يواجه الاقتصاد المصري أثناء فيروس (كوفيد-19) اختبارًا لمدى استمرار نجاح مصر في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم تطبيقه على مدار السنوات 2016-2019، وحيث إنه تم التخطيط لموازنة مصر للعام المالي 2020-2021 لتكون الأكبر على الإطلاق في تاريخ مصر بمبلغ 2.2 ترليون جنيه، فإن التوقعات أثناء التخطيط لتلك الموازنة لم تتخيل أن يمر العالم بجائحة كورونا. ومن ثم فإن تلك الموازنة تعد استثنائية في تاريخ مصر من حيث الأحداث التي مرت بها. يتناول هذا التحليل ثلاثة بنود يُنظر إليها على أنها الأكثر تأثيرًا على الموازنة العام المصرية للعام الحالي، وهي دعم المواد البترولية، ودعم القمح (الخبز)، والاستثمارات العامة، وذلك بهدف التعرف على الاتجاه العام لتلك البنود بالموازنة والآثار المحتملة لتلك البنود على الموازنة العامة للدولة.
دعم المواد البترولية
سبق وأن شهد الإصلاح الاقتصادي تحريرًا كبيرًا لأسعار المواد البترولية في مصر، وهو أمر ساهم بشكل إيجابي في تحسين قدرة الاقتصاد المصري على الصمود خلال عام الكورونا. وعلى الرغم من ذلك لا يزال يوجد بند لدعم المواد البترولية بموازنة العام المالي 2020-2021، حيث خصصت الدولة دعمًا للمواد البترولية بقيمة 28.1 مليار جنيه (مقابل 52.9 مليارًا للعام السابق). وقد أشارت الحكومة إلى أن دعم البترول في الموازنة يتم احتسابه على أساس متوسط سعر للبرميل يبلغ 61 دولارًا. وحيث إن مصر تستهلك عدد 743 ألف برميل بترول يوميًا فإنه من المتوقع أن يساهم كل تغير في سعر البترول بمقدار 1 دولار للبرميل إلى تغير في حجم الدعم المخصص لذلك البند بالموازنة بحوالي 3-4 مليارات جنيه.
دعم القمح
يبلغ دعم القمح بموازنة العام المالي 2020-2021 مبلغ 47.5 مليار جم، ويعتبر ذلك الدعم تقريبًا 57% من قيمة الدعم الموجه للمواد الغذائية بالموازنة البالغ 84 مليار جنيه. وتعتبر روسيا المورد الأبرز للقمح في مصر، خاصة أن أسعار القمح الروسي تنافسية مقارنة بالمنتجين الآخرين بالعالم نتيجة لقيام الحكومة الروسية بدعم القمح بها، وهو ما ساهم في زيادة قدرة القمح الروسي على الدخول في المنافسة العالمية، لتصبح المنتج الرابع عالميًا في إنتاج القمح بعد الصين والهند والولايات المتحدة، والمورد الأبرز للقمح في مصر. ومن ثم فإن سعر القمح في مصر يرتبط بشكل كبير بأسعار تصدير القمح في روسيا. وقد قامت روسيا بفرض ضريبة مؤقتة على صادرات القمح خلال الفترة من فبراير وحتى يوليو بمبلغ 25 يورو خلال الفترة بين 15 – 28 فبراير، وتضاعفت تلك الضريبة إلى 50 يورو للطن خلال الفترة من أول مارس وحتى شهر يوليو القادم وذلك لاحتواء الآثار التضخمية في الداخل الروسي نتيجة لتقلب أسعار المواد الغذائية، وتسبب ذلك الأمر في وصول سعر طن القمح الروسي إلى حوالي 300 دولار للمرة الأولى في 18 يناير الماضي، مع تقدير قيمة عقود تسليم تاريخ 4 فبراير بسعر 285 دولارًا للطن، وذلك السعر يعتبر أكبر بحوالي 85 دولارًا للطن من السعر المحدد في الموازنه العامة للدولة 2020-2021 والذي سبق الإعلان عنه من جانب وزير التموين في وقت سابق والبالغ 200 دولار للطن. وفي حال النظر إلى بدائل للقمح الروسي فإن القمح الأمريكي يبلغ سعره أيضًا 285 – 289 دولارًا للطن تقريبَا حسب نوعه، ومن ثم