أعلنت القيادة العامة السورية يوم 24 ديسمبر 2024، أنه بعد سلسلة لقاءات بين قائد إدارة العمليات العسكرية “أحمد الشرع” وعدد من زعماء الفصائل المسلحة -أكثر من 15 فصيلًا، بينهم قادة “جيش الإسلام” و”أحرار الشرقية” و”الجبهة الشامية” و”تجمع الشهباء” وغيرهم- تم التوصل إلى اتفاق يقضي بحل الفصائل ودمجها في الجيش السوري الجديد تحت مظلة وزارة الدفاع. كما أوضحت بعض المصادر أن الشرع كان حادًّا ومباشرًا وواضحًا، في مسألة حل الفصائل والانضمام إلى الجيش الجديد، مشيرة إلى أنه لوّح بخيار القوة العسكرية مع الفصائل التي قد ترفض هذا التوجه.
في هكذا سياق، انقسمت الآراء حول تداعيات تلك الخطوة، حيث رأى البعض أن ضم هذه الفصائل إلى الجيش بعد إعادة هيكلته خطوة إيجابية للحفاظ على الأمن والاستقرار. في المقابل، هناك من يدعم استمرار هذه الفصائل كقوى محلية مستقلة لدورها في حماية المنطقة من الانفلات الأمني، إلى حين تشكيل الجيش الجديد.
أولًا: خطوة على الطريق الصحيح
أشارت بعض التقديرات بأن عملية الحل والدمج ستكتمل رغم العوائق، لأنها من ضرورات ترسيخ عهدٍ جديدٍ، كما أنها خطوة مهمة في مسار طمأنة الداخل السوري والمجتمع الدولي. وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:-
1. ترحيب واسع بالقرار:
نوه البعض بأن هنالك رغبة شديدة لدى الفصائل الثورية المسلحة في أن تكون جزءًا من العهد الجديد، خاصة أن مبررات وجودها في السابق من حيث مقارعتها للنظام المخلوع دفاعًا عن الشعب السوري انتفت بفرار بشار الأسد.
ففي ريف اللاذقية الشمالي على سبيل المثال، نشطت الفصائل المسلحة في هذه المنطقة، وسيطرت على مساحات واسعة منها لكنها جاهزة لحل نفسها، وفي محافظة القنيطرة لا توجد فصائل مسلحة ذات كتلة بشرية كبيرة أو أسلحة ثقيلة، بحكم طبيعة المنطقة، ولذلك فإن كل الفصائل الموجودة وافقت على حل نفسها، والانضمام إلى الجيش السوري الجديد، علمًا أن وفدًا من الإدارة السورية الجديدة زار القنيطرة في 24 ديسمبر، والتقى قادتها ووجهاءها، واتفقا على ترتيبات المرحلة المقبلة. وفيما يخص الشمال، أي إدلب وحلب، فإن اليد الطولى هُناك لـ”هيئة تحرير الشام”، التي تقود مشروع الدمج في الجيش الجديد.
أخيرًا، أكدت مصادر في الإدارة السورية الجديدة، بأن مشايخ العقل وقادة عسكريين في فصائل مسلحة بمحافظة السويداء، بادروا إلى زيارة دمشق، والتقوا الشرع، وأبلغوه باستعدادهم التام وجهوزيتهم الكاملة لحل جميع الفصائل في المحافظة، والانخراط في الجيش. وتعتبر “حركة رجال الكرامة”، الفصيل العسكري الأكبر عددًا والأكثر تسليحًا في السويداء، وحسب مصادر في الحركة نفسها، فإن قادتها أخبروا الشرع أنهم سيكونون جزءًا من جيش سوريا الجديد.
