تتخذ الدولة المصرية مؤخرا خطوات هامة في تطوير التعليم الجامعي، و تضع نصب أعينها تكنولوجيا المعلومات كأحد القطاعات ذات الأولوية في التطوير. يعرف المسئولون بلا شك أهمية هذا القطاع باعتباره يشكل مستقبل الصناعة و الإنتاج، مما يستدعي استعدادا قويا لتهيئة الأجيال الجديدة للمنافسة في سوق العمل. رأينا في السنوات القليلة الماضية توسعا في الكليات والأقسام المعنية بتدريس تكنولوجيا المعلومات داخل جامعاتنا المصرية كما شاهدنا تشريف السيد الرئيس لافتتاح أول كلية للذكاء الاصطناعي بجامعة كفر الشيخ. هذا التوسع الملحوظ يمكن أن نصل لأقصى درجات الاستفادة منه إذا قمنا برصد دقيق لموقعنا بين الأمم من حيث دراسة تكنولوجيا المعلومات، أين نقف ، و كيف نتأكد أننا على الطريق الصحيح.
نقاط تميز الجامعات العالمية
في البداية، نلاحظ أن الفارق بين الدراسة – بشكل عام – في الجامعات المصرية و نظيراتها العالمية المتقدمة هو فارق يعكس أبعادا ثقافية و اجتماعية و اقتصادية. تلك الأبعاد يمكن تلخيصها في ستة نقاط محددة كما يلي:
أولا: المناهج الدراسية
تتمتع الجامعات الغربية بتنوع في محتوى مناهجها الدراسية مما يعطي قدرا كبيرا من المرونة للطلاب عند اختيار المواد الدراسية. تتيح هذه المرونة لكل طالب أن يشكل تجربته الأكاديمية بما يتناسب مع وقته و قدرته ورؤيته. على سبيل المثال، يمكن للطالب في نظام التعليم الغربي أن يكوًن تخصصه من خلال إجراء تعديلات على المنهج المقترح من الجامعة، بالحذف، فيتوقف عند حد أدنى من المواد الموزعة على الفصول الدراسية و يكتفي بها، ليتم ترجمتها إلى شهادة مصغرة أو دبلوم، أو يجري تعديلا بالإضافة، فتمتد دراسته ليجتاز الشهادة المطلوبة و يستمر في إحدى صور الدراسات العليا أو حتى إضافة تخصص آخر فوق تخصصه الأصلي، بما قد يفتح المجال لآفاق معرفية جديدة.
في المقابل، تكون المناهج الدراسية في الجامعات المصرية أكثر جمودا و تتسم في أغلب الأحيان ببناء أقل مرونة مع غياب لدور المرشد الأكاديمي، و الذي يلعب دورا حيويا في الجامعات الغربية من حيث التوجيه و المساعدة على اختيار التخصص و التوزيع الأمثل للمواد بما يناسب مصلحة كل طالب.
ثانيا: طرق التدريس و التقييم
تدعم الجامعات العالمية الكبرى طرق تدريس تعتمد بالأساس على التفاعل و المشاركة بين الطالب و الأستاذ الجامعي، من خلال تشكيل مجموعات نقاش و مشروعات عملية تطبق العلوم النظرية بشكل تنفيذي على أرض الواقع. إن منهجية الطلاب في التفكير و البحث و تكوين رأي – و من ثم الدفاع عنه – هو أكثر ما يشغل بال أساتذة الغرب، و هم دائما يشجعون طلابهم على ذلك و يقرون دائما أنه لا يوجد رأي واحد أو إجابة واحدة صحيحة، بل توجد أساليب مختلفة للحل. كذلك، فإن المشروعات الجماعية تعزز من ثقافة التعاون و المشاركة و حتى الاختلاف الصحي بين الدارسين و ينعكس ذلك على تقييم الأساتذة الذين يأخذون تلك المعايير في الاعتبار. ذلك التقييم قد تطور في جامعات الدول المتقدمة ليشمل نظام الامتحانات و الاختبارات و وضع الدرجات، كونها ابتعدت عن الشكل التقليدي و أصبحت تختلف باختلاف المادة والموضوع المطلوب تقييم مدى تحصيل الطالب له. في المقابل، فإن الشكل التقليدي للامتحان بصورته المعروفة لدينا يسبب لطلابنا المصريين ضغطا، بسبب الأولوية التي يضعها للحصول على التقديرات المرتفعة على حساب الفهم و الاستيعاب. و قد يضطر الطلاب في الجامعات المصرية إلى حفظ إجابات بعينها دون أي محاولة للبحث و الإبتكار، خوفا من عدم تقدير الممتحنين.
ثالثا: البحث العلمي
تركز الجامعات في الخارج على توفير قدر هائل من فرص البحث العلمي للطلاب بمراحلهم المختلفة، مع إتاحة واسعة للمراجع العلمية اللازمة. التقييم الحقيقي لنجاح الجامعات يكون قائما على مدى مساهمة كلياتها و معاهدها في الأبحاث العلمية. لذلك، نرى أن تصنيف الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية يتحدد وفقا لنشاطها البحثي. هذا التصنيف الذي وضعه معهد ” كارنيجي ” ، و معمول به منذ عام 1970 ، يقسم الجامعات سنويا بناء على إجمالي أنشطتها المتعلقة بالبحث العلمي من خلال منح الجامعة درجة R1 أو R2 (و هو الحرف الأول من كلمة Research أو بحث باللغة الإنجليزية). و بحيث تأتي R1 ( الجامعات الأعلى مساهمة في البحث العلمي)، تليها R2 (الجامعات متوسطة المساهمة في البحث العلمي)، ثم تأتي بعد ذلك الجامعات الدراسية فقط ذات التخصصات المحددة مثل أكاديميات الفنون و التمثيل و يكون البحث العلمي بها قليل جدا. ويحظى خريجو الجامعات ذات التصنيف R1 و R2 بفرص أعظم في سوق العمل، حتى و إن كانت وظائف غير أكاديمية.
رابعا: الحياة الطلابية
تتميز الحياة الطلابية في الجامعات الغربية بإيقاع حيوي مع افساح المجال للعديد من الأنشطة الثقافية و الرياضية و الفنية، و التشجيع – من قبل إدارة الجامعات – على تكوين ما يعرف بالأندية العلمية، و التي يتشارك أعضاؤها في الاهتمامات ذات الصلة بدراستهم ، و خصوصا في مجال التكنولوجيا و البرمجيات و صناعة الروبوتات. تقام في الجامعات العالمية مسابقات هامة لأعضاء تلك الأندية العلمية و غيرهم، ذات عوائد مادية و أدبية مميزة، لتغذية روح التنافس الشريف بين الطلاب و هو ما ينعكس على وعيهم و إدراكهم لطبيعة المنافسة في حياة ما بعد التخرج العملية.
خامسا: التكنولوجيا
تهتم الجامعات و الأكاديميات العالمية بتوفير أحدث الأنظمة التكنولوجية و الأدوات الحديثة في معاملها و قاعات تدريبها، بحيث يكون الطالب فيها على دراية بكل ما هو جديد و متطور في المجال المتعلق بدراسته. تلاحظ أيضا في السنوات القليلة الماضية، تنامي الاعتماد على المنصات الرقمية في تقديم المحاضرات بطريقة تفاعلية، تضمن مشاركة الطلاب، و توفر الكثير من الوقت و التكلفة.
سادسا: الإتصال بالصناعة
لا يمكن فصل التعليم العالي في الدول المتقدمة عن سوق العمل العالمي. الجامعات الدولية دائما ما تكون على اتصال وثيق برجال الأعمال و كبرى الشركات في المجالات المختلفة. تقدم الشركات للدارسين المنح و التدريبات العملية التي تجعلهم مؤهلين بشكل كبير للعمل، باكتسابهم الخبرات اللازمة للبدء بشكل صحيح في الانخراط في الانتاج و الصناعة و تقديم الخدمات..
دراسة تكنولوجيا المعلومات
بالبناء على النقاط السابقة، التي يمكن إعتبارها عوامل تقييم لمدى نجاح الجامعات المصرية في تطوير أساليبها، نستعرض في المقارنة التالية كيف يتم تدريس تكنولوجيا المعلومات في كلية الحاسبات و المعلومات جامعة عين شمس المصرية، كنموذج للجامعات المصرية، قياسا بجامعة ماساشوستس MIT بالولايات المتحدة الأمريكية – المصنفة الأولى عالميا في ترتيب الجامعات 2022 – و تحديدا كلية علوم و هندسة الحاسب MIT EECS، وفي كلية الهندسة و التكنولوجيا بجامعة AMU الهندية العريقة – تأسست في عام1875 – التي تميزت بخريجين على أعلى مستوى في مجال البرمجيات، بالرغم من الظروف الإقتصادية المتواضعة.
المعايير | جامعة MIT | جامعة AMU | جامعة عين شمس |
المناهج | يستطيع الطالب تكوين تخصصه بالاختيار بين:علوم الحاسب و الهندسة الكهربائيةعلوم الحاسب و الجزيئات الحيويةعلوم الحاسب و الإدراك البشريالذكاء الصناعي و اتخاذ القرارعلوم الحاسب و التنمية الحضرية و التخطيط السكانيعلوم الحاسب و الاقتصادتشمل المواد الدراسية مجموعة واسعة من الخوارزميات لغات البرمجة الذكاء الاصطناعيأنظمة تشغيل الحاسب الآلي قواعد البياناتالأمن السيبرانيمرونة كبيرة في تكوين التخصص من خلال العديد من المواد الإختيارية. | يحتوي قسم الحاسب الآلي بكلية الهندسة و التكنولوجيا على التخصصات الآتية:الشبكاتالذكاء الاصطناعيWeb Mining أو تعدين البيانات على شبكة الإنترنت و هو علم إحصائي يستخدم خوارزميات معينة لاستخراج المعلومات من الوثائق و الصفحات الموجودة على الانترنتأمن المعلومات تكنولوجيا وسائط الإعلامالبرمجياتتشمل الدراسة في هذا القسم مواد تقنية متخصصة بالإضافة لمواد جانبية مثل:تحليل المشكلاتالهندسة و المجتمعالبيئة و الاستدامةأخلاقياتإدارة المشروعات | تحتوي كلية حاسبات و معلومات على الأقسام التالية:علوم الحاسب.نظم المعلومات.نظم الحاسبات.الحسابات العلمية.تضم الكلية البرامج الدراسية الآتية:تقنية المعلومات الحيوية.هندسة البرمجيات.الذكاء الاصطناعي.الوسائط المتعددة.الأمن السيبرانيالمقررات الدراسية تغطي أساسيات صناعة تكنولوجيا المعلومات مثل:أساسيات البرمجة الهيكليةهياكل البياناتالتصميم المنطقيالبرمجة الشيئيةلغة التجميعتحليل و تصميم الخوارزمياتقواعد البياناتالذكاء الصناعييزيد على تلك الأساسيات الكثير من المواد الهامشية المساعدة مثل:أصول المهنة و شرعيتهاالإحتمالات و الإحصاءكتابة التقارير إدارة الأعمالإنسانيات |
طرق التدريس و التقييم | تتعدد طرق التدريس في الجامعة لتشمل:المحاضرات المباشرةالمحاضرات الرقميةورش العملالمشروعاتالأبحاثالمعاملالزيارات الميدانيةيتم استخدام استراتيجيات مبتكرة لتعزيز تفاعل الطلاب مع الأساتذة على غرار:العصف الذهنيالمحاكاة و الأدوار التمثيليةالتعلم من خلال الألعاب و الأنشطةالمسابقات | المحاضرات المباشرةالمعامل المشروعات و العمل الجماعيتعتمد الجامعة بشكل موسع على المحاضرات الرقمية نظرا لكثافة أعداد الطلاب. | أغلب الوقت تكون طرق التدريس تقليدية من خلال المحاضرات المباشرة يتم أيضا – بدرجة أقل – استخدام طرق التعليم الحديثة القائمة على التعلم الذاتي وحلقات النقاش وحل المشكلات واعداد التقارير العلمية وعرضها ومناقشتها. |
البحث العلمي | تدعم دراسة تكنولوجيا المعلومات مجالات عديدة للأبحاث، مثل علاج السرطان والخدمات التعليمية والعربات التي تستخدم الطاقة الشمسية.يمكن للطلاب تصميم مشروعهم الخاص وطلب المشورة و الدعم من الجامعةتقدم الجامعة تمويل و دعم مالي للأبحاث العلمية هو الأضخم على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية في مجال تكنولوجيا المعلومات.تحتل الجامعة المرتبة الأولى عالميا من حيث الأبحاث المتعلقة بالذكاء الصناعي. | أكملت كلية الهندسة في العام الحالي 6 مشروعات بحثية في مجال تكنولوجيا المعلومات بالإضافة إلى 3 مشروعات جاري العمل عليهم.تعتمد المشروعات البحثية في الجامعة بالأساس على التمويل من جهات خارجية مثل البنك الدولي الذي يمول حاليا مشروعين بحثيين بقيمة تقترب من مليون دولار أمريكي.من خلال مكتبة الكلية، متاح للطلاب الإطلاع على أكثر من 2 مليون ورقة بحثية. | 7 أبحاث علمية في مجال تكنولوجيا المعلومات هو العدد المتاح رسميا من خلال الموقع الرسمي للجامعة. عدد المشروعات البحثية التي تم تمويلها من الخارج في الفترة بين 2008 و 2021 هو 8 مشروعات فقطتم توقيع 18 اتفاقية تبادل للأبحاث العلمية بين كلية الحاسبات والمعلومات جامعة عين شمس و جامعات أخرى من جميع أنحاء العالم بين 2013 و 2021 |
الحياة الطلابية | أكثر من 400 نادي علمي داخل الجامعة منهم ما يزيد عن 80 نادي مهتم بتكنولوجيا المعلومات و خصوصا الأمن السيبراني و ما يعرف باسم ” القرصنة الأخلاقية ” و هو مصطلح يطلق على خبراء أمن المعلومات العالمين بطرق قرصنة البيانات و القادرين على التصدي لها. | تحتوي الجامعة على 5 أندية علمية منهم واحد فقط متعلق بالتكنولوجيا و خاصة صناعة الروبوت.تضم الجامعة 7 مكتبات كما تضم أيضا مركز استشارات نفسية و اجتماعية للطلاب | 18 تجمع غير رسمي للطلاب داخل الجامعة في شكل أندية علمية و روابط للعمل المجتمعي منها 5 تجمعات فقط تهتم بمجال تكنولوجيا المعلومات. |
التكنولوجيا | بفضل الإمكانيات المادية الكبيرة و دعم رجال الأعمال، تمتلك الجامعة أحدث المعامل و المختبرات في العالم، كما تمتلك أيضا أحدث أنظمة الحاسب الآلي و التي تحرص الإدارة على تطويرها باستمرار. | استحدثت الجامعة نظام Virtual Labs أو المعامل الافتراضية لتوفير الوصول عن بعد إلى المختبرات القائمة على المحاكاة في مختلف تخصصات العلوم والهندسة | تحتوي الكلية على عدد من المعامل و الأجهزة التي تفي بالغرض لكنها تحتاج إلى التطوير و التحديث. |
الإتصال بالصناعة | ساعد الارتباط الوثيق بين الصناعة و دراسات خريجي معهد MIT للتكنولوجيا على بدء أكثر من 30 ألف شركة نشطة ، وخلق 4.6 مليون وظيفة في مجال البرمجيات خلال الفترة من 2014 حتى 2019تمتلك الجامعة برنامج MIT للاتصال الصناعي ” ILP ” و الذي يعد برنامجا شاملا للشراكة مع الشركات التكنولوجية العملاقة حول العالم. البرنامج حقق نجاحا كبيرا و شهرة عالمية من خلال الفعاليات التي ينظمها بشكل مستمر. | علاقة الجامعة بالشركات العاملة في مجال التكنولوجيا تعد علاقة قوية، حيث تسهل الجامعة:تجميع وفحص السير الذاتية للطلاب بناءً على طلب الشركاتعرض أنشطة الشركات داخل الجامعةتوفير بنية تحتية مجهزة تجهيزًا جيدًا لمختلف الأنشطة مثل محادثات ما قبل التوظيف والاختبارات خارج الإنترنت / عبر الإنترنت والمقابلات وما إلى ذلك. | تعقد الجمعية المصرية لمهندسي البرمجيات ملتقى سنوي للتوظيف لخريجي كليات الحاسبات – و هي المساهمة الأولى في تأسيس الجمعية – لدى كبرى شركات البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مصر.قامت الجامعة بإنشاء مركز الابتكار و ريادة الأعمال iHub و هو أول مركز جامعي حكومي لريادة الأعمال الابتكارية والتوظيف، بالتعاون والتمويل من صندوق البنك المركزي المصري. |
بالنظر إلى المقارنة السابقة، نرصد الفجوة بين الطريقة المصرية في تدريس تكنولوجيا المعلومات من خلال نموذج كلية حاسبات و معلومات جامعة عين شمس، و بين الطريقة الأمريكية الرائدة من خلال نموذج جامعة ماساشوستس، و الطريقة الهندية لجامعة AMU. و يمكن التوصية بتطوير النقاط التالية في ضوء المعايير العالمية كما يلي:
- تحديث المناهج العلمية و تركيزها فيما يفيد الطالب في حياته العملية مع إزالة الحشو الزائد من المواد التي قد تشتت ذهن الطلاب و تبتعد به عن هدفه الأساسي.
- تطوير طرق التدريس بحيث تعتمد أكثر على التفاعل و المشاركة، مع إعطاء الطالب فرصة تقييم محايدة عند الاختلاف و المناقشة.
- تهيأة المناخ للمزيد من الأبحاث العلمية و خاصة في مجال الذكاء الصناعي و إنترنت الأشياء و ما يتعلق بهم من تطبيقات مفيدة للمجتمع.
- الإهتمام بالأنشطة الطلابية و تشجيع الأندية العلمية من خلال دعم و تمويل مسابقات في البرمجيات و غيرها على مستوى الجمهورية.
- تحديث الأجهزة و المعامل في الجامعات المصرية و الاعتماد على أنظمة التشغيل المتطورة.
- ربط الدارسين بسوق العمل من خلال التدريب و التعاون المستمر مع شركات صناعة تكنولوجيا المعلومات.
فإذا تحققت تلك النقاط، نستطيع أن نؤكد أننا على الطريق الصحيح للتقدم و التطور المرتبط بصناعة تكنولوجيا المعلومات و دراستها بالصورة الأمثل في جامعاتنا المصرية.