قام وزير الخارجية الصيني “تشين قانغ” بزيارة رسمية إلى أفريقيا في الفترة ما بين 9 وحتى 16 يناير 2023، بدأت بأثيوبيا مرورًا بالجابون وأنجولا وبنين واختتمت بمصر، بما في ذلك زيارته إلى مقري الاتحاد الأفريقي ومقر جامعة الدول العربية، وجاءت بناءً على دعوة من هذه الدول. وتُثير هذه الزيارة العديد من التساؤلات حول دلالاتها، وأبرز نتائجها، وآفاق الدور الصيني في أفريقيا في ضوء التطورات الدولية والإقليمية الراهنة.
أولاً: دلالات الزيارة
تحتل الزيارة أهمية رمزية كبيرة كونها أول رحلة خارجية يجريها وزير الخارجية الصيني الجديد منذ توليه منصبه أواخر العام الماضي، كما أنها السنة الـثالثة والثلاثين على التوالي التي تكون فيها أفريقيا المقصد لأول زيارة خارجية يقوم بها وزراء خارجية الصين الجدد، مما يؤكد على أن تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية أولوية دبلوماسية للصين بغض النظر عن تغيرات البيئة الدولية. كما تعد أيضًا الزيارة الثالثة لوزير خارجية صيني لمصر ومقر جامعة الدول العربية خلال أربع سنوات، مما يعكس المكانة المهمة التي تحتلها العلاقات الصينية المصرية خصوصًا، والعلاقات الصينية العربية عمومًا في دبلوماسية بكين.
وللزيارة أهمية خاصة أيضًا كونها الأولى لمسئول صيني رفيع المستوى للقارة عقب القمة الأمريكية الأفريقية الثانية المنعقدة في ديسمبر الماضي، وما تضمنته من تحذيرات من نفوذ صيني متنامٍ بالقارة “يمكن أن يكون مزعزعًا للاستقرار”، وتقديم الرئيس الأمريكي جو بايدن بلاده على أنها “الشريك المفضل” للدول الأفريقية، وأنها ستكون “الكل في مستقبل أفريقيا”. وبالتالي، جاءت هذه الزيارة لتؤكد أن الصين ماضية في تعزيز شراكتها مع دول القارة بالرغم من التحذيرات والمحاولات الأمريكية المستمرة في الترويج لشيطنة بكين واتهامها بمحاولة استعمار القارة من جديد عن طريق “فخ الديون Debt Trap Diplomacy”، في محاولة لتقليص وتحجيم نفوذها المتصاعد وإضعاف حضورها في القارة وهو الحضور الذي يشكل بدوره مصدر تهديد للمصالح الدولية الاستراتيجية في القارة. وقد بات من الواضح تصميم بكين على تعزيز نفوذها في القارة تدريجيًا ببطء وبحذر عبر تقديم نفسها كشريك للقارة السمراء ذي مصداقية، وهو ما ينعكس بالطبع على الترحيب الأفريقي بالوجود الصيني الذي يتميز عن الوجود الغربي في خلوه من المشروطية السياسية والاقتصادية ” No Strings Attached “، لا سيما التدخل في الشئون الداخلية للدول الأفريقية بما في ذلك الحكم وحقوق الإنسان.
وتأتي الزيارة في وقت تشتد فيه حدة التنافس الدولي في أفريقيا مع تحركات أمريكية وفرنسية لاستعادة نفوذهما وإعادة بناء علاقاتهما مع أفريقيا، في الوقت الذي يتسع فيه مجال نفوذ روسيا واليابان وتركيا والاتحاد الأوروبي هناك أيضًا، وتتزايد التوترات بين الصين والولايات المتحدة في ظل الإعلان الأمريكي الرسمي بأن الصين هي منافسها الاستراتيجي الأول في العالم وسعي بعض دوائر الحكم في واشنطن لتصعيد التوتر مع الصين، ووضع دول العالم في موقف الاختيار بين الولايات المتحدة والصين في عدد من مجالات التعاون، وهو ما يبرر المساعي الصينية، خلال هذه الجولة، لتعزيز علاقاتها بالدول الأفريقية في ظل تصاعد التنافس الدولي معها ويعكس رغبتها في موازنة تحركات القوى الفاعلة الأخرى في المنطقة التي تعتبرها الصين تحديًا رئيسيًا لها وعلى رأسهم الولايات المتحدة. كما يعكس أيضًا رغبة أفريقية أكيدة في تنويع الشراكات الدولية المتوازنة مع جميع القوى الكبرى بما في ذلك الصين، وتجنب اختيار أي شريك “مفضل” على الآخرين، وبالتالي تحقيق مصالح جميع الأطراف دون مواجهة.
