تراجع نشاط جيش الرب الأوغندي الذي كان يعد من أشهر الجماعات الدينية المتطرفة في منطقتي وسط أفريقيا والبحيرات العظمى. ويعود هذا التراجع إلى الانشقاقات التي طالت بنية التنظيم ونواته الأساسية، وتخلي العديد من القيادات عن مواقف الجيش ومبادئه، الأمر الذي أسفر عن تسليم العديد من قيادته لسلاحهم إلى حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى. كذلك، لم يتمكن التنظيم من تدشين تحالفات مؤثرة مع الجماعات المختلفة معه في الأيديولوجيا بما يضمن له البقاء، وهي الجماعات الصاعدة في المنطقة التي تملك العديد من مقومات البقاء والاستمرارية. على سبيل المثال، تنظيم القاعدة أو داعش، أو التحالف الديمقراطي الأوغندي، أو مليشيا أنتي بالاكا، أو سيليكا.
أولاً: المكانة والدور
تأسس جيش الرب للمقاومة من رحم حركة الروح القدس ذات التوجهات الدينية والإثنية كمعارضة أوغندية من جانب قبائل الأشولي، وهي قبيلة مشتركة بين دولتي جنوب السودان وشمال أوغندا، وذلك في عام 1987، على يد الأب الروحي للتنظيم جوزيف كوني، بعد عام واحد من تولي الرئيس الحالي يوري موسيفيني مقاليد السلطة في البلاد. والرؤية الأساسية لجيش الرب هي الإطاحة بالحكومة الأوغندية، وقيام نظام ديني مسيحي، يحكم بأسس وقواعد الشريعة المسيحية والكتاب المقدس.
في بداية الأمر كان الصراع سياسيًا، ولكن سرعان ما برز بعده الديني والإثني بعد أن فشلت النخبة السياسية من الأشولي في شمال أوغندا في إدارة الإقليم، وتدخلت النزاعات فيما بينهما، وهو الأمر الذي دفع كوني لقيادة تمرد ديني من أجل لفت أنظار وشعوب المنطقة التي تؤمن بأن المسيحية المحافظة هي الأفضل في نشأة الأجيال الجديدة في المنطقة. من هنا بدأت رسائل دينية من كوني تتصاعد في ظل أجواء سياسية تستند إلى القبيلة، استغل فيها دوره الكنسي بغلاف ديني حتى يتمكن من خلاله حشود داعمة له من قبائل أخرى في شمال أوغندا، وبالفعل نجح -إلى حد ما- في ذلك فكون جيش الرب الأوغندي.
وكان يتمتع جيش الرب للمقاومة بدعم كبير في سنواته الأولى من سكان شمال أوغندا، واعتُبر واحدًا من أكثر الجماعات المسلحة عنفًا في وسط أفريقيا، وأكثر ديمومة على مدى العقود الماضية، حيث اختطف جيش الرب أكثر من 67 ألف شاب، وما بين 60.000 و100.000 طفل تم تجنيدهم قسرًا منذ تأسيس التنظيم حتى الآن.
وفي الفترة ما بين 2018 – 2021، نفذ جيش الرب حملة كبيرة لاختطاف الأطفال من جنوب السودان وأفريقيا الوسطى ونقلهم إلى المعسكرات التابعة للحركة في الأدغال شرق أفريقيا الوسطى.
لكن بعد قرابة أربعة عقود من نشأته، أصبح جيش الرب ومنتسبوه يقاتلون من أجل البقاء على قيد الحياة من خلال الأعمال غير المشروعة كتهريب السلاح، وتزويد جميع الحركات المسلحة والمليشيات التي تتخذ من شرق الكنغو بالسلاح، مستغلين البيئة المناسبة التي ساعدتهم كذلك على مواصلة الأنشطة التجارية غير المشروعة.
هذا بالإضافة إلى العمل في مجالات التنقيب عن الذهب والماس والتجارة في سن العاج، وكذلك قطع الطرق في مناطق عديدة بمنطقة البحيرات، والتحرك من خلال الأدغال الكثيفة على طول الحدود بين دول جنوب السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى، كملاذ آمن من ملاحقة جيوش تلك الدول. كذلك، ينشط أنصار جيش الرب في احتجاز الرهائن من الرعاة والمزارعين مقابل فدية من أجل إطلاق سراحهم.
هكذا أصبح مقاتلو جيش الرب للمقاومة من أقوى حركة متمردة إلى القتال من أجل بقائهم على قيد الحياة، خاصة بعد اغتيال العديد من قادته الكبار، أو الذين جرى اعتقالهم او استسلموا خوفًا بعد أن أصبحت قوتهم ضعيفة.
