أصبح الشمول المالي محط اهتمام العديد من الحكومات؛ حيث استهدفت 67 من الاقتصادات من إجمالي 147 الشمول المالي واعتبرته من الأهداف الرئيسية في خططها واستراتيجياتها، كما اتخذت 50 دولة خطوات فاعلة لتحقيقه. ركزت العديد من المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على قضية الشمول المالي؛ حيث وضع صندوق النقد الدولي عدة شروط ومعايير لمنح قروض للإصلاح الهيكلي ومنها الشمول المالي وعدم وجود أي شكل من أشكال التمييز. وعلى رغم أنه لم يُذكر الشمول المالي في الأهداف الإنمائية للألفية للأمم المتحدة (MDGs) أو في أهداف التنمية المستدامة ((SDGs فإنه تم اعتبار الشمول المالي كعامل تمكين لسبعة من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر؛ أبرزهم القضاء على الفقر، الصحة الجيدة والرفاه والمساواة بين الجنسين.
ووفقًا للبنك الدولي، يُشير الشمول المالي إلى إمكانية وصول الأفراد والشركات إلى منتجات وخدمات مالية مفيدة وبأسعار معقولة تلبي احتياجاتهم، وتشمل معاملات ومدفوعات ومنتجات ادخار وتسهيلات ائتمانية وقروض وخدمات تأمين، ويتم تقديمها على نحو مسئول ومستدام.
الشمول المالي للمرأة
على الرغم من التقدم الملحوظ في مستوى الشمول المالي بشكل عام، فإن الفجوة بين الجنسين في امتلاك الحسابات المصرفية لا تزال موجودة، بنسبة 72% للذكور مقابل 65% للإناث. وتشير أحدث الدراسات في عام 2018 استنادًا الى 18 دولة أن الرجال على مستوى العالم يمثلون 65% من العملاء، و80% من حجم القروض، و75% من الودائع وذلك وفقًا للتحالف المصرفي العالمي للمرأة. وتوضح بيانات البنك الدولي 2017 أن 35% من السيدات لا يملكن حسابات مصرفية، وتُشير مؤسسة التمويل الدولية IFC أن 80% من السيدات أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا يمتلكن مصادر التمويل اللازمة ولا يتمتعن بخدمات متكاملة من جانب المؤسسات المالية. كما أعربت 73% من السيدات عن عدم رضاهن عن الخدمات المصرفية المتاحة وفقًا لتقرير التحالف المصرفي العالمي للمرأة لعام 2018.
ووفقًا لتقرير “دور القطاع المصرفي في دعم الشمول المالي للمرأة” الصادر عن المعهد المصرفي المصري؛ فإن الفرص متاحة بشكل كبير للتوسع في خدمة المرأة وتعزيز معدلات الشمول المالي بمنطقة الشرق الأوسط. حيث تُشير بيانات البنك الدولي إلى امتلاك 52% فقط من الرجال لحسابات مقارنة بـ 35% فقط من السيدات في منطقة الشرق الأوسط، وتعد تلك الفجوة الأكبر مقارنة بكافة المناطق الأخرى. وتشير البيانات إلى امتلاك 86% من الرجال و75% من السيدات هواتف محمولة؛ مما يسهل استهدافهم ودمجهم من خلال الخدمات الإلكترونية. علاوة على ذلك، يقوم ما يزيد على 20 مليون شخص بالغ بتلقي وإرسال تحويلات العاملين بالخارج من خلال القنوات غير الرسمية (7 ملايين منهم في مصر). وبشكل عام، تعد نسبة الوصول والاستخدام للخدمات المالية في منطقة الشرق الأوسط الأقل على مستوى العالم كله.
وبصفة عامة، على الرغم من الجهود الدولية المبذولة لدعم الشمول المالي للمرأة خاصة في الدول ذات الاقتصاد الهش والمتوسط، فإن المرأة لا تزال تواجه عوائق عديدة، مصنفة الى أربعة أنواع وفقًا لدراسة أعدها البنك المركزي المصري، وهي العوائق في جوانب: الطلب، العرض، الإطار التشريعي والبنية التحتية، والعوائق الاجتماعية.
- العوائق في جانب الطلب، ويتمثل في محدودية إمكانية الحصول على التمويل بسبب ضعف الإمكانيات وانحصار الوعي والثقافة المالية، ويعني ذلك إما أن تكون المرأة غير مستقلة مادية، أو لا تمتلك المعلومات الكافية عن الخدمات الرسمية المتاحة. ومما يعزز محدودية الطلب؛ النطاق الجغرافي خاصة في المناطق الريفية النائية غير المخدومة بفروع ومكاتب المؤسسات المالية المعنية أو غير مغطاة بالخدمات الإلكترونية. وفي العديد من الحالات في المناطق الأكثر فقرًا، لا تمتلك المرأة أي وسيلة من وسائل الاتصال الحديثة، بل قد تعتمد على امتلاك أحد أفراد عائلتها من الرجال الأب أو الزوج أو الأخ للهاتف.
- العوائق على جانب العرض، وتتمثل في عدم اعتبار البنوك استثمارات الإناث فرصة للحصول على حصة سوقية أكبر، بل تعتبره استثمارًا عالي المخاطر، ولتجنب تلك المخاطر يتم خفض نسبة الاستثمارات الموجهة للنساء.
- العوائق المتعلقة بالإطار التشريعي، تواجه النساء قيودًا تنظيمية رسمية من خلال العديد من القوانين، فوجود إطار تشريعي معقد وغير مرن يعيق بشكل كبير دمج الفئات المهمشة والمرأة في القطاع الرسمي. علاوة على أن ضعف البنية التحتية التكنولوجيا وأنظمة الأمان المرتبطة بها يعيق تحقيق الشمول المالي للمرأة.
