تتأثر حركة أسعار النفط بالأحداث التي لا تتعلق بصورة مباشرة بعمليات العرض، بدءًا من الأحداث الجيوسياسية، مثل الأحداث المناخية الكبرى إلى حالات عدم الاستقرار الإقليمي أو الجيوسياسي. وبالتالي باتت أسعار البنزين محط أنظار العالم، وذلك بعد الزيادات الحادة التي شهدتها مختلف دول العالم، جرّاء أزمة الطاقة العالمية، وما أعقبها من الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، لأن تلك الحرب رسمت خريطة جديدة وواقعًا جديدًا لسوق الطاقة العالمية. خريطة كان من أهم ملامحها هي الارتفاع الجنوني في أسعار الطاقة والغاز الطبيعي عالميًا، مما تسبب ذلك في تعرض جميع دول العالم بلا استثناء إلى أزمات حادة في أسواق الطاقة، وبالتالي حدوث حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار العالمي في سلاسل الإمدادات العالمية في صناعة النفط والطاقة، وذلك بسبب الكميات المعروضة. وجاءت الحرب على غزة لتؤكد المخاوف العالمية من أزمة الطاقة والتخوف من اتساع دائرة الصراع. بالإضافة إلى تفاقم أزمة الوقود عالميًا وتأثر بها العديد من دول العالم، وانعكست تبعاتها على الاقتصاد العالمي، وحدوث موجة حادة من التضخم العالمي، وبالتالي ارتفاع تكلفة الاستيراد لمختلف دول العالم، حيث يبلغ متوسط سعر البنزين عالميًا حاليًا حوالي 1.31 دولار لكل لتر بنزين.
مدخل:
شكل يوم السابع من شهر أكتوبر الماضي لحظة فارقة جديدة في سياق التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك مع تصاعد وتيرة الأحداث في قطاع غزة، وذلك بعد استهداف حركة حماس لإسرائيل وتصعيد الأخيرة الواسع في الأراضي الفلسطينية، وفي ظل مخاوف طول أمد تلك الحرب وتوسعها بدخول أطراف أخرى (سيناريوهات الحرب)، ثمة مخاطر عديدة قد تهدد أسواق الطاقة العالمية. حيث تسعى العديد من دول العالم بكل ما أوتيت من قوة إلى إنقاذ سوق الطاقة من الوقوع في براثن أزمة إمدادات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي.
تعتمد حدة الأزمة الاقتصادية على مدى اتساع الصراع الحالي، والذي قد يتسبب في ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 120 دولارًا للبرميل النفطي الواحد مقارنة بنحو 91 دولار حاليًا، كما قد يتسبب استمرار الحرب على غزة إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار الطاقة، ومن المتوقع أن تظل أسواق النفط في حالة من الترقب والتقلب مع تطورات الأزمة الراهنة. ويوضح الشكل التالي مدى تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على سبيل المثال في أسعار البنزين.
أسعار النفط الخام وعلاقتها بأسعار البنزين عالميًا:
بشكل عام، هناك العديد من العوامل التي تحدد سعر البنزين والتي من أهمها: أسعار النفط الخام، والتي تتحكم بشكل كبير في تحديد أسعار البنزين داخل مختلف دول العالم، وعلى سبيل المثال نجد أن سعر النفط الخام يتدخل بنسبة حوالي أكثر من 55% في تحديد سعر البنزين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تكاليف التكرير والتصفية، وتكاليف التوزيع والتسويق، وبالتالي تُشكل أسعار النفط الخام العامل الأكثر تأثيرًا في تحديد أسعار البنزين، وهذا يعني أنه كلما كان اعتماد الدولة على استيراد النفط الخام زاد تأثر أسعار البنزين لديها بتقلبات سوق النفط العالمي، كما أن النفط سلعة عالمية.