ثانيًا: الإشكاليات والتحديات
يُعاني جيش الرب للمقاومة من عدد من الإشكاليات التي تواجه مساعي التنظيم لاستعادة دوره على المستويين الوطني في أوغندا، والإقليمي في مختلف دول البحيرات العظمى، والتي شكلت مسرح عمليات متسعًا للتنظيم في أوقات سابقة. وتتضمن هذه التحديات:
1. الأزمة التنظيمية: يعتمد جيش الرب للمقاومة بشكل كبير على بنية التكوين التي تعتمد على تجنيد الأطفال والنساء، من خلال القيام بشن هجمات متفرقة في منطقة البحيرات تتم بشكل أساسي لضمان بقاء أعضائه، ولكن بعد ظهور تحالفات جديدة في المنطقة في الانتشار الكبير للجماعات المسلحة التي تتعاون مع بعضها، أصبح جيش الرب أكثر ضعفًا من الناحية العسكرية. حتى صار مقاتلوه يعملون دون قيادة موحدة كما كانت في السابق، ولا معرفة بمكان اختباء قائده كوني، ولكنهم يقاتلون كجماعة متماسكة من أجل التواجد في المنطقة ويتعاونون وينسقون مع العديد من القبائل التي تشاركهم التجارة غير المشروعة.
2. أزمة التمويل: يعتمد جيش الرب للمقاومة في تمويله على علاقته بتنظيمات الجريمة المنظمة، سواء كان ذلك في شمال أوغندا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن الوضع الحالي فرض قيودًا على نشاط التنظيم الاقتصادي مع ظهور منافسين جدد من مختلف التنظيمات المسلحة التي أصبح لها دور فاعل في نشاط التعدين والتهريب.
3. التورط في جرائم إنسانية: ارتكب جيش الرب للمقاومة العديد من الجرائم غير الإنسانية، في دول مثل جنوب السودان وشمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب شرق جمهورية إفريقيا الوسطى في الفترة ما بين 2009 حتى 2018، وقد ساهمت هذه الجرائم في فرض أشكال متعددة من الحظر والتقييد على التعامل مع التنظيم من جانب العديد من الدول حول العالم.
4. ظهور تنظيمات منافسة أكثر فاعلية: مع ظهور فواعل مسلحة أخرى في المنطقة، كحركة 23 مارس، والتحالف الديمقراطي، وجبهة تحرير رواندا، أصبح نشاط جيش الرب محصورًا في أعمال العنف التي تضمن لمقاتليه البقاء.
5. تحييد العناصر والقيادات من جانب حكومات دول المنطقة: في أبريل 2022، سلمت وحدتان من مقاتلي جيش الرب للمقاومة أسلحتهم بقيادة “أتشاي دكتور-أويلا” في شرق جمهورية أفريقيا الوسطى من خلال مفاوضات تسريح من السلطات الحكومية، وأيضًا كانت كخطوة أولية لنزع السلاح بالكامل جاءت هذه المحاولة بعد جهود تعاون من السكان المحليين الذين كانوا يتعاونون مع قيادات جيش الرب في شرق أفريقيا الوسطى.
ثالثًا: المفاوضات المرتقبة وفرص تسوية الخلافات ودمج التنظيم
على الرغم من أن دولة أوغندا تنشط إقليميًا بقوة، وتحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية لجهودها في تعقب جيش الرب للمقاومة، ومؤسسه كوني، المتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي؛ إلا أن تلك الجهود وهذه القوة باءت بالفشل في اعتقاله بفضل الدعم والتعاون الكبير الذي كان يجده من العديد من الفواعل الإقليمية في المنطقة.
على هذا، تتجه الأنظار في ديسمبر 2022 إلى مفاوضات مرتقبة بين القيادات من جيش الرب من الذين التحقوا بالتنظيم من أفريقيا الوسطى وقيادات أوغندية سلمت سلاحها لحكومة أفريقيا الوسطى، ولكن لا يزال هناك طريق طويل معقد بسبب الشروط التي وضعها مقاتلو جيش الرب، كالقضايا المرتبطة بعودة منتسبيها لقراهم في أوغندا، أو إعادة التوطين مع أطفالهم، وعدم الملاحقة القانونية لهم.
وبلا شك، تعد عملية نزع سلاح فصيلين من جيش الرب أمرًا من شأنه أن يحسن بشكل كبير من سلامة وأمن واستقرار القرى في كل من أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان، التي ابتليت بعنف جيش الرب للمقاومة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، بما سيسمح بلم شمل مئات الرجال والنساء والأطفال الذين اختطفتهم الجماعة المسلحة بأسرهم. إلا أن الوصول لهذه النتائج الملموسة يظل رهنًا بحسم قيادات التنظيم توجهها بشأن استراتيجيات الاستمرار والبقاء في المستقبل عبر الالتزام بالآلية التفاوضية، وإنهاء كافة أشكال العمل المسلح والتمرد، وهو ما يشكل تحديًا رئيسيًا في المستقبل.