- العوائق الاجتماعية، وتتمثل في ثقافة بعض المجتمعات التي لا تزال تتمسك بالقوالب النمطية مثل تلك التي تتيح فرص التعليم للرجال أكثر من السيدات، وتعارض عمل السيدات خارج المنزل أو امتلاك مشروع صغير أو امتلاك قطعة أرض أو حسابات بنكية. هذا بالإضافة إلى تحمل المرأة في أغلب الأحيان الكثير من الأعباء والمسئوليات العائلية؛ مما يجعل وقتها وقدرتها على التنقل محدودة، بجانب انخفاض مستوى التعليم وزيادة المخاطر الصحية.
الشمول المالي للمرأة في مصر
تشير بيانات التعداد العام للسكان لعام 2017 الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS) إلى أن النساء يمثلن 48.4% من إجمالي السكان، بينما يشكل الرجال 51.6%.
تبلغ قوة العمل في مصر تقريبًا 45% من إجمالي القوى البشرية 56.4% ريف مقابل 43.6% حضر وفقًا لأحدث بيانات (النشرة الربع سنوية لبحث القوى العاملة، إصدار يناير 2024)، وتبلغ نسبة المشتغلين من قوة العمل 92.9 %، 83.7% ذكور و16.3 %إناث. وبلغت نسبة المتعطلين من قوة العمل 7.1%، 55.4 ذكور مقابل 44.6% إناث.
وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2022، تمثل الزراعة 32.4% من العمالة النسائية غير الرسمية. وتقوم النساء بـ 94% من أعمال الحصاد في صعيد مصر و67% في الوجه البحري. كما تمثل النساء النسبة الأكبر، بنسبة 79.5%، من العمالة غير مدفوعة الأجر في الريف، وتمثل النساء نسبة 5.2% فقط من إجمالي ملاك الأراضي الزراعية. ويرجع ذلك إلى التقاليد والأعراف الثقافية الريفية؛ حيث يُمنع توريث النساء للأراضي بصفة خاصة والميراث الشرعي بصفة عامة، بحجة أن النساء غير مطالبات بإعالة أُسرهن ماليًّا. جميع تلك الأسباب تؤثر في فرصهن في الحصول على الائتمان والتمويل، لأنهن يحظين بالفرص الأقل في امتلاك الأصول والأراضي، وبالتالي لا يمكنهن تلبية متطلبات الضمان للحصول على القروض البنكية.
وبصفة عامة؛ ارتفعت نسبة الموطنين المشمولين ماليًا من 27.4% عام 2016 إلى 70.7% عام 2023 وفقًا لمؤشرات قاعدة بيانات البنك المركزي المصري (ديسمبر 2023) بمعدل نمو 174%، وترجع الزيادة إلى إطلاق المبادرات والمشروعات التي تستهدف إدماج شرائح العملاء المختلفة في القطاع المصرفي.
المصدر، مؤشرات الشمول المالي ديسمبر 2023، البنك المركزي المصري
وارتفعت نسبة الشمول المالي للمرأة إلى 62.7% بنهاية ديسمبر 2023 مقابل 19.1% عام 2016؛ إذ بلغت أعداد السيدات اللاتي يستفدن من الخدمات المالية ويمتلكن حسابات نحو 20.3 مليون سيدة من إجمالي 32.3 مليون سيدة (في الفئة العمرية 16 سنة فأكثر). وفي مبادرة بدأت تنفيذها في مارس 2023، تم إتاحة نحو 1.2 مليون منتج للسيدات تتضمن فتح 630 ألف حساب بنكي و175 ألف محفظة ذكية، وإصدار 420 ألف بطاقة مسبقة الدفع.
المصدر: البنك المركزي المصري، مارس 2024
وعلى الرغم من إنشاء المجلس القومي للمدفوعات بقرار جمهوري في عام 2017، وما نتج عنه من قرارات تستهدف العمل على تحقيق الشمول المالي لكافة الفئات المهمشة وعلى رأسها المرأة، والتي تستهدف خفض استخدام النقد خارج القطاع المصرفي وتطوير نظم الدفع الإلكترونية، وأطر الإشراف عليها، فإن المعاملات النقدية “الكاش” لا تزال تستحوذ على النسبة الأكبر من المعاملات مع استمرار وجود فجوة بين الجنسين في التعامل مع القطاع المالي الرسمي لصالح الذكور.
كذلك حققت مصر تقدمًا تشريعيًا كبيرًا فيما يتعلق بحقوق النساء في السنوات الأخيرة، وبذلت جهودًا للحد من الزواج المبكر والتسرب من التعليم ومكافحة الأمية بين النساء.. إلخ، إلا أنه لا يزال هناك حاجة لبذل المزيد من الجهود نحو تحقيق المساواة بين الجنسين خاصة فيما يتعلق بجانب التمكين الاقتصادي؛ مما سيؤثر إيجابيًا بشكل مباشر في النمو الاقتصادي وهو ما يؤكده تقرير الهيئة الدولية للتمويل (IFC)، والذي أفاد بأن سوق البنوك النسائية تمتلك إمكانات اقتصادية هائلة في مصر، مع طلب ائتماني تقديري يبلغ 283 مليون دولار أمريكي من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تملكها نساء. فالمهم هو تغيير النظرة إلى الشمول المالي للمرأة ليصبح استثمارًا وفرصة لتحقيق الربح، وليس دعمًا أو مساعدة اجتماعية.