أكد الرئيس السيسي خلال كلمته الخميس 12 أكتوبر في حفل تخرج طلاب الكليات العسكرية على أن يتحمل المجتمع الدولي مسئولياته تجاه تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل إلى داخل قطاع غزة، وتتزامن تلك الدعوة مع تردي الأوضاع الإنسانية في الأراضي المحتلة بعد ستة أيام من القصف المستمر، وفرض حالة حصار كاملة منذ الاثنين الماضي، بالإضافة إلى رفض سلطات الاحتلال فتح ممرات آمنة للمدنيين أو السماح بدخول القوافل الإغاثية بما يخالف القانون الإنساني الدولي ويُنذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة.
الوضع الراهن: من سيئ إلى أسوأ
وفقًا للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين، فإنه لا يجوز معاقبة أي شخصي على جريمة لم يرتكبها هو شخصيًا، وتحظر العقوبات الجماعية وكذلك تدابير الإرهاب والترهيب، كما تحظر الأعمال الانتقامية ضد الأشخاص المحميين وممتلكاتهم. ولكن على مدار سبعة أيام متصلة، انتهكت قوات الاحتلال كل ما جاء في هذه المادة، حيث قتلت ما يزيد على 2750 فلسطينياً من سكان قطاع غزة، ودمرت البنية التحتية التي تعاني بالفعل نتيجة تكرار القصف الإسرائيلي منذ سنوات، وقامت بترهيب باقي سكان القطاع البالغ عدد 2.2 مليون فلسطيني، لتجبر أكثر من 423 ألف شخص على النزوح القسري.
الأمر لم يتوقف عند القصف العنيف على القطاع الذي استخدمت فيه قوت الاحتلال ما يزيد على 4 آلاف طن من المتفجرات، بل امتد ليشمل قطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود أيضًا، الأمر الذي أدى إلى إظلام تام للقطاع الذي كان يتمتع بالكهرباء لمدة 3 أو 4 ساعات فقط يوميًا، وخروج المنشآت الطبية والمستشفيات من الخدمة، بما أعجز الأطقم الطبية عن تقديم المساعدة لأكثر من 7 آلاف مصاب.
وعلى الرغم من أن 60% من سكان غزة يعيشون تحت خط الفقر الوطني ويعتمدون على مساعدات الأونروا وبرنامج الأغذية العالمي، إلا أن الحصار الذي فرضته قوات الاحتلال يهدد إمدادات الغذاء في القطاع بالنفاد، حيث أوضحت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي أن مخزون القطاع من المواد الغذائية قارب على النفاد في كثير من المحال التجارية ولن يكفي لأكثر من أسبوع، كما أن المواد الغذائية المتاحة لدى البرنامج تكفي 44 ألف شخص فقط، وقد اشترى البرنامج مواد غذائية من مناطق مختلفة لتوصيلها للفلسطينيين، إلا أن قوات الاحتلال ترفض فتح ممرات آمنة لإدخال تلك المساعدات.
لم تكتفِ قوات الاحتلال بعمليات القتل والتجويع المتعمد ضد المدنيين العزل في غزة، بل تدفعهم منذ اليوم الأول للتصعيد للنزوح قسرًا من منازلهم وتفريغ القطاع من سكانه، حيث دعا أحد قادة جيش الاحتلال الفلسطينيين للتوجه إلى مصر لحماية أنفسهم، قبل أن يعيد جيش الاحتلال الكرّة مرة أخرى في سابع أيام التصعيد بدعوة سكان غزة للتوجه جنوبًا وعدم الاقتراب من السياج الحدودي مع إسرائيل استعدادًا لعمليات عسكرية موسعة داخل القطاع، الأمر الذي يُنذر بكارثة إنسانية لم تشهدها المنطقة من قبل.
دعم غربي للاحتلال يفاقم الكارثة
أوضح مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن فرض حصار يعرض حياة المدنيين للخطر من خلال حرمانهم من السلع الأساسية للبقاء على قيد الحياة محظور بموجب القانون الدولي الإنساني، كما وصفت منظمة هيومان رايتس ووتش تصريحات قادة جيش الاحتلال بأنها “دعوة لارتكاب جرائم حرب”، فحرمان السكان في أرض محتلة من الغذاء والكهرباء يمثل جريمة حرب، شأنه شأن استخدام سلاح التجويع.
ورغم تحذيرات المنظمات الأممية والدولية من ارتكاب قوات الاحتلال جرائم حرب بحق المدنيين الفلسطينيين، إلا أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي اتخذت خطوات من شأنها أن تفاقم الكارثة الإنسانية في الأراضي المحتلة، فلم يتوقف الدعم الغربي للاحتلال عند إعلان التضامن مع ضحايا هجوم حماس في السابع من أكتوبر، بل اتسعت دائرته لتشمل دعمًا عسكريًا من الولايات المتحدة لإسرائيل قوامه “حاملة طائرات بطاقم مكون من 5 آلاف فرد، وتجهيز طائرات حربية لدعم القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، وخلية من قوات العمليات الخاصة لتحرير الرهائن.
