أعلن رئيس حزب “اليمين الجديد” وتكتل (يمينا) ”نفتالي بينيت” ترشّحه لرئاسة الحكومة الإسرائيليّة المقبلة، ودعا حزب أزرق أبيض بزعامة “بيني جانتس” للاختيار بين أمرين: إما سحب الثقة من الحكومة الحالية وتشكيل أخرى جديدة، أو حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات رابعة. والحقيقة أن دعوة “بينيت” لا تمثل الملمح الوحيد لارتباك المشهد السياسي في إسرائيل، فهناك مجموعة من الملامح والمتغيرات لارتباك المشهد عززتها أزمة فيروس كورونا المستجد.
المُدخلات الجديدة في المعادلة السياسية في إسرائيل
طرأت على إسرائيل مؤشرات جديدة قد تمثل المدخلات الرئيسية في ارتباك المشهد السياسي في إسرائيل فيما بعد، وأبرز هذه المؤشرات:
١- انخفاض مستويات الثقة السياسية في الشارع الإسرائيلي:
تشير استطلاعات الرأي الصادرة عن المراكز البحثية الإسرائيلية (مثل معهد أبحاث الأمن القومي)، بتاريخ 16 سبتمبر، أن 70% من الإسرائيليين لا يثقون في الحكومة الإسرائيلية؛ بسبب فشلها في إدارة أزمة كورونا على المستويين الطبي (يقلق 78% من الإسرائيليين من الأزمة الطبية)، والاقتصادي (بينما يقلق 84% من الإسرائيليين من الأزمة الاقتصادية). بخلاف أن 74% من الإسرائيليين أظهروا عدم ثقتهم في الكنيست، ويوجه 37% من الإسرائيليين اتهامهم إلى رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” بشكل مباشر، فيما يرى 23% منهم أن “نتنياهو” متهم بشكل يحتمل الدفاع عنه، فيما يرى 40% أن “نتنياهو” بريء من فشل إدارة أزمة كورونا، ويميل 61% من الإسرائيليين إلى الذهاب إلى انتخابات رابعة من أجل تشكيل حكومة جديدة، و39% لا يوافقون على هذا الرأي. في حين يرى 57% ضرورة استمرار المظاهرات، و43% لا يوافقون هذا الموقف.
٢- مظاهر تصدع المجتمع الإسرائيلي:
كشفت أزمة كورونا عن ظاهرة تتنامى مؤشراتها بشكل ملحوظ وهي انقسام المجتمع الإسرائيلي بين معسكر الحريديم والشارع العلماني؛ إذ يتهم المعسكر الأخير المجتمع الحريدي بالتسبب في انتشار فيروس كورونا في عموم إسرائيل. وهو ما دفع “نتنياهو” والرئيس الإسرائيلي للتدخل سريعًا في الأزمة، والتأكيد على أن اتهام الحريديم قد يعرّض أمن إسرائيل للخطر.
٣- الاختلاف السياسي بين “نتنياهو” و”جانتس”:
تتزايد ملفات التماس السلبي بين كبار القادة في الحكومة الإسرائيلية، خاصة بين “نتنياهو” رئيس الحكومة الحالي و”بيني جانتس” الذي يناصفه مهام الحكومة ووزير الدفاع الحالي. ظهر الاختلاف في: (أ) ملف إدارة أزمة كورونا، وهو ما دفع “جانتس” للإشارة إلى تخبط الحكومة في إدارة الأزمة، وضرورة استلام الجيش الإسرائيلي هذا الملف. (ب) الميزانية العامة، يصر “جانتس” على أن يتم إقرار الميزانية على كامل السنة المالية، بينما يرى “نتنياهو” قصرها على ثلاثة أشهر فقط. (ج) بيع إف-35 للإمارات، ما زال “جانتس” يتحفظ على بيع المقاتلة الأمريكية لأي دولة عربية، فيما أعلن “نتنياهو” موافقته على بيع إف-35 للإمارات.
٤- تصدع المعسكر اليميني المتطرف:
ظهر التصدع بين الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة في عدد من المواقف، مثل: (1) رفض الأحزاب الدينية الذهاب إلى انتخابات رابعة في أبريل 2020، مما اضطر “نتنياهو” إلى إتمام الاتفاق الائتلافي مع “بيني جانتس”. (2) كما ظهر في موقف “نتنياهو” من عملية ضم غور الأردن. (3) استاء الحاخامات الكبار في المجتمع الحريدي من عملية غلق المدارس الدينية بسبب كورونا؛ مما اضطر “نتنياهو” لإعادة النظر في قرار الغلق مرة أخرى، والقبول بعقد احتفالاتهم الدينية، والاجتماع في المحافل الدينية.
