منذُ سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان (15 أغسطس 2021)، اتجه فرع داعش في المنطقة الآسيوية (ولاية خراسان) للهيمنة على الخريطة الجهادية الأفغانية تمهيدًا للانطلاق منها نحو باقي دول وسط وجنوب آسيا، وهو ما تبدّى في سلسلة من الهجمات الدامية التي شنّها التنظيم في جميع أنحاء أفغانستان وأودت بحياة العديد من المدنيين ومن عناصر حركة طالبان. ورغم تضاؤل هجماته نسبيًا على مدى أشهر شتاء 2021، إلا أنها بدأت تأخذ منحنيات تصعيدية مجددًا مع بداية موسم القتال الربيعي، حيث كثّفت “ولاية خراسان” خلال شهري إبريل ومايو 2022 من هجماتها المتنوعة على الجغرافيا الأفغانية ودول الجوار الإقليمي لأفغانستان. وكان أبرز مظهر دلالي على ذلك، قيام التنظيم في 26 مايو 2022 -في غضون 24 ساعة فقط- بتنفيذ سلسلة هجمات دامية من بينها تفجير مسجد شيعي وسط مدينة مزار شريف شمال البلاد مما خلف أكثر من 30 قتيلًا و60 جريحًا، وتفجير مسجد آخر وسط العاصمة كابول أسفر عن مقتل 6 مدنيين وإصابة 15 آخرين. وفي هذا الصدد، تناقش هذه الورقة مُحفزات تمدد تنظيم “داعش- خراسان”، والمقاربة التي ينتهجها لتعزيز أيديولوجيته المتطرفة في المنطقة، فضلًا عن التبعات الخطرة لهذا التمدد على المشهد الأمني في وسط وجنوب القارة الآسيوية.
تنامي التهديد
بالتزامن مع بدء النسخة الثانية لحكم “طالبان” في أفغانستان، اتّسعت التمركزات الجغرافية لتنظيم “داعش-خراسان” خارج مناطق عملياته التاريخية في شرق البلاد، لتشمل جميع الولايات الأفغانية (34 ولاية) تقريبًا، وهو ما عزّز من قدرة التنظيم على تنفيذ نحو 199 هجومًا على الجغرافيا الأفغانية في الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2021، ارتفاعًا من 39 خلال الفترة نفسها عام 2020. وإبّان الفترة من 30 ديسمبر 2021 وحتى 25 مايو العام الجاري نفّذ التنظيم ما يقرب من 99 هجومًا، حسب الإحصائيات التي تُوردها مجلة “النبأ” الداعشية أسبوعيًا. واستهدفت هذه الهجمات بشكل مُتكرر أبراج الكهرباء ومساجد الشيعة والصوفيين وعناصر وقادة حركة طالبان. وبرزت قوة الفرع الخراساني لـ”داعش” كذلك في استهدافه لطالبان في معقلها بولاية قندهار الجنوبية (ذات أهمية رمزية كبيرة لطالبان)، ومن ذلك الهجوم على مسجد شيعي بالولاية في 15 أكتوبر 2021، وهو الهجوم الذي خلف أكثر من 60 قتيلًا، وأثبت قدرة التنظيم على ضرب طالبان في عقر دارها.
وبعد سيطرة طالبان على كابول في أغسطس الماضي، وسّع التنظيم حملاته الدعائية لتوسيع جاذبيته في آسيا الوسطى عبر تكثيف إنتاج وترجمة ونشر الدعاية الموجهة إلى المتحدثين الأوزبكيين والطاجيك والقرغيزيين في المنطقة، لحثّهم على شن هجمات في مناطق أبعد من أفغانستان في أوزباكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان. على سبيل المثال، نشر الجهاز الإعلامي للتنظيم خلال فبراير الماضي كتابات مُطوله باللغة الأوزبكية تستهدف تشويه سمعة طالبان واتهامها بالعبودية للصين وروسيا والولايات المتحدة وباكستان وتركيا، وكذا قام التنظيم بإصدار كتب إلكترونية باللغة الطاجيكية وبيانات صوتية وصور توضيحية وترجمات لبيانات التنظيم الأم ونشرة “النبأ” الإخبارية، وقد ركزت معظم هذه الإصدارات على مناشدة الطاجيكيين وانتقاد حكومة دوشانبي للعثور على مجندين بين السكان الطاجيك، استنادًا إلى نجاح التنظيم في جذب ودمج الجهاديين الطاجيك في العراق وسوريا، مع تأسيس الخلافة في عام 2014 وفي أفغانستان منذ ظهور الفرع في عام 2015.
