عُرفت بدايات قوات المظلات خلال الحرب العالمية الأولى، ولكنها استُخدمت بنجاح وتوسع خلال الحرب العالمية الثانية؛ ولعل أشهرها وأكبرها هو عملية غزو نورماندي التي شهدت أكبر إسقاط مظلي في التاريخ حتى الآن، وذلك بقرابة ثلاث فرق (Divisions) أمريكية وبريطانية. وقد عُرفت أيضًا بقوات “الإبرار الجوي“، أي القوات التي تصل إلى الأرض (البر) عن طريق الجو بواسطة طائرات النقل أو الطائرات المروحية أو بالمزج بينهما. وقد يَستدعي ذلك مصطلحًا آخر وهو “الإبرار البحري“، أي الوصول إلى الأرض عن طريق البحر بوسائل ووسائط القوات البحرية.
وقد يُصنّف النقل بالاستراتيجي بغرض إعادة الانتشار (Redeployment)، الذي عادة ما يكون بواسطة طائرات النقل المتوسطة أو الكبيرة ذات المحركات التوربينية أو النفاثة وذات المدى الطويل (مثل: طرازات “سي” الأمريكية أو “آنتينوف” السوفيتية-الروسية على سبيل المثال). وقد يتم الهبوط والوصول إلى الأرض بوسائل ووسائط أخرى (مثل: الدلتا، والخفافيش الطائرة) أو بواسطة الطيران الشراعي (كما في بدايات عملية طوفان الأقصى بغزة)، أو عبر الفضاء (كالقفز الحر من طائرات النقل والمروحيات)، بالسباحة في الهواء قبل الهبوط دون فتح المظلات إلا قرب الأرض وفي أماكن محددة وبدقة كبيرة. وقد يتم ذلك لمهام خاصة أو لأغراض رياضية، ولذا توجد اتحادات رياضية متخصصة في ذلك على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ومنها “الاتحاد المصري للمظلات والرياضات الجوية”.
أولًا: المظلات في المدرستين العسكريتين الشرقية والغربية
تتعدد تصنيفات المظلات تبعًا لسماتها وخصائصها المميزة، وهو ما يمكن الوقوف على أبرز ملامحه من خلال النقاط التالية:
1- من حيث نوع الحمولة المُسقطة:
تختلف المدرستان الشرقية والغربية في رؤيتهما للمظلات. فبالنظر إلى طبيعة وتنوع الحمولة المُسقَطة، فإنها تشمل ثلاثة مستويات هي: الإسقاط الخفيف للأفراد (القوة البشرية)، والإسقاط المتوسط للإمدادات اللوجستية من خلال العبوات (مثل ما نُفذ لإمداد غزة)، والإسقاط الثقيل لبعض الأسلحة والمعدات من خلال الأرضيات أو الأرصفة (Platforms) التي تُحمل وتُثبت في أرضية الطائرة بطرق مختلفة، تختلف طبقًا لنوع طائرات النقل المستخدمة. وهي المستويات التي يمكن الوقوف عليها تفصيلًا من خلال النقاط التالية:
- الإسقاط الخفيف للأفراد: ويتم عادة بمظلتين؛ واحدة رئيسية وأخرى احتياطية أصغر، ويرافق القافز سلاحه الفردي ومعداته الخفيفة، ويتم القفز فرادى من أجناب الطائرة أو من خلفها. وفي بعض الحالات، يتم القفز بشكل جماعي من خلال وضع الجلوس من جانبي بعض المروحيات بعد كشف أجنابهما.
- الإسقاط المتوسط للعبوات: وهي أواني وسيطة من القماش الخاص أو الجلد أو الشرائط، ذات أحجام وأوزان محددة، وفوق كل منها مظلة خاصة، قد تُثبت في صف أو أكثر على أن يوضع أسفلها أحد أنواع مخففات الصدمة.
- الإسقاط الثقيل: ويشمل أنواعًا مختلفة من العربات والمعدات والأسلحة وبعض أنواع الدبابات. ويلزم لذلك أنواع مختلفة ومتعددة من المظلات التي يمكن فصلها بأساليب مختلفة بمجرد الوصول إلى الأرض، كتحرر قوة الشد بين الحمولة والمظلة (Release) أو القطع الميكانيكي، وذلك لتجنب (الجرجرة) في حالة وجود رياح وخصوصًا السطحية.
