نحو ترجمة حقيقية لإعلان وزارة التربية التعليم عام 2020 عام تقدير المعلم، أقر مجلس النواب حزمة من المزايا المالية للمعلمين تضمنها مشروع قانون تحسين أوضاع المعلمين، والذي جاء استجابة لتنفيذ تكليف رئيس عبدالفتاح السيسي ببحث مشروع يستهدف تحسين أوضاع حوالي مليوني معلم مصري بقطاع التعليم قبل الجامعي العام والأزهري، بتكلفة مالية قدرها 6.6 مليارات جنيه، بالإضافة إلى الأعباء التأمينية.
ويستهدف مشروع قانون تحسين أوضاع المعلمين تطبيق إصلاحات هيكلية للأجور بقطاع التعليم قبل الجامعي العام والأزهري، من خلال إنشاء صندوق للرعاية الاجتماعية والمالية للمعلمين بالمهن التعليمية ومعاونيهم بقطاع التربية والتعليم والأزهر، يتبع رئيس مجلس الوزراء، تكون له شخصية اعتبارية، على أن يتم تمويل الصندوق من خلال تقديم دعم مالي من الخزانة العامة للدولة لمرة واحدة فقط وقدره نصف مليار جنيه يتم ضخها على دفعتين متساويتين مع كل موازنة مالية سنوية، هذا بالإضافة إلى الموارد الدورية والمحصلة بنسب محددة من قيمة كل من: الزيادة المقترحة فى بدل المعلم؛ وحافز الأداء؛ ومكافأة الامتحانات؛ وحافز الإدارة المدرسية؛ ومجموعات التقوية بالمدارس؛ ورسوم الأنشطة والخدمات التعليمية؛ ورسوم تراخيص إنشاء وتشغيل المدارس الخاصة، علاوةً على عوائد استثمار أموال الصندوق، والتبرعات التي يقبلها مجلس إدارة الصندوق.
ومن المخطط أن يتمّ الشروع في صرف المزايا المالية غرة العام الحالي، بمتوسط زيادة شهرية في المرتبات تبدأ بـ390 جنيهًا للمعلم المساعد، وتزداد حسب الدرجة الوظيفية لتصل إلى ٦٣٠ جنيهًا لدرجة كبير المعلمين، بتكلفة سنوية قدرها 5.6 مليارات جنيه، هذا بالإضافة إلى حافز الإدارة المدرسية المستحق لمديري المدارس, ويبلغ قدره ٢٥٠ جنيهًا لكل مدير مدرسة، و١٥٠ جنيهًا لوكيل المدرسة شهريًّا، ويستهدف ١١٠ آلاف من مديري المدارس ووكلائهم بقطاع التعليم قبل الجامعي العام والأزهري، بتكلفة سنوية ٣١١ مليون جنيه، علاوة على صرف مكافأة امتحانات النقل لكل العاملين بقطاع التعليم قبل الجامعي العام والأزهري، بتكلفة سنوية إضافية قدرها 2.8 مليار جنيه.
كما يتضمن مشروع القانون زيادة بنسبة ٥٠٪ من قيمة بدل المعلم، وتتدرج هذه النسبة من ٧٥ جنيهًا إلى ١٨٠ جنيهًا حسب الدرجة الوظيفية للمعلم، وتستهدف 1.4 مليون معلم بتكلفة سنوية قدرها 1.8 مليار جنيه، هذا بالإضافة إلى صرف حافز أداء إضافي شهريًا بنسبة ٥٠٪ من قيمة حافز الأداء الحالي، ويستهدف شاغلي الوظائف التعليمية بالتربية والتعليم والأزهر، ويتدرج من ١٤٠ جنيهًا وحتى ١٨٥ جنيهًا حسب الدرجة الوظيفية، ويستهدف حوالي 1.4 مليون معلم، بتكلفة سنوية قدرها 1.2 مليار جنيه.

ويبلغ عدد المستفيدين من حزمة الإصلاحات الهيكلية لأجور العاملين بقطاع التعليم قبل الجامعي العام والأزهري حوالي 2.1 مليون موظف منهم 1.4 مليون معلم، و٧٠٠ ألف من أصحاب الوظائف التعليمية الأخرى، كما يبلغ إجمالي التكلفة المستحقة لتنفيذ هذه الإصلاحات 6.6 مليارات جنيه. ويُعد مشروع قانون تحسين أوضاع المعلمين بالتعليم العام والأزهري خطوة جادة لتقدير المعلم المصري. والسؤال هو عما إذا كان سيحدث تحسن في أداء المدرسين يساوي هذه التكلفة أم لا.
