الدواجن هي الطائر الأشهر على كوكب الأرض، حيث يتواجد حوالي 34.4 مليار دجاجة حول العالم وفقا لبيانات منظمة الفاو، وهو ما يعادل 10 أضعاف أي طائر آخر تقريبا، لكن ذلك العدد قد يكون ليس بالكافي في ظل التوقع بأن يصل عدد السكان إلى 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2050، فإن الطلب العالمي على لحوم الدواجن سوف يستمر بالنمو الأمر الذي يجعل من الابتكار بصناعة الدواجن أمر لا مفر منه، خاصة وأن تلك الصناعة تواجه العديد من التحديات العالمية والتي منها أساليب التغذية والتي تمثل حوالي 70 % من إجمالي التكاليف المتعلقة بإنتاج الدواجن. مصريا، تقترب مصر من الاكتفاء الذاتي في صناعة الدواجن والبيض، لكنها تعتمد على مكون مستورد بحوالي 70 % خلال مراحل الإنتاج الخاصة بالدواجن، فكيف يبدو وضع صناعة الدواجن بمصر
ديناميكيات الصناعة
تضم صناعة الدواجن بمصر حوالي 10731 مزرعة مرخصة من حوالي 60 ألف كيان قائم لتربية ذلك الطائر، وتصل إجمالي الاستثمارات بذلك القطاع إلى حوالي 100 مليار جنيه أي ما يعادل 3.3 مليار دولار أمريكي، بلغ إنتاج مصر من الدواجن في عام 2021 حوالي 1.5 مليار دجاجة (دجاجة التسمين)، بالإضافة إلى حوالي 13 مليار بيضة مائدة، ويمكن القول أن مصر تتمتع باكتفاء ذاتي من لحوم الدواجن بنسبة 95 %، وترتفع تلك النسبة إلى 100 % بالنسبة لبيض المائدة، ويخطط اتحاد منتجو الدواجن المصري لزيادة الإنتاج المصري من الدواجن ليصل إلى حوالي 2 مليار دجاجة في عام 2030 لتلبية احتياجات السوق المحلي، ويخطط المنتجون لمضاعفة الإنتاج المحلي من بيض المائدة ليصل إلى 26 مليار بيضة.
كانت جهود وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي حاسمة في الفترة الماضية، حيث خصصت وزارة الزراعة والثروة الحيوانية حوالي 9 مناطق في عدد 4 محافظات للاستثمار بصناعة الدواجن، تصل إجمالي مساحات تلك المزارع إلى 19 ألف فدان، هذا فضلا عن تسهيل استثمارات مشاريع الدواجن بعدد 13 موقع آخر تابع للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية. من جانب آخر قدم البنك المركزي المصري تمويلات ميسرة لأصحاب المزارع بفائدة 5 % لدعم صغار المربين لرفع كفاءة مزارعهم والتحول من نظام التربية المفتوح (الحظائر المفتوحة كثيفة التأثر بالأمراض) إلى الحظائر المغلقة (الحظائر المغلقة التي يتم التحكم في التغذية والحرارة والأمراض بها)، وذلك بهدف تعزيز إنتاجية المزرعة ومن ثم زيادة العائد الاقتصادي بشكل عام.
كان لتلك الجهود انعكاسات إيجابية على صناعة الدواجن بمصر، حيث نمت صناعة الدواجن المصرية بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 5 % خلال العقد الماضي، ليصل إجمالي الإنتاج إلى 1.49 مليون طن في عام 2021 مقابل 902 ألف طن في عام 2010، وقد ساهم ذلك النمو في تلبية الاستهلاك المتزايد للدواجن بمصر، حيث تمثل الدواجن 20 % من سلة الغذاء للمستهلك المصري، وتعتبر مصدر ميسور التكلفة للبروتين نظرا للخصائص الغذائية والصحية الجيدة، لكن استهلاك الفرد المصري من الدواجن يمثل 14 كيلوجرام لكل نسمة وهو أقل من متوسط الاستهلاك للفرد بالأسواق الناشئة الأخرى، وهو ما يفتح المجال أمام المزيد من النمو المتسارع بالقطاع، هذا فضلا عن فرص التصدير الجيدة بالنسبة للدجاجة المصرية، خاصة وأنها تلبي المعايير الدولية لصادرات الدواجن ومن ثم فإن ذلك يخلق طلب إضافي على صناعة الدواجن يمكن أن يساهم في دفع مزيد من المنتجين للدخول إلى السوق.

