نال مرفق السكك الحديدية نصيبًا من حركة التنمية في مصر، فمنذ عام 2014 تم وضع خطط تطويرية تُعد الأكبر في تاريخ هذا المرفق الحيوي، للارتقاء ببنيته التحتية من محطات وأنظمة تحكّم على طول الخطوط. كما تم عقد صفقات كبرى لتطوير أسطول القاطرات والعربات، ما انعكس في تحسّن مستوى خدمات السكك الحديدية خلال الآونة الأخيرة.
مؤشرات التحسن
رَصَدَ مؤشر التنافسية الصادر عن “المنتدى الاقتصادي العالمي” التطور الذي شهده مرفق السكك الحديدية مؤخرًا، ما أدى إلى ارتفاع الترتيب العالمي للسكك الحديدية المصرية من المركز 78 في أواخر عام 2014 إلى المركز 50 في نهاية عام 2019. كما رصدت تقارير محلية التطورات في هذا المرفق. فمنذ مارس 2019، وعلى مدار 17 شهرًا سجلت تقارير الحركة في هيئة السكك الحديدية حالة انتظام شبه تامة في مواعيد انطلاق ووصول الرحلات.
أظهرت الإحصاءات الرسمية انخفاضًا في عدد حوادث السكك الحديدية، ففي الفترة ما بين مارس وديسمبر 2019 سجلت الإحصاءات 1550 حادثًا، بنسبة انخفاض قدرها 5% عن عدد الحوادث في الفترة ذاتها من العام السابق عليه. بموازاة ذلك، انخفض عدد الضحايا والإصابات الناتجة عن تلك الحوادث إلى 72 ضحية، بعد أن كانت 120 في عام 2018، بنسبة انخفاض قدرها 40%. ويُعزَى ذلك التحسن إلى تطوير التشغيل اليومي والبنية التحتية وأسطول العربات.
تطوير التشغيل اليومي
منذ بداية الربع الثاني من عام 2019، اتخذت هيئة السكك الحديدية سلسلة من الإجراءات الصارمة لضبط مواقيت الرحلات، وحرصت في الفترة ما بين مارس 2019 ومارس 2020 على إطلاق نشرات يومية توضح مواقع ومدد التأخيرات المتوقعة على كافة خطوط السكك الحديدية، حيث شهدت تلك الفترة ذروة أعمال التطوير الهندسي والفني للخطوط الرئيسية، وهو ما أدى أحيانًا لبطء حركة القطارات.
نجحت هيئة السكك الحديدية في تسهيل الحصول على التذاكر، وتقليل نسب التزاحم على شبابيك البيع داخل المحطات الرئيسية، وذلك من خلال استحداث منافذ “أكشاك” لبيع التذاكر خارج المحطات، كما دشنت الهيئة تطبيقًا إلكترونيًّا، يتيح اختيار المقعد والحجز والدفع عن طريق الإنترنت، وإن كان هذا التطبيق يعاني من مشكلة تسويقية تتمثل في عدم دراية مستخدمي خدمات السكك الحديدية بوجوده وكيفية الاستفادة من خدماته.
استحدثت هيئة السكك الحديدية برامج تدريب وتأهيل عاجلة، لتوعية الموظفين المتعاملين مع الجمهور سواء في المحطات أو داخل القطارات، بحقوقهم وواجباتهم تجاه المواطن، وكيفية إدارة المواقف الخطرة والحساسة بشكل احترافي. ومن أجل إعداد جيل جديد من عمال وفنيي السكك الحديدية المدربين على مستوى عالٍ، دشّنت الهيئة، في الربع الثالث من عام 2019، معهدًا خاصًّا بتكنولوجيا السكك الحديدية. وفي الوقت نفسه، حرصت الهيئة على صيانة مواردها المالية من الإهدار، من خلال تشديد الرقابة على التزام الركاب بدفع التعريفة، بالإضافة لرفع قيم الغرامات على المتهربين.
تطوير البنية التحتية
منذ عام 2017 تم البدء في تنفيذ مشروع ضخم لتطوير 262 محطة سكة حديد، تم الانتهاء من تطوير 168 منها بنهاية عام 2019، وبلغت قيمة هذا المشروع 1.7 مليار جنيه، فيما ينتظر أن يتم الانتهاء من المحطات الباقية خلال العام الحالي. بموازاة ذلك، جرى تنفيذ عدد من المشروعات التي تهدف لزيادة درجات الأمان، وسهولة الحركة على كافة الخطوط، فكانت البداية بمشروع لتطوير المئات من المزلقانات، والمباني وأنظمة التحكم والإنذار لكل مزلقان، وقد انتهت الأعمال بالفعل لبعض منها، فيما يجري العمل على عددٍ آخر.
