تُعتبر المساعدات الإنسانية الدولية ركيزةً أساسيةً ضمن خطط الاستجابة والتعافي من جائحة كورونا، ولذا فقد أثارت أزمة كورونا العديد من المخاوف بشأن إضافة المزيد من المعوقات أمام تقديم المساعدات الإنسانية الدولية، بما يزيد من مأساة الشعوب التي تعيش بالفعل في معاناة، أخذًا في الاعتبار أن العديد من البلدان التي تحتاج إلى مساعدات إنسانية للتعامل مع الوباء تعاني أيضا من أزمات إنسانية أخرى طويلة الأمد تتطلب كذلك زيادة في مساعدات التنمية. وعلى الأرجح فإن ذلك سيؤدي إلى إجهاد ميزانيات الجهات المانحة، بالإضافة إلى أن سياسات الإغلاق ستؤدي إلى تقليص حجم المساعدات.
حجم المساعدات الإنسانية
أشارت التقديرات الأولية التي أصدرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (OCHA) قبل تفشي أزمة كورونا في أواخر العام الماضي، إلى أنه في عام 2020 إلى وجود حوالي 168 مليون شخص على مستوى العالم في حاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية، أي بمعدل واحد من كل 45 شخصًا على مستوى العالم، وسيتطلب العمل من أجل دعم هذا المهمة الإنسانية تمويلًا بقيمة 28.8 مليار دولار. ومع تفشي فيروس كورونا، أجبرت التحديات الصحية والاقتصادية الهيئات الدولية على مراجعة هذه النظرة، لترتفع المتطلبات التمويلية للعمل الإنساني لعام 2020 إلى 40.16 مليار دولار بنهاية شهر أغسطس 2020، وهو ما يشير إلى تزايد حجم المساعدات الإنسانية المطلوبة عالميًّا لتفوق كل التوقعات.
ولكن على الجانب الآخر، وبالنسبة للمتاح فعليًّا من المساعدات الإنسانية، فقد كشف تقرير “المساعدات الإنسانية العالمية” لعام 2020 عن سابقة تحدث للمرة الأولى منذ عام 2012، وهي انخفاض حجم المساعدات الإنسانية المقدمة في عام 2019 إلى 29.6 مليار دولار أمريكي بنسبة تراجع 5% عن عام 2018[1]، بما يوضح عدم التوازن في الواقع بين الزيادة المستمرة في الحاجات التمويلية المنشودة وانخفاض المساعدات المقدمة من المانحين بالفعل، لتتكون فجوة تمويل في المساعدات الإنسانية، تقدر نسبتها حتى أغسطس 2020بحوالي ٧٢% من التمويل المطلوب.
ضغط الميزانيات الداخلية
هناك قلق واسع من أن المعونة الإنمائية الرسمية معرضة للتخفيضات بسبب الضغوط على التمويل العام في ميزانيات البلدان المانحة نتيجة للأزمة المالية والاقتصادية العالمية. وفي هذا الصدد، أصدرت لجنة المساعدة الإنمائية (Development Assistance Committee) التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (Organisation for Economic Co-operation and Development)، والتي تعتبر المنتدى الدولي لمناقشة القضايا المتعلقة بالمساعدات والتنمية والحد من الفقر في البلدان النامية كونها تضم الدول المانحة الرئيسية في العالم، بيانًا مشتركًا في شهر أبريل 2020 يعترف بأهمية المساعدة الإنمائية الرسمية لمساعدة البلدان النامية خلال جائحة كورونا، وتعهد الأعضاء بأنهم “سيكافحون لحماية” التزاماتهم تجاه ميزانيات المساعدة الإنمائية الرسمية المقدرة بنسبة 0.7% من إجمالي الدخل القومي لهذه الدول، وبدا الأمين العام للمنظمة “أنخيل غريا” واثقًا من أن المانحين لن يتراجعوا عن الالتزامات في ضوء الأزمة الناجمة عن كورونا، قائلًا إن المساعادات الإنمائية الرسمية قد أثبتت أنها مقاومة للركود في الماضي، وقد برهن على ذلك من خلال ما حدث من جانب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أثناء الأزمة المالية لعام 2008.[2]
