شهدت أسعار السكر في مصر قفزات متتالية وسريعة خلال الأشهر الأخيرة، إذ تراوح سعره في السوق المحلية بين 9 إلى 10 آلاف جنيه للطن حتى النصف الأول من سبتمبر، وذلك مقارنة بنحو 6200-6600 جنيه للطن في ديسمبر 2020. وتثير تلك الزيادات العديد من المخاوف، خاصة وأن السكر يمثل إحدى السلع الاستراتيجية التي لا غنى عنها، فضلًا عن أنه يدخل في العديد من الصناعات الموجهة للاستهلاك المحلي والتصدير. ومن جهة أخرى، فإن السوق المحلية للسكر تنطوي على وجود فجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك تُقدر بنحو مليون طن سنويًا بما يمثل نحو 15-20% من الاحتياجات الاستهلاكية. وقد تزامنت الارتفاعات المتتالية لأسعار السكر في مصر مع سريان قرار وزارتي التجارة والصناعة ووزارة التموين الصادر في مارس 2020 بشأن حظر استيراد السكر إلا بعد الحصول على موافقة استيرادية، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول وضع صناعة السكر في مصر وأسباب ارتفاع أسعاره محليًا، ومدى جدوى استمرار قرار الحصول على موافقة استيرادية لاستيراد السكر.
إنتاج واستهلاك السكر في مصر
تعتمد صناعة السكر في مصر على محصولي قصب السكر وبنجر السكر، وقد اعتمدت صناعة السكر في مصر على محصول القصب فقط منذ القرن السابع الميلادي، وكان الإنتاج المحلي حينئذ يغطي الاستهلاك المحلي ويتم توجيه الفائض للتصدير. واستمر ذلك الوضع حتى السبعينيات من القرن العشرين عندما ارتفع الاستهلاك المحلي وظهرت الحاجة إلى الاستيراد فاتجهت الدولة لتصنيع سكر البنجر خلال عقد الثمانينيات. واستمر حتى الآن إنتاج السكر محليًا من خلال كل من قصب السكر الذي يستمر موسم زراعته من ديسمبر حتى أبريل، وكذلك بنجر السكر الذي يمتد موسم زراعته من فبراير حتى يونيو من كل عام. مع ملاحظة أن المساحة المزروعة من بنجر السكر أكبر نسبيًا من المساحة المزروعة من محصول قصب السكر، في حين تعتبر إنتاجية بنجر السكر أقل من إنتاجية محصول قصب السكر. ويتراوح الإنتاج المحلي من السكر بين 2.2 إلى 2.4 مليون طن محليًا سنويًا. أما بالنسبة للاستهلاك، فيتراوح بين 3 ملايين إلى 3.3 ملايين طن سنويًا، يتم توزيعها بين القطاع الصناعي والتموين والسوق الحر للاستهلاك المنزلي، يحتل التموين الحصة الأكبر التي تقدر بنحو 1.2 مليون طن، بينما يوجَّه مليون طن للسوق الحر ويستحوذ القطاع الصناعي على نحو 1.1 مليون طن. وبمقارنة حجم الإنتاج المحلي بالاستهلاك يتبين وجود فجوة تتراوح بين 800 ألف إلى مليون طن يتم تغطيتها من الاستيراد من الخارج.
تحديات تسعير السكر في مصر
يواجه منتج السكر في مصر تحديًا رئيسيًا يتمثل في التسعير؛ إذ إن تكلفة الإنتاج تفوق سعر السوق، وهو الأمر الذي يتسبب في وجود خلل في السوق ويضر صناعة السكر بشكل عام. فقبل حدوث الارتفاعات الأخيرة في سعر السكر سجلت أسعار السكر 6300-6600 جنيه للطن خلال عام 2020/2021، في حين أن السعر العادل للطن حينذاك وصل إلى 7 آلاف جنيه لتحقيق وضع توازني. وقد بلغ سعر طن السكر خلال عام 2020 نحو 6200-6600 جنيه في المتوسط، وبدأت الارتفاعات المتتالية منذ يناير 2021، حيث وصل سعر الطن في المتوسط لنحو 7200-7500 جنيه، ووصل إلى 8700 جنيه للطن في أغسطس 2021.
وقد تعددت الأسباب المفسرة لارتفاع أسعار السكر خلال عام 2021، فذهب البعض إلى أن عودة الحياة الاقتصادية وتوفر لقاحات فيروس كورونا أدت إلى انتعاش الأسواق وزيادة الطلب، وهو الأمر الذي أدى إلى عدم كفاية الإنتاج العالمي، ومن ثم ارتفاع العقود الآجلة للسكر المتداولة في البورصات العالمية. وذهب البعض الآخر إلى أن انخفاض سعر السكر خلال عام 2020 تأثرًا بجائحة كورونا أدى إلى تراجع المساحات المزروعة في الدول المنتجة للسكر، بما أدى إلى عجز العرض عن إشباع حجم الطلب المتزايد خلال مرحلة التعافي الاقتصادي، فضلًا عن وجود مخاوف من تأثير موجات البرد والصقيع في البرازيل على إنتاج السكر، إذ تعتبر البرازيل أكبر دولة مصدرة للسكر عالميًا. بينما ذهب آخرون إلى أن زيادات الأسعار محليًا لا يوجد ما يبررها، خاصة وأن توقيت حصاد قصب السكر والبنجر بين شهري يناير وفبراير، فضلًا عن تواجد مخزون من السكر من إنتاج العام الماضي يبلغ نحو 400 ألف طن و250 ألف طن سكر فركتوز مضافًا إليه الإنتاج المحلي خلال العام الجاري البالغ 2.7 مليون طن ليقترب حجم السكر في مصر في هذا العام من 3.4 ملايين طن وهو ما يفي بحجم الاستهلاك. ولعل التفسير الأخير هو الأكثر قبولًا بين عدد من المتعاملين بالأسواق، وقد أكد ذلك تراجع سعر الطن إلى 8200 جنيه في نصف سبتمبر الجاري، فضلًا عن أنه إذا كانت هناك مخاوف بشأن انخفاض إنتاج البرازيل من السكر فإن زيادة الإنتاج في الهند والاتحاد الأوروبي يعوض ذلك، بالإضافة إلى أن تراجع قيمة عملة البرازيل مع انخفاض أسعار النفط يحجم من ارتفاع قيمة صادرات البرازيل من السكر.
أما عن تأثير ارتفاع أسعار السكر على السوق المحلي فتنقسم إلى التأثير على القطاع الصناعي باعتبار السكر أحد مدخلات الإنتاج في بعض الصناعات، وكذلك تأثيره على أسعار الصادرات بالنسبة للمنتجات التي يدخل السكر في إنتاجها، فضلًا عن التأثير على حجم الإنفاق الموجه للاستهلاك بالنسبة للقطاع العائلي. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من الارتفاعات المتتالية في سعر السكر في السوق الحر، إلا أن أسعار السكر التمويني استقرت عند 8.5 جنيهات للكيلو لأصحاب البطاقات التموينية، بما لا يؤثر على خطة الدعم السلعي للدولة والأهداف الاجتماعية المرتبطة بها.
أما بالنسبة للقرار الصادر من وزارتي التجارة والصناعة والتموين بشأن عدم السماح باستيراد السكر، سواء الأبيض أو الخام إلا بناء على موافقة استيرادية بالكمية المطلوبة، فهذا القرار لا يمثل حظرًا تامًا لاستيراد السكر وإنما نصت المادة الثانية من القرار على جواز الاستيراد بعد الحصول على موافقة استيرادية، كما استثنى القرار ما يتم استيراده كمستلزم إنتاج للصناعات الدوائية وذلك بعد الحصول على موافقة من الجهة المختصة بوزارة الصحة والسكان. وقد جاء ذلك القرار الصادر في مارس 2020 في إطار خطة الدولة الشاملة، لحماية المواطنين من أي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد خاصة في ظل تأثير جائحة كورونا على الأحوال الاقتصادية للأسر بما أدى إلى تراجع نسبي في الطلب، فرأت وزارة الصناعة والتجارة والتموين إمكانية الاعتماد على الإنتاج المحلي فقط في تغطية الاستهلاك، وقد تم تمديد مدة سريان القرار والعمل به حتى الآن. إلا أنه في أواخر أغسطس الماضي، في ظل الحاجة إلى ضخ كميات إضافية من السكر للسوق، أعلنت الهيئة العامة للسلع التموينية عن طرح مناقصة لشراء 200 ألف طن من سكر القصب الخام من أي منشأ ليتم توريدها على أربع فترات، بدءًا من أول أكتوبر حتى ديسمبر 2021، وقد أدى ذلك إلى ضخ كميات كبيرة من السكر بالأسواق، ومن ثم زيادة المعروض وانخفاض الأسعار منذ منتصف سبتمبر الجاري.
وختامًا، فقد شهدت السنوات الأخيرة في مصر اقتراب الكمية المنتجة محليًا من السكر مع الكمية المستهلكة، بما يعني ارتفاع نسبة الاكتفاء الذاتي إلى نحو 85%، الأمر الذي دفع وزارتي الصناعة والتجارة والتموين إلى اتخاذ قرار حظر استيراد السكر بدون الحصول على موافقة في إطار توجه الدولة نحو زيادة الاعتماد على المنتجات المحلية لاحتواء فاتورة الواردات وتعزيز الاحتياطيات من السلع الاستراتيجية خاصة خلال جائحة كورونا وما فرضته من تقييد لحركة التجارة الدولية. ومن جهة أخرى، فإن السلع الاستراتيجية، ومن بينها السكر، تكون أكثر حساسية للمعلومات المتداولة بصرف النظر عن حقيقتها، إلا أن ذلك يؤدي إلى التأثير المؤقت على أسعارها والذي سرعان ما يزول، لذلك يتطلب الأمر زيادة توعية المنتجين والتجار مع تشديد الرقابة على الأسواق. وأخيرًا فقد نبهت التذبذبات الأخيرة لأسعار السكر في مصر إلى أهمية التسعير العادل للسلع بما يغطي تكلفة إنتاجها لتحقيق توازن الأسواق وتخفيف العبء عن موازنة الدولة.