صعود “نفتالي بينيت”
بناءً على المؤشرات السابق ذكرها، استبق “نفتالي بينيت” (الذي شغل منصب وزير الدفاع قبل “بيني جانتس”) جميع القادة السياسيين الإسرائيليين سواء المعارضة أو الحكومة في الاستجابة لتلك المؤشرات (خاصة استطلاعات الرأي)، والسعي لترتيب الداخل الإسرائيلي. يستدل على ذلك من تصريحه بأنه يستهدف ثلاثة ملفات أساسية، هي: تحسين عجلة الاقتصاد، القضاء على فيروس كورونا بأدوات طبية، توحيد الصف الإسرائيلي. فبحسب أحدث استطلاعات الرأي العام، يظهر أن ثمة تفوقًا ملحوظًا لقائمة يمينا (بزعامة نفتالي بينيت) بحصوله على 20 مقعدًا. وهو ما دفع “بينيت” لاستدراك بعض الأمور، مثل: الترويج لنفسه كونه بديلًا لنتنياهو، ويمكن أن يتقلد رئاسة الحكومة. والأهم من ذلك هو انسحاب “يمينا” من المعسكر اليميني المتطرف، والتفكير في اسم جديد يعبر عن التوجهات الجديدة للحزب.
المصدر: إعداد الباحث بناء على صحيفة “معاريف”.
لا يعني انسحاب يمينا من المعسكر اليميني تخلّي الحزب عن أيديولوجيا المعسكر، وإنما دفع “بينيت” مجموعة من الأهداف، أهمها هي:
١- تفكيك المعسكر اليميني وإعادة ترتيبه وفق أهداف جديدة تستهدف بالأساس تحفيز سياسة الاستيطان في الضفة الغربية، يُدلل على ذلك مواقف “بينيت” الرافضة للسيادة الإسرائيلية الجزئية على الضفة، وكذلك رفض تأجيل أو إلغاء مبدأ ضم غور الأردن.
٢- إبعاد حزب الليكود من قيادة المعسكر اليميني: حرص حزب الليكود طيلة السنوات الخمس الماضية على قيادة المعسكر اليميني، مما منح الحزب قاعدة ونفوذًا سياسيًا ساعده في النجاح في تشكيل الحكومات الائتلافية طيلة السنوات الماضية. لذلك يسعى “بينيت” لتحييد هذه الميزة النوعية من حزب الليكود، وإكسابها لحزب يمينا ذاته. يتضح في تصريح “بينيت” قائلًا: سأسعى إلى تشكيل ائتلاف حزبي يكون لحزب الاتحاد القومي دور فيه.
في هذا السياق، يمكن القول إن “بينيت” لا يزال يعكس اتجاهات المجتمع الإسرائيلي، خاصة الشارع الحريدي الذي تظهر عليه مؤشرات استياء من سياسة “نتنياهو” في ملف كورونا، والوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية؛ من أجل توجيه أزمة الثقة الملحوظة بين الإسرائيليين لصالحه.
أزمة “نتنياهو”
تمنح استطلاعات الرأي العام نتيجة إيجابية لنفتالي بينيت في موضع آخر، إذ إن 31% من الإسرائيليين سيصوتون لـ”بينيت” في الانتخابات كرئيس للحكومة الجديدة، مقابل 28% فقط لنتنياهو، فيما يرفض 35% التصويت لأي من “بينيت” أو “نتنياهو”. وهو ما يثير تساؤلًا هامًا مؤداه: “هل يواجه نتنياهو أزمة سياسية حقيقية؟”.