هذا، ويختلف أسلوب انزلاق وتحرر أرضيات الإسقاطين الثقيل والمتوسط من الطائرات على اختلاف أنواعها وعلى تعدد تكتيكات عملية الإسقاط باختلاف المدرستين الشرقية السوفيتية والغربية؛ ففي الأولى، تُستخدم أرضيات ذات عَجَل مُسمط بقُطْر صغير، تعلوه مخففات الصدمات (كعش النحل) -كنوع من الكرتون المقوى مثلًا- قبل جسم السلاح أو المعدة أو المعدات الرئيسية، ثم تأتي مجموعة المظلات متعددة القباء. أما في الأخيرة، فتتكون الأرضيات من شرائح من الألواح المعدنية القوية والتجميعية طبقًا للطول المستهدف لعدد الأرضيات وطول غرفة تحمل الطائرة. ونظرًا لعدم وجود عَجَلات كبيرة، فتنزلق الأرضيات على مجموعة عجلات صغيرة (Rollers) متراصة ومتتالية في أرضية غرفة التحميل.
2- من حيث الاستخدام الرئيسي (الإسقاط أو الاقتحام الجوي):
وتبعًا لكيفية استخدام المظلات، فإن هناك نوعين رئيسيين؛ أولهما: الإسقاط المظلي الخفيف والمتوسط والثقيل (كما سبق القول)، وثانيهما: الاقتحام الجوي باستخدام المروحيات بكثافة للاقتراب من الأهداف قبل اقتحامها. وفي هذه الحالة، تهبط المروحيات هبوطًا كاملًا إلى سطح الأرض إن كان الهدف هو تفريغ الأسلحة والمعدات التابعة. أما إن كان المستهدف هو إنزال الأفراد فحسب، فيمكن تعليق المروحية في الهواء (Hovering) قرب سطح الأرض بما لا يزيد على 1.5-2 متر لسرعة الإخلاء، وبخاصة إن كانت الأرض رخوة أو غير مستوية. وقد تتم أعمال المظلات بالمزج بين الإسقاط بالمظلات والإنزال بالمروحيات، وعادة ما يتم ذلك في المستويات الأكبر أو الظروف الخاصة.
3- المزج بين النقل الاستراتيجي الإداري والقتالي التابع:
يشتمل النقل الاستراتيجي وإعادة الفتح (Redeployment) لأعماق ومديات كبيرة على شقين هما: الإداري، والقتالي. ويُعرف الأخير بقوة تنفيذ المهمة (Task Force)، وعادة ما يسبق الشق الإداري للإعداد اللوجيستي، ويمكن أن يستخدم طائرات النقل الكبيرة أو العملاقة مثل الأمريكية “سي 5 جلاكسى” أو الروسية “أنتينوف-225″، كما يُمكن استخدام القوات والسفن البحرية. وهناك تناسب عكسي بين طاقة التحميل من جهة، وبين زمن النقل من جهة أخرى؛ فالطائرات تنقل حمولتها في وقت أسرع، ولكن بطاقة نقل أقل، عكس السفن التي تنقل حمولتها في وقت أبطأ، ولكن بطاقة نقل أكبر. ولدينا مثال حرب رمضان-أكتوبر 1973 والنقل الاستراتيجي جوًا وبحرًا، حيث أمدت الولايات المتحدة إسرائيل، وأمد الاتحاد السوفيتي كلًا من مصر وسوريا بأسبقية سورية جوية.
ثانيًا: إمداد غزة بالطعام بالإسقاط المظلي (خلال طوفان الأقصى)
كانت ولا تزال تجربة إمداد غزة بالطعام بالإسقاط المظلي صعبة في ظروف استثنائية أصعب؛ فالثلث الشمالي من قطاع غزة والمستهدف بالإمداد المظلي ذو كثافة بشرية غزاوية أقل، ولكن سكانه منتشرون بشكل عشوائي على مساحة كبيرة شبه مدمرة نتيجة الاستهداف الإسرائيلي، كما أنها شبه خالية من المرافق والبنى التحتية وخصوصًا الطعام ومياه الشرب ومواد الإسعافات الأولية. والأسوأ من ذلك هو عدم تمكين شاحنات النقل المصرية والصديقة من الوصول إلى شمال قطاع غزة، نتيجة عراقيل التفتيش الإسرائيلية، وعدم وجود خطة دقيقة للتفريغ والتصنيف والتوزيع؛ حيث تنتهي رحلة الشاحنات قرب دير البلح في طريقها من بوابة رفح-مصر إلى مدينة رفح-غزة ثم خان يونس. مع وجود القوات الإسرائيلية في كل قطاع غزة تقريبًا، وتزايد كثافة تحركاتها من الشمال إلى الجنوب عبر القطاع.
