بواعث قلق عديدة لها بعض ما يبررها تساور نسبة هامة من الرأي العام في مصر، وربما في بعض دول المنطقة، من أن يؤدي الفوز المحتمل لمرشح الحزب الديمقراطي “جو بايدن” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى محاولة إعادة إحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد لـ”كوندوليزا رايس”، وما يشمله من مفاهيم عن “تغيير نظم الحكم” و”الفوضى الخلاقة” والتي تواكبت مع الأحداث التي شهدناها عام ٢٠١١ التي يصفونها بـ”الربيع” وبـ”العربي” أيضًا.
فمن الواضح أن هذا المشروع قام على أربع ركائز رئيسية، يتمثل أولها في تبرير اللجوء إلى التدخل العسكري والسياسي المباشر من أجل تغيير نظم الحكم القائمة في عدد من دول المنطقة، وذلك تحت دعاوى نشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ويتعلق ثاني تلك الركائز بالترويج للنموذج التركي الذي من وجهة نظر بعض الدوائر الغربية يقدم مثالًا لنجاح الإسلام المعتدل في تحقيق الديمقراطية والازدهار الاقتصادي، وتتصل الثالثة بدعم تصعيد الإسلام السياسي المتمثل أساسًا في جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها القوة السياسية الرئيسية التي يمكن أن تسهم في تعزيز الجهود الرامية لمكافحة الإرهاب في ظل الاعتقاد بأن الغرب يمكنه التوصل معها إلى تفاهمات غير معلنة حيال قضايا السلام مع إسرائيل وحقوق المرأة وحماية الأقليات، وتتعلق الرابعة بتأمين الحصول على التمويل اللازم لتنفيذ هذا المشروع من إحدى دول الخليج مع تكثيف توظيف مجموعة من وسائل الإعلام المؤثرة ومراكز الأبحاث السياسية والاستراتيجية ذات الثقل في الترويج لأهمية نشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
وعلى الرغم مما أحدثته ثورة ٣٠ يونيو في مصر من تصدع لركائز هذا المشروع برمته؛ تبدو مجموعة من الدوائر الغربية الأمريكية والأوروبية عاجزة حتى الآن عن فهم أن هذا المشروع قد قام على أسس واعتمد على قوى إقليمية، ولجأ إلى وسائل واستخدم شخصيات لم يكن من الممكن أن توفر له أدنى درجة من النجاح، خاصةً وأن التطورات الخطيرة التي شهدتها مجموعة من دول المنطقة قد أدت إلى تحولها إلى دول فاشلة بعد أن تم تمزيق مجتمعاتها بالدرجة التي أدت إلى تصاعد الإرهاب والأصولية والتطرف، وخلق أزمة للاجئين والنازحين تعد الأكبر التي يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فضلًا عما سببته من خسائر إنسانية واقتصادية لم تكن الدوائر الغربية التي تبنت هذا المشروع متوقعة لحدوثها أو مدركة لتداعياتها على مقتضيات الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة أو حتى لانعكاساتها السلبية على أمنها ومصالحها.
ونظرًا لأن التغيرات الجوهرية التي طرأت منذ عام ٢٠١١ على مجمل الأوضاع في المنطقة قد لا تكفي وحدها لاحتواء بواعث القلق القائمة من احتمالات فوز مرشح الحزب الديمقراطي؛ فإن معالجتها ستتوقف على المنحى الذي ستتخذه السياسات التي سيتم تطبيقها في المنطقة، خاصة ما يتعلق منها بضرورة التعامل الحازم مع تركيا “أردوغان” وسياساته التي تؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وإلى دعم الإرهاب والأصولية والتطرف، بعد أن تحول من شريك في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وما يصفونه بـ”الربيع العربي” إلى عبء على كافة الأطراف، والأمر يمتد إلى ضرورة التخلي عن الأفكار التي لا تزال تعلق أهمية كبيرة على دعم تصعيد الإسلام السياسي، والتي تصطدم مع طموحات الطبقات المثقفة المستنيرة ومتطلبات احترام حقوق وسلامة كافه معتنقي المعتقدات المغايرة في العديد من المجتمعات.
ومع الاعتراف بأهمية احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وفقًا للصكوك الدولية المعنية بذلك، فهناك حاجة لإيجاد قدر من التوازن بين محاولة معالجة الحالات الفردية لانتهاكات حقوق الإنسان والمتعلقة بحرية التعبير وحقوق التظاهر السلمي وسجناء الرأي من المعارضين والنشطاء والمدونين، وبين تلك المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة المتصلة بالعدوان والاحتلال وجرائم الحرب ودعم الإرهاب واستخدام المرتزقة وكافة انتهاكات القانون الدولي العام والإنساني، فما تعرض له العراق وما تشهده سوريا وليبيا والخسائر الإنسانية والاقتصادية الهائلة التي تحققت يجب أن تدفع الفائز في الانتخابات الرئاسية القادمة إلى إدراك أن المنطقة أصبحت غير قادرة على تحمل أخطاء كارثية إضافيه تتعلق بتدخلات عسكرية أو سياسية أو حتى إعلامية وأكاديمية خارجية يمكن أن تعرضها لانفجارات لن يستطيع أحد تحمل مجمل تبعاتها.