ويثير هذا الأمر تساؤلًا هامًّا عن العلاقة بين الصدمات الاقتصادية والسلوكيات المالية المتعلقة بتقديم المساعدات الإنسانية من الدول المانحة؛ فهل تؤثر الأزمات الكبرى دائمًا على المساعدات الإنسانية سلبًا؟ أم إن الأخيرة مقاومة للصدمات الاقتصادية كما صرح الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؟ يتبين من البحث عن هذه العلاقة أنه بعد عام 2008 ظلت المستويات الإجمالية للمساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة مستقرة نسبيًّا بالفعل، بل وزادت قبل أن تنخفض لمدة عامين متتاليين (1% بالقيمة الحقيقية في 2011 و4% في 2012).[3]
لذا يمكن تقييم هذا النوع من التغير بأنه مثل الركود الاقتصادي المزدوج بما فيه من انتعاش قصير يليه ركود طويل الأجل. ففي حين تبدو استجابة المانحين الفورية وكأنها توسعية، فمن المحتمل ألا تؤدي الآثار المالية إلى تخفيض المانحين للمساعدات الإنمائية إلا بعد فترة. وفي وقت سابق، حذّر تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية من أن الاعتقاد بأن الانكماش الاقتصادي يؤدي دائمًا إلى انخفاض ميزانيات المساعدات، فمن الممكن أن يصبح نبوءة تتحقق ذاتيًّا، حيث تكون الحكومات أكثر استعدادًا لتقليل المساعدات إذا اعتقدت أن أقرانها يفعلون الشيء نفسه، وبالتالي لا يتوقعون سوى اللوم الجماعي بدلًا من الانكشاف بشكل فردي.[4]
إيصال المساعدات الإنسانية
أخذت خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية العالمية لمواجهة فيروس كورونا مسألة إيصال المساعدات في الاعتبار في ضوء الإغلاق الذي فرضته الجائحة، فكانت جزءًا من مجموعة من التحديات تضمنت إغلاق الحدود، والقيود المفروضة على الاستيراد/التصدير، وانخفاض رحلات الطيران التجاري والشحن. وقد رصدت الخطة مخاطر هذا الإغلاق على قدرة الشركاء في التعاقد مع مقدمي الخدمات التجارية، مما يؤدي إلى استجابة بطيئة أو معدومة من قبل المنظمات الإنسانية، فضلًا عن زيادة تكاليف إيصال المساعدات الإنسانية.
أما بالنسبة للمنظمات، ففي مسح شمل أكثر من 80 منظمة غير حكومية عن تأثير فيروس كورونا على تقديم المساعدات الإنسانية، اتضح أن الإجراءات التي فرضتها الحكومات أو التي اتخذتها المنظمات لحماية الموظفين والمتلقين لخدماتهم لم توقف المساعدات، وإن كانت تركت أثرًا هامًّا على عمليات تقديم المساعدات في كل مكان تقريبًا.[5]
لقد فرضت جائحة كورونا عالميًّا المزيد من التحديات الهائلة أمام تقديم المساعدات الإنسانية التي تتطلب العمل والالتزام الواضح، وأثارت الأزمة الكثير من القلق حول تدهور المساعدات المقدمة خاصة للبلدان التي تعيش حالات الطوارئ الإنسانية الصحية والصراعات طويلة الأمد. حدث هذا فيما كانت المؤشرات تبين انخفاض دعم المجتمع الدولي المقدم لمساعدة البلدان والشعوب التي تمر بحالات الطوارئ الإنسانية، منذ مرحلة ما قبل الجائحة، بما يعني أن الوضع الذي كان سيئًا قد أصبح أكثر سوءًا.
المصادر
[1] Development Initiative. Global Humanitarian Assistance Report 2020, 22 July 2020, available at: https://devinit.org/resources/global-humanitarian-assistance-report-2020/
[2] OECD.Covid-19 Global Pandemic: Joint Statement by the OECD Development Assistance Committee. 9 April 2020, available at: http://www.oecd.org/dac/development-assistance-committee/dac-covid-19-statement.htm
[3]“Covid-19 and Official Development Assistance Current issues and challenges” European Network on Debt and Development. June 2020. Available at:
[4]“Economic cycles and development aid: What is the evidence from the past?” European Commission. November 2009, available at:
https://ec.europa.eu/economy_finance/publications/pages/publication16283_en.pdf
[5]Assessment Capacities Project. COVID-19: Impact on humanitarian operations – Quick Survey April 2020, available at: https://reliefweb.int/organization/acaps