تُعد صناعة الأسمنت أحد المحركات الرئيسية لصناعة التشييد والبناء في الاقتصاد المصري، لكنها تواجه تحديات منها وجود طاقات إنتاجية معطلة، نظرًا لتراجع الطلب، وارتفاع كلفة مكونات هذه الصناعة، ما جعل سعر الأسمنت المصري أعلى من نظيره في دول أخرى بالمنطقة. ناهيك عن سيادة مفاهيم مغلوطة لدى البعض حول ذلك القطاع، وهو ما يكشفه هذا التقدير، بل ويطرح مقترحات لمواجهة تحدياته.
مؤشرات الصناعة
تُسهم صناعة الأسمنت المصرية وحدها، بحوالي 1% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، بينما تشكل قرابة 10% من الإنتاج القومي للصناعة المصرية، من خلال 24 شركة بإجمالي 46 خط إنتاج، وإجمالي طاقة إنتاجية 82 مليون طن سنويًّا، و تنقسم الاستثمارات في صناعة الأسمنت إلى عشرة خطوط تملكها الحكومة المصرية من خلال شركتين، فضلًا عن ثماني شركات استثمارات مصرية، وشركتينكاستثمارات سعودية مصرية مشتركة، أما باقي الشركات فهي استثمارات يونانية، وفرنسية، وسويسرية، وألمانية، وإسبانية، وبرازيلية، ومكسيكية، علمًا بأن تكلفةإنشاء خط الأسمنت تتراوح ما بين 110 و150 مليون دولار أمريكي، بخلاف تكلفة الأراضي والمرافق والبنية التحتية، يوُمثّل إجمالي حجم الاستثمارات في صناعة الأسمنت في مصرأكثر من 250 مليار جنيه مصري، فيما يحوز هذا القطاع على عمالةمباشرة تصل إلى 50 ألف شخص، وأخرى غير مباشرة تصل إلى 200 ألف شخص.
تحديات متعددة
يمكن إجمال أبرز التحديات التي تواجه إنتاج الأسمنت فيما يلي:
١. الفجوة بين العرض والطلب: حيث إن الطاقة الإنتاجية لقطاع الأسمنت أكبر من الطلب المحلي والخارجي عليها، حيث تصل القدرة الإنتاجية لهذا القطاع إلى 82 مليون طن مقارنة بطلب محلي وخارجي يصل إلى 49 مليون طن في عام 2019، ما يعني أن هنالك طاقة معطلة تصل إلى 33 مليون طن لسلعة لا تصلح للتخزين. ومن المتوقع أن ينخفض الطلب السنوي إلى 45 مليون طن مع نهاية عام 2020، وبالتالي ستتزايد الطاقة المعطلة إلى 37 مليون طن.
٢. ندرة الفرص التصديرية: حيث تتعزز أزمة الطلب في صناعة الأسمنت بسبب ارتفاع سعر المنتج المصري، مقارنة بنظيره إقليميًّا من تركياوالسعوديةواليونان وإسبانيا، فلدى تلك الدول فائض للتصدير تكلفته وتسعيره أقل من الأسمنت المصري الذي يتزايد سعره نظرًا لتزايد كلفةمكونات الإنتاج.
٣. ارتفاع التكلفة الإنتاجية للأسمنت: وذلك لعدد من العوامل، منها: رفع الدعم عن الطاقة التي تمثل وحدها ما بين 50 و70% من تكلفة الإنتاج لمصانع الأسمنت، طبقًا للكفاءة الإنتاجية، بخلاف أن تعويم الجنيه المصري منذ عام 2016 رفع مستلزمات الإنتاج والصيانة والفحم التي يتم استيرادها من الخارج. ناهيك عن ارتفاع منظومة الرسوم على المحاجر والضرائب (كالطفلة، النولون، الفحم)، وكذلك ضريبة القيمة المضافة التي يتحملها المستهلك، لكنها -في الوقت نفسه- تضغط على حجم الطلب على قطاع الأسمنت، بخلاف الضريبة العقارية على المصانع، ورسوم الطرق، وعدم قدرة المصنعين على ترجمة ذلك في الأسعار، مما أدى إلى خسائر فادحة.