في السياق نفسه، أعلنت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا تضامنها ودعمها الثابت لإسرائيل، مؤكدين أنهم يعملون على ضمان أن تتمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها ومواطنيها، وقد وضعت ألمانيا طائرتين مسيرتين تحت تصرف قوات الاحتلال، بالإضافة إلى إمكانية تزويدهم بذخيرة للسفن، وأكدت الحكومة البريطانية أن دورياتها البحرية والجوية تبدأ من الجمعة 13 أكتوبر لرصد ما وصفوه بتهديدات للاستقرار الإقليمي.
إن هذا الدعم العسكري المبالغ فيه يشير بوضوح إلى أن مخطط قوات الاحتلال لا يقتصر على استعادة الرهائن الذين تمكنت حماس من أسرهم، أو تدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية، بل سيمتد لعمل إجرامي واسع النطاق ضد الفلسطينيين لتصفية قضيتهم بما من شأنه أن يدفع بعض القوى الإقليمية للتدخل.
ولم يتوقف الدعم الغربي عند التضامن وتقديم الدعم العسكري لقوات الاحتلال، ولكن أعلن الاتحاد الأوروبي عن تعليق المساعدات للفلسطينيين، قبل أن يتراجع عن هذا الإعلان بعد معارضة من أيرلندا وإسبانيا ولوكسمبرج؛ إلا أن هذا التراجع كان شكليًا، حيث أعلنت ألمانيا والنمسا والدنمارك والسويد تعليق مساعداتها للأراضي الفلسطينية. بذلك، تضع الدول الغربية -التي ضخّت أكثر من 160 مليار دولار لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا- الفلسطينيين بين شقي رحى، وتساهم بشكل مباشر في تفاقم الأوضاع الإنسانية في فلسطين، أو بمعنى آخر تشارك في جريمة الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين في الوقت الراهن.
الجهود المصرية
على النقيض من الموقف الغربي المنحاز للاحتلال الإسرائيلي، يظل الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية ثابتًا، حيث أكدت الدولة المصرية -متمثلة في الرئيس السيسي ووزارة الخارجية- على حفظ حقوق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه وعدم الرضوخ لمحاولات التهجير القسري الذي تمارسه قوات الاحتلال منذ أسبوع. ومنذ بداية التصعيد بين المقاومة وقوات الاحتلال، تسعى مصر للتهدئة بين الجانبين وتقديم المساعدة الإنسانية للفلسطينيين في معبر رفح الذي تعرض جانبه الفلسطيني للقصف أكثر من مرة، إلا أن قوات الاحتلال ترفض التهدئة أو فتح ممرات إنسانية لدخول المساعدات الدولية إلا بعد تحرير جميع الرهائن من قبضة حماس.
وبالتزامن مع استمرار القصف الإسرائيلي على غزة وقطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء للسكان هناك، وجه الرئيس السيسي بتجهيز قافلة مساعدات أعلن عنها التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي منذ الثلاثاء 10 أكتوبر، وتتضمن تلك القافلة كميات ضخمة من المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية، بالإضافة إلى جهود كبيرة يقوم بها الهلال الأحمر المصري على الجانب المصري من معبر رفح لاستقبال المصابين وغيرهم ممن يحتاجون للمساعدة.
الجهود المصرية لم تتوقف عند تجهيز قوافل الإغاثة المصرية وتوجيهها لمعبر رفح، بل تتضمن أيضًا تنسيق كافة الجهود الإغاثية الدولية من قبل الجهات الراغبة في إغاثة غزة واستقبال المساعدات الدولية في مطار العريش الدولي لتوجيهها إلى غزة من خلال معبر رفح البري عند فتح ممرات إنسانية. وقد أسفرت الجهود المصرية مع الولايات المتحدة لفتح الممرات الإنسانية عن تأكيد الأخيرة على توصيل المساعدات لسكان غزة. وقد وصلت بالفعل بعض شاحنات وطائرات المساعدات الدولية إلى مطار العريش قادمة من تركيا والأردن.
الجهود المصرية شملت أيضًا التواصل مع كافة الأطراف الدوليين الفاعلين والتوافق مع الاتحاد الأوروبي على ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية إلى داخل القطاع، كما تم التوافق مع رئيس الوزراء البريطاني على أهمية تكثيف الجهود لخفض التوتر وحماية المدنيين من الجانبين ومنع تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية.
من كل ما سبق، يتضح أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تتجه نحو مستوى الكارثة في ظل استمرار ارتكاب قوات الاحتلال جرائم بحق المدنيين ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب. ومع استمرار المساندة الغربية الكبيرة لإسرائيل في خطواتها، فإن بارقة الأمل لحفظ دماء الفلسطينيين تتمثل في الجهود المصرية الدؤوبة للتنسيق مع دول أوروبا والولايات المتحدة لوقف هجوم الاحتلال على غزة وفتح ممرات إنسانية من جانب، وحشد الجهود الإغاثية الدولية وتوصيلها للفلسطينيين من جانب آخر.