جاءت زيارة رئيس الوزراء “مصطفى مدبولي” إلى شمال سيناء كخطوة لإطلاق المرحلة الثانية من مسار التنمية الشاملة في سيناء، وشملت الزيارة لقاءه مع شيوخ القبائل وعرضه خطة التطوير الاستراتيجي في شمال سيناء من أكتوبر 2023 حتى يونيو 2030. كما تفقد رئيس الوزراء جانبًا من قوافل المساعدات الإنسانية والإغاثية بمنفذ رفح البري، وعَقَدَ لقاء صحفيًا أمامه، بالإضافة إلى وضع حجر أساس التجمع التنموي الحضري لتنفيذ 200 وحدة سكنية بمركز رفح ومزرعة بقرية العجراء، وكذلك حجر أساس التجمع التنموي بالجورة بمركز الشيخ زويد، لتنفيذ 830 منزلًا بدويًا لاستيعاب 3317 نسمة. ضمن هذا السياق، يناقش التحليل فلسفة المقاربة المصرية ومسارات التنمية بسيناء.
أولًا- مقاربة الأمن والتنمية:
تستهدف عملية التنمية الشاملة في سيناء منذ عام 2014، حماية الأمن القومي المصري كحائط صد ضد التهديدات الأمنية التي واجهتها الدولة بعد اندلاع الثورات في عامي 2011، 2013، وفي ظل سياق إقليمي مضطرب فرض الأمر ضرورة الاستمرار في مسار التنمية لبناء الردع الاستراتيجي لمواجهة تمدد الاضطرابات الناتجة عن الفوضى الإقليمية، فكانت مقاربة الأمن والتنمية في مصر مرتبطة بالتهديدات والمخاطر التي تشهدها الدولة داخليًا ونتيجة حالة الاضطراب الإقليمي.
وقد مثّل مؤشر التنمية في سيناء مقاربة مصرية مهمة وفق استراتيجية متكاملة متعددة الأبعاد، لتمثل خطة مستحدثة لم تشهدها مصر من قبل، فأصبحت نموذجًا في هذا الصدد، بالسير في مسارات متوازية لتحقيق التنمية من ناحية، ومواجهة الإرهاب من ناحية أخرى، خاصةً أن الدول المتشابهة مع مصر في المنطقة لم تشهد هذه التنمية نتيجة التفتت والانقسام والتوترات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي. واتبعت مصر مقاربة الأمن والتنمية كخطوة أولى للنهوض بمستوى حياة المواطنين في سيناء من ناحية، ومن ناحية ثانية مكافحة الإرهاب وتعزيز أمن الحدود وإحداث طفرة في مجال التسليح، بالإضافة إلى إطلاق مشروعات تنموية عديدة بحيث تمثل بيئة آمنة لمواطنيها مع الاتجاه إلى النهوض بها في كافة القطاعات، بهدف جذب مزيد من الاستثمارات، وتهيئة المناخ الاستثماري وجذب السياحة.
لم تقتصر الرؤية المصرية على الأبعاد الداخلية، بل اتجهت إلى التنمية الإقليمية، عبر الانخراط في مسار تنموي إقليمي ضمن نطاق دائرة أمنها القومي، بهدف استعادة الاستقرار الإقليمي، لذا تشكلت الآلية الثلاثية بين مصر والعراق والأردن من خلال “مشروع المشرق الجديد” الذي يضم محوري الطاقة والكهرباء، وامتدت إلى الشام مع سوريا ولبنان عبر دخول خط الغاز المصري عبر الأردن ومنه إلى سوريا ثم لبنان، مع العمل على إشراك فلسطين في منتدى غاز شرق المتوسط، وإنشاء الطريق الدائري الجديد الذي تقوم شركات مصرية بإنشائه ويربط (مصر– ليبيا– تونس).
ثانيًا- مسارات التنمية الشاملة في سيناء:
عانت شمال سيناء من ويلات الإرهاب الذي استمر لمدة 10 سنوات، حيث استشهد العديد من أبناء محافظة شمال سيناء، وأفراد القوات المسلحة والشرطة، ولم يكن أمام الدولة المصرية سوى الاتجاه إلى التنمية والتعمير لتحقيق الأمن والحماية لسيناء، وعدم الاقتصار على الأمن بمفهومه العسكري أو التقليدي، بل ضمان تحقيق الأبعاد الأخرى للأمن غير التقليدية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، لذلك تم إطلاق المشروع القومي لتنمية شمال سيناء منذ 2014، والعمل في مسارات متوازية.
على المستوى الأمني؛ تم إطلاق الحرب على الإرهاب، وحققت الدولة في ذلك مستويات متقدمة في مواجهة الظاهرة الإرهابية كما صرح الرئيس “عبد الفتاح السيسي” في فبراير 2023. وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، تم تطوير البنية الأساسية لتحقيق عملية التنمية من خلال تعزيز شبكات الكهرباء، والمياه والصرف الصحي، وكذلك تحلية مياه الشرب وشبكة الطرق والأنفاق التي استهدفت ربط سيناء بمصر، بالإضافة إلى تحقيق التنمية الزراعية والاقتصادية والصناعية والعمرانية والسياحية.