1- تحديات وصعوبات ما قبل إسقاط الطعام على شمال غزة:
يفرض الموقف الجيو-استراتيجي لشمال قطاع غزة عدة تحديات؛ حيث محدودية عرض القطاع الذي يتراوح بين 6-7 كم من ناحية، ومحاذاته لساحل البحر المتوسط، مما يقلل من زمن مرور الطائرات، وإن عَرّضَ ذلك العبوات لاحتمالية السقوط في البحر، خصوصًا تلك القريبة من المخيم الكبير بالشاطئ من ناحية ثانية. كما طالت تلك التحديات أعمال التخطيط والتجهيز لمجهود النقل الجوي الذي أتى معظمه من مصر والأردن ثم الإمارات وقطر وفرنسا والولايات المتحدة، وقد تنضم دول أخرى مستقبلًا. وقد تم الاتفاق على أن يبدأ الإسقاط -ومعظمه ليلي- بالدخول من فوق البحر المتوسط إلى المجال الجوي لشمال قطاع غزة (أي من الغرب إلى الشرق)، في اتجاه مضاد لاتجاه الريح السائدة الشمالية الشرقية تقريبًا، ما يُحدّ من الانتشار الموسع لعبوات الطائرة نتيجة تضافر مقاومات ثلاث هي: اندفاع العبوات بعد الإسقاط مباشرة نتيجة قصورها الذاتي، ومقاومة الريح السائدة عكس اتجاه الإسقاط، وأخيرًا تأثير الجاذبية الأرضية. على أن تخرج الطائرات من الجنوب إلى الشمال بمحاذاة غرب شاطئ قطاع غزة مع الأخذ في الاعتبار لكل من: الارتفاعات، وسرعة الريح وخصوصًا الريح السطحية، وكذلك حسابات إحداثيات نقطة بدء وزمن الإسقاط (GPS)، وحسابات الطقس ومتابعاتها، مع التنسيق بين أطقم الطائرات (طيارين وملاحين وفنيين) من جهة، وأطقم المظلات للإعداد والإسقاط من جهة أخرى.
وقد تم الإعداد وتجهيز العبوات وإعداد المنزلقات الأرضية للطائرات بالأسلوب الغربي الأمريكي؛ نظرًا لتوحيد نوع الطائرة “سي- 130″، عدا بعض الطائرات الأمريكية من طراز “سي-17” على أن يتم خروج العبوات في صف إسقاط واحد أو صفين، مع حساب العلاقة بين حجم ووزن العبوات بمظلاتها.
2- تحديات وصعوبات ما بعد إسقاط الطعام على شمال غزة:
وتتضمن تلك التحديات عدم وجود عناصر بشرية عربية أو أمريكية بمعداتها على الأرض للتجهيز المسبق لمنطقة الإسقاط لتسهيل تمييزها نهارًا أو ليلًا، ومن ثَمَّ دخول الطائرات إليها، وعدم وجود محطات أرصاد أرضية خفيفة خاصة لمتابعة ورصد الرياح السطحية، كما لم يتوفر عنصر بشرى عربي أو غزاوي للمعاونة في أعمال التجميع وفك العبوات وتصنيفها تمهيدًا لتوزيعها، خاصة مع عدم المعرفة الدقيقة بكيفية انتشار بقايا سكان شمال غزة المستهدفين بالإمداد داخل بقايا المناطق السكنية المتضررة، مقارنة بالمناطق المفتوحة أو شبه المفتوحة والأكثر مناسبة للإسقاط الجوي.