2. تعزيز الاستقرار والأمن خلال المرحلة الانتقالية:
أشار بعض الخبراء إلى أن توحيد الفصائل سيسهم في تعزيز الاستقرار خلال المرحلة الانتقالية، وسيمنح المواطنين شعورًا بالأمان مع وجود قوى أمنية موحدة ومسئولة بدلًا من الفصائل المتناثرة في الأحياء؛ مما يؤدي إلى غياب المسئولية. مضيفين بأن الحكومة ألغت الخدمة العسكرية الإلزامية وفتحت باب التطوع في الأجهزة الأمنية والعسكرية، وهو ما سيخفف الضغط عن المواطنين ويشجعهم على الانضمام طوعًا بدلًا من الهروب من الخدمة.
3. الإسهام في عمليات إعادة البناء:
أكد البعض بأن توحيد الفصائل السورية تحت إطار تنظيمي واحد، بقيادة وزارة الدفاع المنبثقة عن حكومة الإنقاذ، يأتي في سياق الترتيبات الرامية إلى إنهاء الحرب والدخول في مرحلة السلام. ليس هذا فحسب، بل إن هذه الخطوة المنتظرة، يترقبها المجتمع الدولي من أجل البدء في مساعدة سورية على التعافي والإسهام في عمليات إعادة البناء، وعودة ملايين اللاجئين والنازحين إلى الداخل.
ضف على ذلك، أن الجيش السوري لن يعمل كمنصة أمنية تهدد دول الجوار، وأبرز دليل على هذا، الزيارات المتعددة من المسئولين الإقليميين، مثل وزير الخارجية التركي، ووزير الدولة القطري، ووزير الخارجية الأردني، والتي تشير إلى تغير الأوضاع في سوريا نحو المصالحة مع دول الجوار، واهتمام أكبر بتحسين الأوضاع الداخلية وتحصيل مصالح المواطن السوري.
ثانيًا: تعقيدات كبرى
أكدت أغلب التحليلات بأن تشكيل جيش جديد يتبع لوزارة الدفاع أمر صعب ومن ثَمّ من غير المتوقع أن يتم دمج الفصائل في وقت قريب، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء العوامل التالية:-
1. انشقاقات مستقبلية:
كانت الفصائل المسلحة المتعددة في سوريا متحدة في معارضة الأسد، لكنها منقسمة بشكل حاد بسبب الأيديولوجية، والرؤى لمستقبل سوريا، والتحالفات الأجنبية، والانتماءات العرقية والدينية، وهو ما يُعد عائقًا كبيرًا أمام أي محاولة للتوحيد. كذلك، يدين العديد منها بالولاء لقادتها الميدانيين أكثر من الدولة السورية. ناهيك أيضًا عن مشاركتهم في جرائم ضد السوريين خلال النزاع، وبالتالي لن يكون من السهل دمجهم في مؤسسة عسكرية وطنية.
تثير كل هذه الأمور مخاوف من أن تشهد المؤسسة الجديدة انشقاقات مستقبلية إذا تعارضت مصالح أفرادها مع توجهات القيادة، لا سيما وأن قادة هذه الفصائل تتمتع بنفوذ مناطقي محدد قد يرغبون في المحافظة عليه، يضاف إلى ذلك، النظرة غير المحببة لتشكيلات أخرى مثل “جيش الإسلام” الذي عادت قياداته إلى معقله الأساسي في دوما بريف دمشق، بينما لم يحضر أي من ممثليه اجتماع التحضير للجيش السوري الجديد. باختصار، إذا أصبحت عملية الإدماج مدفوعة باعتبارات اجتماعية أو أيديولوجية فإنها غالبًا ما تفشل.
2. استمرار معضلة “قسد”:
يشير البعض بأن التحديات لا تقتصر على دمج الفصائل المسلحة فحسب، بل تشمل أيضًا التعامل مع المجموعات في شمال شرق سوريا، مثل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة. هذه القوات التي يقدر عددها بنحو 80 ألف شخص، تتمتع بنفوذ قوي وتطالب بنوع من الحكم الذاتي، وهو ما قد يتعارض مع مشروع الدولة المركزية الذي تنادي به الحكومة المؤقتة. ضف على ذلك، المواجهات الراهنة بين قسد وفصائل “الجيش الوطني السوري” في شمال شرقي سوريا وفشل كافة المحاولات لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بسبب تعنت تركيا على الرغم من الاهتمام الأميركي بشأن هذه المسألة، وتصريحات “مظلوم عبدي” قائد قسد بأن لديه الرغبة في أن تكون قواته جزءًا من جيش وطني سوري في حال تشكيله.
كل هذه الأمور تنذر بتصاعد محتمل للصراع، وقد يؤدي إلى معركة كبرى في شمال شرقي سوريا، خاصة مع الأخطار الكامنة التي تُشير إليها التحركات الإيرانية الخفية، بجانب الحديث عن مطالبة أحمد الشرع إلى قسد بحل نفسها، وإلا فإنه سيرسل تعزيزات عسكرية إلى الرقة والحسكة لإجبارها على ذلك، حسبما أشارت عدة مصادر.
3. تحديات تنظيمية:
نوه البعض بأن بناء الجيش السوري الجديد سيواجه معوقات عديدة تتعلق بمدى انضباط العناصر كون قسم كبير منهم لم يخضع لدورات عسكرية وفق الأنظمة المتبعة عادة في الجيوش الرسمية تؤهلهم للانخراط في مؤسسة الجيش، حيث اعتاد أفراد الفصائل المسلحة المتشددة العمل ضمن مجموعات غير نظامية؛ مما يجعل من الصعب تحقيق الانضباط المطلوب داخل الجيش. هذا إلى جانب ضعف القدرة على تمويل هذا الجيش في ظل إفلاس الخزينة العامة وضعف اقتصاد البلاد.
على الجانب الآخر، تشهد العديد من المناطق في سوريا حالة من فوضى انتشار السلاح في أيدي أغلب الفصائل، نتيجة عمليات نهب واسعة للمقرات العسكرية والمعسكرات التي كانت تابعة لقوات النظام السابق، ويثير هذا الانتشار المخاوف من استخدام هذه الأسلحة في عمليات سرقة ونهب واعتداءات؛ مما يُهدد السلم الداخلي خاصة وأن عملية حصر السلاح في يد دولة يعاد تشكيلها، مهمة بالغة الدقة والصعوبة.
4. تفاقم خطورة المقاتلين الأجانب:
أشارت بعض التقديرات إلى التحدي المتعلق بالوجود الكبير للمقاتلين الأجانب غير السوريين في صفوف هيئة تحرير الشام، وهو ما سيتطلب سياسة حاسمة إلى معالجة مصير هؤلاء الأفراد، حيث أصبح الشعب السوري غير متسامح بشكل متزايد مع المقاتلين الأجانب الذين يعملون على أراضيهم.
وفي حين أنه من غير المرجح أن تكرر هيئة تحرير الشام استراتيجية الأسد المتمثلة في الاستفادة من المليشيات الأجنبية لتأمين سلطتها، فإن وجود مثل هذه الجماعات داخل صفوفها يثير مخاوف جدية بشأن دورها المستقبلي في حقبة ما بعد الأسد، لا سيما مع وجود تقارير تشير إلى أن الجولاني منفتح على منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين يقيمون في البلاد لأكثر من خمس سنوات، وهو ما سيزيد من تعقيد الأمر.
5. زيادة معدل التدخلات الخارجية:
يثير البعض تساؤلات حول مدى قدرة القيادة السورية على تنفيذ مهمة إعادة هيكلة الجيش السوري دون مساعدة دولية، في ظل وجود قواعد عسكرية أمريكية وتركية في المنطقة. تزامنًا مع الأقاويل بأن الإعلان عن حل جميع الفصائل وانضوائها تحت مظلة وزارة الدفاع السورية جاء بطلب أمريكي- إسرائيلي- تركي، ليس من أجل أن يكون هناك جيش سوري، بل بسبب الخشية من خروج حركات مقاومة قد تتمرد على النظام القائم أو لا تقبل باستمرار احتلال إسرائيل لما يزيد على 550 كم من الأراضي السورية بالإضافة إلى هضبة الجولان.