علاوة على ذلك، أصدرت النسخة الطاجيكية من “راديو خراسان” بشكل شبه يومي حوالي 150 ملفًا صوتيًا في الفترة من سبتمبر 2021 حتى 26 إبريل 2022، مُعظمها عبارة عن خطابات موجزة عن الجهاد والعقيدة، في حين ركّز الجزء الآخر من هذه الإصدارات على تكفير طالبان والدعوة إلى شن هجمات ضدها. ناهيك عن نشر “داعش” مجلة في إبريل 2021 تتحدث باسم التنظيم باللغة الأوردية، وركّزت إصداراتها على تعزيز أيديولوجيا التنظيم في باكستان والتحريض على قتل قوات الشرطة والجيش الباكستانية. ومن الجدير بالذكر أن الدعاية التي تنتجها القنوات الأوزبكية والطاجيكية التابعة للتنظيم لم تقتصر على أفغانستان وآسيا الوسطى فقط، بل امتد نطاقها خارج خراسان؛ إذ تُشير العديد من مقاطع الفيديو والملفات الصوتية أيضًا إلى سوريا وتدعو للانتقام لمقاتلي التنظيم الذين قُتلوا على يد هيئة تحرير الشام وتركيا وإيران وروسيا.
واتصالًا بالسابق، أصبحت دول آسيا الوسطى هدفًا لهجمات “داعش-خراسان” بحكم الجغرافيا التضاريسية التي تربطها بحدود مشتركة مع الأراضي الأفغانية. على سبيل المثال، أصدرت وكالة أعماق للأنباء التابعة للتنظيم في مايو 2022 بيانًا زعمت فيه إطلاق “داعش” عشرة صواريخ من الحدودية الأفغانية على موقع عسكري في أوزباكستان. ورغم نفي السلطات الأوزبكية وطالبان لوقوع هذا الهجوم، إلا أن هجمات التنظيم المتكررة في مدينة مزار شريف شمال البلاد تُظهر تمتعه بوجود قوي في هذه المنطقة القريبة من الحدود الأوزبكية، وتعزز من قدرات التنظيم على شن هجماته داخل حدود أوزباكستان. وخلال الشهر نفسه، زعم التنظيم أيضًا قيامة بإطلاق صواريخ على مقر لجيش طاجيكستان بالقرب من الحدود الأفغانية الطاجيكية. ويأتي هذا الهجوم في ظل سعي ولاية “خراسان” إلى الاستفادة من الاستياء المتزايد بين الطاجيك والتركمان والأوزبك ضد حكم طالبان في العثور على مجندين جُدد بين مجموعات الأقليات العرقية القاطنة في شمال أفغانستان بالقرب من الحدود الطاجيكية، حيث تفيد التقارير بأن التنظيم يتحدث علانيًة عن الإطاحة بالحكومة الطاجيكية، ويركز على إصدار مواده الدعائية باللغتين الطاجيكية والأوزبكية لتعزيز عمليات التجنيد والاستقطاب.
كما عمد التنظيم إلى إثارة التوترات بين طالبان ودول الجوار الإقليمي من خلال توسيع نشاطه من شرق أفغانستان إلى شمال غرب باكستان، حيث نجح بالتعاون مع جماعة باكستانية أخرى تُسمى “عسكر جهنكوي” (وهي حركة باكستانية مناهضة للشيعة في باكستان ومعروفة بتورطها في الكثير من عمليات القتل الطائفية، ولديها صلات وثيقة بتنظيم داعش) في استهداف مسجد “كوتشا ريسالدار” الشيعي في مدينة بيشاور شمال غرب باكستان في مارس العام الجاري، مما أسفر عن مقتل أكثر من 57 شخصًا وإصابة 200 آخرين. وتتزايد مخاوف السلطات الباكستانية من التوسع الجغرافي للتنظيم في شمال البلاد، مُستغلًا في ذلك الهشاشة الحدودية بين البلدين، حيث المناطق الجبلية شديدة الوعورة التي تعزز من قدرة عناصره على التحرك داخل حدود الجغرافيا الباكستانية.