ولذلك نجد أن الصعود الحاد الذي شهدته أسعار النفط عالميًا منذ نهاية عام 2021، وبداية التعافي الاقتصادي قبل أن تسجل مستويات غير مسبوقة في نهاية فبراير من العام الماضي 2022، وذلك في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية. وذلك قبل أن تهدأ حدة الارتفاع مؤخرًا على خلفية مخاوف تباطؤ الطلب على النفط الخام، فكان لها التأثير الأكبر في ارتفاع أسعار البنزين عالميًا، ولكن مع بداية الحرب في غزة عادت الأسعار للارتفاع، ولكن بمعدلات بطيئة نسبيًا (حوالي 3 دولارات للبرميل الواحد وذلك مع الأسبوع الأول للحرب) كما هو موضح في الشكل التالي.
وهنا يجب الإشارة إلى أن أي اختلاف بين البيانات السعرية، وما قد يراه المواطن على أرض الواقع، ربما يعود إلى التغير في أسعار صرف العملات أمام الدولار الأمريكي من جهة، وكذلك الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق من جهة أخرى، وعليه يمكن القول إن معادلة تسعير المنتجات البترولية تتكون من 3 مدخلات رئيسية وهي:
- أسعار النفط العالمية.
- أسعار صرف الدولار الأمريكي.
- أعباء التداول.
وبالتالي، جاء ارتفاع أسعار النفط الخام (فوق 80 دولارًا للبرميل) ليفوق توقعات موازنات العديد من دول العالم للعام الحالي، وهو ما يشكل مكاسب لخزائن بعضها، ويتسبب في ضغوط على دول أخرى والتي تعتمد على الاستيراد لتوفير الوقود والمنتجات البترولية لأسواقها المحلية.
ومما عقد المشهد الحالي هو اتساع دائرة الصراع الحالي في غزة مع تصاعد وتيرة الأحداث في غزة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا (زيادة محدودة نسبيًا)، ووصل أسعار خام برنت إلى حوالي 91.9 دولارًا للبرميل النفطي الواحد، والخام الأمريكي إلى حوالي 85.5 دولارًا للبرميل النفطي الواحد، مقارنة بمستويات حوالي 87.9 دولار للبرميل، 82.8 دولار للبرميل النفطي الواحد، على التوالي قبل اندلاع الحرب، كما هو موضح في الشكل التالي.
آلية تسعير الوقود في مصر:
في أكتوبر من عام 2019، اعتمدت الدولة المصرية آلية جديدة من أجل التسعير التلقائي والعادل، والتي تهدف إلى تحرير أسعار الوقود، وذلك من خلال ربطه بالأسعار العالمية للنفط الخام، ومن أجل خفض تكلفة دعم المواد والمنتجات البترولية في الموازنة العامة للدولة المصرية. مصر تستورد غالبية احتياجاتها من المنتجات والمشتقات البترولية، وبالتالي فإنها تواجه ضغوطات مالية كبيرة، وذلك بسبب الارتفاع الضخم في أسعار النفط منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في شهر فبراير من العام الحالي. لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية هي المسئولة عن تحديد أسعار البنزين الجديدة في مصر، وتهدف لجنة التسعير إلى تحقيق البيع لتلك المنتجات بشكل عادل، وفيما يلي أهم النقاط الرئيسية والتي تعتمد عليها طريقة وكيفية تحديد أسعار البنزين الجديدة من خلال لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية:
- يتم تحديد الأسعار طبقًا لمعادلة سعرية.
- تتضمن المعادلة السعرية الربط بين أسعار خام برنت وأسعار الصرف وكذلك التكلفة.
- تم ربط أسعار المنتجات البترولية في السوق المحلية بالأسعار العالمية، وذلك في ضوء التكلفة بشكل تلقائي.
- تجتمع لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية كل ثلاثة أشهر لتحديد الأسعار.
- يتم مراجعة سعر بيع المنتجات البترولية في السوق المحلية على ألا تتجاوز نسبة التغيير في سعر البيع المستهلك ارتفاعًا أو انخفاضًا عن 10% من سعر البيع الساري.
- يتم ربط سعر بيع المنتجات البترولية بالسوق المحلية باستثناء البوتاجاز والمنتجات البترولية المستخدمة من قبل قطاعي الكهرباء والمخابز.
- تطبق آلية التسعير التلقائي على المنتجات البترولية بتسليم المستهلك شاملًا الضريبة على القيمة المضافة باستثناء البوتاجاز والمنتجات البترولية المستخدمة من قبل قطاعي الكهرباء والمخابز.
ولذلك، جاء قرار لجنة تسعير المشتقات النفطية، التزامًا منها بتطبيق آلية التسعير التلقائي الموضوعة في يوليو 2019، كما هو متبع في بعض دول العالم، وأخذت اللجنة في اعتبارها، خلال وضع قرار تثبيت أسعار السولار وتحريك البنزين، التطورات التي تشهدها الأسواق العالمية، وحركة أسعار النفط العالمية خلال المدة الماضية والتذبذب الواضح في حركة الأسعار العالمية. وبشكل عام ووفقًا للتغيرات التي تحدث لأهم مؤثرين ومحددين لتكلفة إتاحة وبيع المنتجات البترولية في السوق المحلية وهما:
- السعر العالمي لبرميل خام برنت.
- وتغير سعر الدولار أمام الجنيه.
ونص قرار تشكيل اللجنة -التي حُدد لها الاجتماع بشكل دوري كل 3 أشهر للنظر في أسعار البنزين في مصر والمشتقات النفطية الأخرى- على تعديل أسعار المنتجات النفطية بأنواعها وفقًا لمعادلة سعرية تراعي 3 مكونات رئيسة، وهي أسعار النفط العالمية من خام برنت، وسعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري، واحتساب قيمة النقل والتكرير والأعباء الأخرى، الشكل التالي يوضح الزيادات الحالية في أسعار الوقود.
إشكالية المنتجات البترولية في مصر:
الدولة تستورد الجزء الأكبر من احتياجاتها من المنتجات البترولية من الخارج بإجمالي يصل إلى نحو حوالي 100 مليون برميل سنويًا، وهو رقم كبير للغاية، ولنا أن نتخيل في هذا الصدد أن الموازنة العامة للدولة 2021-2022، كانت قائمة على حساب سعر برميل البترول على أساس 60 دولارًا للبرميل الواحد (حاليًا يتم احتسابه على حوالي 80 دولارًا للبرميل)، وهو السعر الذي كان سائدًا خلال تلك الفترة التي تم إعداد موازنة الدولة خلالها؛ بل كان متوقعًا أن يستمر هذا السعر خلال العام المالي الماضي.
وفقًا لما سبق، ينعكس تأثير زيادة أسعار النفط سلبيًا على الموازنة العامة للدولة، إذ خصصت الحكومة دعمًا للمواد البترولية بقيمة 119.41 مليار بموازنة العام المالي 2023-2024 مقابل 58 مليار جنيه في العام المالي السابق 2022-2023 بزيادة قدرها نحو 61 مليار و325 مليون جنيه بنسبة زيادة 105.6%، وحددت الموازنة أن دعم البترول تم احتسابه على أساس متوسط سعر للبرميل الواحد يبلغ 80 دولارًا (فرق سعري حالي حوالي 11 دولارًا للبرميل)، ومن شأن كل زيادة بقيمة دولار واحد في سعر برميل النفط عن السعر المحدد بالموازنة أن تؤدي إلى تغير في حجم الدعم المخصص لذلك البند بحوالي أكثر من 4 مليارات جنيه.
والنظر إلى استهلاك مصر من السولار (الذي لم يتم تحريكه) يوميًا يبلغ حوالي 42 مليون لتر، بمثابة 1.25 مليار لتر كل شهر، أي نحو حوالي 15 مليار لتر سنويًا من السولار، والدولة تحملت في 3 أشهر فقط حوالي نحو 4.25 جنيهات دعم على كل لتر سولار، سنجد أن الدولة تتحمل دعمًا يصل إلى حوالي 178 مليون جنيه، ولكن القيادة السياسية ذهبت إلى قرار تثبيت سعر السولار (بالرغم من زيادة الفجوة السعرية بين تكلفة توفيره وسعر بيعه في السوق المحلي) خلال الفترة الحالية، كون أي زيادة في أسعار السولار قد تؤدي إلى ارتفاع كبير في جميع السلع والمواصلات، مع توجيه الحكومة بضرورة ترشيد استهلاك الوقود بنسبة حوالي 50%.
واستكمالًا لما سبق، نجد أن هناك فجوة بين معدلات الإنتاج والاستهلاك والطلب المحلي من النفط الخام ومشتقاته البترولية ومن اعتماد الدولة المصرية على الواردات النفطية، ولذلك نجد أنه هناك احتمالية كبيرة في أن يُساهم ارتفاع مستويات أسعار النفط في زيادة فاتورة الواردات النفطية بما قد يؤثر على الاحتياطي النقدي المصري بشكل سلبي، ويضغط على قيمة الجنيه مقابل الدولار، وبالتالي قد يؤثر على معدلات التضخم المرتفعة بالفعل. حيث بلغت قيمة صادرات البترول الخام نحو حوالي أكثر من 2332 مليون دولار بنهاية العام المالي 2022-2023 مقابل واردات بترول خام تبلغ حوالي 3277 مليون دولار، ويوضح الشكل التالي حركة أسعار البنزين خلال الفترة الماضية.
الأرخص عالميًا في أسعار البنزين:
وعلى الرغم من الزيادة الحالية؛ فلا تزال أسعار البنزين في مصر في قائمة الأرخص عربيًا؛ إذ إن معدل السعر الجديد البالغ 11.50 جنيهًا (0.37 دولارًا) للتر بنزين 92 الأكثر تداولًا. حيث احتلت مصر المركز رقم 14 على مستوى العالم في الدول الأرخص في أسعار الوقود وذلك في نهاية العام الماضي، فيما احتلت دولة مثل المملكة العربية السعودية (الدولة الأكثر إنتاجًا للنفط الخام بحوالي 10.7 مليون برميل من النفط الخام يوميًا) المركز رقم 22 عالميًا، ودولة الأمارات العربية المتحدة في المركز رقم 45 عالميًا، وفي منتصف فبراير من العام الحالي جاءت مصر في المركز السابع كأرخص دولة بالعالم في أسعار بيع البنزين، بمتوسط سعر لتر بنزين بلغ حوالي 0.351 دولار (الحالي 0.37 دولار بعد الزيادة الحالية)، وجاءت دولة فنزويلا في المركز الأول في ترتيب أرخص دول العالم في بيع البنزين (الدولة الأكبر في حجم الاحتياطي المؤكد من النفط الخام بحوالي 302 مليار برميل من النفط)، تليها ليبيا، وإيران، وأنجولا، والجزائر، والكويت، ومصر، والجدير بالذكر إن السعر المتوسط للبنزين عالميًا يبلغ حوالي 1.31 دولار للتر الواحد (ما يعادل بين 40 جنيها وحتى 45 جنيهًا)، وجاءت هونج كونج في الترتيب الأول عالميًا من حيث الأغلى عالميًا بحوالي 2.941 دولارًا للتر، كما موضح بالشكل التالي.
ووفقًا لما سبق، نجد أنه تصدرت 7 دول قائمة أقل أسعار البنزين عالميًا، من بينها 4 دول عربية جاءت ضمن المنافسة، وذلك بفضل حالة الاكتفاء التي تشهدها فيما يتعلق بإنتاج النفط الخام، ومنها: ليبيا، والجزائر، والكويت، أو عوامل أخرى منها دعم الوقود وإدارتها لملف المنتجات والمواد البترولية بشكل قوي واقتصادي، ومنها الدولة المصرية، مما يجعلها قادرة على السيطرة على أسعار المشتقات والمنتجات البترولية بشكل ناجح (ولذلك نجد أن التحريك يظل بمستويات بطيئة نسبيًا). ونجد أن فنزويلا تحظى بلقب أرخص دولة في البنزين عالميًا، وذلك بفضل انخفاض سعر عملتها المحلية بحوالي 10%، بالإضافة إلى تخفيف العقوبات المفروضة على النفط الفنزويلي، بهدف جلب المزيد من المنتجات النفطية المكررة، وذلك ما فسر سعي جو بايدن الرئيس الأمريكي إلى التفكير في تخفيف تلك العقوبات، وذلك من أجل رفع مستويات واردات النفط الفنزويلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في ظل أزمة وقود طاحنة ضربت واشنطن وذلك منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية. ونجد أن ليبيا تحتل المركز الأول في قائمة الأرخص بين الدول الأفريقية كما هو موضح بالشكل التالي، ولكنها تُعد ثاني أرخص دولة في البنزين على مستوى العالم، وذلك لأنها تسعى للحفاظ على مستويات أسعار الوقود لديها دون تحريك منذ سنوات طويلة، في ظل أزمات سياسية قاسية تضرب البلاد، وبالإضافة إلى معدلات الإنتاج الليبي من النفط الخام، والذي وصل إلى مستوى حوالي 1.215 مليون برميل يوميًا.
بالإضافة إلى ما سبق، مصر رغم كونها في المركز السابع ضمن قائمة الأرخص عالميًا من حيث ثمن اللتر، إلا أنها على عكس الدول الست قبلها؛ فهي ليست على قائمة الأكبر من حيث احتياطيات النفط الخام، فعل سبيل المثال تحتل فنزويلا المركز الأول من حيث احتياطيات النفط الخام بحوالي 302 مليار برميل، وإيران تحل ثالثًا بحوالي 209 مليار برميل من النفط الخام، بينما تأتي مصر في المركز رقم 28 عالميًا بحوالي 3.3 مليار برميل، وعند النظر إلى مستويات الإنتاج نجد أن مصر تقع في المرتبة 24 عالميًا بحوالي 590 ألف برميل يوميًا، وذلك مقارنة بمستويات الإنتاج في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تقع في المرتبة الأولى بحوالي 11.3 مليون برميل من النفط الخام يوميًا، وبالنظر إلى عدد السكان فإن مصر تسبق جميع الدول العشرين الأرخص عالميًا من حيث سعر البنزين، وذلك بنحو حوالي 104 مليون نسمة فيما عدا نيجريا، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 219 مليون نسمة وتحتل المركز التاسع عالميًا على قائمة الأرخص والخامس أفريقيًا، فيما تبلغ احتياطاتها النفطية المؤكدة حوالي 36 مليار برميل، أي أكثر بحوالي 10 أضعاف الاحتياطيات المصرية النفطية.
وأيضًا نجد أنه هناك فروق ملحوظة ما بين الدول على مستوى العالم، فعلى سبيل المثال تكون الأسعار في الدول الغنية والكبرى مرتفعة، وذلك بالمقارنة مع الدول النامية والأقل دخلًا، أما الدول المنتجة والمصدرة للنفط فتكون الأسعار أقل منها بكثير، وتعود تلك الفروق في أسعار الوقود إلى الدعم الحكومي للبنزين وحجم الضرائب، فتشتري جميع دول العالم النفط بالأسعار العالمية نفسها، ولكنها فيما بعد تفرض ضرائب مختلفة مما يؤدي إلى اختلاف أسعار التجزئة للبنزين، وبالإضافة إلى أسعار صرف الدولار الأمريكي. نجد على سبيل المثال دولة مثل ألمانيا يصل بها السعر إلى حوالي 1.95 دولار للتر وهو رقم كبير نسبيًا، كما هو موضح في الشكل التالي.
ومن هنا يجب إلقاء الضوء على أبرز مظاهر أزمة أسعار البنزين عالميًا:
- اتساع الفجوة بين أسعار الوقود (متوسط السعر العالمي) وسعر النفط العالمي إلى ما يقارب حوالي 50 دولارًا للبرميل.
- تراجع مخزونات العديد من الدول الكبرى المنتجة للنفط، وبالتالي انعكس ذلك على أسعار الديزل والبنزين في العالم.
- قيام العديد من الدول الكبرى المنتجة للنفط مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وغيرهما بزيادة أسعار أنواع الوقود المختلفة.
- بعض الدول قامت برفع مستويات أسعار البنزين بحوالي 4 مرات خلال العام الماضي مثل الأردن والإمارات.
- وصول معدلات التضخم إلى مستويات قياسية في العديد من دول العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي وصل بها معدل التضخم إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ عقود، فوصل سعر جالون البنزين إلى حوالي 5 دولارات، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية قبل الوصول إلى حوالي 4 دولارات.
- تعاني القارة الأوروبية من عجز واضح في إمدادات المنتجات البترولية، والذي بلغ حوالي أكثر من مليون برميل يوميًا، وسجلت تكلفة لتر البنزين في بعض دول القارة أكثر من حوالي 2.8 دولار في بداية الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى دخول الحظر على المنتجات البترولية الروسية حيز التنفيذ.
كيف استطاعت مصر تلبية الطلب المحلي والحد من الأزمة العالمية؟
بشكل عام، خلال العام الماضي 2022 نجحت الدولة المصرية في الوفاء باحتياجات السوق المحلي وقطاعات الدولة المختلفة من المشتقات والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي، حيث نجد أنه بلغ إجمالي ما تم استهلاكه منهما حوالي أكثر من 81 مليون طن. وذلك بزيادة نسبتها حوالي 6.2% عن عام 2021، وذلك بواقع 35.5 مليون طن من المنتجات البترولية، وحوالي 45.6 مليون طن من الغاز الطبيعي، وبالتالي شهد السوق المحلي حالة من الاستقرار الكامل وتلبية احتياجاته من إمدادات الوقود والمنتجات البترولية. وذلك يرجع إلى العديد من العوامل الرئيسية، والتي من أهمها نجاح الدولة المصرية منذ عام 2014 في إدارة مشروعاتها البترولية بشكل اقتصادي يحقق الاستدامة وخفض التكاليف مع العمل على خفض الانبعاثات، بالإضافة إلى سعيها لزيادة حجم الاستثمارات في مشروعات التكرير والبتروكيماويات المختلفة وكذلك البنية الأساسية، وهو ما حافظ بشكل كبير على الاستقرار في ملف إمدادات الوقود والمنتجات البترولية إلى الأسواق المحلية وبشكل آمن ومستدام، والتخلص من حالة العجز التي أصابت الدولة في الفترة التي سبقت عام 2014، وبالتالي ساهمت حالة الاستقرار في السوق المحلي، وذلك نتيجة لاستراتيجية الدولة خلال السنوات الماضية في دعم خطط مصر التي يتم تنفيذها للإسراع بكونها مركزًا إقليميًا لتجارة وتداول الغاز والبترول. حيث شهد العام الماضي استمرار تنفيذ 5 مجمعات ومشروعات جديدة لتكرير وتصنيع البترول في السويس وأسيوط والإسكندرية، والتي تهدف لإنتاج منتجات بترولية عالية الجودة من أجل تغطية احتياجات السوق المحلي، وذلك بتكلفة إجمالية تزيد عن حوالي 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى نجاح الدولة خلال عام 2022 في استكمال توسعات