ضف على ذلك، أن أي تحول في العقيدة العسكرية السورية من العقيدة الشرقية إلى الغربية يتطلب إعادة تقييم شاملة لعلاقات سوريا مع القوى الخارجية، مثل روسيا، التي طالما كانت شريكًا أساسيًا في دعم النظام العسكري السابق.
6. تعزيز التغلغل التركي في سوريا:
أشارت العديد من التحليلات إلى القلق المتزايد من التدخل التركي الذي يسعى لاستعادة نفوذها العثماني عبر تعزيز الإسلام السياسي، وهو ما قد يؤثر في مستقبل الاستقرار في سوريا. فمع غياب رؤية وطنية شاملة، يبدو أن الجيش الجديد سيواجه تحديات هيكلية وعقائدية تجعل مستقبله غامضًا. وربما يصبح هذا الجيش حصان طروادة لخدمة الهدف التركي الأكبر وهو التخلص من المعضلة الكردية، يعزز هذا الرأي أيضًا وجود تقارير تفيد بأن تركيا تدرس خطوة جديدة لتقنين وجود قواتها في الأراضي السورية من خلال التوصل إلى اتفاق سريع مع الحكومة الانتقالية. ويشمل هذا الاتفاق المحتمل صياغة اتفاقية شاملة للتعاون العسكري والدفاعي، تتيح لأنقرة تقديم التدريب والمساعدة في تشكيل الجيش السوري الجديد.
ختامًا، يمكن القول إن إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية السورية ليست مجرد عملية تنظيمية، بل هي تحول شامل يتطلب توافقًا داخليًا وإرادة سياسية قوية. ففي ظل التحديات المتعددة، تبقى إمكانية تحقيق هذا الهدف مرهونة بقدرة القيادة السورية على إدارة الحوار الداخلي، وضمان التوازن بين المصالح الوطنية والإقليمية لبناء دولة متماسكة قادرة على استعادة مكانتها في المنطقة والعالم.
الملخص
أعلنت القيادة العامة السورية يوم 24 ديسمبر 2024، التوصل إلى اتفاق يقضي بحل الفصائل ودمجها في الجيش السوري الجديد تحت مظلة وزارة الدفاع. من هنا، نوه البعض بأن تشكيل جيش جديد يتبع لوزارة الدفاع أمر صعب بحُكم التباين في التوجهات وتاريخ الخلافات..إلخ. لكن بالمقابل يرى آخرون أن عملية الحل والدمج ستكتمل، لأنها من ضرورات ترسيخ عهدٍ جديدٍ، كما أنها خطوة مهمة في مسار طمأنة الداخل السوري والمجتمع الدولي.
المصادر
- https://www.reuters.com/world/middle-east/syrias-al-sharaa-agrees-with-ex-rebel-factions-merge-under-defence-ministry-2024-12-24/
- https://www.lemonde.fr/en/international/article/2024/12/26/syria-s-new-government-negotiates-the-disbanding-of-armed-groups_6736461_4.html
- https://www.france24.com/en/middle-east/20241224-syrian-authorities-say-armed-groups-agree-to-disband-merge-under-defence-ministry
- https://arabcenterdc.org/resource/rebuilding-and-strengthening-syrias-state-institutions/
- https://www.nytimes.com/2024/12/25/world/middleeast/syria-rebels-government-assad.html
- https://www.fdd.org/analysis/op_eds/2024/12/18/who-will-form-the-core-of-jolanis-unified-army/
- https://www.middleeasteye.net/news/who-are-syrian-national-army
- https://www.nytimes.com/2024/12/10/world/middleeast/syria-rebels-government-assad.html
- https://www.ukrinform.net/rubric-defense/3941388-turkey-will-help-syria-to-create-300000-army.html
- https://www.fdd.org/analysis/2024/12/23/can-syrias-new-leader-unite-armed-factions-into-one-army/