محفّزات عديدة
بلغ عدد مقاتلي ولاية “داعش-خراسان” عند تأسيسها في عام 2015 نحو 4000 عنصر، وبدأ هذا العدد في الانحسار تدريجيًا طيلة السنوات الست الماضية حتى وصل إلى 2000 عنصر، وذلك بفعل الضربات التي تلقاها التنظيم من القوات الجوية الأمريكية وغارات الكوماندوز الأفغانية التي قتلت العديد من قادته. لكن منذ استيلاء طالبان على السلطة تضاعف حجم التنظيم في أقل من عام، وارتفع مرة أخرى إلى ما يقرب من 4000 عنصر، وتصاعدت هجماته في شتى أنحاء أفغانستان والدول المجاورة، وهو ما يمكن إرجاعه إلى جملة من المحفّزات، نستعرض أبرزها فيما يلي:
• الاستفادة من إخفاقات طالبان: يحاول “داعش-خراسان” استثمار إخفاقات طالبان وعجزها عن التغلب على التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية المُستفحلة التي تواجهها إبان إدارتها لمُقدرات الدولة الأفغانية في تشويه سمعة حكمها في الداخل الأفغاني، وإحباط تحركاتها المُكثفة على الصعيد الدولي لنيل الشرعية الدولية الغائبة عنها. وقد تعددت أوجه استفادة التنظيم من عثرات الحركة، ومنها استغلاله لحالة الرفض الشعبي لحكمها والانقسامات والمشاحنات الدائرة حتى داخل صفوفها لتعزيز تجنيده وتوسيع تمدده، لا سيما بين الفئات السكانية المهمشة والعرقيات غير البشتونية الرافضة لممارسات الحركة ضدها، والتي تجسّد أبرزها في العديد من الأدلة التي رصدت قيام عناصر طالبان بعمليات قتل للعشرات من أقلية الهزارة الشيعية، إلى جانب عمليات التهجير القسري للمئات من منازلهم لاستبدالهم بمستوطنين جُدد من المنتمين لعرقية البشتون. وجدير بالذكر أن هذه القومية الأفغانية تُمثل أكبر مجموعة بالبلاد، وينتمي إليها معظم عناصر طالبان وقادتها.
• بيئة خصبة لتجنيد عناصر جُدد: تتجسد قوة فرع “داعش-خراسان” في قدرته على تعويض الخسائر الفادحة التي يتكبدها من خلال تجنيد مجندين جُدد، وهو ما تمكن منه التنظيم طيلة الأشهر الفائتة، وتحديدًا منذ منتصف عام 2020، حيث دفعت معدلات البطالة والفقر المرتفعة وكذا حالة عدم الاستقرار السياسي بالبلاد المواطنين الأفغان إلى الانضمام لصفوف “داعش” الذي يقدم مبالغ مالية كبيرة لمقاتليه الجدد، وهو ما يقدم عرضًا مغريًا لمئات الآلاف من الأفغان العاطلين عن العمل.
كما أفادت تقارير بأن الكثير من الأعضاء السابقين في الجيش الأفغاني ووكالة المخابرات الأفغانية، والمديرية الوطنية للأمن والقوات الخاصة الذين دربتهم الولايات المتحدة، ثم أجبروا على ترك العمل وتركتهم طالبان مفلسين، سارعوا للانضمام إلى التنظيم إما بدافع الخروج من الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها هؤلاء الأشخاص، بعد أن تقطعت بهم السبل عقب انهيار الحكومة الأفغانية السابقة أمام تقدم حركة طالبان، أو رغبة في الفرار من بطش طالبان التي تتوعدهم بالقتل حتى وإن جاءت تصريحاتها مُطمئنة لهم. وتوفر تلك العناصر قدرات متخصصة لـ”داعش” كان يفتقر إليها في السابق، ذلك لأن خبراتهم تشمل قدرات مُعززة في جمع المعلومات الاستخباراتية وتكتيكات الحروب، وهو ما يمكّن التنظيم من التنافس مع طالبان وتوسيع نفوذه.