الشكل 1: المصدر – منظمة الفاو

الشكل 2: المصدر منظمة الفاو

الشكل 3: المصدر التقارير الصادرة عن شركة القاهرة للدواجن، منظمة الفاو
أما عن مراحل إنتاج الدواجن فبنظرة أعمق لصناعة الدواجن نجد أن عملية الإنتاج تنقسم إلى ثلاثة أقسام، ما نعرفه بشكل يومي هي دواجن التسمين التي نأكلها بشكل مستمر، وهي تعتبر الجيل الثالث من الدواجن، والأخير، حيث يسمي الجيل الأول “الجدود” وهو الجيل الذي عادة ما يتم إنتاجه والاحتفاظ به أو استيراده، وقد استوردت مصر عدد 462.8 ألف دجاجة من الجدود، وعادة ما يستغرق دورة حياة الجدود فترة 16 شهرا حتى تنتج الكتكوت الأول، إذ يستغرق الكتكوت فترة 6 أشهر ليصبح دجاجة جدة مكتملة النمو، ثم تستغرق الدجاجة الجدة فترة 10 أشهر لإنتاج الكتكوت الأول والذي في هذه الحالة يسمي “الدجاجة الأم”، وهو ما يأخذنا للمرحلة الثانية، والتي تستغرق أيضا 16 شهرا تنقسم إلى قسمين، 6 أشهر ليتحول الكتكوت الأم إلى دجاجة أم، ثم 10 أشهر لتنتج الدجاجة الأم الكتكوت الأول الخاص بالتسمين. وهو ما يأخذنا للمرحلة الثالثة والتي نأكل لحومها حيث يستغرق كتكوت التسمين حوالي 45 يوما لينمو ويتحول إلى دجاجة قابلة للأكل.
من الجدير بالذكر أن الدجاجة الجد، والدجاجة الأم هي عناصر أساسية لصناعة الدواجن ولا يتم ذبح تلك الدواجن، بل يتم ذبح وتداول الجيل الثالث منها والتي تسمي بدجاج التسمين، يوجد بمصر حوالي 462.8 ألف دجاجة جد، تنتج حوالي 10.2 ملايين دجاجة أم خلال فترة 16 شهرا، وتنتج الدواجن الأم حوالي 1.4 مليار كتكوت تسمين، يتم تربيته وينمو ليصبح دجاجة تسمين (الدواجن البيضاء) القابلة للأكل.
ديناميكيات التسعير
كما سبق الإشارة، فإن قطاع الدواجن مقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية دواجن الجدود، ثم الأمهات، ثم دواجن التسمين، بالنظر إلى القسم الأخير “دواجن التسمين” فإن ذلك القطاع يعتمد بشكل هرمي على دواجن الأمهات ودواجن الجدود ويتأثر بشكل كبير بمتغيرات السوق التي تحدث في تلك القطاعات، يتسم قطاع التسمين بمصر بالتفتت الشديد، حيث ينتج صغار المزارعين حوالي 65 % من احتياجات السوق من الدجاج اللاحم ، ويتسم بالمنافسة الشديدة بين العاملين بذلك القطاع بسبب تفتت السوق، وهو ما يفسر هوامش الربح المنخفضة بالنسبة لذلك القطاع والتي تبلغ 2 – 3 % خلال الخمس سنوات الماضية، من جانب آخر فإن نسبة 30 % المتبقية تتم تغطيتها من جانب ثلاث من شركات الدواجن المتكاملة والأوسع من حيث النطاق، وهي شركات القاهرة للدواجن، وشركة الوادي القابضة، وشركة الوطنية للدواجن، حيث تنتج تلك الشركات دواجن الجدود بسعة إنتاجية تبلغ 463 ألف دجاجة، ويعتمد الإنتاج بهذا القطاع بشكل أساسي على سلالات مستوردة من أنواع الكتاكيت الهجينة وهي Arbor Acres، Hubbard، Cobb، Avian، Ross في قطاع إنتاج الدجاج التلاحم ، وسلالات Bovins، L. S. L. Hysex في قطاع إنتاج الدجاج البياض التجاري، وتتراوح تكلفة استيراد الكتكوت الجد الذي يبلغ من العمر يوما واحدا حوالي 40 – 45 دولارا أمريكيا، وتستمر دورة الإنتاج للأجداد لمدة 64 أسبوعا (6 أشهر للتربية، و 10 أشهر للإنتاج)، وتنتج متوسط 50 بيضة سنويا لكل دجاجة جد (معدل الوفيات حوالي 10 – 15 %)، وبالمثل فإن دورة دجاج الأمهات تستمر لمدة 64 أسبوعا (6 أشهر للتربية، و 10 أشهر للإنتاج) بمتوسط 150 بيضة في كل دورة إنتاجية، وأخيرا دجاج التسمين والذي ينمو خلال 45 يوما من كتكوت إلى طائر اللاحم بمتوسط وزن 1 – 2 كيلوجرام، يوضح الشكل التالي دورات الإنتاج الثلاث للدواجن.