تأتي الزيارة أيضًا لتؤكد مجددًا دعم أثيوبيا في عملية السلام، ومساندتها لاستعادة الأنشطة الاقتصادية في البلاد، وإعادة الإعمار في المناطق المتضررة من الصراع الأثيوبي؛ وهو التحدي الأكبر بالنسبة لرئيس وزراء أثيوبيا “آبي أحمد “خلال المرحلة المقبلة، إذ تحتاج أثيوبيا إلى 3. 6 مليارات دولار لإعادة الإعمار وفقًا للإحصاءات الرسمية، على الرغم من أن التكاليف الفعلية قد تكون أعلى من ذلك بكثير. كما تأتي أيضًا في وقت تشهد فيه الجابون استقطابا سياسيًا حادًا بين الأحزاب الحاكمة والمعارضة، ووسط مخاوف من عنف سياسي محتمل أو انقلاب في بنين التي تعاني اضطرابات أمنية في منطقة الساحل جراء انتشار تنظيمي «القاعدة» و«داعش» بساحل غربي أفريقيا، وهو ما قد يؤثر على المصالح الصينية المنتشرة في تلك الدول بالطبع. وبالتالي، تمثل تلك الزيارة فرصة لمناقشة واقع هذه التطورات وسبل تعزيز الشراكة، وتبادل جهات النظر حول الشئون الإقليمية والقضايا الساخنة ذات الاهتمام المشترك.
تعكس الزيارة أيضًا التوافق السياسي حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الأولوية، واحترام مبادئ السيادة والاستقلال وسلامة الأراضي وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشئون الداخلية، ودعم فكرة تعددية القيم على المستوى العالمي. كما عكست أيضًا النهج الصيني البراجماتي في التعامل مع جميع دول القارة على قدم المساواة في إطار مفهوم الدبلوماسية الشاملة ذات الخصائص الصينية إذ شملت دولًا تتوزع بين مصر (شمال أفريقيا) وأثيوبيا (شرق أفريقيا) وأنجولا والجابون (وسط أفريقيا) وبنين (غرب أفريقيا)، وتنتمي جميعها إلى أقاليم ذات أهمية حيوية بالنسبة لمصالح الصين الاستراتيجية في القارة. وكما أكدت الصين خلال القمة الصينية السعودية خلال ديسمبر الماضي أولوية السعودية في العلاقات الصينية الخارجية، تأتي زيارة وزير الخارجية لمصر لتؤكد حرص الصين على استمرار تطوير شراكاتها الاستراتيجية مع مصر كأولوية رئيسية ونهج ثابت في ظل دورها المحوري كركيزة أساسية لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، ومركز ثقل العالم العربي والقارة الأفريقية. كما شملت الزيارة كلاً من مصر وأثيوبيا في الوقت نفسه، رغم وجود بعض التوترات بينهما في قضية سد النهضة؛ كونهما شريكين رئيسيين في استراتيجية الصين الجديدة تجاه أفريقيا. كما توفر زيارة مقر الاتحاد الأفريقي (أثيوبيا)، ومقر الجامعة العربية (مصر)، فرصة للاتصال الوثيق مع القادة العرب والأفارقة وكذلك مع الشخصيات البارزة التي تؤثر على السياسات الداخلية والخارجية للدول العربية والأفريقية الفردية، لذلك تعتبر القاهرة وأديس أبابا منصات انطلاق إقليمية قيّمة بالنسبة للصين.
وتنطلق علاقات الصين بهذه الدول أيضًا من عددٍ من المصالح الواضحة، إذ تعول الصين على تثبيت دعم هذه الدول في قضاياها الجوهرية ومشاغلها الرئيسية وعلى رأسها مسألة تايوان “سياسة الصين الواحدة”، وتأمين احتياجاتها من المواد الخام الأولية والموارد الطبيعية مثل النفط (أنجولا والجابون من أهم موردي النفط للصين في أفريقيا) اللازمة لدعم اقتصادها وصناعاتها المختلفة. كما تسعى بكين كذلك إلى دعم تلك الدول في خلق بيئة دولية تعددية، وضمان دعم الحكومات الأفريقية لمبادرة الحزام والطريق الصينية في إطار اتساع طموحاتها في توسيع البنية التحتية لها، التي تمتد بشكل رئيسي من شرق أفريقيا إلى غربها، وهو ما تظهره الزيارة إلى كل من الجابون وبنين. بالإضافة إلى الرغبة في تأمين أسواق وفرص خارجية جديدة للمنتجات والاستثمارات الصينية خاصة في منطقة غرب أفريقيا عبر بوابة بنين، وذلك فيما تحاول بكين تخفيف حدة التوتر الذي ساد العلاقات مع أنجولا بسبب الديون الصينية المستحقة عليها (أنجولا أكبر مدين للصين في أفريقيا بنحو 20 مليار دولار وهي أكبر نسبة ديون خارجية لأنجولا)، والعمل على إعادة الثقة بينهما. فضلًا عن رغبتها في دعم استقرار الشركاء الاقتصاديين، ولا سيما الدول الواقعة في منطقة القرن الأفريقي وغرب أفريقيا وتشهد بعض الاضطرابات السياسية والأمنية مثل (أثيوبيا وبنين والجابون)، وهو ما يتناسب مع اهتمامها بالأمن البحري في تلك الأقاليم، ورغبتها في الحفاظ على مصاحها المتنامية فيها. وترغب بكين أيضًا أن تظهر بمظهر القوة العالمية المسئولة داخل القارة من خلال التأكيد على رغبتها القيام بدور أكبر في تعزيز السلام والاستقرار، واتخاذ تدابير فعالة لحماية أمن وسلامة الأفراد الصينيين والمؤسسات الصينية وكذا حماية حقوقهم ومصالحهم المشروعة في تلك الدول.
ثانيًا: أبرز النتائج
كان للزيارة عدة نتائج ملموسة أبرزها التأكيد على علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين وهذه الدول وعلى رأسها مصر وأثيوبيا، وهو ما ظهر بوضوح خلال التصريحات الصحفية التي جمعت بين وزير الخارجية الصيني ووزراء خارجية تلك الدول. فضلًا عن التأكيد على استمرار تبادل الدعم في المشاغل الرئيسية والمصالح الجوهرية ذات الأولوية، ودعم الاتحاد الأفريقي في الانضمام إلى مجموعة العشرين، والتعاون المشترك في خلق بيئة دولية تعددية، والمساهمة بشكل أكبر في تعزيز بناء السلام وتحقيق الاستقرار الإقليمي والحد من مخاطر التهديدات الأمنية، وتوسيع التبادل والتعاون مع أفريقيا في مختلف المجالات وعلى جميع المستويات، لا سيما الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية والثقافية، وبالتالي تعزيز لبناء مجتمع صيني أفريقي مصير مشترك للبشرية. كذلك أكدت الزيارة على مركزية القضية الفلسطينية في المنطقة العربية والتنسيق والتعاون مع مصر لإيجاد حل عادل لها، وكذلك دعم مصر في جهود التنمية الشاملة ومكافحة الإرهاب، وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين.
أكدت الزيارة أيضًا على استمرار أولوية البعد الاقتصادي واستمرار الصين في تطوير علاقاتها الاقتصادية مع دول القارة على أساس تبادل المنافع في إطار منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC)، ودفع التكامل الأفريقي عن طريق تنسيق تعاون الحزام والطريق ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي التي طرحها الرئيس شي جين بينغ وأجندة 2063 للاتحاد الأفريقي، ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية واستراتيجيات التنمية الوطنية للبلدان الأفريقية. فضلًا عن التعاون في استعادة بناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تأثرت بـ(كوفيد-19)، والحرب الروسية الأوكرانية، واستكشاف مجالات التعاون المحققة للمنافع المتبادلة والكسب المشترك في المجالات التقليدية مثل التجارة والاستثمار والتمويل والبنية التحتية، والقطاعات الناشئة مثل: الصحة، والتنمية الخضراء، والاقتصاد الرقمي، وغيرها. وعلى هامش تلك الزيارة، تم توقيع العديد من وثائق التعاون ومذكرات التفاهم المختلفة، كما أعلنت الصين إلغاء بعض مستحقاتها من الديون على أثيوبيا (ثاني أكبر مدين للصين في أفريقيا بحوالي 13. 7 مليارات دولار) وبنين، وهو ما يعكس سعيها المستمر في دحض نظرية التهديد الصيني China Threat Theory التي يروج لها الغرب واتهامها بأنها تُثقل كاهل الدول الأفريقية بـ«فخ الديون» من خلال مشروعات بنية تحتية ضخمة تقوم بها في القارة. كما عُقد الحوار الاستراتيجي الثامن بين الصين والاتحاد الأفريقي مع رئيس الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد حول مجموعة واسعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
ثالثًا: مستقبل الدور الصيني في أفريقيا
لا شك أن هذه الزيارة تأتي ضمن استراتيجية صينية لتعزيز الحضور بقوة في القارة السمراء التي تستقطب اهتمامًا دوليًا متزايدًا جعل بكين تُوظِّف جميع أدواتها في القارة الأفريقية بشكل جيد، لا سيما الأداة الاقتصادية التي ترتكز عليها في سبيل توطيد موطئ قدم مهم لها في القارة بعدما أصبحت الصين الشريك الأول للقارة السمراء حاليًا (بلغ التجارة بين الصين وأفريقيا حوالي 254. 3 مليارات دولار في 2021، بزيادة 35. 3 بالمائة على أساس سنوي)، والمستثمر الأكبر في معظم المجالات والمستورد الأول للكثير من معادنها، كما وقعت 52 دولة أفريقية ومفوضية الاتحاد الأفريقي على وثائق تعاون الحزام والطريق مع الصين وتم تنفيذ مشاريع بارزة مثل مركز مؤتمرات الاتحاد الأفريقي، ومقر Africa CDC، وخط سكة حديد مومباسا – نيروبي، وخط سكة حديد أديس أبابا وجيبوتي وغيرها الكثير؛ والتي يمكن أن تصبح بوابة مهمة لتوسيع بكين دائرة تحركاتها خلال الفترة المقبلة اعتمادًا على بعض المقاربات الأخرى مثل المقاربة السياسية والعسكرية بهدف تحقيق تفوق استراتيجي ونوعي، وموازنة أدوار بعض القوى الكبرى الفاعلة في المنطقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
بشكل عام، من المرجح تنامي الانخراط الصيني في أفريقيا خلال السنوات المقبلة معولة في ذلك على أدواتها الاقتصادية في المقام الأول من تجارة واستثمارات؛ خاصة في البنية التحتية والموانئ والشحن والنقل والتعدين والطاقة؛ ومساعدات وقروض ومشاريع مشتركة خاصة في مجالات القطاعات الناشئة، وان كانت بدأت في التدخل الدبلوماسي والعسكري في السنوات الماضية، لحماية هذا الوجود الاقتصادي، وتدعيما لدورها العالمي كمنافس للقطب الأمريكي. ويتوقع ازدياد احتياج الصين لدول القارة كونها مصدرًا رئيسيًا لتأمين المواد الخام الأولية ومصادر الطاقة التي تحتاجها بكين لاستمرار عملية تنميتها الاقتصادية خاصة في ظل ما تتمتع بع القارة من إمكانيات ضخمة في هذا الشأن، وفي ظل استمرار تداعيات الأزمات الدولية، لكن هذا الاحتياج لن يصاحبه أي التزامات أو أعباء سياسية وأمنية في المستقبل المنظور، مع الحفاظ على النهج الصيني البراجماتي المتوازن تجاه دول القارة وضمان علاقات جيدة مع الكل. ومن المتوقع أن تواصل الحكومات الأفريقية تعزيز علاقاتها بالصين في ظل احتياجها إلى ضخ المزيد من المشروعات والاستثمارات والمساعدات الصينية لمساندة اقتصاداتها التي لا تزال تعاني من تداعيات جائحة كوفيد–19 والأزمة الاقتصادية العالمية، والحرب الروسية – الأوكرانية، لا سيما في ضوء التفوق الاقتصادي الصيني على معظم القوى الدولية الأخرى.
هذا الانخراط الصيني الذي يلقى ترحيبًا لدى قطاعات واسعة في الدول الأفريقية في ظل استمرار علاقتها الجيدة بالنخب الحاكمة الأفريقية، ودعمها السخي لتشييد البِنى التحتية التي تشتد الحاجة إليها في أنحاء القارة، وتبنيها سياسة عدم التدخل في الشأن الداخلي، وتدفق المساعدات والاستثمارات لدول المنطقة دون أي مشروطية سياسية، يجعل من الصعب على معظم اللاعبين الدوليين مجاراة الصعود الصيني المتنامي في القارة ككل؛ الأمر الذي قد يدفع نحو تحول أفريقيا إلى ساحة للصراع والتنافس على المكاسب الاستراتيجية ومحاولة تحجيم الدور الصيني هناك مما قد يدفعها إلى محاولة تأمين مصالحها الاستراتيجية هناك بالمضي قدمًا نحو توظيف التواجد العسكري لحماية مصالحها ونفوذها، وربما يترتب على ذلك بعض الارتدادات العكسية السلبية المتعلقة بتصاعد عسكرة القارة الأفريقية، وما يصاحبه من تهديد للاستقرار والأمن الإقليمي في المنطقة.
وبالتالي، من المرجح أن تقوم الصين بتوسيع وجودها العسكري على نطاق أوسع بكثير، بحيث تصبح مشاريع الموانئ والمساعدات الاقتصادية والبنية التحتية واتفاقياتها وعقودها مجرد وسائل للعبور إلى المستقبل. وهو ما أشار به تقرير للكونجرس في عام 2021، إذ قال البنتاغون أن الصين ربما تنظر في مسألة إقامة المزيد من القواعد العسكرية في دول مثل كينيا وسيشيل وتنزانيا وأنجولا. أضف إلى أنه في عام 2020، أقامت الصين منتدى للسلام والأمن بين الصين وأفريقيا لمدة أسبوع مع وزراء الدفاع وقادة الجيوش الأفارقة لإجراء حوار حول التعاون والسلام والتمويل الأمني في القرن الأفريقي. وقد تنخرط بكين عسكريا في بعض مناطق القارة لكن بشكل غير مباشر، لا سيما إذا تدهورت الأوضاع الأمنية بشكل تجد فيه الصين أن مصالحها وسلامة رعاياها باتت في خطر ومما يدعم احتمال حصول سيناريو كهذا تواتر تقارير دولية تشير إلى أن الصين انخرطت عسكريًا بالفعل في الصراع الأثيوبي، ولكن بشكل غير مباشر عبر تقديم صواريخ وطائرات من دون طيار لدعم حكومة آبي أحمد. كما أن الوجود العسكري الصيني في قاعدتها العسكرية في جيبوتي، وتطلعها لإنشاء قاعدة عسكرية في غينيا الاستوائية على ساحل المحيط الأطلنطي يوفران لها المجال للتدخل، إذ تدهورت الأوضاع، لا سيما في منطقة القرن الأفريقي وغرب أفريقيا.
وختامًا، من الواضح أن مصالح بكين ورهاناتها في القارة الأفريقية يتم تعزيزها بشكل كبير في ظل إدارة الرئيس الصيني شي جين بينغ. وسيُصادف المسار المستقبلي للعلاقات على الأرجح تحديات في الأمد القصير، ويأتي على رأسها توقع استمرار تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي العالمي، وارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع مستويات الديون، والصراعات العنيفة، وتمدد بؤر الحركات الإرهابية، وارتفاع نسب البطالة، وانتشار الفساد، فضلًا عن التهديد المستمر لانعدام الأمن الغذائي الناجم عن الصراعات والظروف الجوية السيئة. هذا بالإضافة إلى ضرورة العمل على إحداث توازن في العلاقات الاقتصادية المتبادلة، ومخاوف بعض الدول الأفريقية من احتمالات الإغراق التجاري، وتدني مستوى التكنولوجيا الصينية في بعض المجالات مقارنةً بنظيرتها الأمريكية والأوروبية، والتركيز على نقل الصناعات غير الصديقة للبيئة إلى دول المنطقة، والخبرات السلبية للتعاون الصيني مع بعض الدول القارة فيما يتعلق بالتركيز على الحصول على المواد الخام والبترول بأسعار متدنية، ونقل العمالة الصينية للخارج دون الإسهام في التنمية الاقتصادية. ومستقبلًا، قد يؤدي استمرار التوترات الجيوسياسية بين الصين والغرب، إلى كبح فرص تطوير العلاقات الصينية الأفريقية إلى المستوى المرغوب من كلا الجانبين.
وبالرغم من تلك التحديات الجمة المشار إليها سلفًا، إلا أنه يمكن القول إن الفرص الاستراتيجية المتاحة لتطوير العلاقات الصينية الأفريقية تفوق التحديات التي تواجهها، حيث إن تطوير آليات منتدى التعاون الصيني الأفريقي، وتنفيذ خطط التعاون العشر، والمبادرات الثماني الرئيسية، والبرامج التسعة، وإشراك دول القارة في مشروع الحزام والطريق، فضلًا عن توافر الإرادة السياسية، والتوافق السياسي والتماثل التاريخي والقيم الإنسانية المشتركة، والإمكانيات الضخمة وتكامل الاستراتيجيات التنموية لدى الجانبين؛ كلها فرص ينبغي الاستثمار فيها من أجل شراكة استراتيجية مربحة للطرفين، وذلك في ظل الحرص البالغ على احترام خصوصية كل منهما، وانتهاج سياسات متوازنة تقوم على تنويع الشراكات.