واللافت في عمليات التجنيد المستمرة التي تمارسها ولاية خراسان، أنها تمكنت من تقديم المزيد من العروض والإغراءات لضم الكثير من العناصر المنشقة عن طالبان مؤخرًا والتي رأت أن الأخيرة تفتقر إلى الوسائل الكافية لمكافأتهم ماديًا أو بمناصب مؤثرة نظير ما قدموه في الحرب الدائرة طيلة السنوات العشرين الفائتة. ناهيك عن تتابع التحذيرات، على رأسها تصريحات الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، من توجه أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وباكستان إلى أفغانستان، حيث من المحتمل أن تنتهي وجهة هؤلاء بنسبه كبيرة إلى الانضمام إلى فرع “داعش-خراسان”.
• الانسحاب الأمريكي من أفغانستان: خسر تنظيم “داعش-خراسان” العديد من قادته ومقاتليه على يد القوات الأمريكية إبّان تواجدها في أفغانستان، وبعد رحيل هذه القوات وجد التنظيم نفسه أقل عرضة للمراقبة والاستهداف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها في التحالف، إذ تدهورت قدرة واشنطن بشكل كبير على جمع المعلومات الاستخباراتية عن التنظيم، وهو ما أوجد بيئة عمل أكثر تساهلًا استطاع الأخير من خلالها مشاركة توجهاته العسكرية والإعلامية والأيديولوجية مع فرعه المركزي، وأصبح أكثر جرأة على تكثيف هجماته الدامية حتى ضد القوات الأمريكية، وهو ما تبدّى جليًا في التفجير الانتحاري الذي تبناه التنظيم، مُستهدفًا مطار كابول في 26 أغسطس 2021 خلال عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وهو ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 13 عسكريًا أمريكيًا و170 مواطنًا أفغانيًا.
• تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية: تنطوي الأزمة الأوكرانية على تأثيرات “جيوسياسية” عميقة سيكون لها آثار مُضاعفة على الكارثة الإنسانية الكبرى في أفغانستان. فمع جذب الاهتمام الغربي نحو ما يحدث في الحرب الدائرة في كييف، قد تتحول المساعدات الإنسانية ومساعدات اللاجئين الأفغان إلى أوكرانيا، وهو ما يصب في صالح تنظيم “داعش”؛ إذ تدفع الأزمات الاقتصادية والاضطرابات السياسية المزيد من السكان إلى الانضمام إلى صفوفه هربًا من الأوضاع المعيشية الصعبة. كما أن أحداث الحرب من شأنها إضعاف الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، وبالتالي سيعزز هذا الأمر من فرص صعود التنظيم في معاقله التقليدية بسوريا والعراق عمومًا، وفي فرعه الخراساني على وجه الخصوص.
• قدرة التنظيم على التكيف وتجديد دمائه: تنبُع استمرارية فرع “داعش-خراسان” وقدرته على تخطي الانتكاسات التي تلحق به من هيكله الداخلي الذي يتكون بشكل أساسي من الباكستانيين والأفغان ودول آسيا الوسطى إلى جانب العناصر المنشقة عن الجماعات الجهادية الأخرى في المنطقة. فعلى سبيل المثال، انضم إلى التنظيم عند نشأته عناصر من مقاتلي الحركة الإسلامية لأوزباكستان (IMU) الذين أجبروا في أعقاب هجوم الجيش الباكستاني في عام 2014، على مغادرة المواقع في المناطق القبلية الباكستانية التي كانوا قد انتقلوا إليها، وانسحبوا وفروا إلى أفغانستان، واقتربت الحركة الإسلامية المسلحة من تنظيم “داعش” وأقسمت الولاء له في أغسطس 2015، بعد أن وعدهم بأن الصراع سيبدأ قريبًا في بلدانهم الأصلية، وبالتالي وجود مثل هذه العناصر يضفي “ميزة نسبية” للتنظيم قد تسهل عليه عمليات تجنيد المزيد من المقاتلين.
وتكمن قوة فرع “خراسان” كذلك في استقطابه قادة ومقاتلين داخل شبكة حقاني (الفصيل الأكثر تشددًا داخل طالبان). ففي نوفمبر 2016، ورد أن حوالي 150 من أتباع حقاني من كابول قد انضموا إلى التنظيم، وتبع ذلك المزيد من الانشقاقات في وقت لاحق. وتُفيد بعض المعلومات بأن القائد الحالي لـ”داعش-خراسان”، المدعو “شهاب المهاجر”، الذي تم تعيينه في هذا المنصب في يونيو 2020، هو قائد سابق في شبكة حقاني. وقد تكون هذه الروابط مع حقاني أحد أسباب نجاح التنظيم في تنفيذ العديد من الهجمات في العاصمة كابول.
