يُعد الهجوم الذي شنه الحوثيون على العرض العسكري للجيش اليمني في قاعدة العند بمحافظة لحج جنوب اليمن أثناء تدشين العام التدريبي الجديد، وسط حضور عدد من القيادات الأمنية والعسكرية؛ تحولًا فارقًا في الصراع اليمني من حيث توقيته ودلالاته، وما قد ينجم عنه من تداعيات يُمكن أن تؤثر على مسار الأزمة اليمنية.
وقد لجأ الحوثيون إلى استخدام الطائرات بدون طيار في مراحل متعددة طيلة فترة الصراع مع الحكومة الشرعية منذ سقوط العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. فوفقًا لتصريحات الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العميد “يحيى سريع” فإن سلاح الجو المسير نفذ خلال عام 2018 نحو 38 عملية، 28 عملية منها داخل اليمن، مقابل 10 عمليات ضد منشآت وتجمعات عسكرية في السعودية والإمارات.
التوقيت وآليات التنفيذ
يمكن الوقوف على طبيعة الهجوم العسكري على قاعدة العند من خلال تسليط الضوء على عدد من النقاط المهمة، كتلك المتعلقة بتوقيت الهجوم، مرورًا بآلية التنفيذ، وانتهاء بالتداعيات الناجمة عنه.
1- فيما يتعلق بالتوقيت: على الرغم من الخروقات المستمرة من قبل الحوثيين منذ اتفاق استكهولم التي بلغت نحو 464 خرقًا في محافظة الحديدة خلال الفترة (18 ديسمبر 2018 وحتى 9 يناير 2019)، وفقًا لتقارير خلية التنسيق بمركز العمليات المتقدم بالحديدة التابعة للجيش اليمني؛ فإن هذا الهجوم يأتي كأول هجوم من نوعه منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار بين المتمردين الحوثيين والحكومة الشرعية في بعض المناطق التي شملها اتفاق استكهولم (الناتج عن محادثات استكهولم خلال الفترة من 6 إلى 13 ديسمبر 2018). كما أنه يُعتبر الأول من نوعه منذ إعلان الحوثيين في نوفمبر 2018 عن وقف الهجمات باستخدام الطائرة المسيرة والصواريخ على السعودية والإمارات وحلفائهما في اليمن، وذلك عقب الضغوط المستمرة من قبل الأمم المتحدة. ناهيك عن أن الهجوم جاء في أعقاب جلسة مجلس الأمن الدولي (9 يناير 2019) بشأن اليمن، والتي شددت على ضرورة وضع حدٍّ للصراع اليمني، وهو ما يُمثل انقضاضًا حوثيًّا على كافة القرارات الدولية.
2- فيما يتعلق بآلية التنفيذ: لجأ الحوثيون إلى تنفيذ الهجوم عبر استخدام الطائرات المسيرة “قاصف k2″، ويُرجّح أنها إيرانية الصنع. وقد حملت الطائرة كمية من المواد المتفجرة، انفجرت قبل وصولها للمنصة بنحو 20 مترًا. ووفقًا لتصريحات المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية، فإن الطائرة أقلعت من محافظة لحج القريبة من قاعدة العند، وتحديدًا من الجبال المحيطة بمديرية القبيطة وجبل جالس، وكانت تسير على ارتفاع منخفض، الأمر الذي وقف حائلًا دون رصدها من قبل مضادات الطائرات التي تنتشر في محيط القاعدة العسكرية.
3- فيما يتعلق بتداعيات الهجوم: أعلن الحوثيون أنه جاء بعد رصد دقيق لتحركات وتجمعات قوى العدوان والمرتزقة -بحسب وصفهم- وأسفر عن مقتل نحو 6 جنود، وإصابة ما يقرب من 20 آخرين، من بينهم أربعة من كبار المسئولين، وهم رئيس هيئة الأركان اليمني اللواء الركن “عبدالله النخعي”، ومحافظ لحج “أحمد عبدالله التركي”، والعميد الركن “ثابت جواس”، بالإضافة إلى الناطق باسم المنطقة العسكرية الرابعة “محمد النقيب”. وقد اعتبرت القيادات الحوثية أن الهجوم يُعد نجاحًا استخباراتيًّا ومعلوماتيًّا تمكنت من خلاله من استهداف عدد من قيادات الجيش اليمني.
دلالات الهجوم
يُمكن الإشارة إلى جملةٍ من الدلالات التي شكلها الهجوم الحوثي على قاعدة العند العسكرية، أبرزها ما يلي:
1- رمزية قاعدة العند: تُعتبر قاعدة العند التي سيطر عليها الحوثيون في مارس 2015 قبل تحريرها من قبضتهم في أغسطس من العام ذاته، أكبر قاعدة عسكرية جوية في اليمن. ويأتي استهداف الحوثيين للقاعدة بالنظر إلى ما تُمثّله من رمزية مهمة في مخيّلة الحوثيين، حيث موقعها الاستراتيجي على بعد 60 كم شمال عدن، الأمر الذي يمنح الحكومة الشرعية المسيطرة عليها ميزة كبيرة في صراعها مع الحوثيين، كونها مدخلًا مهمًّا نحو تحرير عدد من المناطق الحدودية المتاخمة لقاعدة العند مثل تعز وأبين والضالع. كما أن الهجوم على القاعدة يأتي بغرض تحقيق انتصار إعلامي ومعنوي للحوثيين في ظل تراجع قدراتهم في الآونة الأخيرة، وهو ما يستدعي تطوير ورفع كفاءة المضادات الجوية عبر المناطق الحيوية في اليمن نظرًا لاحتمالية تكرار مثل هذه الهجمات من قبل الحوثيين.