فإن ذلك القرار سيساهم في الضغط على الموازنة العامة، ورفع حجم الدعم الموجه إلى المواد الغذائية بمقدار 19 مليار جنيه خلال العام المالي 2020 -2021 (الفرق بين سعر السوق 285 دولارًا والسعر بالموازنة 200 دولار). ينخفض ذلك المبلغ في حال كانت الحكومة المصرية قد أبرمت عقودًا مستقبلية للتحوط من تقلب سعر تلك السلعة لشراء القمح، ومعدلات توريد القمح محليًا للدولة، خاصة وأن الرئيس قد وجه في أبريل الماضي الحكومة لتعزيز الاحتياطيات الاستراتيجية من المواد الغذائية لمواجهة مخاطر انتشار فيروس كورونا. وعلى أي حال فإن السيناريو الأسوأ أن يكون ذلك الارتفاع لفترة مؤقتة من فبراير حتى يوليو، على أن يتلاشى مع زوال أثر تلك الضريبة وتوسع انتشار لقاح فيروس الكورونا، لكن روسيا ستطبق بعد تلك الفترة ضريبة أخرى تسمى ضريبة عائمة متغيرة على سعر طن القمح غير معلوم أثرها على تسعير القمح الروسي حتى الآن.
الاستثمارات العامة
بذلت الدولة جهودًا كبيرة لتحفيز نمو الاقتصاد المصري خلال هذه الفترة (فترة انتشار فيروس كوفيد-19)، ومن ثم فقد زادت الاستثمارات الحكومية من الناتج المحلى الإجمالي خلال العام المالي 2020-21 لتصل إلى نسبة 16%-18% من الإنفاق العام. وهي نسبة أعلى من متوسط معدلات الاستثمارات الحكومية خلال السبع سنوات السابقة والتي بلغت 14% حتى العام المالي 2019-20. ساهمت تلك الاستثمارات الحكومية في تراجع معدل البطالة إلى 7.2% في الربع الرابع من عام 2020، ومن ثم فقد انخفض عن أعلى مستوياته في عامين (9.6% في الربع الثاني من عام 2020) بحوالي 2% تقريبًا. ومن المرجح أن تدعم تلك الاستثمارات النمو المتوقع في الناتج المحلى الإجمالي ليصل إلى مستوى 3.5% – 4% للعام المالي 2020-2021.
إجمالًا لما سبق، فإنه من المتوقع أن تؤثر تلك العوامل السابقة على العجز المالي المتوقع بالميزانية للعام 2020-2021، حيث إن البنود الرئيسية تشمل الفائدة (40% من الإنفاق)، والتي ستشهد انخفاضًا نتيجة انخفاض الإصدارات المحلية الأخيرة، والتي من المرجح أن تحقق وفرًا في التكاليف بحوالي 5 مليارات دولار. البند الثاني وهو دعم المواد الغذائية (الخبز أو دعم القمح) والذي من المتوقع أن يرتفع ليمثل 11% من الإنفاق نتيجة لزيادة سعر القمح وفرض روسيا لضريبة مؤقتة. وأخيرًا زيادة بند الاستثمارات العامة بالموازنة بحوالي 60% في النصف الأول من العام 2020-21 عن المتوقع ليصل إلى حوالي 16-18% من الإنفاق العام والذي سيساهم في ارتفاعها بحوالي 20 مليار جنيه عن المخطط. ومن ثم فإنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الحالي بنسبة 3.5% إلى 4%، وستستطيع الموازنة العامة للدولة تحقيق فائض أولي. لكن من جانب آخر سيترتب على ارتفاع دعم الخبز وزيادة الاستثمارات الحكومية زيادة في العجز المالي الكلي بواقع 40-50 نقطة أساس ليصل إلى مستوى 6.7% تقريبًا. وهي نسبة جيدة وتعتبر أفضل من توقعات العديد من التقارير الاقتصادية، خاصة وأن ذلك العجز يأتي في ظل وجود العديد من مصادر التمويل الداخلية القادرة على تمويله. ومن ثم فإنه حتى الآن نجح الاقتصاد المصري في تجاوز أزمة جائحة كورونا بشكل كبير، وهو ما يمثل نجاحًا جوهريًا لصانعي السياسات في مصر ولبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري.