أصبحت مشكلة اللجوء من القضايا الملحة التي يواجهها المجتمع الدولي، وتعد من أكثر التحديات للسياسة الدولية المعاصرة، وذلك مع تزايد حدة النزاعات الداخلية والدولية وما يمثله من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، كون اللاجئين من أكثر الفئات تعرضًا للمعاناة نتيجة للحروب والصراعات والاضطهاد والكوارث الطبيعية، فتزايد أعداد اللاجئين نتيجة للأحداث التي يشهدها المجتمع الدولي حاليًا تفرض تحديات كبيرة على المجتمع الدولي ككل، حيث إن قضية اللاجئين تشكل عدة أبعاد، منها الإنساني نتيجة للخسائر الفادحة للدول التي تعاني من الحروب والنزاعات. وفي رأينا يعد البعد الأكثر تأثيرًا هو موجات اللجوء الجماعي على الدول المضيفة وما تشكله من أعباء اقتصادية واجتماعية، وتحمل تلك الدول المسئوليات التي لا حدود لها وإساءة استعمال نظم اللجوء والتنقلات المخالفة للقانون مما يمثل تهديدًا أمنيا لهذه الدول.
أولًا: وضع اللاجئين على الصعيد الدولي
لم يرد تعريف محدد متفق عليه للحماية الدولية للاجئين في أي وثيقة دولية، فالأسباب والظروف المؤدية لظهور الحاجة للحماية قد تكون هي نفسها المؤدية للجوء، فالحماية الدولية للاجئين مرتبطة بتعريف اللاجئ باعتبار أنه يحتاج إلى الحماية الدولية.
وقد عرفت الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951 وبروتوكول سنة 1967 الذي ألغى الشرط المكاني والزماني للاتفاقية بأنه يُعتبر لاجئًا كل شخص يوجد بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه، أو دينه، أو جنسيته، أو انتمائه إلى فئه اجتماعية معينة، أو بسبب آرائه السياسية خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف أن يستظل بحماية ذلك البلد.
وقد وسعت الاتفاقية الأفريقية الخاصة بمشكلات اللاجئين سنة 1969 من مفهوم اللاجئ ليتميز عن تعريف اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 للاجئ بأمرين؛ أولهما أنه شمل فئة جديدة من الأشخاص لم يكونوا مشمولين ضمن تعريف اللاجئ الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951، وهؤلاء الأشخاص هم الذين اضطروا للهرب عبر الحدود نتيجة عدوان خارجي أو سيطرة أجنبية أو بسبب أحداث تثير الاضطراب بشكل خطير بالنظام العام في إقليم دولته الأصل، والأمر الثاني تمثل في أنها لم تعلق حق اللجوء أو تعريف الشخص الذي ينطبق عليه وصف اللاجئ على قيد زمني معين، ولكي يصبح الشخص لاجئًا لا بد من توافر عدة شروط هي: التواجد خارج حدود دولة جنسيته، والخوف المبرر من التعرض للاضطهاد، وغياب حماية دولته الأصلية.
ولا بد من التفرقة بين اللاجئ والمهاجر، فالمهاجر هو الشخص الذي يُغادر بلده بإرادته من أجل الانتقال لمكان آخر. ويختلف اللاجئون عن المهاجرين، سواء بصفة شرعية أو غير شرعية بالنظر إلى دوافع انتقالهم، فاللاجئون يضطرون للتنقل فرارًا من الاضطهاد وتعريض حياتهم للخطر، وعلى عكس ذلك فإن المهاجر بإمكانه العودة إلى وطنه بدون مخاطر، وتظل علاقته بدولته علاقة طبيعية والدول غير ملزمة بتقديم حماية خاصة له عكس اللاجئ الذي يتمتع بحماية دولية خاصة به.