تم إطلاق مشروع لتحديث نظم الإشارات على السكك الحديدية، بتحويلها من النظام الميكانيكي القديم إلى نظامٍ إلكتروني متقدم، ويمتد المشروع على طول 989 كم من السكك، وبتكلفة تفوق المليار دولار. ويتقاسم تنفيذ المشروع ثلاث شركات عالمية، هي: سيمنس، وألستوم، وتاليس. وعلى الرغم من الإنجاز الذي بدأ هذا المشروع في تحقيقه، حيث دخلت العشرات من أبراج التحكم المحدثة للخدمة؛ إلا أن المعلومات حول خطة التمويل ومواعيد التنفيذ والتسليم غير منشورة، مما قد يوحي بوجود معوقات إدارية ومالية تبطئ من وتيرة تنفيذ المشروع.
تقوم هيئة السكك الحديدية حاليًّا بتطوير عدد من الكباري العلوية المخصصة للسكك الحديدية، ومن أبرزها تطوير كوبري إمبابة على النيل الذي انتهت أعمال تطويره في يوليو الماضي، وأيضًا تطوير كوبري الفردان وازدواجه على المجرى الملاحي لقناة السويس، كما أن ورش الصيانة كان لها نصيب من التطوير خلال الفترة الماضية، حيث جرى العمل على رفع كفاءة 4 ورش رئيسية، وهي عنابر بولاق التابعة لشركة “إيرماس”، وورش التبين بحلوان وكوم أبو راضي بمحافظة بني سويف والفرز بالقاهرة.
تطوير العربات والقاطرات
تمتلك هيئة السكك الحديدية -وفق الإحصاءات الرسمية- أكثر من 3000 عربة قطار متنوعة يحتاج 1600 منها إلى رفع الكفاءة والتجديد، وهو ما يجبر الهيئة على العمل بحوالي 40% فقط من طاقة العربات. لهذا، سارت الهيئة في محورين متوازيين لتطوير طاقة أسطولها:
المحور الأول: تأهيل وصيانة عدد من عربات الركاب بالقدرات المحلية المتاحة، لهذا تعاقدت الهيئة مع مصنع سيماف من أجل تطوير 400 عربة ركاب من الدرجة الثالثة، وبدأ هذا الأخير في توريد العربات المطورة منذ نهاية العام الماضي، كما أسندت الهيئة عقد تأهيل 90 عربة مكيفة من الدرجتين الأولى والثانية لورش كوم أبو راضي التابعة لها، وقد تم الانتهاء من تنفيذ عملية تأهيل تلك العربات، ودخلت بالفعل إلى الخدمة تحت اسم قطارات “VIP”.
المحور الثاني: إبرام عددٍ من الصفقات لتوريد مئات العربات الجديدة، حيث تعاقدت الهيئة مع التحالف الروسي المجري “ترازماش هولدنج” من أجل توريد 1300 عربة قطار مخصصة للركاب، وبقيمة إجمالية بلغت مليارًا و16 مليونًا و50 ألف يورو، وتم بالفعل توريد 33 عربة من تلك الصفقة، فيما ستصل باقي العربات على دفعات، كما تم الاعتماد على التصنيع المحلي في جزء من تلك الصفقات، حيث تعاقدت الهيئة مع مصنع سيماف من أجل تصنيع 375 عربة بضائع متنوعة، وبدأ المصنع في تسليم دفعات منها بالفعل.
وقّعت الهيئة صفقة مهمة مع شركة “General Electric” من أجل توريد 110 قاطرات جديدة، بالإضافة لإصلاح 81 قاطرة معطلة منذ 2010، وبلغ معدل الإنجاز في تلك الصفقة أكثر من 40%، حيث ورّدَتَ الشركة 70 قاطرة جديدة، فيما قامت بإصلاح 7 قاطرات قديمة، ولقد أدت محصلة تلك المجهودات، سواء في توريد أو تطوير العربات والقاطرات، إلى إعلان الهيئة في أواخر يوليو الماضي عن دخول 38 قطارًا جديدًا إلى خطوط السكك الحديدية، ومن المنتظر أن تتضاعف أعداد تلك القطارات الجديدة خلال الأشهر المقبلة.