3- تحديات وصعوبات تأمين الطائرات بطيئة السرعة:
تم استبعاد إمداد قطاع غزة -وما شابهه- بالمروحيات (الهليكوبتر) أساسًا؛ نظرًا لصعوبة تأمين الطائرات بطيئة السرعة، رغم سهولة تحميلها وتفريغها في أقرب مكان من الهدف دون الحاجة إلى أعمال الإسقاط، مما يجنب صعوباتها الميدانية.
4- إمكانية الإمداد اللوجستي لقطاع غزة بحرًا:
رغم سهولة فكرة إمداد غزة برًا عبر أساطيل الشاحنات المصرية والصديقة، مقارنة بفكرة الإمداد الجوي المسقط والمحدود أو البحري المزمع بواسطة الولايات المتحدة، تبقى العراقيل الإسرائيلية بدعوى التفتيش عائقًا كبيرًا يحد من كمية وسرعة الإمدادات الحيوية إلى غزة، وخصوصًا الطعام ومياه الشرب والأدوية. كما أن ضعف السيطرة وترتيب الأولويات النوعية والمكانية يجعل الإمدادات -التي سُمح بعبورها- تغطي فقط ثلثي عمق القطاع، دون وصول الشاحنات إلى الثلث الشمالي، حيث تم إمداده جوًا بالإسقاط المظلي.
كما أن ميناء غزة البحري لا يعدو أن يكون مرفًا محدودًا لأعمال الصيد. لذلك، اقترحت قبرص الإمداد البحري من خلال ميناء لارناكا القبرصي (210 ميل بحري من غزة)، وهو ما يمكن أن تنفذه الولايات المتحدة بتكتيكات الأرصفة البحرية العائمة، حيث شرعت في بدء إرسال بعض السفن من ميناء فرجينيا إلى مياه وساحل قطاع غزة، وهو ما قد يستغرق 60 يومًا، وهي مدة طويلة في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة، ولا سيما إن طالت مدة الحرب. كما اقترحت الولايات المتحدة بقاء وتطوير تلك الأرصفة البحرية العائمة لتكون نواة لمرفق تجاري-بحري.
5- المعوقات الإسرائيلية:
يجب الوضع في الاعتبار المعوقات والسلوك الذي سبق أن مارسته إسرائيل، حيث في أعقاب اتفاقية أوسلو على اختلاف تداعياتها أجهضت فكرة بناء ميناء بحري في غزة، كما دمرت مطار ياسر عرفات جنوب غرب قطاع غزة (الذي أُقيم على أنقاض مطار بريطاني خلال الحرب العالمية الثانية 1941، وبدأ العمل في نوفمبر 1998). كما استقبل المطار ضمن ما استقبل طائرة الرئيس الأمريكي الأسبق “بيل كلينتون”، قبل أن توقف إسرائيل العمل به عام 2001، وقبل أن يتم تدميره جزئيًّا عام 2002 وكليًّا بتجريف ممراته عام 2006 لمنع استخدامه كليًّا بعد وصول حماس إلى السلطة في قطاع غزة؛ حيث توقفت المحادثات الإسرائيلية مع السلطة الفلسطينية في هذا الشأن.
وختامًا، قدم المقال فكرة مختصرة عن بعض فنون وتكتيكات قوات المظلات أو القوات المنقولة جوًا، حيث تختلف تلك التكتيكات وأساليب الاستخدام طبقًا للتقنيات وفلسفة الاستخدامات المتعددة، سواء بالإسقاط باستخدام المظلات أو الاقتحام باستخدام المروحيات. وقد شرح المقال مثال الإسقاط المظلي المصري والصديق لإمداد شمال قطاع غزة بعبوات الإمدادات الحرجة كالطعام والدواء، حيث لا تصل الشاحنات البرية شمالًا؛ نظرًا للتعنت الإسرائيلي. كما تعرض لإمكانية الإمداد بحرًا لقطاع غزة؛ نظرًا لزيادة طاقة الإمداد البحري، طبقًا لمقترح الولايات المتحدة، باستخدام موانئ قبرص والأرصفة الأمريكية العائمة، تمهيدًا لتحويلها إلى مرافق بحرية اقتصادية غزاوية، بعد فشل المرفق الغزاوي الجوي بعد تدمير إسرائيل لمطار غزة خلال عام 2006 وبعد وصول حماس إلى حكم القطاع، وتوقف الحوار الإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية.