خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لخمسة بنوك مصرية لدرجة واحدة، وقد أشارت الوكالة إلى أن ذلك الخفض يعكس رؤية الوكالة للبيئة التشغيلية والجدارة الائتمانية السيادية بمصر، والتي منها عدد من المحددات الرئيسية التي تتمثل في جودة الأصول والأرباح، ورأس المال الاحتياطي لدي البنوك المصرية، والتي ينظر لها كخط دفاع أول يحدد قدرة تلك البنوك على الوفاء بالتزاماتها من العملات الأجنبية عند استحقاقها، وقد عللت موديز ذلك الإجراء لعدد من الأسباب، والتي يأتي على رأسها خفضها السابق لتصنيف الحكومة المصرية، واستمرار النقص في العملات الأجنبية، وزيادة مدفوعات خدمة الدين الخارجي على مدار العامين المقبلين، والقيود المفروضة على إعادة تسعير سعر صرف الجنيه المصري لتجنب المخاطر الاجتماعية المرتبطة بمثل ذلك الإجراء.
تأتي الأسباب السابقة إلى جانب سبب رئيسي آخر وفقًا لإشارة الوكالة، والذي يتمثل في الحيازات الكبيرة للبنوك المصرية من سندات الدين السيادية (الاستثمارات الكبيرة للبنوك المصرية في أدوات الدين المصرية، والتي تتمثل في السندات وأذون الخزانة)، وارتفاع الضغوط على التمويل بالعملة الأجنبية والسيولة، وتجدد التحديات الائتمانية المتعلقة بالارتفاع في أسعار الفائدة، ومعدلات التضخم، وضعف الأوضاع المالية المتمثلة في نسبة الدين العام. إذ أشارت الوكالة إلى أن تلك العوامل تؤثر بشكل كبير على عمليات البنوك وأدائها المالي، مما سيكون له أثر على جودة أصولها وأرباحها وهوامش رأسمالها، وقد تشكل تحديًا رئيسيًا لقدرة البنوك على الوفاء بالتزامها بالعملة الأجنبية عند استحقاقها، لكن هل الأمر بذلك السوء؟!
تحسن المؤشرات
باستعراض المؤشرات الرئيسية التي تقيس التطورات النقدية والائتمانية للقطاع المصرفي، والتي تتمثل في نسبة السيولة المحلية إلى الناتج المحلي الإجمالي فقد بلغت 92% في أبريل 2023 مقابل 84% في ديسمبر 2022، يعكس ذلك المؤشر بشكل رئيسي حجم السيولة التي يمتلكها القطاع المصرفي بالاقتصاد المصري، ويعني التحسن في تلك النسبة ثقة المصريين بالقطاع المصرفي، والإقبال على إيداع أموالهم بالمصارف المصرية. من جانب آخر فقد أظهر مؤشر نسبة الودائع بالعملات الأجنبية إلى إجمالي الودائع بالمصارف المصرية تحسنًا هو الآخر حيث بلغت 21% في إبريل 2023 مقابل 18% في ديسمبر 2022، يحمل هذا المؤشر وجهتي نظر رئيستين، وهي أن المصارف المصرية قادرة على جذب ودائع المودعين بالعملات الأجنبية بشكل كبير، وهو ما يعكس ثقة المودعين بأداء الاقتصاد المصري والمصارف المصرية وقدرتها على الوفاء بتلك الودائع عند الطلب، لكن من جانب آخر قد يكون مؤشرًا على ارتفاع في معدل الدولرة (الدولرة تعني سحب الموديعين لودائعهم بالجنيه المصري وتحويلها إلى دولار أمريكي)، وعلى الرغم من أن ذلك المؤشر بالفعل يعكس الارتفاع في معدل الدولرة إلا أنه في حال النظر إليه بالتوازي مع الارتفاع في نسبة الودائع المحلية قد يعني أن تلك الودائع الدولارية التي ارتفعت في المصارف المصرية هي أموال جديدة من خارج القطاع المصرفي تمامًا، وليست ودائع بالعملة المحلية تم تحويلها إلى عملات أجنبية، كل تلك المؤشرات تتعارض مع الأسباب التي أشارت إليها موديز والسابق الإشارة إليها، لكن ماذا عن ما أشارت إليه موديز من ارتفاع نسبة تعرض البنوك الحكومية إلى الديون السيادية المصرية التي اعتبرها عالية المخاطر؟
بالنظر إلى مؤشر صافي المطلوبات الحكومية كنسبة من إجمالي الائتمان، والذي يقيس نسبة تعرض البنوك الحكومية المصرية إلى السندات السيادية المصرية، والتي ارتفعت بشكل هامشي بنسبة 1% تقريبًا إلى 67% وفقًا لبيانات أبريل 2023، مقابل 66% وفقًا لبيانات ديسمبر 2022، والتي يمكن النظر إليها أنها زيادة هامشية لا يجب أن تكون سببًا جوهريًا في خفض التصنيف الائتماني للبنوك الحكومية المصرية، أما عن قدرات احتياطي العملات الأجنبية من النقد الأجنبي بالبنك المركزي المصري فهو يكفي 5.6 أشهر من واردات مصر السلعية وفقًا لبيانات أبريل 2023 مقابل 5.5 أشهر في ديسمبر 2022، وهو تحسن جيد في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم والدولة المصرية من حيث ارتفاع معدلات التضخم عالميًا والمدفوعة بالأساس بالارتفاع في أسعار الطاقة والغذاء والمعادن.
كفاية رأس المال
أما عن مؤشرات السلامة المالية للبنوك فإن النسبة الأشهر هي نسبة معدل كفاية رأس المال، وهي نسبة تقيس رأس المال الأساسي (يتم تضمين رأس المال الأكثر سيولة فقط) المتوافر لدى البنك إلى الأصول (استخدامات الأموال) والمرجحة بأوزان المخاطر، والهدف من ترجيح الأصول بأوزان مخاطرها هو الأخذ في الاعتبار المستويات المختلفة للمخاطر، والتي تتعرض لها الأصول الخاصة بالبنك، ويعكس ذلك المؤشر بشكل كفء قدرة رءوس الأموال للبنوك، وتمثل النسبة المطلوبة عالميًا من جانب بنك التسويات الدولي وفقًا لمقررات بازل 3 وهي 8% (مقررات بازل هي تعليمات مصرفية يتم إصدارها من جانب بنك التسويات الدولي للمصارف عالميًا لغرض تحقيق إدارة أفضل للمخاطر التي تواجهها أثناء ممارسة أعمالها، وهي تغطي مخاطر الائتمان، ومخاطر السوق، ومخاطر التشغيل، ومخاطر السيولة)، وبالنظر إلى معدل كفاية رأس المال للقطاع المصرفي المصري فقد بلغت 17.5% في يونيو 2023 مقابل 17.0% في مارس 2023، وهي نسبة أفضل بحوالي 9.5% من تلك المطلوبة من جانب بنك التسويات الدولي للبنوك العالمية.
أما عن مؤشرات الربحية التي أشارت الوكالة إلى أنها أصبحت أسوأ نتيجة لما يمر به الاقتصاد المصري من ضغوط اقتصادية، فبالنظر إلى بيانات البنك التجاري الدولي المدرج بسوق الأوراق المالية المصري (والذي يعد أحد البنوك التي خفضت الوكالة تصنيفها الائتماني)، فقد حقق البنك صافي ربح ربعي وفقًا لبيانات يونيو 2023 بمبلغ 7.9 مليارات جم، مقابل أرباح ربعية في مارس 2023 بقيمة 6.1 مليارات جم، وارتفع صافي هامش الفائدة للبنك بشكل ربعي إلى 7.5% في يونيو 2023 مقابل 7.1% في مارس 2023 (هامش الفائدة للبنك هي الفائدة المحصلة على قروض البنك مخصومًا منها الفوائد المدفوعة على الودائع)، وهو مقياس يعبر عن قدرة البنك على تحقيق أرباح وإدارة عملياته بشكل جيد. أما عن معدل العائد على حقوق الملكية فقد ارتفع إلى 33.5% في يونيو 2023 مقابل 28.3% للربع السابق لها، ومعدل العائد على الأصول فقد بلغ 3.4% في يونيو 2023 مقابل 2.97% في مارس 2023.
كل تلك المؤشرات السابقة التي تم استعراضها للبنك التجاري الدولي، والذي يعتبر أحد البنوك الذي خفضت الوكالة تصنيفه الائتماني متحججة بأن الأوضاع الاقتصادية المصرية ستؤثر بشكل مباشر على قدرة تلك البنوك على تحقيق ربحية وأداء جيد في المستقبل، وأن حجم مخاطرها وتعرضها للعملات الأجنبية يؤثر بشكل مباشر على أعمالها، فقد برهنت البيانات الربعية ليونيو 2023 معدلات النمو التي تحققت في العديد من المؤشرات، منها صافي هامش الفائدة NIM، ومعدل العائد على الأصول، ومعدل العائد على حقوق الملكية. أما عن القطاع المصرفي المصري فقد أظهرت البيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري صلابة واستقرار النظام المصرفي المصري، وهو ما يتعارض تمامًا مع ما أشارت إليه الوكالة في أسبابها لخفض التصنيف الائتماني للبنوك المصرية.