تداعيات خطرة
بالنظر إلى المحفزّات السابقة التي صقلت مهارات “داعش-خراسان” في وسط وجنوب آسيا بعد سيطرة طالبان على السلطة في كابول، فمن المحتمل أن تشهد المنطقة على المديين المنظور والمتوسط التبعات الخطرة لهذا التمدد الداعشي في أفغانستان ودول الجوار، وهو ما يمكن إيضاحه في النقاط التالية:
• تنامي مخاطر انتشار الفكر المتطرف في وسط وجنوب آسيا: إذا استمرت الوتيرة التصاعدية في هجمات “ولاية-خراسان”، فمن المحتمل ألّا يقتصر نطاق تهديدها على أفغانستان فحسب، بل سيمتد كذلك إلى دول الجوار الأفغاني وجميع أنحاء العالم. ومن المرجح أن تكون الجغرافيا الباكستانية والأوزبكية والطاجيكية هي الوجهة الأكثر استهدافًا من هجمات التنظيم، لأن معظم مقاتلي ولاية “خراسان” ينحدرون من البلدان الثلاثة (ترتبط بحدود برية مع أفغانستان يبلغ طولها 2387 كم) وكذا يحتفظ التنظيم بقواعد بالقرب من حدودها. ومن الممكن أن تكون إيران هدفًا محتملًا آخر لتوسع “داعش”، لا سيما وأن طالبان تحافظ حتى الآن على علاقات جيدة مع طهران، وعليه قد يلجأ التنظيم في إطار حربه ضد الحركة إلى مهاجمة أهداف إيرانية، إلى جانب استمراره في استهداف أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان.
• انعكاس قوة “داعش” في أفغانستان على باقي أفرع التنظيم: إن الزيادة المتتالية في عدد الهجمات التي ينفذها “داعش-خراسان” في أفغانستان إلى جانب هجماته المتكررة في دول الجوار، قد تنعكس قوتها معنويًا على باقي أفرع التنظيم، ولا سيما في ظل الخسائر المضاعفة التي تكبدها الأخير مؤخرًا، والذي لم يكد يتجاوز تبعات مقتل زعيمة السابق “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” في عملية أمريكية خاصة شمال غرب سوريا في فبراير الماضي، حتى أفادت تقارير بتمكن السلطات التركية من اعتقال الزعيم الجديد للتنظيم “أبو الحسن القرشي” في عملية أمنية خاصة نُفذت في إسطنبول في 26 مايو الماضي.
• احتمالية تنامي نشاط تنظيم “القاعدة”: تضع سلسلة الهجمات الأخيرة التي يشنها الفرع الخراساني لـ”داعش” حركة طالبان أمام اختبار حقيقي حول مدى قدرتها على بسط سيطرتها على الأوضاع الأمنية داخل أفغانستان، والحيلولة دون تحول الأخيرة إلى بؤرة لانطلاق التهديدات الإرهابية خارج حدودها، والذي يعد أحد الشروط الأساسية التي تضعها الدول الإقليمية والدولية للاعتراف بحكومة طالبان الناشئة. وفي ظل هذه الأوضاع قد تلجأ الحركة إلى الاستعانة –بشكل غير علني- بعناصر تنظيم “القاعدة” لمواجهة تمدد ولاية “خراسان”، لا سيما وأن العديد من التقارير الاستخباراتية تشي بأن التنظيم لديه ملاذات آمنة وحرية عمل متزايدة في أفغانستان تحت حكم طالبان، وتتزايد احتمالية قيامه بشن هجمات جديدة بعيدة المدى في السنوات المقبلة.
ختامًا، نخلُص مما سبق إلى أن هجمات “داعش-خراسان” الأخيرة تُثير مخاوف أمنية كبيرة بشأن خطر انتشار الفكر المتطرف، وزيادة الهجمات الإرهابية في وسط وجنوب آسيا، في ظل وجود مجموعة من المُحفزات، أبرزها: عجز حركة طالبان عن مجابهة السواد الأعظم من التحديات الداخلية والخارجية التي تعصف بها، ووجود بيئة خصبة لممارسة عمليات استقطاب وتجنيد المقاتلين، وتداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فضلًا عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على جهود مكافحة الإرهاب.