الشكل 4: دورة صناعة الدجاج بمصر – منظمة الفاو – شركة القاهرة للدواجن
الحرب الروسية الأوكرانية وقطاع الدواجن
أثرت الحرب الروسية الأوكرانية سلبيا على الاقتصاد العالمي، تسببت الحرب في تعطيل التجارة الدولية للحبوب وفول الصويا بالإضافة إلى السلع الأخرى، وارتفعت أسعار الذرة والفول الصويا التي كانت مرتفعة بالفعل، وأثرت الحرب على موارد مصر من العملات الأجنبية والتي بدورها أثرت على قدرات مستوردي شحنات الذرة والمنتجات الأخرى التي تدخل في صناعة الأعلاف مثل الفول الصويا، وتقدر الشحنات التي علقت بالموانئ في انتظار توافر النقد الأجنبي وفقا لاتحاد منتجي الدواجن حوالي 1.5 مليون طن متري من الذرة، و 400 ألف طن متري من الفول الصويا، الأمر الذي دفع أسعار الأعلاف بمصر للارتفاع بشكل كبير وبالطبع أثرت على تكلفة إنتاج الدواجن ورفعتها بنسبة 50 % تقريبا، حيث تمثل تكلفة الأعلاف نسبة 70 – 75 % من تكلفة الإنتاج.
تسببت أزمة نقص الأعلاف وارتفاع تكاليف الإنتاج وأسعار البيع للمستهلك في السوق المحلية في عبء ثقيل على صغار المربيين خلال الأربعة أشهر الماضية، الأمر الذي دفع بعض المزارع إلى وقف الإنتاج وفي بعض الأحيان إلى إعدام المفرخات الصغيرة بسبب عدم توافر العلف أو تضخم أسعار علف الدواجن بشكل لا يمكن تحمله في العملية الإنتاجية وفقا لرأسمالهم العامل.
إجراءات حكومية
تحركت الحكومة المصرية بشكل سريع للإفراج عن الحبوب والأعلاف المحتجزة في الموانئ، وبدأت تلك الإجراءات خلال منتصف شهر أكتوبر من عام 2022 عندما التقى رئيس الوزراء مع ممثل البنك المركزي المصري واتحاد منتجي الدواجن بمصر لتسريع وتيرة الإفراج عن الذرة والفول الصويا من الموانئ المصرية، وطلب اتحاد منتجي الدواجن من الحكومة التدخل لتسهيل واردات الذرة الصفرة من خلال توفير النقد الأجنبي لها، وهو ما استدعي تنسيق اجتماعات أسبوعية بين البنك المركزي المصري واتحاد منتجي الدواجن وبين وزارة الزراعة والثروة الحيوانية بمصر للتنسيق حول كميات الأعلاف المطلوب الإفراج عنها أسبوعيا لضمان استقرار سوق الدواجن بمصر، من جانب آخر اتجهت الحكومة المصرية إلى استيراد الدواجن لتحقيق التوازن بالسوق وعودة الأسعار إلى الاستقرار، خاصة وأن أسعار اللحوم من الدواجن كانت قد تخطت حاجز 90 جم للكيلو في بعض المناطق، ساهمت تلك الإجراءات بعودة أسعار الدواجن إلى الاستقرار عند مستوى 79 جم للكيلو تقريبا بعد أن كانت وصلت إلى مستوى 90 جم أو أكثر للكيلو، لكن من المتوقع أن تتعافي الصناعة من الأزمة الحالية خلال فترة 16 شهرا تقريبا، وهي دورة الإنتاج الخاصة بالجدود والأمهات، خاصة وأن بعض الشركات كانت قد أقدمت على ذبح دواجن الأمهات والجدود، والدواجن الخاصة بإنتاج بيض المائدة، وهو ما احدث شرخ كبير بسلسلة الإنتاج يستدعي بعض من الوقت لعلاجه ليعود السوق مرة أخرى إلى حالة التوازن.