كما نفذت الدولة مشروعات في سيناء بلغت قيمتها أكثر من 600 مليار جنيه، وبلغت قيمة مشروعات شمال سيناء ما يقرب من 290 مليار جنيه، وتم تنفيذ أكثر من ألف مشروع بها في كافة المجالات، وتبلغ الاستثمارات المستهدف القيام بها فى شمال سيناء خلال الخمس سنوات القادمة نحو 363 مليار جنيه، منها 302 مشروع في مدن (رفح، والشيخ زويد، والعريش، وبئر العبد، والحسنة، ونخل) بهدف تحسين مستوى الحياة لأهالي شمال سيناء. وفيما يلي يتم توضيح مسارات التنمية في القطاعات المختلفة على النحو التالي:
• قطاع التعليم: تم فتح عدد من الكليات في جامعة العريش، منها: كلية الطب البشري، وكلية الاستزراع المائي والمصايد البحرية، ومركز بحوث أسماك، وعلوم البحار، بالإضافة إلى المدرسة اليابانية في العريش، والإنشاءات الجارية للمدارس الرسمية للغات أو مدارس المتفوقين، والمعاهد والمجمعات الأزهرية.
• قطاع الصحة: تم تنفيذ مشروعات بنحو مليار جنيه، ومن المستهدف ضخ استثمارات بنحو 8.3 مليارات دولار بهدف إدخال محافظة شمال سيناء ضمن المرحلة الجديدة من التأمين الصحي الشامل، وقد تم تطوير مستشفى بئر العبد المركزي ومستشفى نخل، وجارٍ تطوير مستشفى العريش العام.
• التنمية الصناعية: تم البدء بمجمعات الرخام، ومصنع العريش للأسمنت، ومن المخطط خلال المرحلة المقبلة إقامة منطقتين صناعيتين على مساحات كبيرة في رفح ونِخِلْ، ومجمعات صناعية في رفح والحَسَنَة ومصانع للرمال السوداء ومصنع للصودا آش.
• التنمية السياحية: تم تنفيذ مشروعات تنمية سياحية باستثمارات تبلغ 2.5 مليار جنيه. ومن المشروعات المخطط تنفيذها بشمال سيناء، مشروع إحياء مسار العائلة المُقدسة، وكذلك إنشاء قرى سياحية ومارينا لليخوت وموانئ داخلية ودولية وكورنيش بامتداد المدن الساحلية وتحديدًا في مدينة العريش.
• خدمات متنوعة: تم تنفيذ مشروعات وخدمات للمواطنين منها: الصالة الرياضية المغطاة، والبريد، والمخابز، وقصور الثقافة، وتطوير الاستادات والمساجد، ومن المخطط تنفيذ مشروعات خدمية بنحو 2.2 مليار جنيه، بالإضافة إلى العمل في مسار التنمية المجتمعية من خلال الندوات والأنشطة الثقافية والرياضية. وفيما يتعلق بالمحور الاجتماعي، تم تقديم الدعم النقدي المتمثل في برنامج تكافل وكرامة، بالإضافة إلى المشروعات متناهية الصغر والتمويل الميسر لتشجيع الإنتاج ودعم الشباب.
• البنية الأساسية: نفذت الدولة عددًا من المحطات منها محطة معالجة مياه الصرف الزراعي في بحر البقر لخدمة استصلاح 270 ألف فدان، وتم تنفيذ محطة المحسمة لخدمة استصلاح 50 ألف فدان، وتم تخصيص 90 ألف فدان بمنطقة بئر العبد، وبلغت الطاقة الإنتاجية لمحطات تحلية مياه الشرب لشمال سيناء التي تم تنفيذها بنحو نصف مليون متر مكعب يوميًا، بالإضافة إلى بند تنفيذ المدن الجديدة مثل: مدينة بئر العبد الجديدة، ومدينة رفح الجديدة.
كما تستهدف الدولة تنفيذ شبكة ربط سيناء بمصر، وتم تنفيذ 1000 كم من الطرق والكباري بتكلفة نحو 43 مليار جنيه، وتستهدف تطوير 500 كم من السكك الحديدية، وتم تنفيذ 6 أنفاق بالإضافة إلى 7 كباري عائمة، وازدواج كوبري الفردان كنتيجة لازدواج قناة السويس، ومن المخطط إنشاء خط سكك حديد (بئر العبد/ العريش)، وخط سكة حديد (العريش/ الحسنة/ نخل/ طابا)، بالإضافة إلى إنشاء خط سكة حديد شرق التفريعة، واستكمال خط سكة حديد شرق التفريعة-بورسعيد من الكيلو 24 وحتى ميناء شرق بورسعيد. بالإضافة إلى تطوير مطار البردويل الدولي وتطوير ميناء العريش بهدف تحويل ذلك الميناء إلى ميناء تجاري دولي وعالمي، بحيث تعتمد عليه حركة التجارة في منطقة البحر المتوسط ومنطقة شرق المتوسط، بالإضافة إلى إنشاء ميناء ومرسى لليخوت في العريش من أجل اجتذاب السياحة في الفترة القادمة، ومن المستهدف إقامة مناطق لوجستية وحرة في رفح والعريش وبئر العبد ومناطق أخرى بوسط سيناء، من أجل تسهيل حركة التجارة بين مصر والدول المجاورة في الفترة المقبلة.
ختامًا، تستمر الدولة المصرية في استراتيجيتها التنموية بهدف تحقيق الأمن الإنساني وضمان الأمن القومي المصري، وقد عكست زيارة رئيس الوزراء رسائل الدولة التنموية في سبيل الحفاظ على الأمن القومي بشكل خاص والأمن الإقليمي بصفة عامة.