درجة وظيفية أم مسمى وظيفي؟!
اعتمدت بعض مواد قانون تحسين أوضاع المعلمين في توزيع استحقاق بعض الحوافز على الدرجة الوظيفية كمحك لتحديد قيمة الحافز المستحق، وخاصة عند تحديد قيمة الزيادة الشهرية في المرتبات بشكل عام لجميع الدرجات الوظيفية، بدءًا من درجة معلم مساعد وحتى درجة كبير معلمين؛ بينما اعتمدت مواد أخرى من قانون تحسين أوضاع المعلمين في توزيع استحقاق بعض الحوافز على المسمى الوظيفي كمعيار لتحديد قيمة الحافز المستحق، وخاصة عند تحديد قيمة حافز الإدارة المدرسية أو حافز الأداء الوظيفي لشاغلي الوظائف التعليمية المختلفة بالتربية والتعليم والأزهر، هذا بالإضافة إلى وجود مواد بالقانون نفسه ذات طبيعة خاصة، مثل حافز بدل المعلم، بيد أن قيمة استحقاق هذا الحافز متغيرة بتغير الدرجة الوظيفية، الأمر الذي يترتب عليه حتمية تفعيل آلية تضمن توزيعًا عادلًا يُحقق تنمية مهنية ينتج عنها تحسن في مستوى الأداء الوظيفي للمعلم.
ومن الجدير بالذكر أن تنمية المعلم مهنيًا أثناء الخدمة ترتبط بالترقي ضمن جدول الدرجات الوظيفية، بدءًا من معلم مساعد, فمعلم, ثم معلم أول, فمعلم أول (أ), ثم معلم خبير, وأخيرًا كبير معلمين وفق الباب السابع من قانون كادر المعلم (155 لعام 2007), حيث يضم هذا القانون الشروط المنظمة لشغل كل درجة وظيفية، وينتقل المعلم من وظيفة إلى وظيفة أعلى بعد اجتياز الاختبار المقرر, وتكمن المشكلة في افتراض أن اجتياز الاختبار يمثل بمفرده مقياسًا لمهارات المعلم، وللتنمية المهنية التي حازها أثناء تأدية الوظيفة، وشهادة على أهليته لتولي المسئوليات المرتبطة بالمستوى الوظيفي الأعلى، وما يترتب عليه من استحقاقات مالية من بدلات وحوافز؛ إلا أن هذه الفرضيات غير واقعية، وتحتاج إلى مراجعة وإعادة تفكير.

وقد حدد قانون التعليم الأكاديمية المهنية للمعلمين كمؤسسة تختص بتنمية المعلم المصري مهنيًا، وأناط بها منح المعلم شهادة الصلاحية ليتدرج في الترقي وفق جدول الوظائف المنصوص عليها، وما يقابلها من درجات مالية. وفي عام 2013 تم تعديل اللائحة التنفيذية للباب السابع من قانون التعليم 155 لعام 2007, واشتملت التعديلات على المعايير الوظيفية ومجالات التنمية المهنية لكل وظيفة، ودرجتها الأدبية.
المحلل لمواد قانون التعليم المصري بتعديلاته ولائحته التنفيذية فيما يخص التنمية المهنية للمعلمين يجده شاملًا ومرنًا، بيد أن واقع تطبيقه يشوبه بعض الخلل، فالبرامج والدورات التدريبية المقدمة للمعلمين كشرط للترقي بنسبة حضور تتخطى 70%، إلا أنها تحتاج إلى تطوير يناسب الاحتياجات التدريبية والمهنية، ويعكس التطور في نظام التعليم، وخاصة البرامج المخصصة للدرجات الوظيفية الأعلى، والبرامج التدريبية الخاصة بتدريب القيادات التربوية، حيث إن معظم هذه الدورات اختيارية بتكلفة مادية إضافية.
كما تحتاج البرامج التدريبية إلى معالجة تشمل تدريب المعلمين المستهدفين وفق الاحتياجات التدريبية الفعلية للمهام الوظيفية، حيث تعتمد برامج التدريب والترقي الحالية على برامج تدريب وأدوات تقييم متماثلة لكل الفئات رغم الفروق بينها. فبينما يتم تقسيم الدرجات الأدبية في مجال التدريس إلى مجموعتين متمايزتين، تختص الأولى بوظائف التدريس، وهي المجموعة الممتدة حتى وظيفة معلم أول أ، فيما تختص الثانية بوظائف التوجيه والإدارة، وهي المجموعة التي تبدأ بوظيفة معلم خبير؛ فإن المجموعتين تخضعان لنفس أدوات القياس والتقويم, فالمعلم المساعد أو المعلم المتقدم للترقي للوظيفة الأعلى؛ كمعلم؛ أو كمعلم أول, يخضعان لنفس التدريبات, والتقييمات, وبالمثل تخضع مجموعة معلم أول (أ), ومعلم خبير لنفس التدريبات, والتقييمات، الأمر الذي لا يعكس تنمية مهنية حقيقية.
