وكأن التحديات التي تواجها مصر حاليا (والتي تتطلب مساندة الأصدقاء والحلفاء) لا تكفي، خرجت علينا بعض وسائل الإعلام الغربية في الأسبوع الماضى بأخبار بأن مصر قد تواجه عقوبات أمريكية في المستقبل القريب لشرائها معدات عسكرية روسية متقدمة، ومطالبة عدد من أعضاء الكونجرس بتطبيق هذه العقوبات في خطاب أُرسل حديثا لوزير الدفاع الأمريكي.
المسألة ترتبط بقانون صدر من الكونجرس الامريكى عام ٢٠١٧ ويحمل عنوان “كاتسا” وهي اختصار لـ “قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات”. هذا القانون يتضمن جزءا عنوانه مكافحة التأثير الروسي في أوروبا وأوراسيا، وتنص المادة ٢٣١ منه على فرض عقوبات ضد الأفراد والكيانات التي تنخرط في “صفقة مهمة” مع قطاعي الدفاع والاستخبارات في روسيا.
القانون له أهداف سياسية واضحة، وأهمها الحد من النفوذ الخارجى لروسيا، وتضييق الخناق على اقتصادها بوقف العائد المترتب على بيع السلاح، بالإضافة لمساعدة صناعة السلاح الأمريكية بالحد من أي منافس لها في الأسواق العالمية. ويأتي كل هذا في إطار رؤية جديدة، عبرت عنها استراتيجية الأمن القومى الأمريكي الأخيرة بأن العالم يعود لمرحلة التنافس بين القوى الكبرى، وأن روسيا (وكذلك الصين) هما المنافسان الاستراتيجيان للولايات المتحدة، ولابد من تقويض صعودهما على الساحة الدولية.
زارة الخارجية الأمريكية تشير إلى أن القانون حقق بالفعل الكثير من أهدافه، وأن العديد من الحكومات الأجنبية تخلت عن شراء أو التخطيط لشراء ما قيمته عدة مليارات من الدولارات من مشتريات الدفاع الروسية.
تطبيق القانون أصبح مثارا للجدل عندما بدأ بعض أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة في شراء أسلحة روسية ومنهم الهند، عندما ترددت أنباء عن شرائها لمنظومة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات المعروفة باسم “إس إس ٤٠٠”، ثم قامت تركيا بالتعاقد على نفس المنظومة.
لم توقع الولايات المتحدة عقوبات على الهند حتى الآن. أما في حالة تركيا (عضو حلف شمال الأطلنطى) فقد أوقفت تزويدها بطائرات “إف ٣٥” وأخرجتها من برنامج المشاركة في تصنيع هذه الطائرة. ويشهد الكونجرس الآن تبنى مبادرة تشريعية، وافق عليها مجلس النواب، لإجبار الرئيس ترامب على فرض المزيد من العقوبات على تركيا لشرائها الصواريخ الروسية.
ويبقى السؤال عن “مصر وكاتسا”. وجهة نظرى أن الرسالة التي يجب أن تصل إلى الإدارة الأمريكية هي أن تطبيق قانون “كاتسا” على مصر سيمثل خطأ كبيرا، وسيضر بشكل بالغ بالعلاقات الأمريكية المصرية، كما أنه قد ينعكس بالسلب على مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة في الوقت الذى تنسحب بشكل تدريجى منها، ويسود فراغ استراتيجي، من الأفضل أن تملئه القوى الإقليمية المعتدلة مثل مصر.
قانون “كاتسا” ملئ بالثغرات، ومنها غياب تعريف للمقصود بـ “صفقة مهمة” من السلاح. كما أن تعديلات حديثة للقانون أتاحت للرئيس الأمريكي وقف تطبيق العقوبات أو تأجيلها لاعتبارات “الأمن القومي”، ومنها التأثير السلبي للعقوبات على التعاون الدفاعي مع الدولة المعنية، وكلها أمور يمكن استخدمها لمصلحة العلاقات المصرية الأمريكية.
باختصار، التلويح الأمريكي بتطبيق قانون “كاتسا” على مصر يعد خطأ، وسيضر بالتعاون بين الولايات المتحدة ومصر، وسيكون له نتائج سلبية على التوازنات الاستراتيجية بالمنطقة، ولا أعتقد أنه سيؤثر على السياسة الرشيدة لمصر بتنويع مصادر السلاح. لكن سيظل هذا القانون مصدرا دائما للازعاج في العلاقات المصرية الأمريكية، خاصة إذا وصل رئيس من الحزب الديمقراطى للبيت الأبيض.
نقلا عن جريدة المصري اليوم، 9/8/2020