٤. سيادة مفاهيم مغلوطة حول قطاع الأسمنت، من أبرزها:
- يسود تصور عام بأن مشروعات البنية التحتية التي تنشط فيها الحكومة تبتلع الطاقة الإنتاجية لمصانع الأسمنت. وبرغم صحة ذلك جزئيًّا، لكن -في المقابل- فإن نشاط هذه المشروعات توازى معه تراجع في اتجاه الأفراد لبناء العقارات في السنوات الست الماضية بسبب طبيعة الأوضاع الاقتصادية، وزيادة المعروض من العقارات في السوق.
- ليس صحيحًا كليًّا أن حل مشكلة الأسمنت يكمن في التصدير، لأن الأسواق الإقليمية تصدر منتجها من الأسمنت بأسعار منخفضة تصل إلى 10 و12 دولارًا للطن، مقارنة بسعر الأسمنت المصري، بسبب انخفاض مكونات الإنتاج والضرائب لصناعة الأسمنت في تركيا، والسعودية، والإمارات،والمغرب، ناهيك عن أن لديهم فوائض إنتاجية.
لا يكمن حل مشكلات صناعة الأسمنت -كما يتصور البعض- في خفض سعر الغاز، إذا ما علمنا أن مصنّعي الأسمنت، عدا مصنع واحد فقط، يستخدمون الفحموليس الغاز بتكلفة تقل قليلًا عندولارين، بل إنهم حولوا خطوط الإنتاج من الغاز إلى الفحم في 2014 بتكلفة تتراوح ما بين 10 إلى 15 مليون دولار للخط الواحد، بسبب القصور في إمدادات الغاز حين ذاك، وليس صحيحًا أن صناعة الأسمنت بعيدة عن مسارات التنمية إذا علمنا أن أفران مصانع الأسمنت يتم استخدامها للتخلص من النفايات المضرة بالبيئة، مثل البلاستيك، حيث تشترك بعض المصانع مع الحكومة المصرية في حرق النفايات الخطرة المتروكة في الموانئ المصرية، بل وإعادة استخدام النفايات وتدويرها.
حلول مقترحة
سعى المصنعون في قطاع الأسمنت إلى التكيف مع تلك التحديات، عبر خفض تكاليف الإنتاج من خلال استخدام الوقود البديل، كما قامت بعض الشركات ببيع بعض الأصول من أراضيها، لكن ذلك أسفر -في المقابل- عن ارتفاع مديونيات المصنعين لدى البنوك، وخفض العمالة، وإغلاق بعض خطوط الإنتاج، مما قد يؤثر على هذه الصناعة الحيوية في الاقتصاد المصري، ولا تختلف الحلول المقترحة لمواجهة صناعة الأسمنت في مصر عن نظيراتها في الدول الأخرى التي واجهت مشكلة الطاقات الإنتاجية المعطلة، ومنها الصين، وتنقسم هذه الحلول إلى تقديرات تجارية، وأخرى بيئية، ومن أبرزها ما يلي:
– حلول قصيرة الأمد، كخفض حجم الإنتاج، بما لا يتعارض مع قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، علىأن تقوم الدولة بدور فعّال في إيجاد المنظومة المناسبة لذلك، عبر التواصل مع شعبة الأسمنت باتحاد الصناعات المصرية، مع مراجعة هذه المنظومة بشكل دوري. مثل هذا الإجراء من شأنه أن يُعيد التوازن بين حجم العرض والطلب في الأمد القريب، ويتيح للسوق العمل في ظل معايير تنافسية طبيعية، دون أن ينجم عن ذلك خروج طاقات إنتاجية من السوق، كما يسمح للمنتجين أيضًا بزيادة الإنتاج إذا ما ارتفعت مستويات الطلب.
– حلول طويلة الأجل: حيث يمكن أن تُطبق الحكومة تدبيرًا للحد الأقصى للإنتاج القائم على أساس حصة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون محددة لكل مصنع، له أن يستخدمها، أو يتم بيعها لمصنع آخر، وهو ما يجعل البقاء للأفضل “بيئيًّا”، وهو حل مماثل لما تم تقديمه في عدد من البلدان الأخرى. ويُتيح هذا الحل عدم تنافس المنتجين على الجودة والأسعار فحسب، بل الكفاءة، والحفاظ على البيئة، حيث إن تحديد سقف للإنتاج يستند إلى الانبعاثاتمن شأنه أن يؤدّي إلى إيجاد توازنٍبين العرض والطلب.