وعلى الرغم من امتلاك وزارة التربية والتعليم قاعدة بيانات إلكترونية للمعلمين بمختلف درجاتهم الأدبية، ووجود نظام إلكتروني آمن، وكود لكل معلم؛ إلا أن هذا النظام الرقمي لا يتم توظيفه بشكل كامل في تدريب المعلمين أثناء الخدمة، بل يقتصر فقط على إرسال واستقبال إخطارات الترقي ومواعيد ومقار لجان الاختبارات. وعلى صعيد قطاع التعليم الأزهري والمستهدف ضمن قانون تحسين أوضاع المعلمين، فهو غير مندرج في قاعدة البيانات الإلكترونية الخاصة بوزارة التربية والتعليم، ويخضع المعلمون ضمن قطاع التعليم الأزهري إلى آليات للترقّي تختلف عن نظرائهم في قطاع التعليم قبل الجامعي.
نحو تحسين أداء المعلم
إن ضمان جودة مخرجات التعلم وأثر التعليم يعتمد بشكل كبير على إعداد المعلم وتدريبه قبل وأثناء الخدمة, بالإضافة إلى المزايا المادية والرعاية الاجتماعية التي يتمتع بها المعلم، وقد انصبّ توجه وزارة التربية والتعليم في الأعوام الماضية على تطوير التعليم من خلال تحسين جودة المناهج التعليمية لتتمحور حول التعلم المبني على تنمية المهارات، وليس الكم التحصيلي للمعرفة, مما يفرض تطوير نظم وبرامج تقييم وتدريب المعلمين، بحيث تؤدي بشكل فعلي إلى تحسن أداء المعلم، وبما يمكن من تقييم مدى استحقاق المزايا المالية، وربط هذه المزايا بمستوى الأداء، ويمكن أن يتم ذلك من خلال إنشاء رخصة لمزاولة مهنة التعليم، يجري تجديدها وترقيتها وفق شروط محددة, تقيس مستوى الأداء الحقيقي للمعلم, ويتحدد بموجبها استحقاق المزايا المالية، على أن تشمل الرخصة ضمان تحقيق المعايير التالية:
- نمو في مخرجات التعلم المطلوبة من قيم ومهارات إلى جانب التحصيل المعرفي التي يمكن قياسها بنسبة مشاركة طلاب مصر في المرحلة قبل الجامعية في المنافسات العلمية والرياضية المحلية والعالمية وحصاد هذه المشاركات.
- النمو المهني للمعلم والتي يمكن قياسها بنتائج الاختبارات التي تعدها الأكاديمية المهنية للمعلمين، على أن يتم تطويرها بما يقيس الاحتياجات التدريبية للمعلمين المستهدفين للترقي والحصول على رخصة مزاولة المهنة، بالإضافة إلى نتائج تقييمات الرئيس المباشر (الإداري – الفني) (مدير المدرسة – موجه المادة)، وتكون مبنية على تقارير متابعة دورية، وتشمل إنجازات المعلم سواء من خلال مشروعات طلابه أو منشوراته البحثية.
- الإبداع، كمشاركات التطوع في المجتمع المحلي، أو المشاركات الدولية بمختلف أنواعها، علمية كانت، أدبية، أو فنية، أو رياضية، أو غيرها.
- تقييم الطلاب وأولياء أمورهم، حيث يتم بناء استبيانات تقيس تقييم الطالب وولي الأمر للمعلم.
أخيرًا، يمكن القول إن طرح صندوق للرعاية المالية والاجتماعية للمعلمين يُعد خطوة هامة لتحسين أوضاع المعلمين، ومن الضروري أن يهدف هذا الصندوق إلى ربط الحافز بمستوى الأداء المهني، بحيث ترتبط الاستفادة من الزيادات المقترحة في الأجور والمكافآت بمدى التحسن في الأداء، بدلًا من إعطاء مزايا معممة يتم الحصول عليها بغض النظر عن مستويات الأداء.