تُعرَّف صناديق الثروة السيادية بأنها صناديق استثمار ذات أغراض خاصة مملوكة للدولة، وتم إنشاؤها من قبل الحكومات لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي، وتحتفظ الصناديق السيادية بالأصول أو تديرها لتحقيق أهداف مالية، وتستخدم مجموعة من استراتيجيات الاستثمار فقبل عام 2008 عام الأزمة المالية العالمية كانت الصناديق تركز على استثماراتها الأجنبية ثم تحولت بعض الصناديق السيادية إلى دعم اقتصاداتها المحلية.
وتم إنشاء الصناديق السيادية تقليديًا من قبل الدول التي لديها عائدات ضخمة من النفط والغاز أو فوائض في الحسابات الخارجية، لكن اليوم، أصبح النظام البيئي لصناديق الثروة السيادية أكبر وأكثر تنوعًا، فهناك دافعين للصناديق، الدافع الأول هو المستثمرون الدوليون الذين يدعمون المشاريع القابلة للاستثمار والأصول المختلفة القابلة للتمويل في البلاد، حيث يمكن أن يؤدي التدفق النقدي المتزايد الناتج عن الاستثمار الأجنبي المباشر إلى تعزيز البيئة الاقتصادية للبلد، من خلال العمل كمحفز للتنمية الاقتصادية والنشاط والنمو.
أما الدافع الثاني فيتمثل في تحويل الشركات المملوكة للدولة لجعلها أكثر كفاءة، وبالتالي، لتعزيز قيمتها السوقية تتضمن هذه العملية جذب التمويل والخبرة والملكية من الخارج إلى شركات القطاع العام التي لم تكن فعالة في السابق، ويمكن للصناديق السيادية إعادة هيكلة الشركات المحلية وتحسينها حتى تتم إدارتها بشكل أفضل.
التشابه بين “صندوق مصر السيادي” وصندوق “تماسيك” السنغافوري
تأسس الصندوق السيادي المصري في عام 2018 ودخل حيز التنفيذ عام 2019 وأصبح عضوًا في المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية، ويتمتع الصندوق باستقلال مالي وإداري ويعد من أشخاص القانون الخاص، وجاء تأسيسه بهدف جذب الاستثمارات الخاصة إلى مصر والترويج والاستثمار المشترك في الأصول المملوكة للدولة لتعظيم قيمتها وكفاءتها للاقتصاد المصري، وبطريقة مستدامة لتعظيم قيمتها للأجيال القادمة، وذلك بالشراكة مع القطاع الخاص المحلي والدولي. ويركز الصندوق السيادي المصري في الوقت الحالي على الاستثمار في السوق المحلية، سواء في الأصول والشركات القائمة أو في مجالات وميادين جديدة للاستفادة من الفرص الحالية والجديدة في الاقتصاد المصري، ويعمل الصندوق السيادي في مصر على التعاون من خلال استغلال الأصول المستخدمة وغير المستغلة وحصص الشركات بقيمتها السوقية (بما في ذلك الأراضي والمباني) مع مستثمري القطاع الخاص الذين يضخون رأس المال بهدف توليد أعلى العوائد وخلق فرص عمل.
ويسمح الإطار القانوني للصندوق السيادي المصري بفتح الأصول للمستثمرين من القطاع الخاص ليصبحوا شريك استثماري مما سيساهم في تعزيز النمو الاقتصادي المتنوع في نهاية المطاف وإشراك الحكومة للمساعدة في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، ومؤخرًا تم انعقاد الاجتماع الأول للجمعية العمومية لصندوق مصر السيادي.
ويعد صندوق مصر السيادي مشابه في عمله لصندوق شركة ” تماسيك القابضة الخاصة المحدودة” السنغافورية المملوك للحكومة فيما يخص بهدف الاستثمار في الأصول المحلية، وتأسس الصندوق عام 1974 بسنغافورة بعد ثلاث سنوات من انسحاب القوات البريطانية بالكامل من سنغافورة وتحويل القواعد العسكرية والبحرية التي خلفتها القوات البريطانية إلى الاستخدام التجاري، حينها شعرت الحكومة أنه من الضروري فصل الحكم عن إدارة الأعمال، وأنه ليس من اختصاص الحكومة تشغيل الأعمال التجارية التي تمتلكها، ووقتها استحوذت “تماسيك” على مجموعة منتقاة من حوالي 35 شركة من وزير المالية السنغافوري، ومن هنا نشأ الصندوق لامتلاك وإدارة الأصول التي كانت في السابق تحتفظ بها حكومة سنغافورة، وبالتالي ساعد ذلك على فصل الوظيفة التنظيمية وصنع السياسات التي تقوم بها الحكومة عن دورها كمساهم في الكيانات التجارية، ويمتلك الصندوق أصوله بالكامل كشركة استثمار تجاري، يحكمه قانون الشركات السنغافورية، ووفقًا للدستور وقوانين سنغافورة فإنه يقتصر دور رئيس جمهورية سنغافورة ووزير المالية السنغافوري في حماية احتياطيات الصندوق فقط.