ومن الجهود الدولية لحماية اللاجئين، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الميثاق العالمي بشأن اللاجئين في 17 ديسمبر 2018، ويُعد الميثاق إطارًا لتقاسم المسئوليات بشكل أكثر إنصافًا وقابلية للتنفيذ، مع إدراك حقيقة أنه لا يمكن تحقيق حل مستدام لأوضاع اللاجئين من دون تعاون دولي، ويوفر الميثاق خطة للحكومات والمنظمات الدولية وأصحاب المصلحة الآخرين لضمان حصول المجتمعات المضيفة على الدعم الذي يحتاجون إليه، وبتحليل المشهد على الساحة الدولية نرى أن هناك تفاوتًا كبيرًا بين الدول، فالمعضلة الأساسية ليست في عدد اللاجئين بل كون الغالبية منهم (86% طبقًا لأرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين) تستضيفهم دول منخفضة ومتوسطة الدخل مما يؤثر سلبًا عليها بينما تستضيف الدول الأغنى الأعداد الأقل من اللاجئين.
ومما سبق نرى أن ديناميكية ظاهرة اللاجئين التي ينتقل مركز ثقلها حاليًا من أوروبا إلى أفريقيا وآسيا قد أكدت الحاجة الملحة لمراجعة الآليات المعمول بها حاليًا بعد تزايد حالات اللجوء في السنوات الأخيرة، كون التعامل مع تلك المشكلة في الماضي كان يرتكز أساسًا في أماكن معينة وذات طبيعة مخصصة لحالات محددة.
ثانيًا: وضع اللاجئين في مصر
تعتبر مصر بلد مقصد وعبور للاجئين من جنسيات مختلفة (أفريقية وأوروبية) على مر التاريخ الحديث. منذ عام ٢٠١١ استقبلت مصر النازحين من ليبيا بعد نشوب الحرب وارتفاع وتيرة العمليات المسلحة فيها بعد الثورة الشعبية، وفي العام نفسه أيضًا استقبلت مصر السوريين الفارين من حدة الصراع في الجمهورية العربية السورية في أعقاب الثورة السورية، ومنذ بدایة الصراع في السودان في أبريل 2023 بدأت الزيادة في عدد السودانیین المسجلين كلاجئين لمصر، مع استمرار لتدفقات من طالبي اللجوء من بعض الدول الأفريقية.
ووفقًا لآخر تقرير من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين (أبريل 2024) تستضيف مصر من اللاجئين وطالبي اللجوء 575000 لاجئ وطالب لجوء مسجلين من ٦1 دولة، أي ما یقرب من ضعف العدد مقارنة بالعام الماضي مع وجود صراعات هائلة عبر حدودھا، ویعیش اللاجئون بمصر داخل المناطق الحضریة في المدن الكبرى، حیث یصل معظم الوافدین الجدد من السودان. فمنذ بدایة الصراع في السودان في أبریل 2023 رصدت المفوضیة زیادة قدرھا خمسة أضعاف في عدد السودانیین المسجلین كلاجئین، یشكل السودانیون الأغلبیة، حيث أجبر عدد كبير من السكان على النزوح لمصر وباقي الدول المجاورة بحثًا عن الحماية، وأصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عددًا تليها الجنسية السورية، تليها أعدادٌ أقل من جنوب السودان، وإريتريا، وإثيوبيا، واليمن، والصومال، والعراق، ممثلين خلفيات اجتماعية واقتصادية ودينية مختلفة نتيجة للأزمة في سوريا والسودان، ومصر تستضيف الآن أكبر عدد من اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في تاريخها.
في الوقت نفسه، دفع تجدد الصراعات وانعدام الاستقرار السياسي في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، وكذلك الاضطرابات في العراق واليمن، آلاف الأشخاص من جنوب السودان وإثيوبيا والعراق واليمن إلى اللجوء إلى مصر، ووصل عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى المفوضية حتى 15 مايو 2024 إلى 500,000 وافد من السودان إلى مصر، و156,387 من سوريا، و41,000 من جنوب السودان، و35,000 من إريتريا، و17,516 من إثيوبيا، و8,447 من اليمن، و7,373 من الصومال، و5,562 من العراق، وأكثر من 54 جنسية أخرى، وذلك وفقًا لآخر تقرير للمفوضية السامية لحقوق اللاجئين.
