تتسم الأوضاع في منطقة شرق إفريقيا بالاضطراب السياسي والأمني، حيث تشهد السودان منذ أبريل 2023 اشتباكات مسلحة بين الجيش السوداني والهيكل العسكري شبه النظامي “قوات الدعم السريع”، ونجد أن تبعات الأزمة لن تقتصر على السودان، بل ستشمل الإقليم. وتسعى هذه الورقة البحثية لاستعراض المشهد داخل كينيا، ومظاهر انخراط دولة كينيا حيال الأزمة السودانية، فعلى الرغم من عدم وجود حدود مشتركة بين كينيا والسودان، إلا أن كينيا سعت للانخراط في الأزمة السودانية التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل 2023.
الاعتبارات الكينية الداخلية
يأتي سياق اندلاع الأزمة السودانية في الخامس عشر من أبريل 2023 مع حالة احتقان داخل كينيا بين النظام الحاكم والمعارضة السياسية، فقد اندلعت في مارس 2023 مظاهرات مناهضة للرئيس الكيني، وذلك على إثر تردي الأوضاع المعيشية، حيث يعاني الاقتصاد في كينيا من عدد من التحديات، التي استغلتها المعارضة السياسية في كينيا، وعملت على توظيفها من أجل خصم من شعبية الرئيس الكيني وليام روتو؛ إذ تولى زعيم المعارضة والمرشح الرئاسي الخاسر في انتخابات الرئاسة 2022 رايلا أودينغا عملية حشد وتعبئة الجماهير والدعوة للنزول في مظاهرات نحو القصر الرئاسي، وذلك لمعارضة السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة الكينية. وقد لاقت الدعوة التي أطلقها زعيم المعارضة استجابة من جانب المواطنين في كينيا، وقد حدثت اشتباكات بين قوت الأمن والمتظاهرين، وقد أسفرت هذه المظاهرات عن اعتقال أكثر من 200 شخص، من بينهم عدد من كبار السياسيين المعارضين، وإصابة أكثر من 400 شخص، من بينهم ما لا يقل عن 60 من ضباط الأمن. ولكن نجد أن النظام الحاكم في كينيا أستطاع وقف هذه المظاهرات من خلال طرحه مبادرة الحوار مع المعارضة السياسية، وهو ما أدى إلى التهدئة السياسية، ولكن على الرغم من ذلك، فإن جذور الأزمة لم يتم حلها، حيث جوهر الأزمة في كينيا هو الأوضاع الاقتصادية الصعبة، حيث تتدهور قيمة العملة المحلية؛ فهناك انخفاض في قيمة العملة المحلية إلى جانب عدم كفاية العملة الصعبة لا سيما الدولار الأمريكي، وبالتالي هناك صعوبة في استيراد السلع والخدمات من الخارج إلى جانب ارتفاع اسعارها، وهو ما انعكس على مستوى المعيشة في كينيا. كما أن هناك صعوبة في استيراد السلع الغذائية والأدوية، بالإضافة إلى زيادة أسعار الخدمات الأساسية، وهو ما يُشكل ضغوطًا على المواطنين في كينيا.
>> عدوى الأزمات: حسابات ومواقف تشاد من الأزمة السودانية
مظاهر انخراط كينيا في أزمة السودان
نجد أن كينيا قد حاولت الانخراط في أزمة السودان من خلال طرحها مبادرة للتسوية بين طرفي الصراع في أبريل 2023، فقد أقترح الرئيس الكيني وليام روتو استضافة طرفي الصراع للقيام بعملية وساطة لوقف القتال، والذي أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان. وتتسم تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان بالتدهور جراء استمرار الاشتباكات المسلحة بين طرفي النزاع، ونجد أن كينيا تتابع عن كثب تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان. كما نجد تتصاعد معاناة المدنيين السودانيين الذين تضرروا من الاشتباكات الجارية، حيث ترتفع أسعار الغذاء ووسائل النقل، كما يشهد القطاع الصحي تدهور جراء نقص الامدادات الطبية وتعرض المستشفيات للقصف، وهو ما أدى إلى توقف الكثير من المستشفيات عن الخدمة، كما هناك تحذيرات من جانب منظمة الصحة العالمية من أن هناك تهديدات متزايدة لانتشار امراض الكوليرا والملاريا في السودان لنقص إمدادات المياه الصالحة للشرب.
كما تكشف تصريحات رئيس كينيا على أنه من الضروري استعادة الحكم المدني في السودان، فقد كانت كينيا تأمل أن تشهد السودان انفراجه سياسية مطلع شهر أبريل 2023، بتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية والاعلان عن رئيس وزراء جديد وتشكيل مؤسسات حكم انتقالية والتوقيع على دستور انتقالي، ولكن نجد أن عملية التحول الديمقراطي قد تراجعت، وحدث تأزم في مسار العملية السياسية في السودان باندلاع اشتباكات مُسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ليتضح في العلن الخلافات الكامنة بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو “حميدتي” فيما يتعلق بإشكالية دمج قوات الدعم السريع في المؤسسة العسكرية السودانية، وهو ما حال دون توقيع الطرفان على الاتفاق الإطاري النهائي الذي تم الإعلان عنه بشكل مبدئي في الخامس من ديسمبر 2022.
وعلى الرغم من الدعوات الدبلوماسية التي أطلقتها كينيا، إلا أنه لم يتم قبول دعوتها للوساطة، فقد تولت المملكة العربية السعودية باستضافة مفاوضات بين طرفي الصراع في السودان مطلع شهر مايو 2023، فقد جرت مفاوضات بين ممثلي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة جدة، لوقف التصعيد العسكري، وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
>> تفاقم الأزمات: ارتدادات الصراع في السودان على الشرق الأوسط
ولكن نجد أن ما يُعزز انخراط كينيا الدبلوماسي حيال الأزمة السودانية على المدى المتوسط، أنه يتم من خلال التحرك الجماعي؛ إذ تعمل كينيا على التنسيق مع دول الإقليم والمنظمات الإقليمية والدولية، فقد حاولت كينيا التحرك حيال أزمة السودان في إطار الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “الايجاد”، فقد ناشدت كينيا طرفي الصراع لضمان الامتثال الكامل لقرار قمة رؤساء دول الإيجاد المنعقدة في 16 أبريل2023، بما في ذلك وقف القتال، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية. كما أعرب الرئيس الكيني عن أنه إذا تولى الوساطة بين طرفي الصراع، سيكون بالتنسيق مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. فقد عملت كينيا على التنسيق مع الدول المجاورة للسودان، حيث تواصل الرئيس الكيني مع الرئيس المصري خلال شهر أبريل 2023، بشأن أزمة السودان، ونجد أن هناك رؤى مشتركة بين الدولتين بشأن وقف إطلاق النار، ودعم مساعي الحوار السلمي واستئناف المرحلة الانتقالية.وفي الختام يمكن القول، ربما كينيا تطمح للعب دور إيجابي في إنهاء الصراع في السودان عبر المفاوضات السلمية، والتي بمقتضاها يمكن حل المشاكل العالقة سياسيًا وليس عسكريًا، مع الأخذ في الاعتبار أنه إذا طال الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فإنه من المُحتمل أن يؤدي إلى إنهاك المؤسسات الأمنية السودانية، وهو ما سيمهد الطريق لتفتيت كيان الدولة السودانية، وهو ما ستكون له تداعيات سلبية على الإقليم، كما سيكون الخاسر من هذه المعادلة الصفرية المواطن السوداني، وهو ما يستوجب من طرفي النزاع في السودان إعلاء مصالح الشعب السوداني فوق المصالح الضيقة.