نمت “تماسيك” وتشعبت في جميع أنحاء العالم ملتزمة بدورها كمستثمر للأجيال، لتصبح اليوم في المركز الثامن ضمن أكبر عشر صناديق سيادية عالمية بحجم أصول بلغ 496.593 مليار دولار موزعة بين 121 شركة تابعة بحسب آخر بيانات صادرة عن معهد صناديق الثروة السيادية، ويمتلك محفظة بقيمة 403 مليار دولار سنغافوري (297 مليار دولار أمريكي) بشكل رئيسي في سنغافورة وبقية آسيا بحسب التقرير السنوي الصادر عن الصندوق في 31 مارس 2022، ويستثمر الصندوق في قطاع الخدمات المالية والنقل والصناعة والاتصالات والإعلام والتكنولوجيا وغيرها، ويمكن متابعة تطور محفظة الصندوق من خلال الشكل التالي:
حجم أصول الصندوق السيادي المصري بالنسبة لصناديق الثروة الأفريقية
يعد تعبئة المدخرات الوطنية أمرًا بالغ الأهمية لتلبية احتياجات التنمية في أفريقيا، وتعد صناديق الثروة السيادية للقارة أحد مصادر التمويل المهمة التي يمكن أن تدعم التنمية المستدامة لأفريقيا. تمثل هذه الأموال مجموعة متزايدة من الأصول التي يمكن استخدامها لدعم الاستثمارات المحلية التي تتماشى مع نوع الاستثمار طويل الأجل اللازم لمساعدة البلدان الأفريقية على تحقيق النمو الاقتصادي والازدهار المشترك.
وبحسب البنك الدولي، فقد زاد نمو الأصول المدارة من الصناديق السيادية بنسبة 76%، بينما نما عدد المستثمرين بنسبة 54%، حيث تمكنت صناديق الثروة السيادية الأفريقية من إدارة 300 مليار دولار في عام 2020، مما يمثل مصدرًا مهمًا لرأس المال القابل للاستثمار للقارة، وتعد أصول صناديق الثروة السيادية الأفريقية صغيرة مقارنة بالصناديق العملاقة في الشرق الأوسط وآسيا، ومع ذلك فإن حجم صناديق الثروة السيادية لأفريقيا يتناسب مع اقتصاداتها.
وبحسب التقرير الصادر عن المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية في أفريقيا جاء صندوق مصر السيادي في المرتبة الثانية من حيث حجم أصوله ليبلغ رأس ماله 12.7 مليار دولار أمريكي، وجاءت المؤسسة الليبية للاستثمار في المرتبة الأولى بحجم 24 مليار دولار أمريكي وذلك عام 2020، ويمكن متابعة أصول صناديق الثروة السيادية الأفريقية من خلال الشكل التالي:
استثمارات صندوق مصر السيادي
بحسب معهد صندوق الثروة السيادية، فإنه في عام 2020، احتل صندوق مصر السيادي المرتبة 43 من بين 93 صندوقًا للثروة السيادية على مستوى العالم من حيث حجم الأصول، وخلال عام 2021 وقع الصندوق اتفاقيات لتنفيذ 10 مشاريع بحجم استثمارات بلغ 25.5 مليار جنيه، واستحوذت قطاعات البنية الأساسية، والسياحة والاستثمار العقاري وتطوير الآثار، والخدمات المالية والتحول الرقمي، والتعليم والصناعة على تلك الاستثمارات.
وفي مارس من العام الجاري وبقيادة من صندوق مصر السيادي تم توقيع عقدًا مع الصندوق السيادي المالطي لتأسيس “مؤسسة صناديق الثروة السيادية لأوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا” في مالطا وبحضور شخصيات من فرنسا وإسبانيا فضلًا عن “صندوق إثمار كابيتال” (المغرب) والهيئة العامة للاستثمار الكويتية و”مؤسسة التمويل الحكومية” الإيطالية وشركة “ستاندرد تشارترد” البريطانية للاستشارات ومجموعة “بوسطن الاستشارية” (BCG) الأمريكية، وهي خطوة تعد حجر أساس لشبكة تعاون متوسطية، وهو ما يعني التزام الصندوق بإطلاق إمكانات الاستثمار في مصر من خلال إنشاء شراكات استثمارية طويلة الأجل مع المستثمرين وصناديق الثروة السيادية في المنطقة.
وتهدف المؤسسة إلى أن تكون بمثابة منصة إقليمية للأعضاء للالتقاء وتبادل الخبرات والمعلومات المتاحة حول فرص الاستثمار لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية الوطنية والمستدامة في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتهدف شبكة التعاون كذلك إلى حشد رؤوس الأموال المدعومة من الصناديق السيادية التي ستساعد في إطلاق تدفقات استثمارات خاصة كبيرة للتخلص من المخاطر وتمويل المشاريع أو الشركات في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي لديها فجوة تمويل استثماري تبلغ 700-900 مليار دولار أمريكي، مع التركيز بشكل خاص على الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء، والشركات الصغيرة والمتوسطة، والابتكار.
وبحسب صندوق الثروة السيادي المصري فقد نجح الصندوق في جذب استثمارات بقيمة 3.3 مليار دولار من الصناديق السيادية العربية الأخرى خلال العام الحالي 2022، وكانت أهم القطاعات التي تلقت تلك الاستثمارات قطاع الهيدروجين الأخضر والسياحة والاستثمار العقاري وتطوير الآثار والصناعة والخدمات المالية والتحول الرقمي والتعليم، ويدرس الصندوق أيضًا خلال السنوات الخمس القادمة القيام ب 44 مشروع وبإجمالي استثمارات 140 مليار جنيه.