وبقراءة التقرير توجد ملاحظة بالغة الأهمية، وهي أن كافة الأرقام الواردة في التقرير هي للاجئين المسجلين بصفة رسمية نقلًا عن المفوضية السامية، وهو عدد لا يمثل عدد اللاجئين الفعلي على الأراضي المصرية، وبخلاف ذلك فقد قدّرت المنظمة الدولية للهجرة، في تقريرها الأخير، عدد المهاجرين الدوليين الذين يعيشون في مصر بـ9 ملايين و12 ألفًا و582 مهاجرًا، أي ما يعادل نحو 9% من إجمالي السكان المصريين مما يشكل ضغطًا شديدًا على الاقتصاد والأمن في الدولة المصرية، فظاهرة اللجوء تؤثر على الثقافة الخاصة بالمجتمع المصري، وتدفع باتجاه تغير ديموغرافي لا محالة، فاللاجئ يتمتع بكافة الخدمات المتاحة للمواطن وبنفس التكلفة مما يشكل ضغطًا شديدًا على الخدمات والمرافق العامة، وكذلك ارتفاع أسعار بعض الخدمات على المواطن العادي في ظل أزمة اقتصادية راهنة.
ليس هناك تشريع قانوني مصري يحدد المركز القانوني للاجئين، كونهم غير متواجدين في مخيمات، ولكن انخرطوا في المدن، لذلك فإن القواعد العامة التي تحكم المركز القانوني للاجئين في مصر مصدرها الاتفاقيات الدولية للأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين.
فمع تزايد ظاهرة اللاجئين إلى مصر وجدت الدولة نفسها في مواجهة مع واقع جديد، وذلك لما تثيره قضية اللاجئين من مشكلات أمنية وإنسانية واقتصادية وقانونية، مما يستدعي وضع قواعد قانونية لحماية الدولة والحفاظ على مقدراتها، فمشكلة اللاجئين تزداد تعقيدًا كونها لم تعد ظاهرة فردية، بل أصبحت ظاهرة دولية ترتبط بدرجة كبيرة بالسلم والأمن الدوليين.
ومن الإجراءات التي اتخذتها الدولة المصرية لاحتواء اللاجئين، منها موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون بإصدار قانون لجوء الأجانب، وتضمن مشروع القانون أن يلتزم اللاجئون وطالبو اللجوء بتوفيق أوضاعهم طبقًا لأحكام هذا القانون خلال سنة من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية. ولتسجيل اللاجئين عمومًا أهمية كبيرة، فهو يوفر معلومات موثوقة عن الأشخاص المتواجدين على أراضي الدولة المضيفة. وقد بدأت الحكومة المصرية إجراء تقنين أوضاع اللاجئين والمهاجر في مصر لحصر أعدادهم، ومعرفة ما تتحمله الحكومة مقابل ما يتم تقديمه من خدمات في مختلف القطاعات، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية للبلاد التي تتطلب ضرورة مساهمة الضيوف في الاقتصاد الوطني من خلال دفع مقابل الإقامة أسوة بالدول المجاورة دون رسوم إضافية.
يُذكر أن الميزانية المطلوبة لمكتب مصر للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين هي (151.4) مليون دولار تم تمويل (55.6) مليونًا منها فقط وفقًا لتقرير المكتب الإعلامي للمفوضية، وهو ما يوضح حجم الضغط الاقتصادي والعبء الواقع على مصر باعتبارها الدولة المضيفة للاجئين، ولكن لا تستطيع الحكومة المصرية والمجتمع المدني تحمل هذا العبء بمفردهم، فيجب أن تكون هناك استجابة دولية قوية لمعاناة اللاجئين، وهو ما يوضح حجم المساعدات التي تقدمها مصر للاجئين رغم ما يشهده العالم من ضغوطات اقتصادية وسياسية وأمنية، وهو ما ينعكس داخليًا على الاقتصاد المصري، الأمر الذي يستدعي الحاجة لمراجعة الآليات المعمول بها حاليًا بعد تزايد حالات اللجوء لمصر في السنوات الأخيرة، كون التعامل مع تلك المشكلة في الماضي كان يرتكز أساسًا في أماكن معينة وذات طبيعة مخصصة لحالات محددة.