يبدو أن “نتنياهو” يواجه شريحة عريضة من المجتمع الإسرائيلي تصر على الاستمرار في التظاهر ضد رئيس الحكومة؛ بسبب فشله في إدارة أزمة كورونا، وبسبب قضايا الفساد التي تلاحقه. ولكن من جهة أخرى، يبدو أن “نتنياهو” لا يزال يفتقد إلى خصم سياسي واقعي يمثل له أزمة سياسية حقيقية، وينصرف هذا الحديث إلى “نفتالي بينيت”، الذي لم يقدم سلوكًا سياسيًا رشيدًا، لعدة أسباب أبرزها:
١- لا يمثل جميع الإسرائيليين: رغم أن “بينيت” قال إن همه الأول هو توحيد المجتمع الإسرائيلي، ورغم أن عدد المقاعد التي يحصل عليها (20 مقعدًا) تمثل أصواتًا من جميع التيارات تقريبا؛ إلا أن “بينيت” يستهدف فقط التيار اليميني الأشد تطرفًا في إسرائيل. يتضح ذلك في هجومه على حزب يسرائيل بيتينو، وحزب هناك مستقبل، وحزب أزرق أبيض، أي بعبارة أخرى: أظهر “بينيت” معاداة لتيار الوسط، واليسار، واليمين الأقل تطرفًا؛ وبذلك يستهدف “بينيت” تشكيل ائتلاف حزبي لن تزيد أعداد مقاعده على 40 مقعدًا فقط.
٢- لم يقدم أجندة سياسية واضحة: يعتمد “نفتالي بينيت” فقط على معاداته لنتنياهو، معولًا على اتجاهات الاستياء الشعبي له، ولكن دون أن يقدم برنامجًا سياسيًا يوضح كيفية التغلب على أزمة كورونا، وعلاج الأزمة الاقتصادية، في حين يسعى “نتنياهو” إلى استدراك بعض الأخطاء التي سبق ووقع فيها، أهمها تحسين الواقع المعيشي للمستوطنين في الضفة الغربية الذين يمثلون القاعدة السياسية الأهم لنتنياهو. فمرة أخرى تعلن الولايات المتحدة دعمها لشرعية الوجود الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة عبر إقرار مجموعة من الاتفاقيات التعاونية العلمية مع المستوطنات، وهذا يعني أن الولايات المتحدة بصدد رفع الحظر عن التمويل الأمريكي لمشروعات البحث العلمي الإسرائيلية في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان، كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية تعيين مدير جديد لبرنامج “ماجن يسرائيل” وهو البرنامج المسئول عن إدارة أزمة كورونا طبيًا.
الخلاصة، بناءً على ما سبق، يمكن التأكيد على مجموعة من النقاط، هي:
١- المجتمع الحريدي (أي اليهود المتدينون المتطرفون) هو القاعدة السياسية الأهم بالنسبة لبنيامين نتنياهو؛ أي إن “نتنياهو” سيتحسب كثيرًا قبل التصديق على أي قرار يتعلق بتسيير شئونهم، مثل قرار الإغلاق العام الذي يواجه رفضًا صريحًا من الحريديم.
٢- يستطيع “نتنياهو” استدراك الثغرات التي ينجح “نفتالي بينيت” في الدخول من خلالها والتأثير على المشهد السياسي، عن طريق أن يتوجه “نتنياهو” سريعًا لعلاج التصدعات الموجودة في المعسكر اليميني، مثل تقديم حوافز اقتصادية للمجتمعات الاستيطانية.
٣- انسحاب “بينيت” من المعسكر اليميني يبدو أنه انتحار سياسي؛ لذا يمكن فهم هذا التصرف من خلال احتمالين اثنين:
- أنه محاولة للضغط على “نتنياهو” من أجل الحصول على مناصب قيادية في أي ائتلاف حكومي مستقبلي.
- محاولة لفرض وجود سياسي لحزبه في الحياة السياسية الإسرائيلية تمهيدًا لانتهاء المستقبل السياسي لنتنياهو، والترويج لكونه بديلًا لنتنياهو أو حزب الليكود.
تتراكم مؤشرات حقيقية حول ظاهرة التصدع التي تطرأ على المجتمع الإسرائيلي، كان أحدثها هو تبادل الاتهامات بين اليهود المتدينين والعلمانيين حول المسئول عن انتشار فيروس كورونا، كما أن مستجدات المشهد السياسي حاليًّا في إسرائيل تفرضها اتجاهات المجتمع الإسرائيلي وهو ما تحاول النخب السياسية ترجمته في بعض التحركات التكتيكية. وبسبب عدم استقرار المجتمع الإسرائيلي بعد؛ فهذا يعني أنه ليس بالضرورة أن تمثل تحركات القادة الإسرائيليين انعكاسًا للصورة الحقيقية للمشهد السياسي في إسرائيل.