مصفاة تكرير ميدور بالإسكندرية، وذلك بهدف زيادة الطاقة التكريرية للمعمل بنسبة تتخطى حوالي 60% لإنتاج منتجات بترولية عالية الجودة ومطابقة للمواصفات الأوروبية، وذلك بتكلفة استثمارية حوالي 2.4 مليار دولار، وذلك بهدف رفع الطاقة الإنتاجية الحالية للمصفاة لتصل إلى حوالي 160 ألف برميل يوميًا، وإنشاء مجمع أنوبك لإنتاج السولار بأسيوط، والذي يهدف إلى إنشاء مجمع لتحويل المازوت منخفض القيمة الاقتصادية بطاقة تغذية حوالي 52.5 مليون طن سنويًا، وبالتالي تحويله إلى منتجات بترولية عالية الجودة (سولار-بنزين عالي الأوكتان-بوتاجاز) حيث تصل تكلفته الاستثمارية حوالي 2.9 مليار دولار. بالإضافة إلى توسعات مصفاة السويس لتصنيع البترول، والتي تهدف إلى تحقيق استمرارية التشغيل الآمن للمعدات الإنتاجية بمجمع التفحيم. وبالتالي الوصول إلى طاقة التغذية التصميمية، والتي تبلغ حوالي 1.75 مليون طن سنويًا من المازوت لتعظيم كميات المنتجات البترولية عالية الجودة (خاصة السولار، والبوتاجاز، والبنزين) وذلك بهدف المساهمة في تلبية احتياجات السوق المحلي من المنتجات البترولية. بالإضافة إلى أنه تم إنشاء مشروع تقطير المتكثفات، ومشروع استرجاع الغازات لإنتاج البوتاجاز بمصفاة تكرير النصر للبترول بالسويس، ويجرى إنشاء مشروع تقطير متكثفات بطاقة تغذية حوالي 1.2 مليون طن سنويًا من المتكثفات، وذلك بهدف إنتاج منتجات بترولية عالية القيمة الاقتصادية (نافتا سولار- كيروسين –بوتاجاز). بالإضافة إلى إنشاء مجمع للتقطير الجوي بشركة أسيوط لتكرير البترول، وجاري إنشاء مجمع تقطير خام في مصفاة أسيوط للتكرير بطاقة إنتاجية قدرها حوالي 5 ملايين طن سنويًا، بالإضافة إلى مشروع استرجاع الغازات الملحق بها، والذي يهدف إلى تغطية احتياجات السوق المحلي من المشتقات والمنتجات البترولية عالية القيمة الاقتصادية سولار وبنزين وبوتاجاز.
واستكمالًا لما سبق، من المتوقع أن يرتفع إنتاج النفط في مصر خلال العام الحالي وفق الخطط المصرية الطموحة لرفع معدلات الإنتاج بنسبة حوالي 11% من حوالي 590 ألف برميل يوميًا إلى حوالي 650 ألف برميل يوميًا من النفط، وذلك من خلال زيادة الرقعة الاستكشافية ورفع معدلات الإنتاج الحالية.
مجمل القول، تطورات خطيرة شهدها ملف النفط والطاقة العالمية، وذلك منذ العام الماضي، حيث تُعد الأسواق النفطية العالمية مرتبطة ببعضها البعض، فتأثر سعر النفط العالمي سيؤثر على أسعار البنزين وغيره من المشتقات والمنتجات البترولية في جميع دول العالم، وبصفة خاصة فمصر كبقية دول العالم تأثرت بالارتفاعات غير المسبوقة، والتي شهدتها أغلب الأسواق النفطية على مستوى العالم. ولكن الدولة المصرية بذلت جهودًا كبيرًا بهدف الحفاظ على السيطرة على أسعار البنزين والمشتقات البترولية وتحملت عبئًا ماليًا كبيرًا، وذلك لدعم المواد البترولية بالإضافة إلى القدرة المصرية على توفير المنتجات البترولية محليًا، وهو ما قلص الاعتماد على الاستيراد بشكل كبير، وذلك لوجود خطة استراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المشتقات البترولية، وذلك عن طريق التوسع في إنشاء معامل التكرير وهو الأمر الذي سيساعد الدولة في إطالة حالة الاستقرار والاستدامة في ملف المنتجات والمواد البترولية.