذلك الوضع السياسي الجديد شروط مختلفة تعكس ما أسفرت عنه معركة طرابلس من توازنات ونتائج.
ثالثًا: الرهان على استراتيجية “الصبر العسكري”، أي إنّ من يقدر من المتنازعين على تحمل كلفة استمرار القتال لفترة طويلة أكثر من غيره دون انهياره أو رضوخه للضغوط الخارجية بوقف القتال يمكنه آنذاك تحقيق الحسم. ولعل تلك الاستراتيجية برزت في معركة بنغازي في شرق ليبيا التي استمر فيها الجيش الوطني ما بين عامي 2014 و2017، كي يحررها من الميليشيات والإرهاب. لكن مع ذلك سترتبط استراتيجية الصبر في طرابلس، بمدى استمرار الموقف الدولي في مجرد الدعوة لوقف القتال وعدم تطوير الأمر إلى إجراءات وعقوبات تُجبر المتنازعين على وقف القتال.
لكنّ أيًّا من المآلات المحتملة لمعركة طرابلس ستظل -في الأخير- رهنًا بمدى قدرة الجيش على منع الارتدادات المحتملة، حيث يسعى معارضوه -سواء من ميليشيات طرابلس، أو التنظيمات الإرهابية- لاختراق ما حققه من مكاسب في الشرق والجنوب، ناهيك عن مدى قدرته على تثبيت النقاط الميدانية التي حازها حتى اللحظة في معركة طرابلس.