2- التوظيف التكنولوجي والتقني: يُمكن اعتبار الهجوم على قاعدة العند العسكرية دليلًا على قدرة الحوثيين على تطويع التطور التكنولوجي والتقنيات الحديثة في إرباك القوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي، حيث عمد الحوثيون إلى الاعتماد على الطائرات ذات الارتفاع المنخفض بما يضمن عدم مراقبتها أو رصدها من قبل الدفاعات الجوية اليمنية، الأمر الذي يُشير إلى نجاح الحوثيين في تحقيق مبدأ الخداع الجوي.
3- استمرار التعنت الحوثي: يُعتبر الهجوم دليلًا على التعنت والرغبة الحوثية في إطالة أمد الصراع، وهو ما اعتاد عليه الحوثيون ضمن مسلسل التعنت والمماطلة التي دائمًا ما يتم اللجوء إليها. كما أن الهجوم يُشكك في فرص نجاح المباحثات الدولية الراغبة في تعزيز وبناء الثقة بين الطرفين كمرحلة أولى لحلحلة الأزمة اليمنية والوصول إلى رؤى مشتركة بشأن الحل السياسي. ناهيك عن أن الهجوم يُسلط الضوء على التحديات والعيوب التي تُواجه التطبيق الجزئي لوقف إطلاق النار وحصره على أماكن دون أخرى.
4- تواصل الدعم الإيراني: تعمل إيران من خلال استمرار ومواصلة دعم الحوثيين وإمدادهم بالسلاح على تحقيق مجموعة من الأهداف، من بينها الضغط على السعودية، والعمل على خلط الأوراق من أجل المقايضات والمساومات المستقبلية التي يمكن أن تلجأ إليها إيران من أجل العمل على مواجهة العقوبات الدولية المفروضة عليها. ومن هنا يأتي الدعم الإيراني للحوثيين، حيث أوضحت تحقيقات ميدانية قامت بها منظمة أبحاث التسليح أثناء الصراعات “كار” Conflict Armament Research في الفترة من (أبريل 2017 وحتى فبراير 2018)، أن إيران تعمل على تنظيم نقل التكنولوجيا والمعدات المتطورة للحوثيين. وبالمثل أظهر تقرير أعدته لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة في الفترة من (يناير إلى يوليو 2018) أن الحوثيين يمتلكون منظومة صاروخية، مثل: “النجم الثاقب”، و”زالزال”، و”الصرخة”، و”قاهر”، وطائرات بدون طيار لها خصائص مماثلة للأسلحة المُصنّعة في إيران. كما يُشير عدد من التحليلات إلى مطابقة الطائرة قاصف K2 التي استُخدمت في الهجوم الأخير مع الطائرة “أبابيل” الإيرانية من حيث تصميمها وأبعادها وقدراتها.
مسارات محتملة
لا شك في أن الهجوم الحوثي على قاعدة العند العسكرية يُشكل منعطفًا جديدًا في المرحلة الحالية من الصراع الدائر بين المتمردين الحوثيين والحكومة الشرعية اليمنية، خاصة أنه جاء في توقيت تسعى فيه الجماعة الدولية لبناء الثقة بين الأطراف المتناحرة من أجل التوصل إلى حل يُنهي الأزمة الإنسانية العالقة في اليمن. وعلى أية حال، يُمكن هنا طرح مسارين محتملين لمرحلة ما بعد الهجوم:
المسار الأول (التصعيد العسكري): لا شك في أن الحكومة الشرعية والتحالف العربي قد يحتفظ لنفسه بحق الرد المناسب لردع المتمردين الحوثيين، وهو ما عبّر عنه وزير الإعلام اليمني “معمر الإرياني” في تصريحات صحفية بقوله إن “الحكومة تدرس الرد على الهجوم الأخير في لحج، وجميع الخيارات أمامها متاحة”، وهو ما يعني أن الخيار العسكري سوف يكون مطروحًا بشدة، خاصة في المناطق التي لا تدخل ضمن اتفاق استكهولم. فمن المرجح أن تشن الحكومة الشرعية وقوات التحالف العربي هجمات عسكرية مكثفة في عدد من المناطق التي لا تزال تمثل مناطق نفوذ حوثي. ومن بين هذه المناطق محافظة الضالع، وصنعاء، وصعداء، وإبين، الأمر الذي من شأنه إخضاع الحوثيين وإرغامهم على الامتثال للجلوس على طاولة المفاوضات.
المسار الثاني (محاولة التهدئة): قد تسعى الأطراف الفاعلة في الأزمة اليمنية وعبر ضغوط دولية إلى العمل على تجاوز المأزق الحالي عبر محاولة إصدار قرارات من شأنها توسيع مناطق وقف إطلاق النار، بحيث لا تقتصر على أماكن دون الأخرى، والعمل على صياغة ضمانات وفرض عقوبات تضمن التزام كافة الأطراف بتطبيق هذه القرارات. وعلى الرغم من صعوبة اللجوء لهذا الخيار، خاصةً في ظل المراوغات الدائمة والمستمرة من قبل الحوثيين، إلا أن خيار التهدئة يظل قائمًا، وتبقى فرص تحقيقه مرهونة بإقناع الحوثيين بتسليم أسلحتهم، وإخلاء المناطق التي يسيطرون عليها. كما أنه يتوقف أيضًا على مدى قدرة الجماعة الدولية على ممارسة الضغوط تجاه إيران بما يجبرها على منع تزويد الحوثيين بالعتاد والأسلحة المتطورة.